حول الدولة و دور الطبقة العاملة في العراق ...الجزء الثاني: التغيير امر ممكن!


نادية محمود
الحوار المتمدن - العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 10:11
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

سعينا في الجزء الاول من هذه المقالة الى توضيح بان تكوين الحكومة يتشكل في السنوات الاخيرة بتدخل قوى الاحتلال الامريكي و التدخل الايراني، الانصياع الى شروط صندوق النقد الدولي، و الى ميشليات الاحزاب الاسلامية و القومية. و ان الجماهير و الطبقة العاملة غائبة عن التدخل في رسم مصيرها، الا ان المواطن، يعيش بشكل يومي "عطايا" هذه الحكومة و التي تتلخص في سلسلة من الحرمانات: الحرمان من الماء والكهرباء، و ضمان العمل، والامان، والاشراك السياسي في اتخاذ القرار. المواطن اليوم يبحث عن بديل. فهل التغيير امر ممكن؟ بشكل عام تضع الطبقة الرأسمالية امام الجماهير طريقين لادارة شؤونهم السياسية: اما الديكتاتورية السافرة او " الديمقراطية". الديمقراطية البرجوازية في الانتخابات و التصويت هي للادعاء بانها " استفتت" الارادة السياسية للمجتمع، واصباغ الشرعية على ممثلي طبقتهم بتولي ادارة البلد السياسية و الاقتصادية.

ان الادعاء بان الحكومة تعبر عن مصالح كل المواطنين، وعن عموم المجتمع لهي اكذوبة كشف عنها ماركس منذ مائتي عام تقريبا الا ان الرأسمالية و حكوماتها لازالت تردد هذه الكذبة. الحكومة ليست جهة محايدة. ليست مؤسسة منفصلة عن و لا هي فوق الطبقات. الحكومة بعينها و الدولة بعينها في اية لحظة زمنية معطاة هي تعبير عن الطبقة المسيطرة - الا في بعض فترات الازمات، او التغييرات الثورية، التي تبدو فيها كلا الطبقات على مبعدة من السيطرة التامة على السلطة السياسية - لذا، ان نشر الوهم بان الانتخابات هي استفتاء لارادة المواطن لهي عملية ذر الرماد في العيون. فاية حكومة مترشحة عن هذه الانتخابات في دولة تسيطر عليها الراسمالية، هي حكومة الطبقة الرأسمالية و المعبرة عن مصالحها ليس الا.
الطبقة الرأسمالية متمرسة في السلطة منذ ثلاثة قرون. و سبب بقاءها في السلطة و قدرتها على حماية وجودها واعادة انتاج نفسها، هي الوجة الاخر، لعدم تقدم الطبقة العاملة سياسيا الى الميدان. قوة الطبقة الرأسمالية انها تمكنت من استخدام القمع بشكل وحشي من اجل الحفاظ على وجودها، اضطهادها للمجتمع، القضاء على كل بادرة تسعى للتغيير، تهميش الطبقة العاملة سياسيا، ارهابها، ابعادهم عن السياسة، وحددت لهم " النقابات العمالية" كاطارا للتنفيس و المطالبة ببعض مطاليبهم الاقتصادية و ليست السياسية.
مع هذا، لم يكف العمال عن النضال، فقد تمكنوا في فترات و اماكن مختلفة من ألاستيلاء على السلطة السياسية في كومونة باريس و ثورة اكتوبر، و دخلت في صراع ضاري في بلدان اخرى و خاصة في اوائل القرن المنصرم في فنلندا و في المانيا، الا ان دموية القمع الذي واجههته وقدرة البرجوازية القومية على امتصاصها تلك الثورات و الالتفاف عليها كانت سببا في عدم تمكنهم من الامساك بزمام السلطة، او استمرار سيطرتهم عليها. في العراق كانت لنا تجربة الحركة المجالسية في عام 1991 و التي اسفرت عن اخراج الحكومة المركزية من السلطة الا انها ومع امتلاكها لقدرة اخراج الجيش العراقي، الا انها لم تضع امامها افاقا بالسيطرة على السلطة السياسية، والحل محل حزب البعث في ادارة شؤون جماهير كردستان، مما مكن القوى البرجوازية الكردية المدربة بشكل افضل من السيطرة على الاوضاع، ومن ثم تراجع الحركة المجالسية في المجتمع.
