الرأسمالية والامبريالية والحقوق الانسانية


المناضل-ة
2005 / 2 / 11 - 11:50     

الرأسمالية والامبريالية والحقوق الانسانية
الاربعاء 15 دجنبر 2004
المناضل-ة عدد: 3

يحل 10 ديسمبراليوم العالمي للحقوق الانسانية والصورة قاتمة ودامية.

تتصاعد غطرسة الإمبريالية عبر العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بقصد تعزيز التحكم بثروات الكوكب وإخضاع الشعوب. وتشكل عولمة الرأسمال والنزعة العسكرية وجهي السيطرة الإمبريالية المتلازمين، فعبر التاريخ كلما تقدم تحكم منطق الرأسمال ازدادت الحاجة إلى القوة المسلحة. كان الغزو والنهب وإبادة السكان باسم نشر الحضارة الغربية في القرون الماضية، والآن تشن الحروب باسم المهمات الإنسانية وإرساء الديمقراطية. تتباين المسوغات لكن الجوهر ثابت.

لا تعير هذه الآلة الإمبريالية الجهنمية الإنسان أدنى اعتبار، بل تسحق أبسط حقوقه وصولا إلى الحق في الحياة. فالآلية الاقتصادية تحرم البشر من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية الاساسية من أجل إرباح أقلية مالكة، على رأسها الشركات متعددة الجنسية. و تجهز سلطة الدول الساهرة على تلك الأرباح على الحقوق السياسية (ديكتاتوريات البلدان التابعة) أو تفرغها من أي مضمون (ديمقراطيات المركز).

وتسبب النزعة العسكرية ويلات تقع على رؤوس المدنيين قبل غيرهم: مات أكثر من 1.5 مليون مدني بالعراق منذ حرب الخليج الأولى إلى الاجتياح الامريكي –البريطاني من جراء الأمراض وسوء التغذية وكان ثلثهم أطفالا . وخلفت الحرب في صيربيا وفي افغانستان والعراق مواكب القتلى، والمعطوبين والمشردين بعد تدميرالمنازل والطرق وشبكات الماء والكهرباء، واتلاف الزراعات. وتصعد الدولة الصهيونية، بما هي كلب حراسة لمصالح الامبريالية بالمنطقة، بطشها بالشعب الفلسطيني بالقتل اليومي ونسف البنية التحتية. ويشتد تنكيل أمريكا بشعب العراق الرافض للاحتلال ومعه تتعمق ورطتها في وحل الدماء هناك.

.يجري هذا القتل والعنف البالغ والتخريب بغطاءالمؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمةالأمم المتحدة التي باتت مجرد أداة إضفاء شرعية على العدوان والاستعمار الجديد، وبتواطؤ الأنظمة المحلية الطاغية التي تقمع الشعوب مقابل علاوات من ثمار النهب الامبريالي.

لكل عناصرهذه اللوحة المرعبة امتدادها ببلدنا. فهو ضحية سياسات الرأسمال الامبريالي النهاب بمختلف السبل، من كل أشكال التبعية التقليدية إلى الديون. والنظام المغربي مكد في أداء أدواره التاريخية لصالح الإمبريالية، سواء بمدها بالجنود في كل من هايتي وكوت ديفوار والكونغو وفتح مجاله لمناورات حلف الأطلسي، أو ترسيخ إخضاع الاقتصاد لمصالح الشركات والبنوك العملاقة بواسطة إتفاقيات التبادل الحر مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتنفيذ صارم للسياسات النيوليبرالية النافية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. هذا مع ما يستلزم من قبضة حديدية في مجال الحريات. و يشير اختيار الرباط لاطلاق المبادرة الامبريالية المسماة"منتدى المستقبل" الى نموذج الديمقراطية الذي تسعى الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها إلى تعميمه بما يسمى مشروع "الشرق الأوسط الكبير".

تمثل تبعية البلد ومصالح أقليته الأكثر غنى الأساس المادي لمنحى تثبيت طبيعة السلطة الاستبدادية، وهو ما يكشف تهافت الأضاليل حول "طي صفحة الماضي الأسود" ويسقط أقنعة جميع الذين يماثلون الجور السياسي الحالي بالانتقال الديمقراطي واحترام الحقوق الإنسانية.

يترسخ الاستبداد السياسي بإنكار حق وضع دستور ديمقراطي من طرف ممثلين للشعب وفرض دستور 1996 بالتزوير، وفي قانون المجالس المحلية وقانون الانتخابات وفي كل تعديلات قوانين الحريات العامة (الصحافة و الجمعيات والتجمعات العمومية) وقانون الارهاب، والمسطرة الجنائية، وفي سلطات الولاة وعمال الأقاليم، وفي الفصل 288 من القانون الجنائي، و مشروعي قانون الأحزاب وقانون الإضراب.

وبعد نجاحها في تدجين القسم الأكبر من المعارضة تعمل السلطة للقضاء على أي صوت معارض، رافضة الترخيص القانوني لعدد من القوى السياسية، وعدد من الجمعيات بمقدمتها الجمعية الوطنية للمعطلين الممنوعة منذ ميلادها قبل 13 سنة، وتسعى إلى إشاعة الرعب في المجتمع بقمع منهجي لنضالات الشباب خريجي الجامعات، وهجمات البوليس العنيفة على احتجاجات العمال بربوع البلد، وعلى المسيرات الشعبية المطالبة بالماء والانارة والسكن والخدمات الاجتماعية بالقرى وأحياء هوامش المدن.

