مشروع أرضية لتيار الاشتراكيون الجدد داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية


حميد باجو
2007 / 3 / 23 - 11:29     

لاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
تيار " الاشتراكيون الجدد"
(مشروع أرضية)

أي حزب نريد؟
-I-
إننا كمجموعة من المناضلين الاتحاديين، إذ نذكر بقناعتنا الراسخة بأن حزب الاتحاد الاشتراكي هو المؤهل أكثر من أي حزب آخر، لأن يقود عملية التغيير في البلاد ويساهم في الإسراع بإنجاز الانتقال الديمقراطي، بمعية حلفاءه من القوى الديمقراطية واليسارية الأخرى،
نعلن أنه بقرارنا هذا بتأسيس تيار حزبي يعمل من داخل الاتحاد الاشتراكي ويلتزم بمبادئه وبخطه السياسي و بكل قراراته الصادرة عن المؤتمر الوطني السابع، إنما نسعى إلى إضافة قيمة جديدة في النشاط الحزبي، واقتراح أساليب جديدة في العمل التنظيمي قد تساعد على تجاوز الاختلالات الموجودة فيه حاليا على هذا المستوى.
ونود أن نوضح في البداية، بأن مبادرتنا هذه إذ لا تقلل من أهمية ما ينتظر الحزب من استحقاقات انتخابية قريبة، فهي مع ذلك لا ترهن نفسها بهذه الاستحقاقات، ونعتبر أن المعركة من أجل تحقيق مشروعنا المجتمعي ستبقى دائما مستمرة.
وأن ما حكم توقيت إطلاق هذه المبادرة في هذا الوقت بالضبط، لا يرتبط بهذه الأخيرة أكثر ما تحكمت فيه التطورات الداخلية والأشواط التي قطعها الحزب على المستوى التنظيمي منذ انعقاد المؤتمر السابع.
وفي هذا الإطار، لا بد أن نبين أنه بعكس ما قد يؤاخذنا عليه البعض، من أن مبادرتنا هذه قد تخلق تشويشا على الحزب، وتساهم في إضعاف وحدته وانسجامه الداخليين مما قد يكون له نتائج سلبية على حظوظه في استحقاقات 2007،
فإننا نرد بأن العكس هو الذي سيحدث، إذ أن مبادرتنا هي بمثابة إشارة قوية إلى كل حلفائنا الديمقراطيين والمتعاطفين معنا، وكل من يفترض أننا نمثلهم ونحمل نفس قيمهم، بأن الاتحاد الاشتراكي هو حزب حي و قادر دائما على التجدد وإبداع الأفكار الجديدة المسايرة للتطور، وأن فضاء الحرية داخله واسع جدا ويحتمل كل أنواع الاختلاف، ما دام ذلك لا يخرج عن الإطار العام لمبادئه الأساسية. وهذا ما سيعيد لهؤلاء الأمل في إمكانية أن يسترجع الحزب لحيويته، ويعود لقيادة النضالات الاجتماعية ذات المنحى الديمقراطي والاشتراكي، وبالتالي يحفزهم على العودة إلى ممارسة نشاطهم السياسي أو الحزبي من داخله.
إننا على هذا المستوى، إذ نستهجن كل محاولة انشقاقية للخروج عن الحزب، بدون أي مبرر موضوعي سوى ما يتعلق بتحقيق أغراض شخصية جد ضيقة، نرفض في نفس الوقت كل تضييق يمارس ضد المناضلين داخل الحزب، الغرض منه إقصاءهم أو تهميشهم أو دفعهم إلى اليأس حتى تخلو الساحة للبعض للاستحواذ على بعض الامتيازات التي قد يوفرها الحزب.
ونحن إذ نؤمن بحق الاختلاف وبالتفاوت في الرؤى بين المناضلين، حول كيفية تحقيق المشروع المجتمعي للحزب، لا نرى سبيلا آخر لحفظ حق كل واحد في التعبير والدفاع عن رأيه غير احترام المساطر التنظيمية المتعاقد بشأنها، وترسيخ ثقافة مؤسساتية لا تعترف بغير سلطة الهيئات الحزبية المنصوص عليها في القانون الداخلي للحزب.
نحن مقتنعون بأن حزبنا يجب أن يكون هو الإطار الأوسع لتجميع كل الديمقراطيين الحقيقيين في البلاد وكل من يؤمن بقيم اليسار، وأن تكون أبوابه مفتوحة أمام كل من يشاركه في تصوره حول المشروع المجتمعي الاشتراكي الديمقراطي، حتى وإن كان هناك تفاوت نسبي في تقييم المرحلة السياسية الراهنة وفي تحديد لائحة الأولويات النضالية بالنسبة للحظة الحالية. بل حتى وإن اقتضى ذلك إدخال تعديل على اسم الحزب كما حدث سنة 1972.
ولهذا السبب، فنحن إذ نحترم كل الرؤى والأفكار الأخرى التي تتفاعل من داخل الحزب، بل ومستعدون حتى للدفاع عن حق أصحابها في التعبير عنها عبر مختلف القنوات الحزبية المتوفرة، نبادر إلى تقديم تصورنا الخاص حول ما نعتقد أنه على الحزب أن ينهجه مستقبلا.
