بيان إلى الرأي العام السوري حول جينيف 3


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 21:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بيان إلى الرأي العام السوريّ
حول معوّقات مفاوضات جنيف 3 وآفاقها
أيها السوريّون الأحرار،،،
بعث قرار مجلس الأمن 2254 الأمل بين السوريّين في خلق آليةٍ لوقف القتل والتدمير، واجتراح حلٍّ سياسيّ يفضي إلى تشكيل "هيئةٍ حاكمةٍ انتقالية" تحوز على كامل السلطات التنفيذيّة، وتتولّى العمل على الانتقال بالبلاد من الاستبداد إلى دولة مدنيّة ديمقراطيّة وتعدديّة، تعيد الاعتبار لسيادة القانون وتكون ملاذاً لكل مواطنيها بدون تمييزٍ تحت أيّ عنوان كان.
لكنّ الموقف الروسيّ، عشيّة انعقاد "جينيف3" المفترض، اتخذ من الاعتراض على وفد المعارضة الذي جرت تسميته من "الهيئة العليا للتفاوض" في الرياض، ذريعةً للتشويش على العمليّة السياسيّة من أجل فرض الحلّ الذي يريد أو خربطة العملية برمّتها. الأمر الذي يشير إلى غياب التوافق الدوليّ بخصوص المسألة السوريّة حتى الآن، ويؤكّد، من جديد، أنّ هذه المسألة التي خرجت من أيدي السوريّين، نظاماً ومعارضةً على السواء، كما هو معلوم، تحوّلت إلى كرة ملتهبة ما زالت تتقاذفها قوى إقليمية ودولية تسعى من أجل مصالحها، ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة العربيّة وفي العالم أيضاً.
وقد جاء اتفاق الانتداب الروسيّ على سوريّا، الموقَّع في 26 آب الماضي مع النظام، ليعطي موسكو تفويضاً مفتوحاً فيها ويوفّر لها صلاحيّات واسعة في البرّ والبحر والجوّ دونما رقيبٍ أو حسيب، ويخوِّلها امتيازات استثنائيّة مجنِّباً إيّاها أيّة محاسبةٍ أو مساءلةٍ عن أيّ ضررٍ قد تتسبّب به. وأرادت موسكو، بنشرها الاتفاق، أن تبلِّغ المجتمعين في " جينيف 3 "، أنّ وجودها في سوريا سيستمرّ إلى أجلٍ غير مسمى.
إنّ ما أعطاه النظام للروس يبيّن أسباب تمسّكهم بإدخال شخصيّات في وفد المعارضة، تضمن خفض سقف التطلّعات، والحفاظ على النظام عبر إعادة إنتاجه، ليس فقط من خلال المفاوضات، وإنما من خلال تفجيرها إذا اقتضى الأمر. يشجّعهم على هذا مدى تراجع الإدارة الأمريكيّة في تعاطيها مع المسألة السوريّة، كما هو بادٍ للعيان!؟
والأساس الذي تستند إليه موسكو في تشدّدها وتصعيد موقفها، يكمن في تصوّرها أنّ ما سوف تسفر عنه هذه المفاوضات ينبغي أن يعكس ميزان القوى القائم على الأرض. وهذا ما يفسر قصفهم البربريّ المتواصل الذي يطال البلاد من أقصاها إلى أقصاها، واندفاعهم أيضاً للانخراط في القتال الجاري على الأرض، وارتكابهم جرائم حربٍ موصوفة عبر تدميرهم المدارس والمستشفيات، وقتل المدنيّين بما في ذلك الأطفال والنساء والشيوخ. ويبدو أنهم يقاتلون في سوريّا وفي ذهنهم صيغةٌ واضحةٌ للحلّ السياسيّ، صيغةٌ تقوم على استنساخ النّموذج الشيشانيّ وتنصيب أدواتٍ لفرض هيمنتهم على البلاد.
أما لجهة النّظام، فهو ليس راضياً عن قرار مجلس الأمن 2254، الذي راح يقدّم له تفسيرات خاصّة، من قبيل أنّ الحلّ السياسيّ سوف يجري مع " المعارضة الوطنية " التي يحدّدها هو بالتشاور مع حلفائه الروس والإيرانيين، للوصول إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، تكون تحت ظلاله، من دون أي برنامج زمنيّ ومن دون توقّف العمليات العسكريّة. وفي الوقت نفسه يتحدّث مع من يملك الكلمة على الأرض، لإجراء ما اصطلح على تسميته ب "المصالحات المحلية" وتسوية بعض الأوضاع تحت عنوان "العودة إلى حضن الوطن"!؟
وهكذا يجري صراعٌ حول تفسير قرار مجلس الأمن رقم2254. هذا يعني أنّ خريطة طريق وفد المعارضة لا تتقاطع مع خريطة طريق وفد السلطة، وتندر المشتركات بين ما سيطرحه الوفدان. وعليه، لن تكون المفاوضات، في الواقع، سوى حوار طرشان، خالية من نقاط اتّفاقٍ أو رؤى مشتركة على حدٍّ سواء.
لكن، ورغم كلّ شيءٍ، هناك خطوط حمراء، دوليّة وعربيّة، لن تنجح موسكو في كسرها أو الخروج عليها، إذا ما واصلت المراهنة على حلٍّ عسكريٍّ ينقذ النظام. وعلى هذا، فإنّ جولة المفاوضات المقبلة ستكون بمثابة تقطيعٍ للوقت وإملاءٍ للفراغ بانتظار أن تتّفق الدول ذات النفوذ في المسألة السوريّة على حلٍّ سياسيٍّ يفضي إلى مسارٍ جديّ يضمن تطلّعات السوريّين.
كما أنه من غير المتوقع أن يكون مسار المفاوضات، في حال انعقدت في 29 كانون الثاني، سهلاً وسلساً، وذلك لعدة أسباب، منها أنّ المسألة السوريّة، بكل تناقضاتها وتشعّباتها، أصبحت مسرحاً لكلّ التّناقضات المحليّة والإقليميّة والدوليّة.
وهكذا، وفي سياق مواجهة التحدّيات والمخاطر المقبلة، وهي عديدة وعلى المستويات كافّةً، ينبغي على جميع قوى المعارضة السورية، بما فيها حزبنا، الانتباه إلى نقطة مركزيّة، وهي أنّ هناك حاجةً عالميّة إلى دورٍ سوريّ، مهما بلغت شدّة التدخّلات الخارجيّة والإقليميّة. ومن دون هذا الدور، لن يكون هناك حلٌّ دائم، ولن يكون ممكناً تغطية هذا الحلّ برعاية الدول الإقليميّة. وهذا يتطلّب منّا تغليب التعاطي الإيجابيّ على ردود الفعل السلبيّة من خلال البناء على قرار مجلس الأمن 2254 والاستفادة القصوى من الحدّ الأدنى للتوافق الدولي الذي أنتج هذا القرار.
فبقدر ما قفز إلى الواجهة الصراع على سوريّا، بدل الصراع فيها، فإنه سيكون من الصعب تخيُّل إنهاء الصراع الداخلي فقط على وقع تسويات خارجيّة. إذ إنّ تراجع الصراع على سوريّا شرط رئيسيّ لعودة الصراع فيها إلى مكانته، وهو أيضاً شرط أساسي لئلّا يقع السوريّون لاحقاً في مطبّ رمي أسباب الصراع على الخارج وتنزيه أنفسهم عن فظائعه.
حزب الشعب الديمقراطيّ السوريّ
اللجنة التحضيريّة للمؤتمر السابع
27 كانون الثاني 2016