ان امكانية نيل الطبقة العاملة للسلطة السياسية و قدرتها على ادارة شؤون المجتمع على جميع الاصعدة امور يجري التعتيم عليها، واظهارها، بانها في عداد المستحيل، وان الالية السياسية الرأسمالية الوحيدة هي الاسلوب الراسمالي و الديمقراطية الرأسمالية، والحال وكما عبرت احدى السيدات العراقيات يوما على شاشة احد القنوات العربية بان" الفرق بين الديكتاتورية و الديمقراطية هي انك لا تستطيع ان تعبر عن رأيك في نظام ديكتاتوري، اما في النظام الديمقراطي، تستطيع ان تتحدث، الا ان لا احدا يسمعك". هل الوقت متاخر؟ هل اصبحت هذه الافكار قديمة و كلاسيكية، كما تروج الطبقة الرأسمالية و ابواقها الاعلامية و البعض من الشيوعيون التائبون؟ يذكروننا " الا تشاهدوا التلفزيون، الا نقرأو صحف الانترنت ان تجربة الشيوعية سقطت وان علينا اعادة النظر بهذه النظريات". الوقت لا يكون متاخرا ابدا على التغيير. قد يكون متاخرا بالنسبة لاعمارهم القصيرة، و لكنه ليس متاخرا عن الصراع الدائر منذ قرون و سيستمر لقرون قادمة، ان لم نكتب ونصنع تاريخا اخرا اكثر انسانية. الصراع قائم، مستمر وحيث انه كذلك، امكانية انتصارنا امر قائم و ممكن. ان التدخل الامبريالي العالمي و البرجوازي الاقليمي، الاحتلال الاميركي و الايراني للعراق، يضع مهاما جسيمة على عاتق الطبقة العاملة.
فالحكومة تقوي نفسها، بقدر تواجد الالة العسكرية الامريكية محيطة بها، ومدافعة عنها، في نفس الوقت، وجود الظهير الايراني لحكومة الاحزاب الاسلامية في العراق، يعطي الاحزاب الاسلامية فرصة للتفاوض و للحفاظ على توازن هش مع امريكا، من هنا نرى- عدم توقيع المالكي للاتفاقية الاميركية-. لذلك، قبل ان تصفي الطبقة العاملة حسابها مع الاحزاب الاسلامية المؤسسة للحكومة في العراق، عليها ان تتواجه مع الجيش الامريكي اولا، مع القواعد العسكرية الاميركية، والاتفاقيات الاميريكية، ومع كل التواجد الاميركي في العراق. المنتصر في دحر امريكا من العراق، هو المنتصر في المعركة من اجل الاستحواذ على السلطة السياسية في العراق. الحكومة العراقية بهذا الاطار تاتي ثانيا. فاللاعب الرئيسي في العراق اليوم، ليست حكومة المالكي، بل التواجد الامريكي.