فنحن إذ نريد للحزب أن يسترجع حيويته التنظيمية بما سيساعده على رفع رهان التحديات المطروحة أمامه في المدى القريب أو المتوسط، نطمح من جهتنا أن نساهم في ذلك، باقتراح عدد من الإجراءات التي يمكن أن تصب في هذا المسعى.
-II-
نحن نعتقد في البداية، أنه على الحزب أن يبادر إلى إنجاز مجموعة من المصالحات الضرورية، بما سيمكنه من إزالة عدد من حالات سوء التفاهم التي صارت تشوش على صورته لدى المناضلين والمواطنين على السواء.
- أولى هذه المصالحات، يجب أن تتم مع مؤسسي ومناضلي الحزب القدامى، أولاءك الذين اضطروا للتخلي عن العمل الحزبي المنظم أو تم دفعهم إلى ذلك لسبب أو لآخر. فالمطلوب هنا هو إعادة ربط الاتصال بهم، وفتح قنوات للتواصل والتعارف بينهم وبين المناضلين الشباب أو الذين هم حديثي العهد بالالتحاق بالحزب، للاستفادة من تجاربهم وخبرتهم، وتثمين واستثمار رأسمالهم الأخلاقي والنضالي في إعادة تثبيت ثقافة حزبية مناضلة ومبدئية تضع الاعتبارات الحزبية والوطنية فوق الاعتبارات الشخصية. ولأجل ذلك من الضروري تنظيم لقاءات وطنية وجهوية تكريمية أو مفتوحة معهم، و تفعيل بالمناسبة، مؤسسة العمل الاجتماعي الحزبية المقرر إحداثها لهذا الغرض، قصد التضامن معهم أو مع ذويهم لمن هم في حاجة إلى ذلك.
- ثاني المصالحات هي مع المناضلين النقابيين. فباعتبار الطابع اليساري للاتحاد الاشتراكي، فالمفترض فيه أنه يعكس تطلعات الفئات العمالية والشغيلة والمستخدمين. ولذلك هو مطالب بأن يعيد تقوية روابطه مع المناضلين النقابيين، ومع ممثلي كل الحركات الاجتماعية المناضلة الأخرى. وهذا يمكن أن يتم على مستويين:
- من جهة، أن يستمر في الدفاع عن مطالب هذه الفئات من خلال الحكومة أو الهيئات الأخرى الرسمية التي يتواجد بها، وأن يتخذ لنفسه مسافة من هذه الأخيرة، تسمح له بانتقاد ومعارضة القرارات التي لا تتماشى وقناعته في هذا الميدان.
فنحن لابد أن نستمر في التذكير دائما، بأن الحزب لا يمتلك كل السلط لتنفيذ برامجه، لا على مستوى الحكومة حيث يتواجد إلى جانب أحزاب أخرى من الأغلبية لا تشاطره بالضرورة قناعاته في الميدان الاجتماعي، ولا على مستوى قمة هرم السلطة حيث لا تسمح الصلاحيات الدستورية الضيقة المخولة للحكومة، من التقرير في كل قضايا الشأن العام الوطني.
- من جهة ثانية، أن يستمر في المساهمة في تطوير العمل النقابي ببلادنا. فإذا كان تأسيس الفيدرالية الديمقراطية للشغل، قد أتى بقيمة إضافية في هذا المجال، من حيث تحقيق مكاسب جديدة للحركة النقابية تمثلت في ترسيخ الثقافة الديمقراطية وثقافة المؤسسة داخل الأجهزة النقابية والقطع مع ثقافة تقديس الزعماء، وكذلك التحول من الثقافة النقابية الاحتجاجية المحضة إلى الثقافة التشاركية، التي تجعل من الشغيلة في مؤسسة ما شركاء ومعنيين أكثر من غيرهم بمصير ومستقبل هذه المؤسسة،
لا يمكن أن ننكر أو نتجاهل أن هذا التأسيس قد لعب أيضا، دورا سلبيا في تشتيت الحركة النقابية، وخلق جو من البلبلة والغموض وسط الشغيلة، استغلته العناصر الأصولية أو العناصر الانتهازية المتطفلة لخلق كيانات نقابية وهمية لا هم لها سوى تحقيق أغراض مصلحية ضيقة.
ولهذا، فلأجل الحد من عواقب هذا التشتت، سيكون على الحزب من خلال مناضليه في الفيدرالية، أن يسعى إلى خلق كل الشروط الضرورية لتحقيق التقارب والتنسيق بين كل المناضلين النقابيين الديمقراطيين حيثما تواجدوا، في الاتحاد المغربي للشغل أو في الكونفدرالية أو في الاتحاد العام للشغالين، حتى نستطيع سد الطريق على الأصوليين أو المتطفلين الانتهازيين من السيطرة على الحركة النقابية في بلادنا.
