الاتحاد المغربي للشغل.. دروس في السياسة


حسن أحراث
2010 / 10 / 13 - 02:21     

لا أقصد إعطاء الدروس لأحد، بل أقصد الاستفادة من دروس السياسة، خاصة أن التجارب السياسية المغربية غنية بالدروس. ومناسبة هذا الموضوع هي انعقاد أول مجلس وطني للاتحاد المغربي للشغل بعد وفاة زعيمه الحديدي المحجوب بن الصديق.
فحتى الآن، ومنذ 07 أكتوبر 2010، تاريخ انعقاد المجلس، لم يصدر أي بلاغ أو بيان أو أي منشور مسؤول عن الاجتماع، وهو ما فتح المجال للإشاعة والتكهنات. ومن بين ما ذهب إليه بعض المعنيين والمتتبعين للشأن النقابي الحديث عن "طبخة" أو "صفقة" فيما بين المكونات المؤثرة داخل الاتحاد. وهناك من ذهب الى حد الحديث عن دخول صديق الملك على الخط.
في جميع الأحوال، من حق الرأي العام معرفة، على الأقل، خلاصات الاجتماع. فلم يعد مقبولا حجز المعلومة أو الوصاية عليها تحت أي ذريعة. ومعلوم أن الحق في الولوج الى المعلومة صار مطلبا ملحا. ولا معنى أن نطالب بهذا الحق لأنفسنا ونصادره لغيرنا.
وإذا كان الزعيم الحديدي حجرة عثرة أمام إخبار الرأي العام بكل ما يجري داخل الاتحاد، نظرا لنزوعه نحو الغموض وإخفاء الحقائق، فما يمنع الآن من تكسير أو تجاوز "قاعدة/عقدة" الزعيم الراحل؟
هل نفهم أن لا شيء تغير داخل الاتحاد، خاصة وأن المنسق الحالي هو اليد اليمنى سابقا للزعيم؟ أم أن هناك فعلا "توافقا" فرض احترامه السكوت عن تفاصيله وحيثياته؟
في الحالتين معا، يكون أملنا في انتزاع مركزية نقابية، من حجم الاتحاد المغربي للشغل (أول مركزية نقابية بالمغرب، ومن بين المركزيات "الأكثر" تمثيلية)، من مخالب البيروقراطية والنظام قد تبدد.
نعم، الكل يتحمل المسؤولية، ولا أخفي بدوري مسؤوليتي كمناضل تجاه ما يجري داخل الاتحاد، وحتى خارج الاتحاد. وتناول الموضوع، ولو من خارج الحقل النقابي، أعتبره إسهاما في توضيح الرؤية ودعما للتوجه المكافح داخل النقابة.
أعود الى دروس السياسة، وأتوقف عند نقطة جوهرية واحدة، وهي السقوط في فخ "التوافقات" غير المنسجمة وغير الطبيعية، والتي ليست بالضرورة توافقات نقابية. وأستطيع القول، إن التوافقات المنسجمة (والطبيعية)، هي بدورها قد تسفر عن نتائج ليست بالضرورة إيجابية أو مقبولة. وكلنا يتذكر حكاية عبد الرحمان اليوسفي والحسن الثاني والنتائج الكارثية التي ترتبت عنها والتي يؤدي الشعب المغربي الآن ثمنها غاليا، وكلنا يتذكر أيضا حكاية الاتحاد الاشتراكي ورئيس الدولة الحالي أو ما يسمى ب "المنهجية الديمقراطية". ناهيك عن أمثلة عديدة يعج بها التاريخ المغربي قبل إيكس- لي- بان وبعدها. وتمثل دروسا غاية في الأهمية، رغم أنها جزء من الأخطاء القاتلة التي فتكت برموز معروفة كالمهدي بن بركة، وأجهضت تجارب سياسة عديدة، في مقدمتها تجربة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.
إن أخطر ما يترتب عن التوافقات غير "السوية" هو إضعاف الطرف الحالم، أي الطرف الذي قد تكون تقديراته أو تحليلاته للوضع الذي حصلت فيه التوافقات غير سليمة. وهذا، افتراضا أن الطرف الحالم يهمه فعلا انتزاع مكاسب معينة من تلك التوافقات، ولا يهمه بأي شكل من الأشكال تسويق الأوهام أو تكريس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
وما قد يحصل داخل الاتحاد هو تثبيت أقدام البيروقراطية "القديمة" المدعومة من طرف النظام، سواء بالواضح أو بالمرموز. وستصادر هذه البيروقراطية، لا محالة، أي طموح في إعمال الديمقراطية الداخلية أو اعتماد ثقافة جديدة في تدبير الشأن النقابي كبديل للكولسة والتواطؤ. فالمصالح القائمة الآن داخل الاتحاد لن تسمح عن طيب خاطر بتفويتها أو تفتيتها أو تقاسمها. وهو ما أحذر منه المناضلين والمناضلات داخل الاتحاد المغربي للشغل.
إن الخطأ الأول هو قبول "التوافق" أي توافق/تعاقد في ظل موازين قوى سياسية مختلة لصالح البيروقراطية والنظام. والخطأ الثاني هو عدم إعلان نتائج التعاقد/التوافق، وقبل ذلك حيثيات وفحوى هذا التعاقد/التوافق. وهو ما يخلص البيروقراطية من أي التزام في حالة خرقها لذلك التعاقد.
قد يبدو أن مهادنة البيروقراطية الآن ستسمح للمناضلين والمناضلات باقتحام مواقع أو قلع البيروقراطية وعزلها (...) ثم تدميرها (...). لكن، هل البيروقراطية بليدة الى هذا الحد الذي لن تدرك فيه ما يدور حولها أو ما يمكن أن يقوض توازنها ويشوش على حضورها؟ وحتى إذا كانت بليدة، بالمعنى السياسي، وهو ما لا يعقل أمام الرغبة الجنونية في الحفاظ على المصالح (من قوانين الصراع الطبقي)، فإن النظام، عراب البيروقراطية، لن يكون هو أيضا بليدا. وربما ستكون البلادة هي مهادنة البيروقراطية من موقع ضعف. وهو ما ينم عن قراءة غير صحيحة لواقع الصراع الطبقي ببلادنا في هذه اللحظة التاريخية.
وتجدر الإشارة في الأخير الى أهمية بناء الأداة السياسية المناضلة وبالقوة المطلوبة، كأولوية، من أجل تغيير موازين القوى ليس فقط داخل الاتحاد المغربي للشغل، بل أيضا داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وداخل المجتمع المغربي عموما.
حذار! إننا كثيرا ما نخلف الموعد مع التاريخ ونغرق في متاهات التوافقات غير المشروعة...