استبداد وجشع ارباب المقالع والمحاجر في الاردن يدفع ثمنه العمال المصريون


وليد حكمت
2007 / 3 / 23 - 11:30     

على الرغم من صعوبة جغرافية منطقة معان ولكونها تقبع في قلب الصحراء الاردنية الا انها قد ميزت بتوافر الثروات المعدنية فيها خلافا لباقي مناطق الاردن ففيها مناجم الفوسفات ومشتقاته المتنوعة وفيها السياحة اذ ان البتراء قبل فصلها ضمن اقليم مستقل كانت تتبع لمعان وهي التي تبعد عنها خمسة وعشرين كيلومترا كما تميزت تلك المنطقة بوفرة المياه الجوفيه فهي ترقد على بحر من الماء كما يفيد بعض المتخصصين الصادقين كما انها تنتج الحجر والرخام الابيض وحجرها يعتبر من اجود انواع الحجر في منطقة الشرق الاوسط وهذا الحجر يستخرج من نواحيها وعلى مقربة منها وبكميات مفتوحة وغير محدودة وهذا الحجر يسمى حجر معان وتشرف على عملية استخراجه ومعالجته شركات المحاجر والمقالع التابعة للقطاع الخاص

الا ان هذه المدينة تحرم من ان تستفيد من تلك الثروات التي تمتلكها فهذه الثروات كما يشاع ثروات وطنية ينبغي ان يستفيد منها الجميع ولكننا نعود مرة اخرى فنطرح سؤالا واحدا ( هل هناك عدالة اجتماعية في عملية انتاج وتوزيع الثروة في وطننا وهل حقا ان تلك المستخرجات الثمينة تعود الى عموم الشعب ام ان فئات معينة هي المستفيدة والمسيطرة على تلك الثروات في حين تعيش تلك المناطق بؤس وفقر ليس له حدود

تتشر عشرات المقالع والمحاجر والكسارات حول مدينة معان حيث تتضمن عملية استخراج الحجر الخام ازالة طبقة ترابية بالآليات ثم يتم وضع الديناميت بطرق معينة وفي اماكن معينة كي يتم شق الطبقة الصخرية ثم بعد ذلك تتم عملية معالجتها وتقطيعها الى قطع صغيرة ومتوسطة بواسطة المكائن الصغيرة والعدد والمطارق اليدوية وتتم هذه العمليةالشاقة بواسطة العمال المتواجدين في تلك المواقع و لهذه الغاية
يستيقظ العمال ( الحجارة) منذ ساعات الفجر الاولى ليقصدوا مواقعهم في حفائر الصحراء القاسية فيباشرون ذلك العمل الشاق من الصباح حتى المساء ( أي بعد غروب الشمس) ثم يعودون الى منازلهم او ان شئنا قلنا اكواخهم الصغيرة المتهدمة والبعض الآخر يبقى في تلك المواقع و المحاجر بين اكوام التراب والحفر والحجارة المفتتة ليعيش الكآبة والعزلة بكافة اشكالها وانواعها وعملية الانتاج واستخراج وتقطيع الحجر هي عملية شاقة للغاية واشق عملية فيها هي التي تتضمن حمل الحجارةالثقيلة ورفعها الى المركبات وهذه الخطوة هي اصعب الخطوات واخطرها في مجمل عملية الاستخراج والانتاج اذ يترتب عليها العديد من المخاطر الآنية والمستقبلية فمن ينجو من اصابة العمل لا ينجو من آلام الظهر والجسد المزمنة التي ترافقه طيلة حياته كما ان مخاطر وآثار انفجارات الديناميت والبارود تشكل خطرا واضحا الى باقي المخاطر


حقوق العمال في المقالع


ساعات العمل

التقيت ببعض العمال المصريين في هذا المجال وبعد ان قمت بجولة للاطلاع على واقع تلك الورش الشاقة فاستفسرت عن ساعات الدوام فضحك الجميع وقالوا من الظلام حتى الظلام فلا يوجد وقت محدد نلتزم به فنحن قطعنا آلاف الأميال لنأكل لقمة العيش وننفق على أطفالنا ونسائنا ولا يمكننا باي حال من الاحوال ان نسأل او نطالب بتحديد ساعات العمل والا سيرد علينا رب العمل بتسريحنا مباشرة وحرماننا من كافة حقوقنا التي نضيع في متاهات وزارة العمل بحثا عنها ثم لا نجد شيئا فنحن راضون بمصيرنا لا لشيء الا لتوفير لقمة العيش لأطفالنا الصغار وعوائلنا الا ان الاجواء والظروف الطبيعية احيانا كالامطار الغزيرة تعيق عملية الانتاج وبالتالي نحصل على استراحة لكن بدون اجر
ساعات العمل مفتوحة وغير محددة والمعاملة قاسية جدا لكننا نحتمل ونقابلها بابتسامة كي نزيح عن انفسنا روح الاحباط والقهر

