اليسار المغربي في الحاجة إلى إعادة التأسيس


حميد باجو
2007 / 3 / 25 - 11:52     

قبل 10 سنوات، نشرت كتيبا عن اليسار تحت عنوان " من أجل يسار متجدد، أو بيان من أجل الحداثة"، كان بالنسبة لي آنذاك بمثابة المعبر ما بين تصور قديم عن اليسار كما عرفناه في السبعينات والثمانيات حين كانت المرجعية الماركسية هي السائدة، وتصور جديد توقعنا أن يتحول إليه هذا اليسار بعد أن انهارت التجارب الاشتراكية في العالم، وبعد أن بدأ جزء من اليسار المغربي يستعد للدخول في تجربة الانتقال التوافقي.
والآن بعد هذه المدة، قد يكون مغريا أن يمارس المرء تمرينا مع ذاته، فيتساءل إلى أي حد تحققت توقعاته أو أنها لم تتحقق. وإذا كان من الطبيعي أن لا يمتلك أحد القدرة على التنبؤ، فإنه يمكن القول أنه كلما توفرت منهجية التحليل المناسبة، يصبح المرء أقرب إلى الاستشعار بالخطوط العامة للمرحلة القادمة حتى وإن غابت عنه التفاصيل الدقيقة أو فاجأته الانعراجات غير المتوقعة في مسار الأحداث. ومن نماذج هذه الانعراجات التي لم تكن في الحسبان بالنسبة إلي في تلك الفترة، الانشقاقات التي وقعت في الاتحاد الاشتراكي مثلا على المستوى الوطني، أو حرب العراق الثانية على المستوى الخارجي.
لكن يبقى العنوان الكبير الذي تصورناه آنذاك للمرحلة الجديدة والذي عبرنا عنه بمصطلح الحداثة، هو ما ميز بالفعل كل هذه السنوات الأخيرة، مع الإشارة إلى أن ذلك العنوان لما عرضناه في حينه على عديد من أصدقاءنا لم يكن يثير لديهم غير الاستغراب وأحيانا السخرية.
التذكير بهذه الواقعة، هو فقط للربط والمقارنة مع ما نشهده حاليا من نقاشات سواء داخل الاتحاد الاشتراكي أو وسط اليسار عموما. فنفس السؤال لا يزال مطروحا: إلى أين يسير اليسار المغربي، وأي عنوان يمكن أن نضعه للمرحلة القادمة؟
قد يتطلب الجواب على هذا السؤال التركيب بين قراءتين، قراءة عمودية تنظر في تطور المسار التاريخي الخاص بهذا اليسار خلال العقود السابقة، وقراءة أفقية تقارن واقعه حاليا مع ما يحدث في فضاءات ومجتمعات أخرى، تشبهنا أو لها تأثير ما على ما يجري لدينا.
على المستوى الأول، أستحضر هنا نقاش مع بعض الأصدقاء، حيث أنه من خلال رصد ما يجري في كل قطاع أو واجهة من الواجهات النضالية التي نتواجد فيها، كان هناك إجماع بيننا على حقيقة واحدة، هو تردي الأوضاع داخل هذه القطاعات وتفشي مظاهر الفساد إلى درجة تثير اليأس التام. فمن العمل الحزبي إلى العمل النقابي، ومن الصحافة إلى مهنة المحاماة، ومن العمل الجمعوي إلى الإطارات الأخرى المنظمة للكتاب والمثقفين والفنانين ... ، تدنت الأخلاقيات النضالية وتراجع صوت الفاعلين والأعضاء المبدئيين أمام زحف الانتفاعيين وعديمي الضمير، وغابت الروح النضالية لصالح المصلحة الأنانية والفردية المباشرة. وقد طرح السؤال، لماذا حدث هذا التردي، وأين ذهب الرواد الذين سبق وأن أعلوا من شأن هذه الواجهات النضالية في السبعينات والثمانينات، وأدوا بسبب ذلك ضريبة النضال من قوتهم وحياتهم؟ أين غاب الحزبي المناضل أو الصحفي المناضل أو المثقف المناضل... الخ؟ كل ما هو أكيد أن هذا التدهو ر ليس في الحقيقة إلا التجلي الواضح لمدى التراجع الذي أصاب اليسار المغربي عموما، والدليل على الانحسار الذي صار يعاني منه في السنوات الأخيرة.
