قضية سما السدود والملكيات الاقطاعية


وليد حكمت
2007 / 6 / 8 - 12:16     

وصلتني قبل حين رسالة مكررة عبر الايميل من قبل موقع الدكتوراحمد الزعبي رئيس حزب الاحرار الاردنيين يطالب فيها الحكومة الاردنية باعادة اراض زراعية تعود ملكيتها لجده الاكبر وهي اراض في منطقة سما السرحان او سما السدود تبلغ مساحتها ستة عشر الف دونم يدعي فيها بان جده اقام في تلك الاراضي وتملكها هو وبعض افراد من اسرته في سالف الزمان حيث انشا بدوره سدودا لتجميع المياه في شمال الاردن فيقول(في عام 1850 كان جدي الأكبر الحاج طه الزعبي يسكن في منزله في سما السدود وله املاك واسعة فيها) وتقدر قيمة الارض التي صادرتها الدولة الاردنية وسجلتها باسم الخزينة بثمانين مليون دينار على حد قوله وفي رسالة اخرى كان ناطقا باسم حزب الاحرار الاردنيين الذي يناصره خمسون الفا من المواطنين داخل الوطن وخارجه كما يدعي ورسالة اخرى ايضا تثبت النسب الشريف لرئيس الحزب عن طريق اتصاله بالرسول محمد عليه السلام ولا اعلم لماذا اجتمعت قضية المطالبة بتلك القرى مع اثبات النسب مع رئاسة الحزب

لو وجهنا سؤالا للدكتور احمد حول طبيعة العمل في تلك الاراضي الشاسعة في ذلك الوقت من الذي كان يعمل في تلك الاراضي والاقطاعات الواسعة المهولة هل هو جدك واسرته ام ان تلك الاراضي ان صح الادعاء انها كانت تزرع و تدار من قبل مئات العبيد والفلاحين المسخرين المستأجرين فهل يعقل ان يزرع ويستصلح تلك المساحات الواسعة اسر بسيطة العدد لا يوجد لها الا وريث واحد أم ان هذه الاراضي التي كانت تستغل وتقام فيها السدود كانت تدار من قبل الفلاحين والعبيد الذين كانوا يستخدمون لهذه الغاية؟؟؟ ولو فكرنا قليلا وعدنا الى انماط الانتاج والتملك في ذمنتصف القرن التاسع عشر لاتضح لنا ان النظام الاقطاعي هو الذي كان سائدا حيث يمتلك ذلك الاقطاعي الذي كان يحوز غالبا سلطة سياسية او ادارية او عسكرية او قبلية فيقوم على تملك وحيازة الارض مع منتوجها عبر تسخير الفلاحين والعبيد فيها وهذا النظام الاقتصادي الاستغلالي كان سائدا في بلاد الشام سورية وفلسطين ولبنان وحتى في الاتحادات الفلاحية المنتشرة في شرق الاردن حيث كان نظام الاستغلال مسيطرا ولكن باشكال مختلفة عن الحالة في فلسطين مثلا والتي كانت تتمتع بتطور انتاجي زراعي وصناعي مختلف نسبيا ففي شرق الاردن وما يتصل بها من بادية كان البدو ياخذون نصيبهم من اولئك الفلاحين المتواجدين في الاتحادات الفلاحية بشرقي الاردن بطريق القوة والخاوة فالقبائل البدوية الاردنية القوية كانت تمارس نوعا من العلاقات الانتاجية المتنوعة فالغزو هو الوسيلة الاساسية لحيازة ملكيات الغير ثم تاتي الخاوة وهي جزء محدد من الناتج الحيواني والزراعي تقبضه من الفلاحين لقاء عدم الاعتداء عليهم وعلى محاصيلهم ولقاء حمايتهم من القبائل السورية المتنقلة على طريق الحج بين العراق والشام ثم تأتي انماط اخرى مثل نظام المرابع وهو الفلاح الذي يزرع الارض مقابل اقتسام الناتج بينه وبين البدوي بطريقة معينة وقد كانت القبائل البدوية تنهب بعضها البعض وتستولي على منتوجات القبيلة الاضعف من خلال احلاف قبيلة تحكم اقاليم معينة وقد كانت القبائل البدوية تهدد الاستقرار الزراعي الفلاحي في مناطق سورية والاردن على وجه الخصوص وكان النظام الاقطاعي قائما في فلسطين وغيرها من البلاد الشامية فجبل نابلس كان يحكمه الاقطاع وكذلك باقي الاراضي الفلسطينية التي يسيطر عليه عشرات من الاقطاعيين المستغلين بحسب امتيازاتهم العسكرية والادارية الذين يحوزون انتاج عشرات الآلاف من الفلاحين الفلسطينيين وقد اشارت احصائيات عام 1909 أن سبع عائلات فلسطينية كانت تمتلك ما مساحته 270000 دونم كما ان 26 ملاكا في منطقة بئر السبع وغزة كانوا يمتلكون اكثر من مليوني دونم واذا ما عدنا الى شرقي الاردن التي لم تكن بتلك الحالة المتطورة انتاجيا كفلسطين الا ان انماط الاستغلال كانت قائمة ضمن اشكال عديدة كما ذكرنا ومنها الاستيلاء مباشرة على انتاج الغير او فرض انظمة استغلالية للفلاحين ولا ننسى دور الدولة العثمانية في ارهاق الفلاحين ورعاة الماشية بالضرائب الثقيلة التي لم تنج منها حتى القبائل البدوية الكبيرة والنظام الاقطاعي نمط انتاجي قديم ممتد عبر التاريخ الاسلامي وهو يقوم على حيازة واستيلاء الاقطاعي على ناتج عمل الفلاح في اراضي الاقطاعي فالفلاح عبارة عن قن يملكه الاقطاعي ويتحكم به وبمصيره وكان بعض الاقطاعيين يحوزون انتاج مئات الاسر الفلاحية التي كانت تسكن في مزارع ذلك الاقطاعي وتنتج وترعى الماشية وتؤدي الضرائب و تسدد الديون حتى ان الاقطاعي كان يقتل الفلاحين في كثير من الاحيان لانه كان يتمتع بسلطة مطلقة على الرغم من القوانين التي تمنع ذلك الامر
ان تلك الاراضي والاقطاعيات الفلاحية في غالبية مناطق بلاد الشام سورية ولبنان وفلسطين والاردن كانت تقوم على حيازة انتاج الفلاحين واستغلال ناتجهم ثم ارهاقهم بالقرض والدين و اجورات استخدام ادوات الانتاج لتعود تلك المنتوجات لصالح الاقطاعي والتاجر المرابي الذي يقوم بوظيفة اقتسام الناتج مع الاقطاعي