- ثالث المصالحات مع مختلف مناضلي اليسار، وذلك بالاستمرار في تفعيل ما قرره المؤتمر السابع في هذا الشأن، من الانفتاح على كل القوى اليسارية وتطوير كل القنوات الممكنة لتمتين التحالف معها. وهذا يتطلب من الحزب أن يبتعد عن المقاربة القصيرة النظر في التعامل مع هذه القوى، ووضعه للشروط المسبقة والتعجيزية، أو برهن ذلك بحسابات سياسوية تحكمها فقط هواجس استحقاقات 2007. بل عليه أن يضع علاقته مع هؤلاء المناضلين في إطار تصور استراتيجي بعيد المدى، الغرض منه خلق الحزب اليساري الكبير أو التحالف اليساري العريض، بحسب ما يلائم كل مجموعة منهم، وحيث يجد كل مناضل يساري مكانه ، حتى وإن تفاوتت التقديرات الظرفية حول المرحلة السياسية الراهنة.
-III-
إننا كتيار حزبي، إذ نعتبر أن المصالحة مع هذه الفئات المختلفة المذكورة أعلاه، ضرورية لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي وللفعل النضالي اليساري على الأمدين القريب والمتوسط، إلا إننا نعتقد أنه لكي يسترجع المشروع المجتمعي الاشتراكي الديمقراطي، كل مصداقيته وقوته الإقناعية، ويصير قادرا في المستقبل على مواجهة لا أصحاب الفكر الوحيد من المدافعين عن الليبرالية المتوحشة ولا الأصولية المتنامية، فإن الرهان الاستراتيجي بالنسبة إلينا هو في إقناع الفئات الصاعدة من النساء والشباب ، والتي منها ستنبثق أطر المستقبلن من فنانين ومثقفين ومسيري المؤسسات العمومية والخاصة، وفئات المقاولين الصغار والمتوسطين، على العودة إلى ميدان العمل الحزبي والنضالي، ومنحهم الأمل في إمكانية تأسيس ممارسة سياسية نبيلة، تجمع ما بين إمكانية تحقيق المطامح الشخصية لكل واحد عن طريق المنافسة الشريفة من داخل هياكل الحزب، والظهور في نفس الوقت، بمظهر الدفاع عن القيم الأخلاقية الكونية بما يشبع حاجاتهم الفكرية والثقافية.
ولهذا فإننا إذ نعتبر أن الشرط الأول لتحقيق هذا الغرض، يتمثل في توفير رؤية إيديولوجية واضحة، أو تصور للعالم ولمستقبل البلاد، يكون قادرا على إقناع هذه الفئات الصاعدة بإمكانية مستقبل أفضل للبلاد، ويساعدتهم على الخروج من حالة التيه الفكري ومن الضبابية التي تحجب حاليا نظرتهم إلى العالم.
أما الشرط الثاني فهو في ترسيخ كل شروط الديمقراطية الداخلية في الحزب والدفع بعملية المأسسة واحترام الضوابط التنظيمية إلى أقصاها.
على مستوى التصور الإيديولوجي

إن ما يدفعنا إلى التركيز على أهمية التوضيح الإيديولوجي حاليا، هو اعتقادنا بأن كل ممارسة اجتماعية، سياسية كانت أو ثقافية، إلا وتنطلق من مرجعية فكرية معينة، أو ما نسميه برؤية خاصة للعالم. هذه الرؤية التي يكتسبها الفرد من خلال تنشئته الاجتماعية.
وإذا كانت عملية تبني هذه الرؤية في السابق ، تتم بشكل موجه على الصعيد الوطني، من خلال آليات الأسرة أوالمدرسة أوالإعلام المراقب رسميا، فإن التحولات الجديدة في الوسائط الإعلامية، وانفتاح الفضاء الثقافي الوطني من خلال الفضائيات والأنترنيت ، على كل التيارات القادمة من الخارج، قد جعلت من مهمة مراقبة عملية التنشئة الاجتماعية وتأطيرها وطنيا مهمة مستحيلة، وأصبح من غير الممكن بناء هوية وطنية مستقلة ومعزولة عما يعتري العالم من أفكار وتيارات ثقافية متنافسة.
ففي اعتقادنا أن كل محاولة للتفكير حاليا في أية قضية من القضايا، إذا ما حوصرت في إطار الحدود الوطنية الضيقة، هي محاولة غير مجدية، ولا تأخذ بعين الاعتبار التشابكات المعقدة التي أصبحت تتحكم وتربط بين كل ما هو داخلي وبين ما يجري في العالم .
وهذا ينطبق بالخصوص على الشباب المغربي الصاعد ، الذي بدأ يفتح عينيه منذ نعومة أظفاره، على كل هذه التيارات الثقافية أو التصورات للعالم الواردة من الخارج. ومهمتنا نحن ليس أن ندافع عن خصوصية أو هوية شوفينية مزعومة، ولكن أن نفتح أعين هؤلاء الشباب على الأفق الكوني وعلى احتمالات تطوره المتعددة بما سيساعده على فهم موقعه هو نفسه وموقع المغرب ككل، حاليا ومستقبلا ضمن الخارطة الكلية للعالم. فذلك فقط هو ما سيساعده على التخلص من التيه الفكري ومن الازدواجية الثقافية التي يتخبط فيها حاليا، محتارا ما بين المزاعم الهوياتية التي تغذيها وتروج لها الأصولية وتوابعها، وبين الإغراءات المادية التي تلوح له بها الإيديولوجية الليبرالية المتوحشة. أو بعبارة أخرى، بما سيسمح له بالتصالح مع العصر والانخراط في العالم الحالي بشكل إيجابي وفاعل.
