الحركة السياسية بالمغرب و تشرذم اليسار الجذري


امال الحسين
2004 / 9 / 15 - 10:48     

إن المتتبع لتطورات الحركة السياسية بالبلدان العربية بصفة عامة و المغربية بصفة خاصة يدرك أن نشأة الأحزاب السياسية لم يكن لها تاريخ طويل كما هو الشأن بالنسبة للبلدان الغربية و دول أمريكا اللاتينية ، التي عرف فيها تطور حركة المجتمع المدني و السياسي نسقا تاريخيا متلائما مع تطور التكوينات الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات البشرية خلال المراحل التاريخية المتواترة
و هكذا عرفت المجتمعات الأوربية منذ عصر النهضة تطورا هائلا على جميع المستويات الفكرية و الثقافية و العلمية و السياسية و ساهمت بشكل كبير في التحولات السياسية و الاجتماعية بهذه البلدان ، خاصة بعد انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع بعد انتصار الثورة البورجوازية و بروز النظام الرأسمالي .
لقد أطلت الثورة الفرنسية على العالم بأول إعلان عالمي لحقوق الإنسان يخول للفرد حقوقا سياسية و مدنية على رأسها حرية التعبير و الرأي التي تخول للشعب حق تقرير المصير و تسيير شؤونه بنفسه ، الشيء الذي خول للأفراد حق المشاركة السياسية عبر التمثيلية في البرلمان مما ساعد على إنشاء تكتلات أفرزت الأنوية الأولى للأحزاب الليبرالية ، كما أن حرية التنظيم النقابي و المهني و الحرفي ساهم في تحويل هذه التنظيمات الأخيرة إلى أحزاب سياسية كما هو الشأن بالنسبة للحزب الاشتراكي البريطاني الذي تأسس عام 1899 إثر قرار اتخذه مؤتمر النقابات .
من خلال الصراع الطبقي بين البورجوازية الصاعدة والإقطاع نشأت الأحزاب الليبرالية بعد انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع ، و ساهم في ذلك مفكرون بورجوازيون أمثال آدم سميت و هوبز و مونتيسيكيو عبر ثلاث ثورات عالمية إنجليزية و أمريكية و أروعها الفرنسية .
إن انتصار الرأسمالية على الإقطاع ، و في حينها توافقت مفاهيم البورجوازية مع متطلبات قوى الإنتاج المتطورة و أصبحت تلبي متطلبات علاقات الإنتاج ،إلا أن غلو المبادرة الفردية التي فتحت الباب أمام مزيد من استغلال للطبقة العاملة التي ناضلت خلال من أجل انتصاؤر هذه الثورات ، و برز مناضلون ثوريون يدافعون عن مصالح الطبقة العاملة أمثال ماركس و انجلس اللذان أسسا معا " إتحاد الشيوعيين " سنة 1847 و أصدرا " البيان الشيوعي " و أسسا " جمعية العمال العالمية " إعلانا عن ميلاد حزب عمالي ذي البعد العالمي يهدف إلى توحيد الطبقة العاملة عبر العالم ، و خلال مرحلة تاريخية لاحقة أسس إنجلس " الاتحاد الدولي للأحزاب الاشتراكية " و جاء بعدهما لينين ليضع نظرية الحزب العمالي الذي أنجز الثورة البولشيفية و قيام الدولة الاشتراكية .
إذا كانت الأحزاب الليبرالية تدافع عن الطروحات البورجوازية التي تراعي مصالح الرأسمال في صراعه مع الطبقة العاملة فإن الأحزاب الإشتراكية و الشيوعية تعتبر الحزب العمالي طليعة الطبقة العاملة و فصيلها الأكثر وعيا و تنظيما و التي تسير في مقدمتها بتحالف مع الطبقات الكادحة ، و " الأداة السياسية" لمواجهة سلطة الدولة البورجوازية للإطاحة بها و ممارسة دكتاتورية البروليتارية .
السؤال المطروح هو: أين موقع الأحزاب السياسية بالدول العربية من هذه التطوات التاريخية التي عرفتها التكوينات الاجتماعية البشرية؟
في محاولة للإجابة عن هذا السؤال يمكن تناول تجربة الحركة السياسي بالمغرب و موقع اليسار الجذري في الصراع السياسي بهذا البلد .
