الثورة المضادة والصراع الطبقي في مصر


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 4078 - 2013 / 4 / 30 - 09:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

تلعب الثورة المضادة أدوار متغيرة ومتجددة لوأد الصراع الطبقي في مصر وفي كل دول العالم وحرفه عن مساره الثوري سواء قبل 25 يناير أو بعدها. فقد ظلت لفترات تجر الحركة العمالية في طريق النضال القانوني وبناء أسوار بين الحركة العمالية والأحزاب السياسية بحجة أن الأحزاب السياسية تتاجر بمشاكل العمال لتتحول الحركة العمالية من حركة ثورية إلي حركة إصلاحية ضعيفة التأثير.
كما تحول الكثير من قادة الحركات الاجتماعية إلي نشطاء في منظمات المجتمع المدني وأنتشر توصيف ناشط ليحل في أدبيات الحركة الاجتماعية محل قائد عمالي ومناضل اشتراكي أو مناضل ثوري.
وقد كانت طبيعة الأحزاب الموجودة قبل 25 يناير تدعم هذه الفكرة وبحيث تفصل النضال العمالي عن النضال السياسي ، بل وتختزل النضال الاقتصادي في مطالب موقعية وجزئية ولا تدفع باتجاه المطالب الاقتصادية والسياسية العامة. وتبني أسوار بين العمال والسياسة.
وعندما ظهرت حركة 6 إبريل كانت تعبير عن وجود ميول للثورة علي الأوضاع القائمة ظهرت مع ظهور حركة كفاية وشباب من اجل التغيير. وتدعمت بقيام عدد من الحركات الشبابية مثل شباب من اجل العدالة والحرية وعدد آخر من الحركات الشبابية.
لذلك عندما بدأت الدعوات للتظاهر في 25 يناير كانت بالأساس من مجموعات الشباب ومجموعات الفيس بوك ، ولكنها لم تكن دعوة لثورة علي نظام مبارك كما يتضح من صيغة الدعوة ومطالبها وكما يتحدث البعض الآن.ولم تكن هناك أي رؤية متبلورة لدي مجموعات الشباب الغاضب حول طبيعة التغيير المطلوب وشكل الدولة المطلوبة وكيفية إداراتها؟! بل أن البعض يري أن هذا التحرك الذي أطاح بمبارك هو الذي جاء بتحالف العسكر والأخوان وقادنا لما نعانيه علي مدي عامين.
وأراد البعض بناء جدار بين الشباب الثائر والحركة الاجتماعية والسياسية القديمة فصنعت رموز لعب الإعلام دور في إبرازها مثل وائل غنيم وغيره . ونفخ البعض في ائتلاف شباب الثورة باعتباره صاحب الثورة الذي حقق ما فشلت فيه الأجيال القديمة. رغم أن الائتلاف تكون من خليط غير متجانس فكرياً وسياسياً ضم رموز من تيار التجديد الاشتراكي بجانب عناصر من الأخوان المسلمين.اتفق علي هدف واحد هو إسقاط النظام والذي اختزل في إسقاط الرئيس.
وعندما دعي الفريق عمر سليمان للقاء ائتلاف الشباب ذهبت عناصر مثل مصطفي النجار وآخرين ورفض البعض. وعندما تنحي مبارك عن الحكم اعتبر الكثير من الشباب أن الثورة حققت أهدافها ورفض آخرين وطالبوا بتطوير الثورة.لكن اصطدمت هذه الدعوات بكون القاعدة الاجتماعية للثورة تفتقد للتنظيم سواء التنظيم الاجتماعي كنقابات وتعاونيات وروابط أو التنظيم السياسي كأحزاب.
وان التحركات الضخمة والمليونيات التي استمرت لشهور لن تغير الواقع لأنه لا يوجد لها قيادة موحدة ولا رؤية سياسية موحدة ولا تستند لقاعدة اجتماعية منظمة وواعية بمصالحها.