ان تنظيم و تنشيط قوة مناهضة للاحتلال في داخل العراق، امر يكتسب اهمية استثنائية اليوم. و قد بدأ المجتمع يعبر عن معارضته بتنظيم العشرات من التحركات و التنظيمات و الحملات من اجل انهاء الاحتلال، تاسيس مؤتمر حرية العراق، تشكيل الجبهة المناهضة لقانون النفط، دور المنظمات و الاتحادات العمالية، قدمت نفسها كقوى ناشطة ضد الاحتلال. كذلك الحال، بالعمل المشترك مع الحركة الداعية لانهاء الاحتلال و خاصة في الولايات المتحدة، التي تنشط العديد من منظماتها ضد احتلالها للعراق. فالكثيرون رددوا ان الجيش الاميركي انهزم في الشارع الاميركي قبل ان ينهزم في فيتنام. يطلق المواطن في العراق وصف الاحتلال الايراني للعراق، ولا يراه اقل اذى وتدميرا عن الاحتلال الامريكي للعراق, ان تدخل ايران اللامحدود في العراق، تستدعي نهوض حركة علمانية هادفة الى انهاء النفوذ الاسلامي الايراني، اضافة الى العمل المشترك مع القوة الشيوعية و اليسارية و المناهضة للجمهورية الاسلامية في ايران تفرض نفسها الان اكثر من اي وقت مضى.
انظروا لهذه الصورة، اولئك الذين يتشدقون بانهم يؤسسون للديمقراطية في العراق، باقامة الانتخابات و يطالبوا المواطن بالذهاب للتصويت ويقومون بنفس الوقت بتوليد اشكال سياسية جديدة لفرض سلطهم وهمينتهم، تحت ذريعة ادارة شؤون البلاد، خارج اطار الانتخابات، ولا تمت بصلة الى الالية الديمقراطية التي ادعو بها، ونادوا بها. فقد لجأت القوى الاسلامية الميلشياتية الى ان تحكم الشارع بقوة سلاح ميشلياتها، الى اقامة كانتوناتها، الى محمياتها، الى تثبيت مناطق سلطتها. اطلقوا على المدن اسماء رموزهم الدينية، يرسلون ممثليهم الى البرلمان و الحكومة وبنفس الوقت يتقاتلون مع ميليشيا الحكومة.
لقد شهدنا في الايام الاخيرة على ضوء الاضرابات التي اقامتها المنظمات العمالية و التي حصلوا فيها على رخص بالتظاهرات من دوائر الشرطة، الا ان قوات بدر قامت بفتح النار عليهم، دفاعا عن وزراة المالية و الحكومة. حيث ان ميلشيات " بدر" هي صاحبة اليد العليا وهي تشكل قلب الجيش. اي وباختصار، تجد اشكالا سياسية وادارية لم ترى من قبل، اشكال تبتكرها الاحزاب و الميلشيات بهدف واحد لا غير، فرض سلطتها باي شكل وباية وسيلة كانت. لم تكن كانت كردستان لمدة اثني عشر عاما، دولة مستقلة، و لكنها ايضا لم تكن جزء من دولة العراق وادارت شؤونها بنفسها و هي تضع يدا في ايدي الحكومة العراقية، الا ان اقدامها خارج اطار السيطرة المركزية للنظام السابق.
في العراق تدار المدن بقوى الميلشيات وقانون المحافظات يلعب دورا كبيرا في تمزيق وأنهيار التحالفات السياسية الموجودة لحد الان. لذلك، حين نتحدث عن ايجاد مواقع امنة للجماهير، وان نتمكن من ان ادارة شؤون مناطق حسب قدراتنا، يكتسب ذلك معناه، في هذا الاطار السياسي والاداري الذي يعيشه المجتمع في العراق. لقد بدأت منذ عام 2003 حركة العاطلين عن العمل، وتمكنت من تعبئة عشرات الآلاف حولها حول مطلبي "فرصة عمل او ضمان اجتماعي"، الا ان الدرس كان يكمن، في ادامة عملها، في تصعيده، و في ان يتخذ مكانه على صعيد المجتمع. وكذلك العديد من التحركات التي قامت بها الاتحادات العمالية من اجل احداث التغيير المنشود. يجب الضغط من كل الجهات، الضغط على البرلمان بتنظيم حركة واسعة لفضح حقيقة البرلمان، و لصوصيته و حرمنته و تبيان حقيقته.