ولوضع هذا التصور الإيديولوجي الذي نقترحه لـتأطير الشباب الصاعد، في إطار المسار العام لتجربة الاتحاد الاشتراكي ، لابد لنا من التذكير هنا بما قطعه الحزب في هذا المجال لحد الآن.
فكما هو معروف على هذا المستوى، أن المنطلق الفكري الذي أطر اليسار عموما لحد الآن، هو ما سبق وأنتجته مختلف الحركات والتجارب الاشتراكية في العالم، وذلك منذ بداية القرن التاسع عشر. ولأن هذه الحركات نفسها لم تكن منسجمة دائما فيما بينها، أو متفقة على كل القضايا، فهي غالبا ما كانت عرضة للاختلافات وللتفاوتات الفكرية بينها، وخصوصا منذ أن انقسمت الحركة الاشتراكية العالمية في بداية القرن العشرين، إلى تياريها الرئيسيين: التيار الشيوعي أو الماركسي اللينيني، والتيار الاشتراكي الديمقراطي أو السوسيال ديمقراط.
وبالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي، فهو قد بدأ يحتك بالفكر الاشتراكي منذ الستينات، وذلك على يد بعض من رواده الأوائل كالمهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله العروي وعابد الجابري. وقد تسربت الأفكار الاشتراكية الأولى إليه، عبر ثلاثة قنوات رئيسية:
- عبر قناة بعض الأطر التي سبق وان درست في أوروبا، وتأثرت بتجربة الاشتراكيين الفرنسيين. وهذه الأطر هي التي أدخلت الفكر الاشتراكي الديمقراطي إلى الحزب، ويعتبر عبد الرحيم بوعبيد نموذجا لهذا الاتجاه الذي كشف عن نفسه بوضوح، في المؤتمر الاستثنائي من خلال تبني استراتيجية النضال الديمقراطي.
- عبر قناة الأطر التي درست أو احتكت بالمشرق العربي وتأثرت بالفكر القومي الناصري أو البعثي، ويمثل عابد الجابري أهم نموذج لهذا التيار. وأهم ما يميزه هو الدفاع عن فكرة الخصوصية وعن الهوية القومية العربية للمغرب.
- ثم عبر قناة بعض القياديين الذين احتكوا بالتجارب التحررية في العالم الثالث، ويأتي في مقدمتهم المهدي بنبركة ثم عمر بنجلون. وهذا التيار هو الذي كان وراء تبني الحزب للاشتراكية العلمية في المقدمة التي وضعت للتقرير الإيديولوجي الصادر سنة 1975.
وإذا كان التيار الداعي للاشتراكية العلمية قد فقد من حظوته داخل الحزب، بعد انشقاق 8 يونيو 1982، فإن تيار السوسيال ديمقراط و تيار الخصوصية، قد بقيا يتنافسان فيما بينهما طويلا ، حتى أنه لا يمكن مثلا فهم الصراعات التي وقعت في الحزب منذ المؤتمر الخامس، بدون الرجوع إلى الخلفيات الإيديولوجية التي كانت وراء ذلك. ففي حين اقتنع أصحاب التيار الأول بزعامة كل من عبد الرحمن اليوسفي ومحمد اليازغي، بضرورة المرور إلى الحداثة و الدخول في تجربة التناوب التوافقي، دافع التيار الثاني بزعامة كل من عابد الجابري ونوبير الأموي والفقيه البصري على فكرة الكتلة التاريخية والتحالف مع الاسلاميين.
هذا و تجب بالضرورة الإشارة هنا، إلى الإضافة التي حملها معهم مؤخرا، الإخوان القادمون من الاشتراكي الديمقراطي باعتبارهم امتدادا لحركة 23 مارس. هذه الأخيرة التي هي نفسها امتداد على المستوى الفكري، لتجربة حركة القوميين العرب، أي ذلك الجزء من التيار القومي المشرقي الذي سبق وأن تحول في لبنان وفلسطين إلى الماركسية بعد هزيمة 67. ويعتبر محمد الحبيب الطالب حاليا واحدا من أهم رموز هذا التيار الإيديولوجي.
وباعتبار أن المرجعية الاشتراكية قد عرفت بشكل عام، أزمة كبيرة في العقدين الأخيرين تمثلت في مظهرين:
- انهيار المعسكر الاشتراكي الذي أدى إلى الكشف عن القصور الكامن في النظرية الماركسية اللينينية.
- ثم فشل نموذج الدولة الراعية للاشتراكيين الديمقراطيين في أوروبا، في الصمود أمام المنافسة القوية للليبرالية الجديدة الأمريكية
فقد أدى ذلك إلى تراجع كبير في الجاذبية التي كانت تحظى بها المرجعية الاشتراكية.