إن المغرب و ككل البلدان التابعة للرأسمال المركزي و التي عرفت مرحلة الاستعمار المباشر لم تعرف فيه التشكيلة الاجتماعية و الطبقية تطورا متواترا كما هو الشأن بالنسبة للدول الغربية ، ذلك أن عوائق التخلف حالت دون إنجاز هذه المهام مما له تأثير عظيم على تطور الحياة بشكل عام ، و تعتبر الحياة السياسية من بين المجالات التي يكون لها تأثير قوي على تطور التكوينات الاجتماعية ، فإلى حدود سنوات الثلاثينات من القرن العشرين لم تعرف الحياة السياسية بالمغرب تنظيمات حزبية بالمعنى الصحيح للكلمة ، كل ما هنالك هو محاولة التصدي للهجوم الإمبريالي على البلاد و تعتبر المقاومة الريفية بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي أروع ما أنجزته المقاومة المغربية .
و مع تغلغل الرأسمالية بالمدن المغربية بعد القضاء على المقاومة بالبوادي نشأت بورجوازية متوسطة و طبقة عاملة بالمدن تحالفتا معا ضد الاستعمار المباشر ، و يشكل ما يسمى بالحركة الوطنية التي اختارت النضال الديمقراطي لمواجهة المستعمر الحركة السياسية النواة لنشوء التنظيمات السياسية المغربية ، و أفرزت هذه الحركة تأسيس حزبين أساسيين في أواسط الأربعينات من القرن العشرين هما :
ـ حزب الاستقلال .
ـ الحزب الشيوعي المغربي .
لقد ارتكز العمل السياسي لهذين الحزبين على مواجهة الاستعمار المباشر و المطالبة بالاستقلال الشيء الذي خلق إجماعا وطنيا حول هذا المطلب تحالفت حوله جميع القوى من طبقة عاملة و فلاحين و حرفيين و بورجوازية متوسطة و صغرى .
إلا أن الفرز السياسي لم يحدث من داخل هاذين الحزبين إلا بعد الاستقلال الشكلي ما بين 1956 و 1960 في صراع بين الطبقات داخل هاذين التنظيمين حول السلطة خاصة في حزب الاستقلال الذي يضم في صفوفه أوسع الجماهير الشعبية ، و هكذا اشق الجناح اليساري من الحزب ليشكل :
ـ حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي يمثل اتجاه التحرر الوطني و هو أقوى حزب يضم في صفوفه العمال و الفلاحين إلى جانب البورجوازية المتوسطة و الصغرى ، كما ينتمي إليه أفراد المقاومة و جيش التحرير الذين يرفضون الانتماء إلى الجيش و الشرطة ، إلا أن القيادة الحزبية البورجوازية دخلت في تراجعات عن أهداف الحزب المتجلية في مقاومة نظام الحكم المطلق بالمغرب ، و لم يستمر في النضال إلا الشبيبة التلاميذية و الطلابية في مواجهة النظام القمعي و التي عرفت مداها في انتفاضة 23 مارس 1965 بالبيضاء التي واجهها الانظام المخزني بمزيد من اراقة الدماء .
كما أن الحزب الشيوعي المغربي تراجع عن أهدافه المتمثلة في توحيد الطبقة العاملة و تحول إلى حزب إصلاحي يتنكر لمرجعيته الأيديولوجية المرتكزة إلى الماركسية اللينينية ، و تم تغيير اسمه إلى :
حزب التحرر و الاشتراكية .
هكذا بدأ الفرز السياسي بعد تأسيس الدولة المخزنية في ظل النظام الليبرالي التبعي خدمة للرأسمال المركزي ، و نشأت الإفرازات الأولى لليسار الجذري في ظل حركة التحرر الوطنية العالمية مع انتشار الفكر الاشتراكي .
و أمام فشل القيادات الحزبية داخل هاذين التنظيمين السياسيين اليساريين في مواجهة السياسة التبعية للنظام المخزني نشأت تيارات يسارية جذرية من داخل هاذين الحزبين قادت الانشقاق عنهما و تأسيس الحركة الماركسية اللينينية المغربية في أواخر الستينات و بداية السبعينات أفرزت منظمتين سريتين هما :
ـ منظمة إلى الأمام .
