الأزمة المستمرة والبرنامج المطلوب


موريس نهرا
2007 / 5 / 7 - 12:21     

يستمر الوضع اللبناني على ما هو عليه من دوران في دوامة الأزمة، وتستمر السجالات ولغة التحريض الطائفي والمذهبي، مبقية لبنان ووضعه المأزوم في خانة إنتظار التطورات في المنطقة، وفي حالة إنقسام داخلي مفتوح على أكثر من إحتمال.
وفي ظل هذا المناخ الملبد بغيوم داكنة، يأتي الأول من أيار هذا العام، الذي انتزعه العمال والكادحون بفضل نضالهم الطويل عيداً لهم، ليكشف حقيقة ما وصلت اليه البلاد على يد الطبقة السلطوية وحكوماتها المتعاقبة، من أزمات متعددة، وترد في مستوى معيشة الناس وإنتشار البطالة والفقر وهجرة الشباب الذين تتراجع ثقتهم ببلدهم وبمستقبلهم فيه.
وبدلاً من أن تعمد الطبقة السلطوية، وبالأخص حكومة السنيورة البتراء، الى تركيز إهتمامها على ما يخرج البلاد والعباد من الحالة المأزقية التي يتخبط فيها الناس، ويساعد على تحسين ظروف المعيشة والحد من إستمرار تدهورها، نراها اليوم وكذلك بالأمس، وقبل إحتدام الصراع ولجوء المعارضة الى الإعتصام في ساحتي رياض الصلح والدباس، تمعن بالتمسك بسياساتها المالية والإقتصادية نفسها، التي أغرقت البلاد بديون ضخمة وصلت الى حوالي ضعفي الدخل الوطني (45 مليار دولار)، وبفرض ضرائب ورسوم جديدة على الشعب، وبتعهدها بيع مؤسسات أساسية في القطاع العام، قبل وبدون إتخاذ التدابير الضرورية لوقف الفساد المستشري والهدر وتبديد أموال الشعب، وفقاً لورقة السنيورة "الإصلاحية" التي قدمها الى مؤتمر باريس 3، وبدون درسها وإبداء الملاحظات والرأي فيها من جانب المجلس الإقتصادي الإجتماعي الذي حوّلته الممارسات السلطوية الى مجرد هيئة شكلية لا فاعلية ولا دور لها.
وفي حين أن معظم اللبنانيين، ومنهم الهيئات الإقتصادية، يطالبون الأطراف المتصارعة بالوصول الى تفاهمات تؤدي الى الإستقرار بدلاً من التوتر لإنعاش الوضع الإقتصادي، فإننا نرى إستمراراً في التصعيد وبالأخص من جانب وأقطاب تكتل 14 شباط والحكومة التي تقع عليها المسؤولية الأساسية في معالجة المشكلات وإصراراً على المواقف الرافضة للحد الأدنى المفترض لتحقيق تسوية.
والواضح إن هذا التعنت يستند الى التشجيع والتحريض الأميركي ليبقى لبنان ساحة مفتوحة للصراع الجاري على صعيد المنطقة، بين المشروع الأميركي الصهيوني لفرض إقامة الشرق الأوسط الجديد، وبين القوى المقاومة والممانعة له، بإنتظار ما قد ينجم إما عن لقاء شرم الشيخ في الإسبوع الأول من أيار، بخاصة بين الإدارة الأميركية وسوريا وإيران، بشأن الوضع في العراق بعد تعثر الإحتلال الأميركي فيه وغرقه في وحوله، أو عن إحتمال توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران بغرض منعها من تخصيب اليورانيوم، وما قد يحدثه ذلك من تغيرات في التوازنات القائمة حالياً في المنطقة، وبالتالي في لبنان، لمصلحة المخطط الأميركي وقيادات "ثورة الأرز" وحكومة السنيورة كما ينتظرون. وهذا بالذات ما دفع بحكومة السنيورة الفاقدة للتوازن الميثاقي، وزعامات 14 شباط، الى رفض حكومة وحدة وطنية فعلية، والى نقل موضوع إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي الى اليد الأميركية في مجلس الأمن الدولي، بدلاً من التفاهم على إقرارها داخلياً، والى تصعيد الحملة ضد المقاومة وسلاحها الذي أفشل العدوان الإسرائيلي على الوطن، إلتزاماً منهم بتنفيذ القرار الأميركي الأصل أيضاً، ذي الرقم 1559، قبل وبدون بناء الدولة الديمقراطية المتماسكة والقادرة على حماية لبنان من إعتداءات ومطامع إسرائيل.