وقد دفع ذلك بعدد كبير من الاشتراكيين القدامى عندنا أو في العالم، إلى التنكر لهذه الأخيرة، وذلك إما عن طريق اعتناق الإيديولوجية الليبرالية بشكل صريح، أو بشكل مغلف فيما سمي مثلا بأطروحة الطريق الثالث، أو ما يروج له البعض عندنا تحت ما ينعت بالليبرالية الاجتماعية،
أو بالرجوع إلى الإيديولوجية القومية والإعلاء من شأن الخصوصيات في مجتمعنا. وهو ما جعل أصحاب هذا الاتجاه يقتربون أكثر فأكثر من الأصوليين، إلى حد تسليمهم زمام أمرهم، سواء عبر تبني فكرة الكتلة التاريخية، أو بعقد ما يسمى بالمؤتمر القومي الشعبي العربي في الخرطوم، الذي منح للإسلاميين شرف " قيادة" نضالات الشعوب العربية.
وبسبب هذا التراجع في جاذبية المرجعية الاشتراكية، وجد اليساريون أنفسهم محاصرين بين إيديولوجيتين كلاهما تحارب الفكر الاشتراكي بطريقتها:
- من جهة، إيديولوجية الفكر الوحيد أو الليبرالية الجديدة، التي عملت الإدارة الأمريكية على الترويج لها و ترسيخها كخيار وحيد أمام كل الإنسانية
- ومن جهة أخرى، الإيديولوجية أوالإيديولوجيات الهوياتية والخصوصية الواقعة حاليا بالنسبة لمنطقتنا، في موقع التبعية للأصوليين.
ولأننا نحن، لا زلنا مقتنعين بالمرجعية الاشتراكية، كخيار يسعى إلى الإستفادة ، من قيم الحداثة والحرية والديمقراطية والعقلانية التي طورتها التجربة الليبرالية في الغرب، و في نفس الوقت، من قيم التضامن والمساواة في الفرص وتحرير القدرات الكامنة لدى الأفراد، التي دعت إليها مختلف التجارب الاشتراكية القديمة أوالاجتهادات الفكرية الحديثة،
فإننا نرفض أن نكون رهينة لا بيد إيديولوجية الفكر الوحيد بدعوى الفعالية والبراغماتية الاقتصادية، ولا بيد الإيديولوجية الأصولية وتوابعها من التيارات الهوياتية، بدعوى مناهضة أمريكا.
فنحن نؤمن بأن هناك طريق آخر، لا هو بالنيوليبرالي ولا هو بالأصولي، ذلك هو الطريق الاشتراكي الديمقراطي الذي يسعى إلى التجدد وإعادة بناء نفسه، بعد التخلص من مكامن القصور التي صاحبته خلال التجارب الاشتراكية السابقة.
عناصر هذه المرجعية الاشتراكية الجديدة نستمدها من ثلاثة مصادر أساسية :
- تجربة الأممية الاشتراكية في دعوتها إلى دمقرطة وأنسنة النظام الرأسمالي والحد من الهيمنة الأمريكية
- تجربة ما يعرف بحركة العولمة البديلة أو ميثاق بورتي أليغري، الباحثة عن صيغ أخرى لتحقيق التنمية والتقدم الاجتماعي المنصف لكل أفراد الإنسانية
- ثم مختلف الاجتهادات الفكرية والنظرية الحديثة التي تسعى إلى تجاوز النظرة الضيقة والأداتية التي صاحبت تطور مشروع الحداثة والعقلانية خلال العقود السابقة.
فنحن إذ نؤمن بالتطور التاريخي المفتوح على احتمالات متعددة، نعتقد أنه لا زالت أمام الانسانية آمالا واسعة لإعادة بناء نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا. ونعتبر أن الاختلالات الحالية التي يعرفها العالم في ظل تصاعد وتيرة العولمة، إنما هي ناتجة بالدرجة الأولى، عن التفاوت الذي حصل بين مراكز القرار الاقتصادي التي أصبحت ممركزة بين أيدي حكومات بعض الدول الكبرى وبعض المؤسسات العالمية، أوما يرمز إليه عموما بملتقى دافوس،
وبين مراكز القرار السياسي التي لا زالت تشتغل على مستوى وطني في كل دولة، والتي مفروض فيها أن تكون تحت الرقابة الديمقراطية لشعوب تلك البلدان.
ولهذا فإنه لمعالجة هذه الاختلالات، ليس المطلوب هو رفض العولمة و العودة للتقوقع أو الإنغلاق داخل الهويات القومية والدينية والإثنية، ولكن النضال عالميا، لجعل مراكز القرار الاقتصادي الدولي تعود للخضوع للمراقبة السياسية للشعوب، أي للمراقبة الديمقراطية لكل مواطني العالم.
فما ندعو إليه هو النضال من أجل مواطنة كونية، تجد ترجمتها الملموسة في إقامة حكومة عالمية منتخبة. هذه المهمة التي لا زالت تنتظر تعبئة مختلف مكونات الرأي العام العالمي وتكثيف جهود ونضالات كل الديمقراطيين في العالم، لتحويلها إلى حقيقة قائمة على أرض الواقع.
وهكذا، فإننا إذ ندعو إلى معانقة هذا الأفق الكوني، فذلك لكي نؤكد، أن لا الأصولية وتوابعها من الإيديولوجيات الهوياتية والقومية، ولا الرأسمالية المتوحشة الأمريكية هي قدرنا.
