عقدة الأسد في خطة طريق فيينا


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 5037 - 2016 / 1 / 7 - 21:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عقدة الأسد في خطة طريق فيينا
بعد غزوة باريس الإرهابية أعلنت مجموعة الاتصال الدولية خريطة طريق لمرحلة انتقالية في سورية تستمر سنتين، تبدأ بمفاوضات بين ممثلي المعارضة وممثلي سلطة آل الأسد، ووقف إطلاق النار وتنتهي بانتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف دولي، ويتساءل السوريون: هل ساعدت التغريبة السورية نحو أوروبا وتعاظم الانخراط الروسي على دفع الفرقاء الإقليميين والدوليين، الذين أفشلوا المحاولات التي بذلت في جنيف 1 و2، لتسهيل نجاح خطة طريق فيينا ؟
إذ يبدو أنّ الحالة السورية قد خرجت من أيدي السوريين، نظاماً ومعارضة، وباتت قضية تبحث مصيرها دول أخرى لها مصالح، ليس في سورية فقط بل في المنطقة العربية ككل. ولعلَّ التوافق الوطني، الذي انبثق عن مؤتمر الرياض، يعدّل من وضعية الحالة السورية. خاصة بعد إعلان المبادئ السبعة: وحدة سورية أرضاً وشعباً، سورية دولة ديموقراطية ومدنية، احتكار الدولة حصر السلاح واستخدامه، رفض الإرهاب بكل أشكاله، بما فيه إرهاب الدولة، رفض وجود كافة المقاتلين الأجانب والمطالبة بانسحابهم، التزام مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة وسيادة القانون، والحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة الأمن والجيش.
إنّ المبادئ المطروحة للحل السياسي في فيينا لا تختلف في الجوهر عما سبق أن طُرح، لكنّ العامل الإضافي هو ظهور " داعش " وتوسُّعه وإرهابه وصولاً إلى باريس وكاليفورنيا وبيروت وتونس وشرم الشيخ، وعجز سلطة آل الأسد عن حسم الوضع الميداني لمصلحتها على رغم المساعدة الإيرانية والروسية، اللتين لم تلغيا حقيقة أنّ قوات الأسد أصيبت بالإنهاك، ومؤسساته اتجهت إلى التفكك والانهيار، هذا فضلاً عن تعاظم عامل آخر ضاغط هو فيض اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
وفي الواقع لأول مرة ينجح تضافر جهود القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في وضع خطة تفصيلية للحلِّ، وإلى الحاجة لوضع حدٍّ للمحنة السورية المستمرة منذ حوالي خمس سنوات. وهي تمتحن إرادة المنادين بالحلول السياسية، وتختبر نياتهم ومدى جديتهم. فالبنود التسعة وخطة الطريق، التي انبثقت عن اجتماعات فيينا، والمحددات السبعة لمؤتمر الرياض، تلبِّي الشروط الأساسية لأية عملية تصبو إلى تحقيق السلام في بلد يسير نحو الاندثار. وهنا ستكون الدماء، التي أُهدرت في السنوات الماضية، هي الفيصل في بناء سورية الجديدة.
إنّ خطة طريق فيينا ليست أكثر من عناوين عامة، وكل عنوان منها يحتاج إلى بحث مستفيض لتحديد طبيعته والاتفاق عليها وعلى الخطوات التنفيذية المطلوبة لتحقيقها، خاصة وأنّ المواقف منها متباينة تبايناً يبلغ حد التناقض في بعضها، مثل دور رأس النظام في المرحلة الانتقالية، إذ أضحى شعار المرحلة المقبلة " عدم الاتفاق على مصير الأسد ". مما ينطوي على تنسيق روسي - أمريكي، خبيث وغير معلن، حول أن يترك كل منهما للآخر حرية الحركة على الأرض السورية، بما يتناسب مع رؤيته لمصالحه، وبما يضمن عدم الاصطدام بينهما، خاصة على الجانب العسكري والعملياتي. كما يُخشى أن لا تكون الخطة سوى مجاراة لزمن القتال إلى أن يحين إيقافه، وهذا يعني تكريس ملف دائم للقضية السورية.