لكن اذا ما تتبعنا الى قوانين تملك الارض في الاردن وخاصة قانون وضع اليد الذي هو ليس وحل نقاشنا الآن لوجدنا بان هذا القانون يخدم طبقة استغلالية كبيرة وهي الطبقة المسيطرة فهذا القانون بشروطه ومحدداته يمنح بشرا دون آخرين تملك ونهب ما يشاؤون من اراضي الشعب الاردني ويمنح القانون البرجوازي بدوره الشرعية لفئات معينة بالاستيلاء على تلك الاراضي ضمن شروط معيبة ومجحفة بحق الفقراء
واضرب على سبيل المثال العام الماضي حيث قام رئيس وزراء سابق بوضع يده على ارض قرب مطار عمان بقيمة واحد وعشرين مليون دينار بحجة ان والده كان يزرع في تلك الارض ولكن اذا ما عدنا الى ذلك التاريخ القديم لوجدنا ان البدو كانوا يحتقرون العمل الفلاحي فهم يقومون بتشغيل العبيد والمسخرين من الفلاحين في تلك الاراضي مقابل حيازة الجزء الاكبر من الناتج ولو كان هناك عدل في تمليك تلك الاراضي لكان احق بها من زرعها واقام على استصلاحها وهم فقراء الفلاحين والعبيد في ذلك الوقت لكن من الذي منح هذا المتنفذ حق تملك تلك الارض ولم يمنح الزعبي ان السلطة السياسية والقبلية النافذة التي يتمتع بها الاول هي التي سهلت له تطويب الارض باسمه كانت اكبر واقوى من السلطة التي يمتلكها الزعبي وان اضاف لقب الشريف الى اسمه وهناك مئات وآلاف الامثلة على ذلك فالذي يمتلك منصبا مهما في الدولة يستطيع ان ينهب اية ارض بحجة وضع اليد وغيرها من الحجج البرجوازية التي وجدت لهذا الغرض وهو تسهيل مهمة نهب الاقوى للاضعف فهناك على سبيل المثال نائب برلماني من معان وضع يده على سبعةآلاف دونم في منطقة معان ووزيرسابق من معان آخر امتلك خمسة عشر الف دونم في معان وما حولها وهناك شيخ قبلي بدوي سجل باسمه آلاف الدونمات في منطقة الشراة وآخر سجل آلافا اخرى في منطقة الجفر وحتى قاعدة الجفر الجوية تعرضت لوضع اليد ونهب السماسرة الذي تدعمهم البيروقراطية المزمنة في دائرة الاراضي

ولو عدنا الى قانون هبة اراضي الملك عبدالله الاول الصادرفي اواخر الاربعينيات الذي خوله امتلاك وزراعة اراض في الغور لوجدنا ان هذا القانون كان متشددا ومحكوما بضوابط اكثر من القانون الحالي الذي اطلق العنان اقطاب واذيال البيروقراطية بان ينهبوا اموال واراضي الشعب والحال واحدة في جميع مناطق المملكة التي تحولت الى اقطاعيات تعود للوزير الفلاني والنائب أو الجنرال العلاني

ان الاصل في تلك الاراضي الممتدة من الجنوب الى الشمال سواء أكانت اراض زراعية او غيرها هي ملكية عامة للشعب تشرف الدولة على استغلالها لصالح الشعب وتحت رقابة الشعب لا ان تكون حكرا على اشخاص معينين ينهشون منها كيفما ومتى يشاؤون وان كانت الآن تنتقل الى ايديهم بتلك الحيل التشريعيةولكن هذا الامر لا يلغي بان اصولها تعود الى الشعب الاردني بكافة فئاته وطبقاته وهو الذي ينبغي ان يستفيد منها ومن ناتجها ومن خيراتها وهي وسيلة انتاج لا ينبغي ان يمتلكها افراد ويجب ان تعود الى الشعب
ان مصادرة تلك الاقطاعيات الواسعة التي تملكها المتنفذون بغير وجه حق هي ملكية تعود الى الشعب الاردني فهو المالك الوحيد والشرعي لها