حول حقيقة الصراع و أهمية انبثاق البديل من القواعد الشعبية .


يسار زين
2012 / 12 / 6 - 01:29     

تستبيح القوى البرجوازية في اطاري 14 اذار و 8 اذار الساحة اللبنانية السياسية بكل تفاصيلها ، وتعيد انتاج نفسها و انتاج سلطتها و تسلطها عبر خطاب طائفي قديم يستجد عند كل لحظة احتقان جماهيري او امتعاض من الاوضاع الاقتصادية الضاغطة . ليس هذا بالامر الغريب بل هو أمر طبيعي نتيجة لاسباب متعددة سيجري ذكرها لاحقا. وباستباحتها للمشهد السياسي بهذا الشكل المقيت تذهب تحت سلطتها حقوق العمال و الفلاحين و الطبقات الشعبية و تمدد للاقتصاد الريعي و تدمر الصناعة و الزراعة و تنشئ جيشا من العاطلين عن العمل وتدمر اي محاولة ثقافية حداثية لصالح افكار ظلامية رجعية ،فبهذا التهج الاقتصادي تستطيع ان تزيد من ثرواتها وتستطيع ان توظف الواقع الاليم لصالح موقعها السياسي و تعزيزه عبر استغلال الثروة و السلطة .
رغم كل هذه الويلات و المصاعب، تستطيع اطراف القطبين المتشابهين "14 و 8 " أن تحشد الالاف في مظاهرة تدعوا اليها نصرة لامر لا يمس باي صلة بهمومها الحياتية ، وتستطيع أن تفوز بالانتخابات البرلمانية و ان تحارب الطرف الاخر بارواح المفقرين و المهمشين .
لذا من الضروري سبر أغوار هذه الخدعة البرجوازية و فضحها لعموم الشعب و للمفقرين و العمال و الفلاحين خصوصا و ابراز تأثيرها التدميري على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي الثقافي و من الضروري ايضا تكامل النضال النظري مع اوسع التحام بالطبقات المفقرة :
بعد ان تمت هيمنة الراسمالية المعولمة على الاقتصاد العالمي خضعت لسياساتها أغلب البلدان ، فبعض هذه السياسات تقوم:
*على فتح الاسواق أمام التجارة الحرة وبالتالي غزو المنتجات الاجنبية لاسواق البلدان التي قد تخلفت مما يؤدي الى اجهاض الصناعات الوطنية لعدم قدرتها على المنافسة أمام الصناعات الامبريالية القوية و شهدنا العديد من الصناعات التي اندثرت كمعمل السيراميك في البقاع و كصناعة الجلود ...إلخ ، و هذا النهج يؤدي الى اجهاض الصناعات الصغيرة التي كانت في طور النشوء ، وبالتالي نحن امام جملة من الكوارث ناتجة عن هذا النهج أبرزها :
حرمان الوطن من احتمال الاكتفاء الذاتي في بعض الميؤدين الصناعية .
تعطيل الاف العمال وبالتالي تهميش الاف من العوائل ورفع معدلات البطالة .
ونشوء احزمة البؤس حول المدن .
*إلزامية دخول البلد في منظمات التجارة العالمية و الخضوع للمؤسسات المالية العالمية و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي والالتزام بسياساتها المالية الاقتصادية :
فحديثا تم التوقيع على اتفاقية مع منظمة التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي يقضي بتقديم مساعدات لزيادة كمية التجارة بين لبنان و الدول الامبريالية . طبعا هذه الدول لا تقدم الاموال و المساعدات ان لم يكن منتوجها يدخل في فلك زيادة ارباحها و تحقيق سيطرة اكبر لها ، لذا فهي لا تقوم بتقديم هذه الاموال من أجل تطوير الصناعة او الزراعة او البنى التحتية اللازمة من أجل دولة قوية حديثة لان هذا الامر يؤدي الى تملص الوطن من فلك التبعية .
*بالغزو الثقافي الامبريالي المروج لنمط العيش الاستهلاكي وكأن المواطن العربي او اللبناني لا يعدو عن كونه سوى الة لاستهلاك منتجات الامبريالية ، فبينما تدفع اعلى المرتبات الشهرية في الدول الامبريالية لصالح الاساتذة و خصوصا لاساتذة التعليم الاساسي وتحفز السلطات البحث العلمي لديها نرى أنهم يصدرون لنا ثقافة اللامبالاة و اللهو ونمط العيش الاستهلاكي الذي لا يتماشى مع واقعنا بل يساهم في الابقاء عليه متخلفا تابعا . هذا عدا عن الحرب الموجهة لتدمير العقل العلمي عند المواطن العربي و الترويج لافكار كالطائفية لخدمة سياسة فرق تسد.