ولكن تبقى الكرة الآن في ملعب من لم تتلطخ أياديهم، من أهل النظام، بدماء السوريين ومعارضة مؤمنة بالدولة المدنية الديمقراطية، وقد فوضتهم القوى المؤثرة إعادة بناء دولتهم على أسس جديدة، مع إبقاء عقدة الأسد في دواليب أي تقدم نحو الحلِّ، وتحوُّله إلى عبء على الجميع. لذلك يجدر بالمعارضة أن تَدَعَ الأسد يرفض، وأن تتخذ هي مواقف غير عدمية، قد تفتح الأفق أمام تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة. ولعلَّ الخلاف بين حلفاء الأسد الإيرانيين والروس سيرسم المصير البائس له، طالما أنّ مصيره سيبقى لدى الروس في دائرة " الغموض البنّاء ". خاصة بعد إعلان نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، رفض أي مرحلة انتقالية في البلاد، إذ قال " نتحدث عن حوار وطني وحكومة موسَّعة وعملية دستورية ولا نتحدث عن مرحلة انتقالية. الذين يقولون ذلك يجب أن يتوقفوا ". وأكد أنّ الأسد " هو الرئيس الشرعي المنتخب من قبل الشعب السوري ويجب على الكل احترام هذه الإرادة ".
إنّ أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يُختزل مصير الشعب السوري في شخص لا يريد مغادرة الحكم رغم كل المآسي التي تسبَّب فيها. ويبدو أنّ المحك هو في تعاطي الأطراف السورية المعارضة، إذ أنّ دعم هذه الأطراف لخطة فيينا، مع الاحتفاظ بما قد تراه من ملاحظات، هو الأساس في منحها فرصة الانطلاق. خاصة رميها الكرة في اتجاه نظام آل الأسد الذي يعيق إيجاد بيئة تساعد على مفاوضات سياسية بنّاءة.
وفي الواقع لا يُتوقع أن يكون مسار المفاوضات، في حال انعقدت، سهلاً وسلساً، وذلك لعدة أسباب، منها أنّ الحالة السورية، بكل تناقضاتها وتشعباتها، أصبحت مسرحاً لكل التناقضات المحلية والإقليمية والدولية. مما يفترض تشكيل الإدارة الدولية للمرحلة الانتقالية بقرار يتبلور في مجلس الأمن الدولي، بإرسال قوات دولية تكون الأداة الفاعلة لإدارة عملية الانتقال السياسي. فكيف يمكن تصوّر مرحلة انتقالية وإعداد دستور وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية، يشارك فيها المقيمون والنازحون في الداخل السوري واللاجؤون في دول الجوار، من دون حماية قوات محايدة دولية ؟ وكيف يمكن لهذه القوات أن تكون فاعلة بوجود روسي وإيراني مباشر مع الميليشيات الشيعية الحليفة ؟
إنّ على المجتمع الدولي، قبل أن يفرض على السوريين طبيعة دولتهم المستقبلية، أن يفرض وقفاً شاملاً لإطلاق النار، ووقفاً للقتل والقصف، وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين، وفك الحصار عن جميع المناطق المحاصرة لإدخال المساعدات الإنسانية. وأي حديث عن حل سياسي، قبل تحقيق ذلك، يدخل في إطار العبث بمستقبل سورية واللامبالاة بسفك دماء السوريين.
وفي سياق كل ذلك يبدو أنّ مسار الحل السياسي مرهون بتأثير الفاعل العربي، لتحجيم الأدوار الإقليمية الأخرى والتنسيق الروسي - الأمريكي، الخبيث وغير المعلن، لاختطاف سورية وتقاسم جغرافيتها سياسياً وعسكرياً.
وفي كل الأحوال السوريون يريدون الحفاظ على وحدة بلدهم، في إطار لا مركزية إدارية موسَّعة، لأنها الضمانة الأفضل لهم ضمن الظروف والمعطيات الحالية، وذلك بعد عقود من العيش المشترك. لكنّ التجربة أثبتت أنّ هذه الوحدة لا يمكنها أن تتعايش مع الاستبداد والإفساد، ومع النزعات المذهبية - الطائفية أو القومية الانعزالية. ومن أجل تحقيق ذلك مطلوب إعلاء الحكمة وانتهاج العقلانية السياسية.
إنّ بقاء سلطة آل الأسد واعتراف العالم بالهيمنة الروسية والإيرانية على سورية، هي أسوأ الحلول.

تونس في 30/12/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية