رسالة تهنئة الى الاخ نجم الدليمي


حسقيل قوجمان
2005 / 7 / 2 - 11:08     

اهنئك من الصميم على بحثك الرائع الجريء الذي نشر في الحوار المتمدن. اقول انه بحث رائع لانه رائع فعلا. فقد تناولت الموضوع من جميع جوانبه العسكرية والاقتصادية والاجتماعية واستعنت بالكثير من الوثائق والاحصاءات الموثقة والتاريخية الحقيقية. وأقول انه جريء لان الحديث عن ماثرة الشعب السوفييتي في دحر النازية في ايامنا اصبح بحثا لا يرغب الكثيرون في السماع او القراءة عنه لكثرة ما نشر من تشويهات لدور الاتحاد السوفييتي في هذه الحرب العادلة وخصوصا لكثرة ما نشر من اتهامات لستالين ليس من قبل الاعلام الامبريالي العالمي ومن الاشتراكيين الديمقراطيين والتروتسكيينن وحسب بل من قبل قادة عاشوا مع ستالين وفي الحزب البلشفي بحيث ان هذه الاتهامات اصبحت تبدو كأنها "وشهد شاهد من اهلها". وحتى اليوم، بعد استمرار هذه الاتهامات لاكثر من خمسين عاما يجد اعداء الشيوعية والماركسية بشتى اشكالهم ضرورة الاستمرار في الهجوم على ستالين بحيث ان التحدث عن ستالين وعن قيادته واخلاصه للماركسية يتطلب جرأة كبيرة كالسباحة في النهر ضد التيار. ولكن ضوء الشمس لا يمكن اخفاؤه بمنخل. فمنجزات الشعب السوفييتي والحزب البلشفي وقائده ستالين حقائق تاريخية لا يمكن انكارها او تشويهها. لذلك نرى اليوم صحوة حتى لدى اولئك الذين شاركوا في الهجوم على ستالين والاتحاد السوفييتي بحيث انهم اصبحوا يتحدثون عن الوقائع التاريخية كما هي وليس بالطريقة التي اراد الامبرياليون والتحريفيون فرضها على العالم.
وعلى سبيل المثال، قرأت في الايام الاخيرة قبل قراءتي لبحثك كتابا اصدره المارشال جوكوف من اكبر القادة العسكريين في الجيش السوفييتي واقرب هؤلاء القادة الى ستالين. كان هذا القائد العسكري الكبير من اشد الذين ساندوا خروشوف في الانقلاب العسكري الذي حاصروا به الكريملين لفرض اعادة خروشوف الى قيادة الحزب الشيوعي التي طرد منها. ولكنه كتب مذكراته عن الحرب في السبعينات من القرن الماضي وعن قيادته لاكبر المعارك في الحرب على النازية. فقد كان قائد معركة موسكو ومعركة ستالينغراد ومعركة كورسك ومعركة برلين. وفي كتابه بين الدور الحقيقي لستالين في قيادة الحرب بجميع جوانبها وكيف كان ستالين يقود كل جزء من الجبهات القتالية ويدير كل المستلزمات لتوفير الاسلحة والمعدات والتجهيزات الضرورية للجبهة وكيف كان يلهم الانصار. بين ان ستالين كان يعقد المؤتمرات العسكرية ويصغي الى جميع الاراء بامعان قبل اتخاذ القرارات الحاسمة في الحرب. بين ان ستالين وهو في مقر القيادة كان قائدا لجميع جبهات القتال في آن معا. دحض جوكوف كل الاتهامات التي لفقها خروشوف عن ستالين في خطابه السري السيء الصيت بصدد كفاءاته العسكرية والقيادية.
ومع ذلك ارجو ان تسمح لي بابداء ملاحظة اعتبرها هامة وضرورية. في مسار بحثك تميز بين مرحلتين في الفترة الواقعة بين وفاة ستالين وانهيار الاتحاد السوفييتي، فتجعل الفترة كأنها مقسمة الى فترتين، الاولى من وفاة ستالين الى ١٩٨٤ والثانية من ١٩٨٥ الى ١٩٩١ وانهيار الاتحاد السوفييتي. وتميز بين القادة الخروشوفيين وقيادة غورباشوف، وتسمي القادة الخروشوفيين قادة سياسيين غير مثقفين نظريا. الحقيقة هي ان القادة الخروشوفيين من اليوم الاول لاستلامهم السلطة وضعوا هدفا استراتيجيا للقضاء على الاشتراكية واستعادة الراسمالية ولكنهم لم يستطيعو ان يحققوا ذلك مباشرة خوفا من ردة الفعل الشعبية ففعلوا ذلك تدريجيا وسلبوا حقوق العمال والفلاحين بصورة تدريجية مموهين ذلك باطلاق شعارات ثورية زائفة لتغطية اهدافهم الحقيقية. اعتقد ان هذا التقسيم غير صحيح ويؤدي الى الكثير من الابهام لدى الناس المخلصين الراغبين في فهم الحقائق التاريخية.
ان الانهيار الحقيقي للاتحاد السوفييتي كدولة اشتراكية انتهى منذ تسلم خروشوف قيادة الحزب والدولة. واصبحت الدولة السوفييتية في هذه الفترة عبارة عن دولة راسمالية مقنعة بعبارات ثوربة زائفة كالماركسية الخلاقة والمنافسة بين الاشتراكية والراسمالية وعدم وجود من يكره او يعارض الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وانهاء الصراع الطبقي نتيجة لذلك وعدم ضرورة وجود حزب الطبقة العاملة ودكتاتورية البروليتاريا وتحقيق الشيوعية في ١٩٨٠ الخ..
كان من نتيجة السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات الخروشوفية المتعاقبة ظهور جميع المساوئ الراسمالية في المجتع السوفييتي رغم بقاء بعض الامتيازات التي كان الشعب السوفييتي يتمتع بها في الفترة الاشتراكية الحقيقية لم تنجح هذه الحكومات باستلابها مرة واحدة. ظهرت البطالة والتضخم النقدي والسوق السوداء والدعارة وظهرت المشاريع الخاصة وتدهورت الزراعة التعاونية وبيعت المصانع الى "عمالها" وتدهورت العملة وغرقت الدولة بالقروض الامبريالية وسمح للدول الامبريالية بانشاء مشاريعها الامبريالية في قلب الاتحاد السوفييتي. ولم تكن فترة البريسترويكا التي تحدثت عنها سوى المرحلة الاخيرة من التحول حيث تحول الاتحاد السوفييتي خلالها من دولة راسمالية مقنعة الى دولة راسمالية مكشوفة.
ان هذا التقسيم يؤدي الى اضرار هائلة. هناك الكثير من العناصر المخلصة التي تريد معرفة الحقيقة وتعمل لمصلحة الطبقة العاملة والكادحين. هؤلاء العناصر الطيبة شاهدوا الاتحاد السوفييتي في فترة الحكم الخروشوفي ولاحظوا المساوئ التي يعاني منها المجتمع السوفييتي. وطبيعي انهم لم يوافقوا على ان هذه المظاهر هي مظاهر اشتراكية، لانهم يعلمون ان من مظاهر الاشتراكية انعدام البطالة والازمات الاقتصادية والقضاء على الدعارة والسوق السوداء وغير ذلك مما عرفه كل من درس شيئا عن مزايا الاشتراكية. واعتقدوا ان اوضاع الاتحاد السوفييتي هذه التي شاهدوها في فترة حكم الخروشوفيين كانت هي الاحوال التي عاشتها شعوب الاتحاد السوفييتي حتى في فترة بناء الاشتراكية في الثلاثينات. فتوصلوا الى نتيجة ان الاتحاد السوفييتي لم يكن اشتراكيا بتاتا على اساس هذه الازمات الراسمالية التي يعاني منها المجتمع الذي يسمي نفسه اشتراكيا. وكثيرا ما نقرأ اليوم عن ان ثورة اكتوبر لم تكن ثورة اشتراكية بل كانت ثورة برجوازية وان الزعم بنشوء مجتمع اشتراكي في الاتحاد السوفييتي زعم كاذب الى اخر ذلك من الكتابات التي تتحدث عن الماركسية والشيوعية والاشتراكية.
ترى عزيزي نجم ان اضرار هذا النوع من التقسيم لا تؤثر على وسائل الاعلام الامبريالية التي تعلم حق العلم انها تزيف التاريخ وهي تزيفه عن سبق اصرار وترصد كما يقولون. وانما هذا النوع من التقسيم يؤثر على الناس الطيبين، الناس الثوريين المؤمنين بالماركسية وبالثورة البروليتارية والاشتراكية. لذا وجدت من واجبي ان ابدي هذه الملاحظة على بحثك الرائع.
وتقبل عاطر تحياتي
حسقيل قوجمان