وكتفسير لهذه الحالة، ارتأى البعض أن يقارن ظاهرة اليسار هذه، بظاهرة دولة ابن خلدون: في البداية تكون الدعوة لا زالت حديثة العهد وتمتاز بعنفوان كبير تساعد على الاستقطاب وتقوية العصبية والاستعداد للنضال والتضحية. ثم تبدأ المرحلة الثانية، حين تنضج الدولة، وآنذاك يتدخل أصحاب الجاه والسلطة للسيطرة عليها وتوجيهها بما يخدمهم، في المقابل يبدأ المناضلون المؤسسون أو الرواد الأواءل الذين ساهموا في نشر الدعوة، في الابتعاد والانضواء بعيدا عن الأضواء، هذا إن لم تتم تصفيتهم ببساطة أو دفعهم إلى الهامش. ثم تصل إلى المرحلة الأخيرة، حين يبدأ كل النسيج العقائدي والاجتماعي الذي قامت عليه الدولة في التفسخ، وبالتالي تسود عقلية المؤامرات والدسائس وتصفية الحسابات، والاستغلال الأناني والذاتي لما تبقى من الأصل التجاري الذي كونته الدولة، قبل أن تنهار كليا وتحل مكانها دعوة وعصبية ثم دولة جديدة.
هذا السيناريو يمكن تطبيقه أيضا بشكل تقريبي على ما وقع لليسار المغربي. فقد ظهر اليسار أولا كفكرة، بدأ يروج لها منذ بداية الستينات. وكان المنطلق لذلك هو ما كتبه ربما المهدي بنبركة ومن معه من رواد آخرين كالعروي مثلا و الجابري وعمر بنجلون من داخل الحركة الاتحادية، أو ابراهام السرفاتي وآخرون من داخل الحزب الشيوعي المغربي.
كانت الدعوة اليسارية قوية آواخر الستينات وبداية السبعينات، ثم تحولت من مجرد فكرة إلى مواقف سياسية وإلى إطارات تنظيمية هي ما تجسد في الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية من جهة وفي تنظيمات اليسار الجديد من جهة ثانية.
في النصف الثاني من السبعينات، بدأت تجربة اليسار تنضج أكثر، وقد شجع المسلسل الديمقراطي الذي أطلق آنذاك جزءا من مناضلي اليسار خاصة من الاتحاد الاشتراكي، إلى الدخول في تجربة التسيير الجماعي والعمل التشريعي، فبدأ يظهر دور التقنوقراط الحزبيين الأكثر كفاءة للعمل في هذه الميادين الجديدة، حتى أن البعض صار يتكلم آنذاك عن" تيار الدكاترة" الجديد الذي برز داخل الاتحاد الاشتراكي. وستكون هذه الفترة هي بداية لفتح الطريق أمام عدد من الانتفاعيين ممن لم يسبق لهم أن ذاقوا مرارة الاعتقال أو النفي، لاحتلال المواقع الأمامية على حساب المناضلين المبدئيين، الذين اضطروا أو صاروا يفضلون الابتعاد عن الأضواء.
وأمام هذا التحول في طبيعة الجسم اليساري، صارت القيم النضالية تتراجع وتندثر لصالح الطموحات الشخصية والمصلحة الأنانية، وكأن اليسار قد بدأ يدخل بذلك إلى المرحلة الأخيرة من الدورة الخلدونية، حيث يتفشى الانحلال وسطه وتتراجع شعبيته وجاذبيته في أعين المواطنين، وخاصة وسط الشباب الذي لم يعد يجد فيه تلك اليوطوبيا المعبأة.