بل لا زالت هناك إمكانية ليوتوبيا ثالثة، تسمح لنا بالحلم بعالم آخر يكون بديلا عن الذي نعيش فيه حاليا، وفي نفس الوقت أفضل من ذلك الذي تبشرنا أو تنذرنا به الأصولية.
هذه اليوتوبيا الجديدة، وإن كانت تطرح على المستوى الكوني ، فهي تفرض علينا أن نضع تفكيرنا المحلي، أو التفكير في قضايانا الوطنية الخاصة، في إطار هذا الأفق الكوني، أو كما يعبر عن ذلك شعار: فكر كونيا ومارس محليا.
-IV-
على مستوى التصور التنظيمي

يمثل التنظيم الحزبي الجسم الرابط بين اختيارات الحزب، والتجسيد الفعلي لهذه الاختيارات على أرض الواقع المجتمعي. ونظرا لكون هذه الاختيارات تتمحور في المرحلة الراهنة حول ضرورة إنجاح مسلسل التحول الديمقراطي ببلادنا، فإن أهمية توفر الحزب على أداة تنظيمية فعالة تبرز بقوة في هذا الظرف بالذات حتى يقوم بدوره الكامل في التأطير. بل يمكن القول بأن هذه الأخيرة هي الآن بمثابة الحلقة المركزية التي ينبغي علينا كمناضلين اتحاديين، أن نمسك بها في أفق إقرار المشروع الديمقراطي الحداثي.
غير أن اختيار أي شكل تنظيمي لا يتم أبدا بشكل اعتباطي أو محايد. فالمنظمات والهيئات تبحث دائما عن الأشكال التنظيمية الأكثر ملائمة لتفعيل قيمها وتحقيق أهدافها. وبالنسبة لحزب سياسي يطمح للوصول إلى السلطة أو للاحتفاظ بموقعه فيها ، لابد له من الارتكاز إلى تنظيم ناجع وفعال، ومتلائم مع الشروط الموضوعية التي يكون عليها المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، هو يحتاج لأن يوظف كل ما يتوفر لديه من إشعاع داخل المجتمع، و من قوة تعبوية لدى مناضليه.
فنجاعة الأداة التنظيمية الحزبية، بالإضافة إلى ضرورة ملاءمتها مع الشروط الموضوعية للمجتمع، تبقى محكومة بنوعية العلاقات والروابط التي يقيمها الحزب سواء مع القوى الحية في المجتمع، أو مع مجموع المناضلين والمتعاطفين معه، أو بالشروط الذاتية التي تنظم العلاقة بين أعضاءه وهياكله الداخلية.

1- العلاقة مع القوى الحية داخل المجتمع

إذ يفترض في الحزب أن يكون ممثلا لفئة أو فئات معينة من المواطنين، وواسطة بينهم وبين الدولة، فإن أي اجتهاد يقوم به على المستوى التنظيمي، لابد وأن يكون في خدمة تطلعات هذه الفئات.
وبالنسبة لحزب يساري كالاتحاد الاشتراكي، لكي يعمق صلاته مع هذه الفئات و يكون قادرا على استيعاب وتمثل تطلعاتها، وإقناعها في نفس الوقت ببرامجه وبالتصورات التي يقترحها، لابد أن يقوي روابطه مع شبكات وهيئات المجتمع المدني. ففي هذا الارتباط، يستطيع الحزب أن يتغذى فكريا وثقافيا، وأن يساهم في النقاش الإيديولوجي والفكري الدائر في المجتمع حول قضايا الهوية والتصورات المتعلقة بالمشاريع المجتمعية المعروضة. أي على الحزب، أن يمتلك أولا، تأثيرا وإشعاعا ثقافيا وسط المجتمع ، الذي قد يتحول بمناسبة المحطات النضالية المختلفة أو في الاستحقاقات الانتخابية، إلى قوة سياسية تدعم موقعه في مواجهة خصومه السياسيين.
وهذا الاشتغال مع هيئات المجتمع المدني، ليس فقط يوفر للحزب قوة سياسية قد يحتاجها في المناسبات الانتخابية، ولكنه من موقعه ذلك، قد يساهم أيضا في إحداث التغيير الثقافي والمؤسساتي داخل بنيات المجتمع بما يرسخه وسط هذه الأخيرة من قيم وقناعات حداثية وعقلانية.
وهو مطالب بالخصوص، بتشجيع تنظيمات المجتمع المدني، وسط الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا، من بين الطبقات الشعبية والفئات الوسطى والمثقفين والفنانين والمقاولين الصغار والمتوسطين. بل وعليه أن يكون هو القاطرة التي تقود النضالات الاجتماعية لكل هذه الفئات.
فهو بتواجده المتزامن على الواجهات الثلاث : المساهمة في تأطير المجتمع المدني، والمشاركة في تدبير الشأن الحكومي، ثم قيادة النضالات الاجتماعية المختلفة، عليه أن يكون سباقا إلى استشعار واستباق كل التحولات الجديدة التي قد تطرأ وطنيا أو عالميا.
