انتهاء زمن الدولة الأبوية


عبدالله خليفة
2010 / 1 / 27 - 20:42     

لم تعد الدولة بقادرة على الاستمرار في الدور الأبوي الحاضن الراعي، فهي ربة عمل، وربة عمل مثقلة بالمهام الجسام واتخاذ دور الحاضنة المستمرة وهي تريد أن تربح وهي تخسر، فتصير ربة عمل فاشلة، عليها ديون كثيرة وأرصدتُها تتآكلُ باستمرار لعدم الصرف الدقيق على جوانب التنمية وتدني مكانة وزارات الخدمات المُجسدة المفترضة لحاجات المواطنين، ولكونها ربة العمل الرئيسية المهيمنة على الاقتصاد الصناعي وموارد الثروة الكبيرة، من دون أن تكون هناك رقابة دقيقة في هذا الغبش الاقتصادي.
فلماذا التشبث بهذا الدور الذي انتهى زمنه خاصة ان الرواتب الحكومية صارت معروفة، والاستدانات الحكومية باتت مكشوفة؟
إن انتهاء زمن الدولة الأبوية (الراعية) محفوف بالمخاطر كذلك، فقوى المال والصناعة لا تعطى مجالاً لأن ترث الصناعات الاستخراجية التحويلية، فهي جزء من الورثة الاقتصادية للنظام الذي أُدير بعقلية أبوية (راعية) خلال الثلاثة العقود الماضية، ولاتزال الوزارات تشمرُ سواعدَها لجلب مثل هذه الصناعات الهائلة ثم يكون راتبُ المواطن مائتي دينار بشكل متوسط!
ويتم النضالُ البرلماني الهائل من أجل جعله ثلاثمائة أي ما يقارب ألف دولار! فأي سوق داخلية تكون مثل هذه الرواتب؟!
إن الحكومة مصرة على أن تواصل دور الدولة الراعية، وهو دور المالك الأكبر، غير القادر على تطوير الاقتصاد ديمقراطياً وجعل معيشة المواطنين معقولة، وهي لا تريد أن تتخلى عن هذا الدور الأبوي.
ربما تستطيع قوى المال والصناعة البحرينية أن تساهم وتمتلك هذه الثروة أو جزءا منها، التي لا تأتيها الخصخصة بل تتجه الخصخصة للبريد والبلديات!
بطبيعة الحال إن تخلي الدولة عن دور الراعي الأبوي يتطلب علاقات جيدة بين الطبقات البحرينية كافة، رجال أعمال وعمالاً وقوى في المدن وقوى الريف، مثقفين وكادحين. والأهم أن ترتقي هذه القوى لمسئولياتها الوطنية التاريخية في هذه المرحلة وتضع عدم رفع سقف المطالب بشكل تعجيزي كشعار أساسي لها جميعاً، لكي نخرج خلال سنوات من المطب السابق والمطب الراهن.
لكي نصل إلى هذا الموقف الوطني المتعاضد فيجب أن تتحمل قوى المال والصناعة مسئولياتها في تطوير قوى العمل البحرينية، أن يكون لها دور في تطويرها وحمايتها، وأن تكون لها مواقف سياسية داعمة للبحرنة والديمقراطية والصناعة الوطنية والحريات، أي أن تخفف من غلواء التطرف السياسي الشعبي والفساد الحكومي معاً.
كما أن قوى العمل خاصة في الريف يجب أن ترتقي للمهمات الوطنية المتزايدة الصعوبة في هذه المرحلة، تضحيةً في مجال التعلم والتدريب والأجور واللغة والثقافة، وأن تثبت انها أفضل من قوى العمال الأجنبية التي حملت لنا الكثير من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية وانجزت الكثير كذلك من التحولات الاقتصادية رغم بؤسها وعذابها خاصة للأغلبية الفقيرة منها.
إن وراثة دور الدولة الاقتصادي الشامل الذي نريد أن نتجاوزه يتطلب قوى سياسية وطنية متحدة، رأسماليين أفرادا مفترضين وكثيرين في جهاز الحكم، ورأسماليين يريدون وراثة هذا الدور الشامل غير المستساغ مع تطور الحريات لكنهم لا يمتلكون خريطةً سياسية على الأرض، وقوى اجتماعية أغلبها فقير يريد تنمية شاملة للرأسماليين وللعمال البحرينيين معاً، وقوى دينية تعيش تحت ألحفة رأسمالية باطنية لا تجد حتى الآن سوى الرأسمال الثقافي الديني تتاجرُ به، والإيديولوجيون الدينيون لا يقدرون على شراء أملاك حكومية كبرى، ويريدون إذا توسعت المغامرات أن يرثوا الأملاكَ العامةَ بشكلٍ سياسي، أي ألا يدفعوا شيئاً، وأن يصيروا هم البيروقراطية الحكومية المتنفذة.
أي أن يواصلوا دور الدولة الأبوية.
إن عدم التوجه لدولة رأسمالية ديمقراطية علمانية حرة، مرفوض من أغلب الأطراف السياسية الدينية غير العلمانية وغير الديمقراطية، فالكلُ يحلبُ باسم المذهب والوطن والقضية!