هذه الدورة الحياتية التي مر منها اليسار لحد الآن، لم تكون الأولى من نوعها التي يعرفها المجتمع المغربي في العقود الأخيرة. فقد سبق وأن مرت الحركة الوطنية من نفس الدورة تقريبا. فهذه الأخيرة قد بدأت هي أيضا كمجرد فكرة، هي ما عرف بالسلفية التي روج لها بعض الرواد الأوائل كشعيب الدكالي وبلعربي العلوي، منذ العشرينات أو من قبل. لكن الفكرة سرعان ما تحولت عند المناضلين الوطنيين ابتداء من الثلاثيات إلى مواقف سياسية وإلى قوة تنظيمية، بدأت مع حادثة ما سمي بالظهير البربري، وتطورت مع كتلة العمل الوطني ومع تأسيس حزب الاستقلال والشورى والحزب الشيوعي المغربي وحركة المقاومة والاتحاد المغربي للشغل ... ولأن الحركة تطورت أكثر من طاقتها على الاستيعاب، وأن ثمار نضالاتها كانت قد بدأت تظهر في الأفق مع بداية الخمسينات، فقد تكالب عليها كل من ناضل أو لم يناضل، وصار الانتفاعيون يتسابقون لقطف تلك الثمار، ولو على حساب الماضلين المبدئيين، لينتهي الأمر بانفجار الحركة ككل آواخر الخمسينات، ومن صلبها تبدأ حركة اليسار الجديدة في الظهور.
و حين نتأمل في هاتين التجربتين، ليغرينا ذلك بمقارنة الوضع الذي نعيشه حاليا بالوضع الذي عرفه المغرب في العشرينات، أو بالوضع في الستينات. أي أننا الآن نعيش لحظة احتضار لمرحلة قديمة أو انتهاء دورة خلدونية ، وبداية تأسيس مرحلة جديدة أو انطلاق دورة جديدة.
لكن ككل تأسيس، يفترض ذلك أن تتوضح لدينا أولا، طبيعة الفكرة أو الإيديولوجيا الجديدة التي سنؤسس عليها للمرحلة المقبلة. فإذا كانت السلفية الوطنية هي التي وفرت الأرضية الإيديولوجية لانطلاق الحركة الوطنية في الثلاثينات، وإذا كانت الفكرة الاشتراكية هي التي مهدت لإطلاق حركة اليسار في السبعينات، فأية إيديولوجيا أو أية فكرة سنعتمدها نحن لإعادة بناء حركة اجتماعية مناضلة للعقود القادمة؟
للبحث عن عناصر إجابة عن هذا السؤال، سيكون من المفيد لنا إجراء القراءة الأفقية الثانية التي اقترحناها في بداية هذا المقال، أي أن نبحث عما يجري حاليا في المجتمعات الأخرى، وأن نستلهم تجاربها الراهنة في محاولتنا نحن لإعادة بناء تجربتنا للمستقبل. في هذا المجال تحضر أمامنا ثلاث فضاءات جغرافية نعتقد أنها التي توفر الإطار الأفضل للمقارنة بالنسبة لنا في المغرب.
- أولا، الفضاء الأوروبي، وهو الفضاء الذي سبق أن استلهمنا منه كثيرا من أفكارنا السابقة، فالفكرة الآشتراكية عندما دخلت لأول مرة لبلادنا كان قد حملها إلينا الشيوعيون الفرنسيون أيام الحماية الفرنسية. واليسار الجديد عندما برز عندنا أواخر الستينات، كان في جزء منه، صدى للثورة الطلابية في أوروبا في ماي 68. كما أن تحول جزء من اليسار المغربي في تلك الفترة إلى النضال الديمقراطي، كان بتأثير من أفكار السوسيال ديمقراط في أوروبا. لكن الآن، هل تستطيع تلك المنطقة أن تفيدنا بشيئ جديد في محاولتنا لإعادة بناء حركة مناضلة جديدة؟ ما يظهر الآن ، أن اليسار قد عرف تراجعا كبيرا في أوروبا، خاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، فاندثرت الأحزاب الشيوعية، واضطر جزء من الاشتراكيين الديمقراطيين للانحراف أكثر نحو اليمين بتيني ما يسمى بالطريق الثالث أو الليبرالية الاجتماعية، .بينما بقي الجزء الآخر الذي رفض التخلي عن العمق الاجتماعي الأصلي لليسار، عاجزا لحد الآن عن تقديم وصفة مناسبة لرفع تحديات العولمة الأمريكية. ولهذا السبب نحن نعتقد أن اليسار الأوروبي في وضعه الحالي باستثناء ما سبق وأن استفدنا منه من قبل في مجال الديمقراطية والقيم الكونية والحداثية، ليس له من جديد يضيفه إلينا حاليا في التجربة التي نحن مقبلون عليها.