فالحزب اليساري، ليس مطالب فقط بالتدبير الجيد للشأن الحكومي، فهذا ما قد تنجح فيه حتى أحزاب أخرى غير يسارية، ولكن أن يكون هو المحرك والمبادر الأول إلى بعث كل ما هو جديد داخل المجتمع، ومواجهة جيوب المحافظة حيثما وجدت.
فتعدد الواجهات النضالية التي على الحزب أن يشتغل عليها داخل المجتمع، إنما يأتي من واقع أن السلطة نفسها داخل هذه الأخير تكون موزعة و متقاسمة بين مراكز نفوذ متعددة.
فهناك السلطة السياسية الممركزة بين يدي جهاز الدولة، ولكن هناك أيضا السلطة الاقتصادية التي يمتلكها أصحاب رؤوس الأموال المحليين منهم أو الأجانب، ثم السلطة الرمزية للمثقفين وللإعلاميين الذين يساهمون في صناعة وتوجيه الرأي العام الوطني.
ولذلك على الحزب اليساري أن يسعى ليس فقط لامتلاك السلطة السياسية من خلال حصوله على أغلبية برلمانية، ولكن أن يحسن مواقعه أيضا، في الواجهات الأخرى، وخاصة في الحقل الثقافي للمجتمع عبر نشر إيديولوجيته وقيمه، وخلق قنوات متعددة للتواصل الفكري مع أكبر ما يمكن من الشرائح الاجتماعية.
أما على مستوى السلطة الاقتصادية، فهو يمكن أن يدعم وجوده بها، عبر تعبئة فئات الشغيلة من عمال وأطر وتقنيين، أو باستقطاب المقاولين الصغار والمتوسطين.
وهو كلما دعم موقعه على هاتين الواجهتين الأخيرتين، إلا وا زدادت حظوظه لتحسين موقعه على مستوى السلطة السياسية.

2- العلاقة مع المناضلين والمتعاطفين

تفيدنا سوسيولوجيا التنظيمات الاجتماعية على هذا المستوى، أنه يمكن التمييز داخل المجتمع، بين ثلاثة أنواع من التنظيمات:
- تنظيمات الدولة، وهي تتميز باحتكارها للشرعية السياسية وشرعية ممارسة العنف والعقاب،
- التنظيمات الاقتصادية أو المقاولات ، وتتميز ببحثها الدائم عن الربح أو المقابل المادي سواء بالنسبة لأصحاب المقاولة أو للمستخدمين والعمال.
- ثم التنظيمات القائمة على العمل التطوعي ، كالأحزاب والجمعيات والنقابات، والتي تشتغل من أجل أهداف يقع الاتفاق عليها طواعية بين الأعضاء المنتمين للتنظيم.
وبالنسبة للأحزاب باعتبارها تنظيمات تطوعية، ليس هناك في العمق، ما يفرق بين الأحزاب اليمينية أو اليسارية أو الأصولية من حيث نوعية الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، ألا وهو الوصول إلى السلطة وتنفيذ البرنامج أوالخطط السياسية الخاصة بكل حزب. الفرق الوحيد بين الفئات الثلاث هو فقط في أن اليمين، يهدف إلى الحفاظ على الوضع كما هو قائم، والحفاظ على الامتيازات التي تمتلكها الفئات المهيمنة داخل المجتمع. أما الأحزاب الأصولية فهي وإن كانت تريد تغيير الوضع القائم ، فلكي يتم ذلك في اتجاه رجعي أو ماضوي يحلم بإعادة أمجاد السلف.
فقط الحزب اليساري وحده، هو الذي يطمح إلى تغيير المجتمع في اتجاه تقدمي ومساير لحركة التاريخ.
وبالنظر إلى الطابع التطوعي للحزب السياسي، فإن ما يدفع المواطنين إلى الانتماء إليه، يكون مختلفا بالضرورة، عما يدفعهم إلى الالتحاق بأجهزة الدولة، حيث يكون الإغراء المادي أو الإكراه القانوني هو الدافع لذلك، أوإلى الارتباط بالمقاولة الإقتصادية حيث المقابل المادي هو الحافز الرئيسي على ذلك.
فالإنخراط في حزب أو في أي تنظيم مدني آخر، إنما يتم بشكل طوعي بناءا على قناعة فكرية. ولأن هذه القناعة هي في الغالب غير ثابتة، فإن التنظيم الحزبي يكون أكثر عرضة للإختلالات وأكثر قابلية للإنحلال والاندثار بالمقارنة مع الحالتين السابقتين.
ولهذا تكون الأحزاب أمام هذا الوضع التنظيمي الهش، مضطرة دائما لأن توفق بين آليتين للإشتغال التنظيمي :
- من جهة، هي تعمل على بناء وترسيخ جهاز" بيروقراطي" حزبي (بمعناه الإيجابي) ، أي جهاز مكون من محترفين سياسيين، يكون دورهم هو الحفاظ على التواجد والنشاط اليوميين للحزب
- ومن جهة ثانية، هي تسعى إلى استقطاب أو تنظيم حملات للإنخراط الطوعي فيها، تكون موجهة إلى كل المواطنين الذين قد يجدون أنفسهم قريبين من إيديولوجية وبرنامج الحزب.