اصابات العمل

اعلم انكم تعملون في وسط مليء بالمخاطر لكن ما هي حقوقكم الطبية والصحية؟؟
نحن نتوكل على الله وربنا هو اللي يستر لكن اذا قدر لأحدنا ان يصاب اثناء العمل كأن يقع عليه حجر ثقيل فيكتفي صاحب العمل باسعافه الى مستشفى معان الحكومي وانت تعلم ماذا يقدم هذا المستشفى البسيط انها عبارة عن اسعافات اولية لا غير واذا حدثت لا سمح الله اصابة وعجز لدى العامل فلا يمكنه المطالبة بتعويض وما شابه ذلك لانك تعلم بأننا عمال مياومة غير مصنفين كما اننا غرباء في هذا البلد واذا حدث وان طالبنا بحقوقنا نواجه من قبل المسؤولين بعملية الروتين الممل والطويل والتي تنتهي عادة بفوز رب العمل وهو في الغالب من المتنفذين وان حصل ان عولج العامل واقام في بيته فلا يتم احتساب ايام العلاج بل يتم حسمها من قوته واجره اما اذا تماثل الى الشفاء حتى يعود مرة اخرى الى الاعمال الشاقة والخطيرة

ان مسألة عدم وجود اجازات وعدم تحديد اوقات العمل نستطيع احتمالها ولأنك تعرف نفسية الإنسان المصري الطيبة الصبورة لكن مسالة اصابات العمل تلك التي تسبب القلق للعامل الذي يخشى ان يتحصل على اعاقة دائمة بدون تعويضات فيعود الى اهله جثة هامدة ويصبح عالة عليهم بعد ان كان مصدر رزقهم

معاملة اصحاب العمل

لم ادرك تلك المعاملة القاسية من خلال مطارحاتي مع العمال بل من خلال ما رأيته بأم عيني من اساليب الضغط والقسوة والاستغلال والاهانة لمجموعات العمال الذين يعملون بمشقة متواصلة دون ان تتوافرلهم اجواء مريحة للعمل والانتاج ومع ذلك فهم مطيعون نشيطون طيعون مستسلمون لقدرهم الذي جعلهم ينتجون لغيرهم ويفنون زهرة شبابهم من اجل حفنة من الرأسماليين الجشعين الذي يحصدون كل عام الملايين من شقاء ومعاناة اولئك العمال

وجبات الطعام

تعلمون ان تلك الاعمال الشاقة بحاجة الى تناول الغذاء المناسب اثناء عملية الانتاج وليس كما يظن بعض البيروقراطيين الذي يقبعون على كراسي الادارة تحت المكيفات وبجانب السكرتيرات الجميلات .... فهؤلاء العمال يحتاجون الى اللحم وباقي الوجبات الدسمة فالاعمال العضلية التي يقومون بها شاقة للغاية وطويلة ومجهدة الا ان هؤلاء المساكين يشترون من جيوبهم تلك الاغذية البسيطة كالمعلبات والسردين وهو الغذاء الوحيد الذي يعتمدون عليه لكونه رخيص الثمن وسريع التحضير ولا يمكن لرب العمل بأي حال من الاحوال ان يقدم وجبات مجانية للعمال فالعمال ينتجون ويدفعون ثمن شقائهم وإصاباتهم ومستلزمات عملية الانتاج
ان الغالبية الغالبة من اولئك العمال هم من جمهورية مصر والنسبة القليلة يشكلها العمال الاردنيون والفلسطينيون كما ان تلك الظاهرة المؤلمة ليست في معان فقط بل في كافة ارجاء المملكة لكنني اخترت منطقة معان كانموذج

ولكن ماذا بشأن تلك الثروات التي تقطف ثمارها الفئة القليلة الباغية ألا تستحي تلك الفئة حتى تعيد الى العمال بعضا من حقوقهم وتمنحهم حق التعويض وحق الاستراحة وحق المعاملة الانسانية الحسنة ام ان تلك الفئة الباغية قد استمرأت مص دماء البشر ونهش لحومهم واذلالهم واستغلالهم حتى اخر رمق اين هو حق السكن في مكان يليق باولئك العمال البشر اين هو حق المعاملة الانسانية اين هو حق الحصول على جزء من الانتاج اين هو حق الحصول على تعويض اصابة العمل اين هو حق الاستراحة والاجازة اين هو حق الحماية من مخاطر العمل وسلامة بيئته اين هو حق العربي على العربي يا من تتشدقون بالعروبة والقومية والدينية اين هو حق حماية البيئة التي يدمرها اولئك الجشعون ويخلفون الارض ركاما وحطاما بعد ان يضعوا في جيوبهم الملايين
تلك فئة من العمال غابت عنها الاعين فهم يكدحون في تلك الصحراء اللاهبة وتحت سياط ارباب العمل واستغلالهم فمن لهم اذا لم نناصرهم ونقدم لهم العون