- ثانيا الفضاء المشرقي، وهو الفضاء الذي سبق وأن استلهمنا منه في الماضي فكرة السلفية، ثم في مرحلة لاحقة فكرة القومية الممزوجة ببعض عناصر الاشتراكية العالمثالثية. وقد لعبت الإيديولوجية الناصرية والبعثية ثم أدبيات الثورة الفسطينية، دورا أساسيا في ربط أو تقريب اليسار المغربي بذلك الفضاء الجغرافي. لكن ما حدث بعد ذلك أن التركيز على فكرة القومية العربية في هذه الإيديولوجيات وتغييب فكرة الديمقراطية، جعلت تلك الإيديولوجيات تنهار بالكامل ، خاصة بعد أن فشل القوميون العرب في تحقيق ما وعدوا به. وعوض أن يتجاوز اليساريون المشرقيون عثراتهم السابقة، سقطوا في منزلق أخطر حين تحالفوا مع الإسلاميين الطارئين على الساحة، وسلموهم مشعل النضال الجماهيري بالمنطقة.. هذا بالإضافة أنهم لم يفلحوا في تقديم أية إجابات بخصوص بعض القضايا الأساسية المطروحة عندنا، كالقضية الاجتماعية أو قضية المرأة أو قضية الأمازيغية أو الجهوية ، أو كيفية الحسم مع ثقل التراث والتقليد في حياتنا الثقافية .... من هذا المنطلق، نحن نتعقد أن المشرق لم يعد له ما ينفعنا به في إعادة بناء حركتنا المناضلة الجديدة، وأن كل تشبث بتلك الجهة، كما لا يزال يفعل بعض يساريينا، لن يعمل إلا على عرقلة وإجهاض مشروعنا نحو المستقبل.
ثالثا، الفضاء الأمريكي اللاتيني : وهو فضاء تقترب مجتمعاته على مستوى تطورها الاجتماعي والاقتصادي من المجتمع المغربي، حتى أنه يصح القول: أنك إذا أردت أن تعرف ماذا سيحدث في المغرب بعد عشر سنوات، فانظر ما يحدث الآن في دول أمريكا اللاتينية. و كيساريين مغاربة ترتبط تلك المنطقة في ذاكرتنا، بحدثين أساسيين : الثورة الكوبية وشخصية شي غيفارا من جهة، وتجربة الحزب الاشتراكي في الشيلي خاصة في مواجهته مع ديكتاتورية بينوشي من جهة ثانية. وفي السنوات الأخيرة، بدأت من جديد بعض الظواهر تلفت نظرنا نحو ذلك الفضاء، ومن ذلك تطور ظاهرة النضال الاجتماعي عن قرب، أو ما يعرف بظاهرة الجمعيات التنموية المحلية، هاته التجربة التي كان لبعض المناضلين اليساريين في أمريكا اللاتينية الفضل في إطلاقها منذ الثمانينات توجت بعقد ملتقى بورتي أليغري. وعن تلك التجربة، استوحى بعض من مناضلينا اليساريين الفكرة ليطلقوا في المغرب ديناميكية مشابهة لذلك ابتداء من التسعينات. ثم كان انتخاب سيلفا دا لولا لأول مرة كرئيس للبرازيل، أهم إشارة وصلتنا من هناك، جعلتنا ننتبه إلى أن ثمة شيء جديد يتبلور في أمريكا اللاتينية. فقد أضحى واضحا أن اليسار في تلك المنطقة هو الآن السباق لإعادة تجديد وهيكلة نفسه بعد النكسة التي أصابت اليسار في العالم بشكل عام بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. وبمتابعة الأحداث الأخيرة ، نعتقد أن هناك بالأساس نموذجان في تلك المنطقة، يمكن لنا كيساريين مغاربة أن نستخلص منهما الدروس المناسبة: تجربة الحزب الاشتراكي الشيلي، الذي استطاع أن يحافظ على استمرارية نفس اليسار القديم بعد إعادة تجديده و تنظيمه بما يسمح بتعايش كل الحساسيات والتيارات اليسارية من داخله، وبذلك يكون قد تجنب خطري الاندثار أو الانشقاق، كما حدث لأحزاب اشتراكية أخرى بالمنطقة. ثم تجربة الحزب العمالي البرازيلي، وهو الذي استطاع أن ينهض من بين أنقاض اليسار القديم ويقوم بإعادة تجميع مختلف مكونات وشتات اليسار، عبر القيام باندماجات متعددة وربط تحالفات مختلفة، سمحت بتوحيد جل الطاقات اليسارية حول شخصية سيلفا دا لولا. هذا مع العلم أن هناك تجربة ثالثة يقودها هوغو تشافيز في فنزويلا، إلا أننا لا نعتقد أنها تفيدنا كثيرا في المغرب، بالنظر إلى ما يتمتع به هذا الأخير من ريع نفطي هائل نفتقده نحن, وهو ما يسمح لتشافيز بهامش كبير من حرية التصرف والتحرك في مواجهته للهيمنة الأمريكية، وهو ما يمكن مقارنته بشكل ما، بتجربة القدافي سابقا في المنطقة العربية.