هكذا يصطدم إعمال الحقوق الإنسانية بلا ديمقراطية السلطة من جهة وبالسياسات الرأسمالية النيوليبرالية التي تخدم مصالح قسم من الطبقات المالكة المحلية والرأسمال العالمي، أي بالخضوع للإمبريالية من جهة ثانية. إن مسالة الحقوق الانسانية توجد في صلب تداخل وثيق بين المسألة الديمقراطية والمسألة الاجتماعية ومسألة التحرر من الامبريالية.

تترتب عن ذلك ثلاث خلاصات:

أولا، ليست الحقوق الانسانية تخصصا لجمعيات بعينها تحمل الصفة الحقوقية.

وثانيها البعد الأممي للمسألة

وثالثها الحاجة إلى بديل مجتمعي وإلى أداة سياسية لبلوغه.

أولا : المنظور الشمولي للحقوق الانسانية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) يجعلها ملتقى لمختلف أصناف المنظمات الشعبية، أي الجمعيات الحقوقية المستقطبة أساسا لشريحة حضرية متعلمة ونقابات العمال وجمعية الشباب المعطل وجمعيات القرويين الفقراء والمنظمات النسائية، علاوة على حالات نضالية غير منظمة كالطلاب والاحتجاجات العفوية بالقرى.

أولى ضرورات المنظمات الشعبية هو أن تكسب فعلا طابعا شعبيا، أي أن تتجه صوب الأسفل للإنصات لتطلعاته وبلورتها في نشاط نضالي واع. فقد نصبت نفسها ناطقا باسمه ووسيطا بينه وبين الفوق، على نحو يجعلها أقرب إلى أداة بيد الفوق لتدبير تعامله مع الأسفل. وينطبق هذا أول ما ينطبق على الجمعيات الحقوقية والنسائية التي اختار بعضها عن وعي الطابع النخبوي( محامون وجامعيون ومهن حرة يرصدون الوضع وينصحون الدولة ويتعاونون معها)، بينما تعترت أخرى، رغم مبدئيتها و حسن نواياها، في بناء القوة الشعبية القادرة على انتزاع الحقوق.

وثاني الضرورات أن يتجسد ذلك التلاقي الموضوعي في أشكال واعية منظمة، أي في شبكة متآزرة وموحدة للنضال.

ثانيا: يفرض الهجوم الرأسمالي ، في جانبيه الاقتصادي -الاجتماعي (العولمة ) و العسكري على حد سواء، الانخراط في الحركة الأممية المناضلة من أجل عولمة بديلة. تلك الحركة التي أبانت عن طاقة كفاحية واعدة. فقد تنامى تصديها لمؤسسات العولمة الرأسمالية وحققت سابقة تاريخية في مقاومة الحروب الامبريالية بمظاهرات 10 مليون شخص ضد الحرب على العراق يوم 15 فبراير 2003 في ربوع العالم. ولحد الساعة ما يزال انخراط منظمات النضال بالمغرب في تلك الحركة جنينيا بفعل سطوة قوى سياسية اختارت الجهة الأخرى من الخندق، وبفعل ما يشل ما تبقى من يسار جذري عن الترعرع في العمق الشعبي، وهو ما تعطي عنه نواة جمعية اطاك المغرب صورة حية.

ثالثا: تغييب الحقوق الانسانية ملازم للنظام الاقتصادي-الاجتماعي المفروض على البشرية، وحتى المكاسب الجزئية السياسة والاجتماعية تظل مهددة بفعل ما يهز ذلك النظام من أزمات وما يلجأ إليه للفكاك منها (تفكيك دولة الرعاية بالبلدان المتطورة وتنامي الدولة القوية، و فرط الاستغلال والاستبداد السافر بالبلدان التابعة). لذا فإن النضال من أجل الحقوق الإنسانية يستدعي في آخر المطاف استبدال ذلك النظام الاقتصادي-الاجتماعي الرأسمالي بتنظيم آخر للمجتمع غايته الحرية و تلبية حاجات الناس وتسييرهم للحياة الاقتصادية والاجتماعية بديمقراطية. المطلوب بديل مجتمعي على صعيد تملك الثروة وممارسة السلطة. ولا يمكن أن يكون هكذا بديل من صنع حركات اجتماعية جزئية أو أحادية البعد، بل قوة سياسية ذات منظور شمولي و جذري معتمدة على طاقة الكفاح لدى طبقة الأجراء بما هي الطبقة المناقضة 100% للنظام الرأسمالي الملغي بطبيعته للحقوق الإنسانية. ولن يقوم هذا الحزب المنشود بوظيفته التحررية بغير دمج النضال ضد استغلال الرأسمال للعمل وتدميره للبيئة بمناهضة كل صنوف الاضطهاد، القومي منها والقائم على أساس الجنس.

مجمل القول إن الظفر بالحقوق الإنسانية يستلزم تجديدا جذريا لأدوات النضال القائمة، نقابات وجمعيات حقوقية ونسائية، وبناء تلك المنعدمة كنقابة الطلاب ومنظمة وطنية لفقراء القرى وحزب للتغيير الجذري.