معطيات المشهد السوري وتداعياته (3 - 3)


عبدالله تركماني
الحوار المتمدن - العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 11:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

معطيات المشهد السوري وتداعياته (*) (3 – 3)
سورية إلى أين ؟
يبدو أنّ فرصة السير في طريق المعالجة السياسية للصراع السوري لم تعد مُلكاً لجهة واحدة، بل تحكمها ارتباطات ومصالح متداخلة، زادها تعقيداً طول أمد الصراع وما كرَّسه من نتائج مؤلمة يصعب تجاوزها راهناً، وقد يقود تفاقمها إلى مسار خطير يصل إلى إطاحة أبسط الحقوق الإنسانية، وتدمير مقوِّمات الحياة المشتركة والمعايير الوطنية الجامعة.
وفي هذا السياق هل ثمة فرصة حقيقية لتقدم حل سياسي يوقف العنف المتمادي وينقذ المجتمع والدولة من براثن التفكك والضياع ؟
ثمة عدة متغيِّرات حصلت في المشهد السوري وجعلته أكثر استعداداً للتسويات السياسية عما كان عليه عشية انعقاد مؤتمر " جنيف 2 " في أوائل عام 2014: أولها، الانخراط الروسي المباشر في الصراع السوري. وثانيها، تنامي الحاجة لدى حلفاء النظام لتمرير حل سياسي يخرجهم من حالة الاستنزاف المنهكة. فموسكو التي تتحمل المسؤولية الأكبر في إدارة الملف السوري، تبدو اليوم أقل قدرة على تحمُّل مزيد من أعباء استمرار الصراع وأكثر ميلاً لمعالجته سياسياً. في حين تزداد معاناة طهران الاقتصادية مع تراجع عائداتها المالية، جراء الانخفاض المتواتر في أسعار النفط، ومع استنزافها المتعدد الوجوه في العراق وسورية واليمن. وثالثها، تزايد الضغط الإقليمي لإطفاء بؤرة التوتر السورية، بعد أن أضحى التخوُّف على أشده مما تخلِّفه هذه البؤرة من استقطابات حادة واحتقانات مذهبية وطائفية، ومن أخطار اجتماعية واقتصادية على بلدان الجوار نتيجة الازدياد المتواتر لأعداد اللاجئين السوريين على أراضيها. ورابعها، موجة اللجوء السوري نحو أوروبا.
وخامسها، تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية وشيوع رغبة عارمة وضاغطة لدى السوريين بضرورة الخلاص من هذا التردي المريع في شروط حياتهم وعيشهم وأمنهم، ربطاً بتنامي استعداد المعارضة السياسية للتوصل إلى حلول تخفف من دوامة العنف وتحفظ وحدة البلاد ومؤسسات الدولة.
ويبدو أنّ المسار العام لتطور الموقف الروسي من الأزمة السورية، والتقارب المتنامي بين واشنطن وموسكو، يؤشران إلى متغيّرات كبيرة مقبلة في الأزمة السورية، وتعزيز قوة الدفع الدولية للبدء بمرحلة انتقالية جدية تمهد لخروج بشار الأسد. ولكن ثمة عقبات تعترض انطلاق الحل، بينها استمرار الخلافات على آليات التغيير والفترة الانتقالية ودور رأس النظام، وسبل الحفاظ على هياكل الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش، وتوفير الحقوق والحماية لجميع المكوِّنات.
قد لا تحصل الأمور وفق سياق اجتماع فيينا، وقد لا تجري وفق الأزمنة والتواريخ التي حدَّدها، لكن بكل تأكيد أوقف اجتماع فيينا صعود الخط البياني لمسار الأزمة ولوى مساره نزولاً.
خاتمة
هناك بالفعل إرهاصات لبدء مفاوضات حول الأزمة السورية. لكن، ليس من أجل إيجاد حل للأزمة، يلبِّي الحد الأدنى من مطالب السوريين الذين أصبحوا ضحية صافية للمصالح الإيرانية والروسية والدولية، وإنما لتكريس المكتسبات التي حققها فرسان الحرب الحقيقيون. فبقدر ما قفز إلى الواجهة الصراع على سورية (بدل الصراع فيها) سيكون من الصعب تخيُّل إنهاء الصراع الداخلي فقط على وقع تسويات خارجية. إذ أنّ تراجع الصراع على سورية شرط رئيسي لعودة الصراع فيها إلى مكانته، وهو أيضاً شرط أساسي لئلا يقع السوريون لاحقاً في مطب رمي أسباب الصراع على الخارج وتنزيه أنفسهم عن فظائعه، أي لئلا يبنوا تصوراتهم عن الصراع على قاعدة التكاذب الوطني.
بين كل الاحتمالات يبدو أنّ مآل الحل الواقعي والمنطقي والذي يتفق مع مصلحة السوريين، السعي لإنهاء الوضع الكارثي السوري بحل سياسي تفاوضي يقيم حكماً انتقالياً بكامل الصلاحيات، بالتشارك بين من لم تتلطخ أياديهم بدماء السوريين من أهل النظام وممثلي المعارضة السورية، يوقف إطلاق النار ويقود عملية انتقالية تمر بدستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية وعودة المهجَّرين وإعادة الإعمار ومواجهة المنظمات الإرهابية، وكل من لا يقبل بوقف القتال والاحتكام لعملية سياسية ديمقراطية.
نحن اليوم أمام مفترق طرق، إما تسليم سورية للقوى الإقليمية والدولية، لتبقى ساحة صراع وتفاوض بين هذه القوى، أو استعادة زمام الأمور عبر التعويل على كامل الشعب السوري، والعمل على تحقيق آماله وتطلعاته.
وبناء على ما تقدم، يبقى العامل الذاتي الوطني حجر الأساس في أيِّ تعامل مع المبادرات والجهود التي تقارب المسألة السورية. فمن دون قيادة سياسية متماسكة للمعارضة تمتلك رؤية سياسة واضحة ومطمئنة لسائر المكوِّنات السورية، على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، وتكون بعيدة كل البعد من التعصب والتطرف، وتأخذ في اعتبارها المعادلات الإقليمية والدولية، وتؤكد للجميع أنّ سورية المستقبل ستكون عامل استقرار وانسجام لمصلحة الجميع، ستبقى الأمور عائمة، مفتوحة على غير ما هو منشود.
يستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، العودة إلى ذاتنا، واستعادة روح الثورة والمبادئ التي كانت تمثلها، في الحرية والكرامة وحق الشعب في تقرير مصيره، ورفض المساومة على القضية التي ضحَّى من أجلها ملايين السوريين، بعضهم بأرواحه وبعضهم بمستقبله وكل ما يملك، فمن دون إحياء روح الثورة من جديد، وتعميم إشعاعها في قلوب أغلب السوريين، لن يبقى هناك أيُّ معنى، وسيتحول الكفاح البطولي المرير للشعب السوري، منذ خمس سنوات، إلى اقتتال مجاني، عبثي.

تونس في 26/12/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية
(*) – مقاربة قُدِّمت في ندوة " الحالة السورية: التحوُّلات والتداعيات " بدعوة من " منتدى الجاحظ " – تونس في 28 ديسمبر/كانون الأول 2015.