هنالك دروس عديدة يمكن الانتفاع منها في حركات عمالية ضد البرلمانات، من قبيل ما حدث في كومونة باريس، حيث فرض تحديد اجور متساوية لاعضاء البرلمان، وهي محددة بقدر راتب لمواطن عامل تكفيه لتسديد نفقات معيشته، لا ان تكون العضوية في البرلمان، راسمالا جديدا، وكانت الحكومة للكومونيين هي ان لاتفسد الادارة السياسية بحكم الحصول على الاموال.
كم من القصص سمعنا عن اولئك الذين كانوا يعتاشون على الدعم الاجتماعي للدول الاوربية، الا انهم عادوا لها بعد فترة من تواجدهم في البرلمان او مواقع حكومية متقدمة في العراق، عادوا لاوربا ليشتروا الفنادق الضخمة، دون ان يسالهم احد من اين لك هذا؟ يجب ان يفضح البرلمان الذي يناقش اولا وقبل كل شيء مسالة اجورة و مخصصاته قبل ان يناقش حاجات المواطن. تنظيم الشارع، وتعبئة الناس في اتخاذ مواقع و محميات خاصة للناس، يجب ان يبدا الناس بادارة شؤونهم بانفسهم.
ان القضية الاساسية الحاسمة هي وجود قيادة و تنظيم، الظهور بموقع مسؤول عن المجتمع. يجب ان يتسلح العمال و ان يشكلوا قوة تعيد توجيه السلاح الى خصومهم. تسعى الاحزاب الميلشياتية الحاكمة الى خلع سلاح كل مواطن، والسلاح فقط بايدي ميليشياتها تحت ادعاء "محاربة الارهاب"، الا ان هذه خدعة كبيرة، انه خلع السلاح من طرف لصالح هيمنة الطرف الاخر، لان الميلشيات هي التي تقوم باعمال الارهاب.
ان ضعف الطبقة العاملة و الفئات البرجوازية المتمدنة و المتضررة مما يجري في العراق جراء نشر البربرية في المجتمع، هو الوجه الاخر لقوة الميلشيات ورجالاتها السياسية واحزابها الممولة بمليارات الدولارات من قبل دول المنطقة.
ضعف الطبقة العاملة ظهر في عدم تنظيم لنفسها، قلة حزمها وارادتها، غياب القيادة و الافق، فقدان القرار و التصميم على عمل شيء اتجاه القوى والميلشيات السائدة والمدعومة والمحمية من قبل الاحتلال. عناصر " قوتهم" هي الوجه الاخر لعناصر "ضعفنا". يجب تعلم الدروس، و يجب قلب المعادلة.
ان الامر الحاسم للتغيير هو ان يكون هنالك "قرارا" للتغيير، برنامج عمل وتنظيم للتغيير، ان يكون هناك عمل يومي و دؤوب لاحداث تغيير، ان يجري الضغط من كل الاتجاهات، من اجل انتزاع ما يمكن انتزاعه وفرض ما بالامكان فرضة.
وحين يكون هنالك غليانا في المجتمع، فان اية شرارة، اية حركة يمكن ان تطلق ثورة بكاملها، هكذا تعلمنا التجارب الثورية السابقة. الدولة تصنع و الحكومات تصنع ( بضم التاء). انها ليست اصناما، ولدنا وجدناها امامنا، وسنموت و تبقى خلفنا صامدة كالاهرامات. الحكومات تصنع، ومن بيده القوة يمكن ان يؤسس حكومته. لذلك ان تغيير حكومة الطبقة الرأسمالية الى حكومة الطبقة العاملة الى حكم الاكثرية امر ممكن.
ما يسود اليوم هو عصابات تملك الاموال، وتريد ان يكون لها سيادة على المجتمع. انها ليست دولة. انهم ليسوا بحكومة. وعي هذه الحقيقة يسهل علينا معرفة كيفية تفكيكها. ان مصادر قوتهم هي المال، الارهاب، التنظيم، الدعم الاقليمي و العالمي.
فما هي مصادر قوتنا من اجل التغيير. سنتحدث عن ذلك في الجزء الاخير من هذه المقالة.