*باجبار البلدان على التخلي عن اي ضمانات اجتماعية تخص العمال و الطبقات الشعبية و زيادة الضرائب فيها من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات المالية الامبريالية ونتيجة لعدم قدرة هذه البلدان على الوفاء بالتزاماتها المالية تصبح امام عدة خيارات : اما المزيد من الاستدانة أو الافلاس أو استيلاء الامبريالية على ثروات البلد أو زيادة الضرائب مما يؤدي الى حالة من الرفض الشعبي .
إذن الامبريالية العالمية مسؤولة عن تردي الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية في لبنان و البلدان العربية ، لكن الامبريالية لا تستطيع القيام بهذا الدور التدميري بدون ايؤدي داخلية لها تخدم مصالحها و تسهلها و تبقي الطبقات الشعبية و الوسطى في حالة من الضعف الثوري لان هذه الاخيرة هي النقيض الجذري للتبعية للامبريالية ولكن هذه الايؤدي الداخلية الخائنة لمصالح الاغلبية الشعبية لا تقوم بهذا الفعل خدمة للامبريالية فحسب بل هو دورها الطبيعي لانها تكدس ثروتها من خلال هذا النمط من الانتاج و تستمد سلطتها منه .
إذن تتمد مراكز الجبهة المعادية لتطلعات الطبقات الشعبية لتشمل إضافة الى الامبريالية العالمية والعدو الصهيوني الطبقات الحاكمة في الوطن العربي و من ضمنها الطبقة الحاكمة اللبنانية بشقيها 8 اذار و 14 اذار التي وبانسجام سياساتها و برامجها الاقتصادية مع الامبريالية تقوم ب :
*تسهيل مهمة الامبريالية بنهب الوطن عبر شركاتها الكبيرة و سياساتها و مؤسساتها المالية .
*عدم دعم القطاع الصناعي و ما يترتب عليه من كوارث ذكرناها سابقا.
*تهجير الريف عبر فتح الاسواق امام المنتجات الزراعية الخارجية و عدم دعم المواد الاولية اللازمة للزراعة كالوقود و البذور و القروض الزراعية مما يؤدي لنتائج مشابهة لتلك المترتبة عن اهمال الصناعة مع ميزة إضافية هي تهديد الامن الغذائي للوطن و ارتباطه بأهواء و مطامع الدول الامبريالية .
*استثمار رؤوس الاموال اللبنانية/العربية في التبادل التجاري مع الامبريالية او استثمارها في الدول الامبريالية مما يحرم الوطن من رؤوس اموال مهمة لعملية التطوير و التحديث و الاستثمار الداخلي .
*الغاء اي دور رعائي للدولة تجاه الطبقات الشعبية كالطبابة و التعليم و الشيخوخة .
*تدمير البنى التحتية المهمة في عملية بناء دولة عصرية قوية منتجة عبر خطط ممنهجة و عبر فساد مستشر هو احدى السمات الأساسية لهذه الطبقات.
*تدمير المؤسسات العامة واهمالها كالجامعة الوطنية و القطاع الطبي و التعليم الرسمي و عدم الاهتمام بموضوع البحوث العلمية .
*بث الايديولوجيا الطائفية التي توصف الاخر المختلف طائفيا كعدو لشد العصب الطائفي عند لحظات الاحتقان الشعبي و للابقاء على الانقسام العامودي و المحاصصة مما يؤدي الى ضرب مفهوم المواطنة و استشراء الفساد و المحسوبيات و تهميش الاكفاء لصالح اصحاب النفوذ و هذا ما يؤدي الى تمديد التخلف على كافة الاصعدة .
انطلاقا من النقطة الاخيرة يمكننا فهم سبب استمرار خمود الشارع اللبناني و انقسامه الوهمي بين 8 و 14 أذار ، فالايديولوجيا الطائفية للفريقين تحارب اي وعي لدى الطبقات الشعبي يمكن ان ينشأ حيال همومها المعيشية وحقوقها هذه الايديولوجيا الخبيثة تنسجم مع العالم الاقتصادي الاجتماعي المدمر لتأبد هذا الانقسام الوهمي بدل ان يفصح الانقسام عن حقيقته : الطبقات الشعبية وفي مقدمتها العمال و الفلاحين الفقراء بوجه السلطة الحاكمة والامبريالية و الصهيونية .
فلقد لاحظنا في السنة الاخيرة ازدياد الهموم المعيشية على كاهل المواطن و لاحظنا من خلال احتكاكنا بأبناء الوطن تململا و امتعاضا من السلطة الحاكمة فقواعد كلا الطرفين بدأت بانتقاد قياداتهما و التململ منهما بالموازاة مع هذا الوضع ظهرت عدة حوادث هدفها اعادة الانتظام الى قواعد الطرفين عبر شد العصب الطائفي و تنمية الخوف من الاخر على سبيل المثال ظاهرة احمد الاسير الفولكلورية و حوادث الشمال والتهديد المتواصل بالمد الايراني الشيعي، و علمتنا التجربة بان كلا الفريقين متشابهين فكلاهما يستخدمان الورقة الطائفية لابقاء الهيمنة على القواعد الشعبية و كلاهما يحمل نفس المشروع الاقتصادي الذي لا يقطع مع الهيمنة الغربية و لا يبني دولة منتجة مهما تبجح البعض بمفهوم السيادة و البعض الاخر بمفهوم الاصلاح او المقاومة .