ـ منظمة 23 مارس
هاتين المنظمتين اللتان تضمان في صفوفهما الشبيبة التلامذية و الطلابية و مهندسين و موظفي الدولة ، ترتكز أسسهما المرجعية إلى الماركسية اللينينية انطلاقا من التجربة السوفييتية في المرحلة اللينينية و الصينية الماوية .
و لعل الوثيقة المرجعية لمنظمة " إلى الأمام" التي تضم القراءة النقدية للإتجاه البيرقراطي داخل حزب التحرر و الاشتراكية يوضح مدى الصراع القائم حول التوجه الحزبي بين القيادة البيروقراطية و الطليعة الشبيبية التي تسعى إلى التغيير الجذري كما جاء في وثيقة : " سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري " كما يلي :
" فجر صيف 1970 بالمغرب مجمل تناقضات البرجوازية التي أسدلت ستارا كثيفا أمام التطلعات الجماهيرية العميقة :
1) فإعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية (الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) في إطار الكتلة الوطنية وظهور البرجوازية على حقيقتها, بعد أن سقطت أقنعتها, بمثابة سمسار يجتهد في تسخير الشعب لنيل مساهمة ضئيلة في الحكم, عملية جعلت حدا لكل المغالطات الناجمة عن انقساماتها السطحية, ومواجهة برلمانية الحكم الفردي المزيفة ببرلمانية برجوازية, مادة بذلك أحسن الضمانات للحكم الفردي, بيد أن كلتي البرلمانيتين لا تعتبر الشعب أكثر من حصان تمتطي صهوته.
ولعل محاولة" حزب التحرر والاشتراكية" الرامية إلى نيل نصف مقعد في حظيرة "الكتلة" على أساس نفس البرلمانية البرجوازية لتعبر عن نفس الروح الطبقية للبرجوازية التي يميزها نفس الاحتقار للجماهير والخوف من نضالاتها.
2) كما أن المواقف الغامضة والملتوية التي عبر عنها جميع السياسيون البرجوازيون, في الوقت الذي كان واجب الوطنيين العرب هو تنظيم الجماهير وتعبئتها ضد مشروع " روجزر" تشكل خيانة شاملة من طرف تلك الشرذمة من محترفي السياسية وتجعل منهم صورا معلبة طبق الأصل ل"حسنين هيكل" منظم الهزائم و الإستسلامات, وان دموع التماسيح التي يذرفونها الآن حسرة على السفك والتقتيل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني (وثورته الجبارة), لا يمكنها أن تنسينا الحملات التضليلية التي غمرنا بها بعضهم, ولا السكوت المتواطئ الذي إلتزمه البعض الآخر, إذ التحقوا جميعا في هذه المرحلة الحاسمة من الثورة العربية بمعسكر أعداء الثورة.
كل هذا يفرض الحقيقة التالية :
إن طريق المستقبل الوحيد بالنسبة للمغرب, الطريق الثوري, قد انفتح وواجب كل المناضلين المخلصين هو المساهمة في التوضيح الأيديولوجي حول هذا الطريق, وفي هيكلة الأداة الحاسمة " الحزب الماركسي-اللينيني", وهذا ما سيتناوله المشروع الأولي للأطروحة الثورية .

إن القراءة النقدية لهذه الوثيقة توضح مدى أهمية الصراع داخل حزب التحرر و الاشتراكية بين القيادة البورجوازية و القاعدة العريضة من الشباب المتطلع إلى التغيير الجذري ، لكن التراجعات السياسية للقيادة الحزبية أمام هجوم النظام المخزني على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين أفرزت تيارا يساريا جذريا داخل الحزب ، مما دفع المناضليين إلى تأسيس حركة ماركسية لينينية إلى جانب المناضلين المنسحبين من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
و كان هاجس توحيد صفوف الحركة الماركسية اللينينية يشغل بال المناضلين المنسحبين من الحزبين ، الذين أسسوا منظمتين سريتين " أ " و " ب " يجتمع مناضلوهما حول مجموعة من النشرات من بينها " أنفاس " و " المناضال " و " الشيوعي " و جريدة " إلى الأمام " التي انفردت بإصدارها منظمة " أ " التي أصبحت تحمل اسمها منذ صدور العدد السابع سنة أبريل 1973 ، بعد امتناع منظمة " ب" المشاركة في إصدارها و التي أصدرت جريدة " 23 مارس " التي تحمل اسمها فيما بعد ، كما أن منظمة "ب" عرفت انتقاقا بسبب الموقف حول أهمية العمل الجماهيري بالمنظمات النقابية للعمال و الطلبة و أسس الإتجاه الرافض لهذا الطرح منظمة " لنخدم الشعب " .
