لا حياة لمن تنادي .. أو عبثية الكلام

إبراهيم إستنبولي
2007 / 3 / 27 - 12:01     

يحكى أن امرأة كانت تحمل طفلها المريض و تجلس وراء سائق سيارة لاندروفر قديمة و هي في طريقها إلى الطبيب في المدينة صباح أحد الأيام الشتوية .. و إذ أحست بالهواء البارد يتسرب عبر النافذة عن يسار السائق قالت له : من فضلك أغلق النافذة فأجابها : هي .. هي ..
و كررت المرأة الطلب عليه اكثر من مرة و في كل مرة كان السائق يجيبها نفس الإجابة : هي .. هي ..
و عندما أصرت عليه أن يغلق النافذة قال لها : هي .. هي ..
فقالت : شو بتقصد ؟
فأجاب : لازم يكون يوجد بللور لكي أغلق النافذة .. لذلك لا تتعبي نفسك يا خالة ..

و لذلك :

أيها الزملاء الكرام

اسمحوا لي أن أتمنى لكلٍ منكم دوامَ الصحةِ و المحبةِ
و السلامْ

أما بعد
و قد عَظُمتِ الأمورْ .. و باتَ دهرُنا من أصعبِ الدهورْ و عصرُنا من أسوأ العصور .. إذ قلَّ الخير و عمَّ الفجورْ ، و تراجعَ الحقُ و كَثُرت الشرور ...
فصارَ الصدقُ استثناءً ، و صار الودُّ رياءً ، و صارَ العدلُ جوراً ، و اللّين جبناً ، و صار الحبُ مستحيلاً ، فانقلبَ الشوكُ ورداً ، و القبحُ جمالاً ، و المُكْرُ نُبْلاً ، و النِفاقُ ذكاءً ، و البغضُ لواءً ...
مما زاد في الطينِ بِلّةً ..
فانتشرت في مجتمعنا الآفاتْ ، و أصابتْ الأمراض مختلف المؤسساتْ ، و شاعت في حياة الناس العاهاتْ ، فانتشر الفسادْ ، و اشتدَّ فقرُ العبادْ ، و انتشرتْ بين الناس الأحقادْ ، و نسيَّ الإنسانُ أنه إلى ربِّه سيعادْ ...
فانقلبَ الكفرُ إيماناً ، و الجورُ سلطاناً ، و الفِسْقُ زهداً ، و الجَشَعُ داءً ...
و صارَ العلمُ مذمةً ، و الأدبُ ملامةً ، و الأمانة نقمة ، و الثقافة عورةً ...
و صار الفنُ مُنْكَراً ، و الحبُّ كفراً ، و الإلهُ مُحتَكراً ، و البغضُ حلالاً ...
و انقلبَ الغشُ مهارةً ، و الدِّينُ تجارةً ، و تحوَّلَ الجهلُ نعمةً ، و النفاقُ براعةً و سياسةً ...
فازدادَ في حياتنا الخطأ و الخلل ، و أصاب الناسَ اليأسُ و الملل ، و بدأت تحدث من حولنا خطوبٌ جللْ ، فبِتـْنَا نحيا بلا أمل ...
و امتلأتْ بالحزنِ النفوسْ ، و انشغلتْ بالهمِّ الرؤوسْ ، فانتشرت بين الناس الكآبةْ ، و غابتْ عن الوجوه الابتسامةْ ... و ضَعُفَ العقلُ و انتصرتِ الغباوة ..

فما يبقى لي سوى أن أنعي لكم و بكلِّ حزن " وفاة وطن " !
متمنياً لكم الصبر و السلوان .... و البقية بحياتكم مع باقي الأوطان .

" المواطن " – لا الحمد للرب -
د . إبراهيم إستنبولي

جزء من مداخلة مقتضبة قرأتها في مؤتمر نقابة الأطباء ...

تنويه : عندما تلوت هذا النص قام أحدهم و اتهمني بالارتباط بالخارج ؟!!
و البعض الآخر طالبني بأن أرى النصف الملآن من الكأس ..
ثم عرفت لاحقاً أنه قد رشح نفسه لمجلس الشعب على قائمة الجبهة .
و إلى الآن لا أعرف عن أي نصف ملان يتكلم أخونا ..
و البعض هاجمني على كلمة " وفاة وطن " .. فقلت لهم أن الأوطان تحيا بقدر
ما تحترم مواطنيها .. و عندما يتحول المواطنون إلى رعايا فلا يعود الوطن وطناً
بالمعنى السياسي طبعاً و ليس بالمعنى الفيزيائي .. الخ