بما خص موضوع السيادة والاستقلال اصبحنا نعلم من خلال الاحداث اليومية و من خلال ما ذكر اعلاه ان لا استقلال و لا سيادة بدون القطع مع الامبريالية فعن اي استقلال يتكلم البعض و لا تملك الدولة امكانية انتاج رغيف خبز خارج ارادة الامبريالية التي تمد البلد بالمواد الاولية و بالتالي تتجكم بالمواد و الاسعار. هذا ابسط مثال و عن اي سيادة يتكلم البعض والشركات الامبريالية تنهب ثروات الوطن و ابناءه و سنترقب الحلقة الجديدة في موضوع النفط المرتقب قريبا اوائل العام القادم .
بما خص موضوع الاصلاح والمقاومة اصبحنا نعلم ايضا من خلال التجربة و من خلال ما ذكر اعلاه ان لا اصلاح حقيقيا داخل الابقاء على التبعية و على النمط الحالي من الانتاج بل هناك بعض عمليات التجميل التي لا تمس جوهر ولب المشكلة ، اما بموضوع المقاومة التي يتخذها البعض حجة لبقائه متزعما ولبقائه ممثلا اوحدا في السلطة نقول ان المقاومة قامت على كاهل الفقراء من ابناء الوطن هم من حمل رايتها في البداية هم من استشهد في المواجهة هم من دمرت بيوتهم هم من نقلو البندقية من تحت راية حمراء الى اخرى صفراء طبعا الحزب هو المعبر عن المقاومة ولكن الطبقات الشعبية هي الاساس هي الجوهر الذي اعطى النصر فالمسألة مترابطة جدليا بين الطبقات الشعبية و الحزب والايديولوجية التي يحملها ويعلمنا التاريخ ان سقوط حزب ما نتبجة اخطاء او انتكاسات لم يؤد الى سقوط المقاومة بل ان البيئة الحاضنة افرزت مقاومة جديدة ولكن علينا الانتباه لمسألة مهمة ان الطبقات الشعبية هي الاساس اما الحزب فهو يكون معبرا عن لحظة ما و اليوم ازاء الاخطاء المتراكمة للمقاومة الحالية و تعارضها بنيويا مع تطلعات الطبقات الشعبية عبر :
أولا تحجيم المقاومة في اطار طائفي يمنعها من لعب دور وطني جامع يساهم في التغيير الجذري للمجتمع
ثانيا تناغمها مع السياسات الاقتصادية للامبريالية .
ثالثا نهجها و برنامجها الاقتصادي المعادي لتطلعات الطبقات الشعبية بوصفها جزأ من البرجوازية اللبنانية و بالتالي السطة الحاكمة .
إزاء هذا الوضع القاتم ، يظهر أن لا حل لمشاكل اللبنانيين سوى ببديل جذري عن النظام القائم يطرح نفسه كنقيض تام له ببرنامج تنموي يمهد للقطع مع الامبريالية و التصدي لها وللصهيونية متكاملا مع القوى التحررية المنبثقة من المد الشعب العربي، وإزاء الاصطفافات الحقيقية بين طبقات شعبية مقابل الامبريالية و الصهيونية و الطبقات الحاكمة لا بد ان يكون المعبّر السياسي عن الطبقات الشعبية وبالاخص العمال و الفلاحين الفقراء هو النقيض الجذري لهذا النظام بالتحالف مع بقية الطبقات المتضررة في المجتمع من سياسة التبعية و الارتهان. أي ان هذا البديل لا بد ان ينبثق من هذه القواعد ملتحما بها و معبّرا عن تطلعاتها و امالها . ولا تستطيع الطبقات الحاكمة بوصفها برجوازية تابعة اي مستمدة سلطتها و ثروتها من الارتباط بالاقتصاد العالمي من القيام بهذه المهمة التحررية لانها عندها ستقوم بالقضاء على نفسها و امتيازاتها. هنا تقع المهمة على كاهل الطبقات الشعبية وبالاخص العمال و الفلاحين الفقراء على انتاج اطارهم السياسي الجامع لهم بوجه البرجوازية و الامبريالية العالمية ، إن هذه المهمة بقدر ما هي مهمة بقدر ما هي دقيقة لذا تستوجب البدء بتنظيم مجالس محلية للعمال و الفلاحين و المفقرين و تطوير الثقافة الذاتية لتحصين النفس و المحيط من الايديولوجيا الخبيثة الطائفية للبرجوازية الحاكمة و لاكتساب وعي افضل على كيفية فهم الامور و ادارة الصراع