و لعل صدور البيان المشترك بين منظمة " إلى الأمام " و " 23 مارس " حول الصحراء ، و صدور وثيقة " طريقان لتحرير الصحراء " من طرف منظمة " إلى الأمام " التي أصبحت وثيقة مشتركة بين المنظمتين في أكتوبر 1974 ، يعتبر عملا مشتركا في محاولة لتوحيد صفوف الحركة الماركسية اللينينية رغم الاختلافات السياسية بينهما نتيجة الاتجاه اليميني داخل منظمة " 23 مارس " الذي انتهز اعتقال قيادات المنظمتين للهيمنة على الأجهزة القيادية لهذه المنظمة ، و بناء تحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المنشق عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التقدم و الاشتراكية التسمية الجديدة لحزب التحرر و الاشتراكية بعد رفع الحذر عنه ، و يعمل على إصدار جريدة 23 مارس بالخارج و جريدة أنوال بالداخل ليؤسس فيما بعد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي .
و عرف حزب الاتحاد الاشتراكي بدوره انشقاقات متتالية أفرزت الاحزاب التالية :
ـ حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي سنة 1983.
ـ حزب المؤتمر الاتحادي سنة 2001.
ـ جمعية الوفاء للديمقراطية سنة 2001 .
و رغم محاولات المناضلين الماركسيين اللينينيين داخل السجون لتوحيد صفوف الحركة الماركسية اللينينية لم يستطيعوا تجاوز الاختلافات السياسية و الايديولوجية ، التي ستتعمق بعد ما يسمى بالعفو عن السجناء السياسيين في سنة 1994 الذي فتح الباب مرة ثانية لمحاولة تجميع المناضليين اليساريين ، خاصة في ظل انتهيار التجربة الاشتراكية بالاتحاد السوفييتي و دول شرق أوربا و الهجوم على الفكر الماركسي من طرف العولمة الليبرالية المتوحشة ، و أفرزت هذه المرحلة ثلاثة تيارات يسارية وهي :
، النهج الديمقراطي .
ـ الحركة من أجل الديمقراطية .
ـ الديمقراطيون المستقلون .
من خلال القراءة التاريخية لتجربة اليسار بالمغرب و بالدول العربية بصفة عامة يتضح وجود صفة التشردم و الشتات و الانشقاقات في صفوف الأحزاب اليسارية ، فرغم مرجعياتها التي ترتكز إلى الفكر الماركسي إلا أنها لم تستطع لم شمل صفوفها .
فلماذا يطبع التشردم الأحزاب اليسارية المغربية و العربية بصفة عامة ؟
للإجابة عن هذا السؤال لابد من القراءة النقدية للتشكيلة الاجتماعية لهذه الأحزاب و سيرورتها التاريخية التي أفرزتها و أهم مواقفها السياسية التي تدافع عنها و آليات اشتغالها لتحقيق برامجها المرحلية و الاستراتيجية .
لكن قبل كل شيء لابد من الإشارة إلى أن الحزب اليساري كما وضع أسسه ماركس و إنجلس و لينين يرتكز في بنائه إلى الطليعة الثورية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، من أجل فرض دكتاتوريتها على الطبقة البورجوازية راعية النظام الرأسمالي عدو البروليتاريا ، فإلى أي حد استطاعت الأحزاب اليسارية المغربية و العربية بصفة عامة تنظيم الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ؟
إن العوائق الأساسية لبناء الحزب المستقل للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين متعدد و يمكن ادراج من خلال الملاحظات التالية
للوقوف عند المعيقات الذاتية و الموضوعية لبناء وحدة اليسار الجذري المغربي و العربي بصفة عامة و هي كما يلي :
ـ إن القمع الأسود الذي واجه به النظام المخزني الحركة الماركسية الليتيتية منذ بداية نشأته و نعرض قياداتها للإختطاف و الإعتقال
ستهم بشكل كبير غي تشتت اليسار الجذري .