إن هذه الممارسات والمواقف الحكومية، تظهر بوضوح أن ثمة نهجاً سياسياً يقوم على الإرتهان والمراهنة على الغرب الأميركي، يجعل القرار بشؤون لبنانية أساسية في أيد خارجية، ويشكل تحدياً نافراً لقوى سياسية وشعبية معارضة ذات وزن شعبي كبير إن لم يكن الأكبر في لبنان. وإن هذه الممارسات لا تخدم مصلحة لبنان، خصوصاً في ظل الأخطار التي يمكن أن تحدث في المنطقة، وبوجود هاجس إسرائيلي بالثأر من المقاومة ولبنان، بعد هزيمة جيش إسرائيل (الذي لا يقهر) مرة أولى في معركة مقاومة الإحتلال وتحرير الأرض، والمرة الثانية في إفشال عدوان تموز الصيف الماضي.... وإن مصلحة لبنان وتجنيبه الأخطار المذكورة تقتضي إعتماد نهج آخر بديل، ينطلق من الحرص على الوطن وسلامته ومن الحاجة الى تحصينه بتحقيق وحدة داخلية صلبة، كي يبقى بمنأى عن الإنزلاق الى مستنقع "الفوضى البناءة" والفتن الملازمة لمخطط السيطرة الأميركية.
كما ان استمرار المراوحة في دائرة الأزمة، يطيل من عمر شلل المؤسسات الدستورية، ويزيد من العقبات أمام المعالجات التسووية... ويبقي الشعب والوطن وأمنه، الضحية.
وإذا بات ذلك يستدعي إستقالة الحكومة وتحويلها الى حكومة تصريف أعمال، كي لا نصل الى فراغ عند إنتهاء ولاية الرئيس لحود في 24 تشرين الثاني القادم، أو الى تشكيل حكومتين تدخل معهما البلاد في نفق مظلم، فإن المستوى الذي بلغته الأزمة، يستدعي عدم بقاء المعارضة في حدود المواقف التي طرحتها، وتحت نفس السقف الطائفي للنظام.
كما يستدعي التفكير في الأشكال الأكثر ملاءمة للإحتجاج والتعبير، فمطلب حكومة وحدة وطنية من 19 و11 وزيراً أصبح باهتاً، وإستمرار الإعتصام على ما هو، لم يعد بالأهمية والفاعلية التي كانت له بالأسابيع الأولى. لذلك فإن المواجهة الحقيقية في الصراع الدائر تقتضي تقديم برنامج وطني يركز على الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ليعكس المصالح الوطنية التي تجسّد الترابط القائم بصورة وثيقة في وضع لبنان الخاص، بين التحرير والتغيير، لحماية التحرير نفسه من الضياع في زواريب الطائفية والمذهبية التي تتغذى من البنية الطائفية للنظام، ومن خلال بناء وطن متماسك ودولة ديمقراطية تقوم على المواطنة، خارج المرتكزات والمحاصصة الطائفية والمذهبية، وبالإلتزام بتنفيذ المداخل الإصلاحية التي تضمنتها وثيقة الطائف، وأولها إعتماد قانون إنتخاب ديمقراطي على قاعدة النسبية والدائرة الكبرى.. برنامج يلبي مصالح أكثرية اللبنانيين وبخاصة الطبقات الشعبية في جميع المناطق والطوائف، الإقتصادية منها والإجتماعية والمعيشية، ليشكل بذلك عامل جذب وإستقطاب شعبي يجمع ويوحد أوسع قاعدة شعبية، ليشكل خرقاً في جدار الأزمة القائمة، وليفتح طريق التغيير وتطور لبنان الديمقراطي.