وعندما ولد اتحاد العمال المستقل من قلب ميدان التحرير بدأت مرحلة ميلاد جديد للحركة النقابية المصرية تمثلت في ميلاد مئات النقابات المستقلة الجديدة. لكن الثورة المضادة لديها وسائلها وتواجدها القادر علي لعب دور في إثارة الصراعات بين القيادات النقابية وإزكاء هذه الصراعات لصنع أكثر من مركز كخطوة نحو تفتيت الحركة العمالية الصاعدة. ساعد علي ذلك عدم تبلور طبقة عاملة مصرية واعية بذاتها ودورها بلا جنين حركة عمالية حاول البعض عن جهل أو عن سوء قصد التضخيم منه وتصويره كبديل رغم عدم نضجه بل وبما يعرض هذه المحاولات للإجهاض.
لعب دور في ذلك أجهزة ومنظمات دولية ومحلية تبذل جهود متواصلة لكسر فرص نمو الحركة النقابية وتبلورها ، وتلعب درو لمزيد من هشاشة النقابات الجديدة بما يقلل من فرص نموها وتطورها كأدوات للصراع الطبقي.
انفصلت جماعة الإخوان المسلمين عن قوي الثورة بعد الصفقة مع عمر سليمان والمجلس العسكري.وتحلل ائتلاف شباب الثورة مع الوقت والمعارك المتتالية التي تباينت فيها المواقف وظهر حجم الخلافات في الرؤي التي توارت لفترة خلال أيام الاعتصام.كما لعب الإعلام دور في إفساد القيادات الجديدة والتضخيم من حجم البعض والتصغير من حجم البعض الآخر.
بدأت تتشكل أحزاب سياسية جديدة من اليمين إلي اليسار، ولعل تأسيس عدد كبير من أحزاب الإسلام السياسي توزع عليها عدد من شباب الثورة، وتوزع الآخرين من حزبي الدستور والديمقراطي الاجتماعي إلي التحالف الشعبي الاشتراكي والاشتراكيين الثوريين وما بينهم.
طبيعي أن تضم الأحزاب أجيال مختلفة وأن تعبر عنهم وان يكونوا جزء رئيسي من قيادة هذه الأحزاب.لكن قوي الثورة المضادة تستخدم لعبة صراع الأجيال لتفجير الأحزاب الجديدة وإحكام السيطرة عليها،وتفجير معارك جانبية تعيق نمو هذه الأحزاب واشتباكها مع الواقع والتعبير عن الآلام والآمال التي تطمح لها الطبقات العريضة من عمال وفلاحين.
ربما يمثل حزب التجمع نموذج مثالي لكيف لعبت الثورة المضادة دور في إقصاء القيادات وتفريغ الحزب من عضويات نشيطة حتي أحكمت السيطرة عليه لسنوات وحولته لجزء من جهاز الدولة.وهذا هو نفس الدور الذي يتم في العديد من الأحزاب الناشئة التي لا يجب أن تأخذ فرصتها للتبلور كقيادة فاعلة للصراع الطبقي فيتم تفجيرها.
إن ما يحدث في مصر الآن هو جزء من معركة استمرار الثورة ومحاولة لقطع الطريق علي بلورة أقطاب سياسية فاعلة تقود الصراع وتحويله من صراع طبقي إلي صراع أجيال. وجب الكوادر من العمل بين قواعدها الاجتماعية الي الصراعات الداخلية وتأجيج المعارك الوهمية.
ولنتذكر طرح جمال مبارك كبديل شاب لوالده العجوز أو طرح عبدالمنعم أبوالفتوح كبديل للمرشد العجوز وكلها محاولات للعب علي قضية السن . كم من كهل كانت أفكاره ثورية وتحررية أكثر من ألاف الشباب وكم من شاب كان يبشر بأفكار معادية للتقدم؟!!!
قضيتنا لم ولن تكون قضية بين أجيال ولكن الثورة المضادة والأجهزة المحلية والدولية تريدها كذلك. بينما الصراع الطبقي وموقفنا من الرأسمالية محلياً ودولياً هو الذي يحدد موقعنا.
القضية ليست شكلية وليست صراع أجيال . لكنها صراع طبقي وقوي تخشي هذا الصراع وتحاول قطع الطريق عليه. لذلك علينا أن نفكر معاً كيف نتخطي هذه المرحلة لنستكمل بناء أحزابنا ، ونمارس دورنا في الصراع الطبقي .

إلهامي الميرغني
29/4/2013