ـ إن القيادات الحزبية لليسار منذ نشأته إلى الآن تنحدر من طبقة البورجوازية المتوسطة و الصغرى و لا تستطيع الصمود أمام هجوم البورجوازية الكومبرادورية راعية مصالح الأنظمة الرجعية الليبرالية التبعية و مصالح الرأسمال المركزي .
ـ إن هذه القيادات البورجوازية لا يستطيع بناء تحالف جذري مع الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و الخروج من نطاق الدفاع عن مصالحها التي يتم مساومتها بها من طرف الأنظمة العربية الرجعية و استدراجها لاحتوائها فيما بعد .
ـ إن القيادات الحزبية البورجوازية لليسار تتنكر لمطالب الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين كل ما دخلت في اللعبة السياسية للأنظمة السائدة في ظل الديمقراطية الشكلية ، و التنازل عن مطالب الجماهير مقابل مواقع سياسية في السلطة .
ـ إن القيادة البورجوازية لأحزاب اليسار تتنكر للديمقراطية الداخلية و تتخذ قرارتها بشكل بيرقراطي بعيدا عن إرادة القواعد في ظل التوافقات مع الأنظمة السائدة ، الشيء الذي تنشأ معه صراعات بين القيادات البورجوازية و القواعد خاصة منها الشبيبة لتفرز من جديد تيارات تتحول إلى حزب جديد .
ـ إن جميع الطبقات من بورجوازية كومبرادورية و ليبرالية و متوسطة و صغرى تمتلك تنظيماتها السياسية التي تعبر عن مصالحها ، إلا الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين فلم تمتلك إلى الآن حزبها السياسي المستقل الضامن الأساسي لوحدة اليسار .
من خلال قراءة هذه الملاحظات تتضح المهمة الأساسية للأحزاب اليسارية المغربية و العربية بصفة عامة ، و التي تتجلى في المهمة التاريخية الضرورية و هي بناء الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، فلا وحدة يسار بدون إنجاز هذه المهمة التاريخية التي تؤكد عليها المرجعية الماركسية التي وضعها ماركس و إنجلس و لينين .
و لعل النص التالي المأخود من وثيقة منظمة " إلى الأمام " : لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو يبرز أهمية الإستنتاج السابق و ضرورته التاريخي في المرحلة الراهنة .

لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو

إن الدرس المركزي الذي أبرزته الماركسية, كنظرية للثورة البروليتارية, منذ البداية, هو ضرورة بناء حزب شيوعي, كنواة قائدة لهذه الثورة. وليس من قبيل الصدف, أن كان أول نص يشكل اندماج هذه النظرية الثورية البروليتارية, يسمى ب"البيان الشيوعي".
وقد ذكر المؤتمر الثاني للأممية الثالثة المنعقد في يونيو 1920, حول دور الحزب الشيوعي في الثورة البروليتارية, بما يلي:
لو كانت الطبقة العاملة, خلال كمونة باريز (1871), تتوفر على حزب شيوعي منظم تنظيما محكما, مع أنها قليلة العدد, لكانت أول انتفاضة للبروليتاريا الفرنسية البطلة أكثر قوة ولتجنب أخطاء وأغلاطا عديدة. إن المعارك التي ستخوضها البروليتاريا, في ظروف تاريخية مخالفة تماما, ستكون لها نتائج خطيرة أكثر مما كان سنة 1871 (1).
إن هذا الدرس مقبول, بكل وضوح, من طرف جميع الثوريين الذين يرون بأن الماركسية-اللينينية هي وحدها القادرة على قيادة النضال التحرري للبروليتاريا والشعوب المضطهدة. ولكن كيف يتم بناء هذا الحزب الثوري الماركسي-اللينيني, الحزب القائد للثورة؟
كيف يتم بناؤه, عندما يحطم قمع العدو الفاشي المنظمات الثورية, بمعدل يساوي تقريبا معدل تركيبها؟
لعل هذا النص سيساهم بشكل كبير في إبراز الأسباب الذاتية و الموضوعية لتشردم اليسار الجذري
امال الحسين تارودانت في : 10 شتنبر 2004