انطلاقا من الدروس التي قد نستخلصها إذن، من هذه الفضاءات الثلاثة، يمكن لنا التفكير في السبل الملاءمة لإعادة بناء أو تأسيس اليسار المغربي للمرحلة المفبلة. وإذا كنا قد أثرنا في بداية المقال أهمية الفكرة التي يجب أن نتكأ عليها في إعادة هذا التأسيس، فإن التجارب الآنفة الذكر قد تحيلنا على مدخلين أساسيين لذلك:
- المدخل الاجتماعي: وهو ما يعني ضرورة العودة لربط اليسار المغربي بقوته الاجتماعية الطبيعية المتمثلة في الفئات والطبقات المتضررة في المجتمع. فبالإضافة إلى الواجهة النقابية وواجهة العمل الاجتماعي عن قرب، تطرح ضرورة تأطير الفئات المتضررة غير المنظمة، كالمعطلين وقاطني الأحياء الشعبية والهامشية والقرى النائية والفئات المهنية البسيطة ... بما يسمح لها بالدفاع عن مطالبها بنفسها، وبالمساهمة في الضغط ومحاربة اقتصاد الريع واحتكار الامتيازات من طرف بعض المحظوظين. ونحن نعتقد على هذا المستوى أنه لكي يعطي هذا النضال الاجتماعي ثماره بشكل أفضل، آن الآوان لكي يتخلص الخطاب المؤطر له من الباراديغم الماركسي التقليدي القائم على فكرة الصراع الطبقي داخل نفس البلد، وبدل ذلك، ربط هذا النضال بأفق أوسع هو الأفق الكوني، وبتصورات نظرية جديدة كالتي يقترحها مثلا أماريتا صن حول المفهوم الجديد للتنمية البشرية.
- المدخل الثقافي، ويتعلق الأمر بتوضيح وتدقيق المرجعيات النظرية التي يجب أن نشتغل في إطارها، والتي لا يمكن أن تكون إلا مرجعيات كونية تجعل من أفكار الحداثة و الديمقراطية والحقوق الثقافية ومقاربة النوع والحريات الفردية في الاعتقاد والتصرف الجسدي... ألخ، قوامها الأساسي، وذلك بعيدا عن كل انغلاق هوياتي أو خصوصياتي أو تعصب قومي أو إثني. وارتباطا بهذا، نحن نعتقد أن يكون العنوان الكبير للمرحلة التي نحن مقبلون عليها، هو شعار الكونية.
وفي الأخير، نحن هنا لا نتفق مع الذين يجعلون من المسألة الدستورية، المدخل الأولي في النضال الاجتماعي لهذه المرحلة، بل نعتقد أنه يجب أن تتبلور أولا في الساحة، حركة مناضلة تنمو و تتطور من حول قضايا اجتماعية كالتهميش والأسعار ونهب المال العام والبطالة ...، و قضايا ثقافية من قبيل قضية المرأة وقضية الأمازيغية والجهوية والحريات الفردية ...، قبل أن تتحول وتتكثف في شكل قوة سياسية يكون بمقدورها آنذاك فرض الإصلاحات السياسية والدستورية اللازمة.
حميد باجو