ولهذا السبب، فإن الحوافز والتشجيعات التي يمكن للحزب أن يوفرها لأعضائه هي من نوعين:
- حوافز مباشرة ومشخصنة موجهة للأعضاء القياديين ومسؤولي الجهاز البيروقراطي للحزب وكل عناصر النخبة داخله، وتتمثل في الفرص التي يمكن أن يوفرها لهم للوصول إلى مناصب في الحكومة أو في المؤسسات المنتخبة أو للحصول على امتيازات أخرى، كالتوظيف في الإدارة والإعلام الحزبيين أو في الدواوين الوزارية،
- ثم حوافز معنوية غير مشخصنة، تتمثل في الدفاع عن القيم والمبادئ التي تكون وراء جذب المواطنين للإنخراط فيه أو التعاطف معه.
ولكن إذا كان هذا التمييز بين نوعي الحوافز، لا يطرح أي مشكلة بالنسبة لأحزاب اليمين، باعتبار أن ما يدفع الأعضاء إلى الإنخراط فيها ليس سوى الحصول على حوافز مادية و مباشرة، في شكل مصالح ملموسة متبادلة بين القياديين وقواعدهم، فإن الأمر يختلف عنه في الحزب اليساري. ففي حالة إذا ما عجز هذا الأخير، عن الاستمرار في الدفاع عن القناعات المبدئية التي كانت وراء انضمام المناضلين إليه، أو أنه انحرف عن ذلك، فلن يبقى هناك ما سيشجع هؤلاء على الحفاظ على ارتباطهم به والاستمرار في الوفاء له، غير ما سيتحقق لهم منه من مصالح مادية مباشرة. أو بعبارة أخرى، أنه لن يعود هناك أي فرق على هذا المستوى بينه وبين أي حزب يميني آخر.
لهذا، فالحزب اليساري هو مضطر لاعتماد حد أدنى من التوازن بين نوعي الحوافز:
- من جهة، هو يوفر لقيادييه ونخبته حوافز ملموسة، تتمثل في الفرص التي يمنحها لهم للترقي الاجتماعي الفردي، وذلك لكي يحافظ على ولاء أطره الديناميكية ويضمن استمراريته كمنظمة تطوعية،
- ومن جهة أخرى، يوفر لمنخرطيه ولمناصريه، الحوافز المعنوية الضرورية المتمثلة في الدفاع عن المبادئ التي قام عليها في البداية. وهذا ما يجعلهم يحافظون على ثقتهم فيه وبالتالي مساهمتهم في توسيع إشعاعه وسط المجتمع
ولأن الأحزاب السياسية تختلف من حيث تصوراتها وبرامجها، فهي قد تنهج طرقا مختلفة للوصول إلى السلطة أو كسب أغلبية برلمانية لصالحها.
فالأحزاب اليمينية مثلا، قد تعتمد بالدرجة الأولى على الأعيان الكبار لجلب أصوات الناخبين. وهذه الطريقة غالبا ما تقوم على تبادل المنافع المادية والخدمات مقابل الأصوات الانتخابية.
أما لأحزاب ذات النزعة الإيديولوجية، فهي قد تعتمد على الإقناع الإيديولوجي، وعلى تعبئة المواطنين حول قيم وتصورات معينة. وهذه الطريقة تقوم بالدرجة الأولى، على توظيف شبكة الوسطاء المثقفين والقنوات الإعلامية والمعرفية المتوفرة في المجتمع. فالقاعدة التنظيمية لهذه الأحزاب ، يجب أن تتكون بالضرورة، من الأطر المتعلمة ومن المثقفين العصريين منهم أو التقليديين، الذين يتكلفون بتصريف قناعات الحزب وسط المواطنين. ولا تختلف الأحزاب اليسارية كثيرا في هذا المجال عن الأحزاب الأصولية، إذ الفرق الوحيد بينهما، أن هذه الأخيرة تلتجأ إلى شبكات فقهاء المساجد وخريجي شعب الدراسات الاسلامية وبعض الأطر الأخرى التي تكون قد تربت في أحضان الخطاب الاسلامي. بينما تتوجه الأحزاب اليسارية لاستقطاب المثقفين الحداثيين المتفتحين على القيم الكونية، والذين يشتغلون عبر قنوات المدرسة أو الجامعة أو باقي الوسائل الإعلامية والثقافية الأخرى.

وبالنسبة لحزب يساري كالاتحاد الاشتراكي، الذي اختار استراتيجية النضال الديمقراطي، فهو يجد نفسه على هذا المستوى، في مواجهة مفارقات قد يصعب أحيانا حلها:
فهو إذ يسعى إلى تحقيق أهدافه وبرامجه من داخل المؤسسات، يكون في حاجة إلى أصوات أكبر ما يمكن من الفئات الشعبية. وللوصول إلى هذه الفئات الأخيرة، تطرح أمامه ثلاثة قنوات مختلفة للتواصل معها:
- أولا، قناة الحركات الاجتماعية المنظمة مؤسساتيا، وفي مقدمتها النقابات وجمعيات المجتمع المدني. وهذا يطرح السؤال حول مدى قدرة الحزب على تأطير هذه الهيئات وتعبئتها حول برنامجه السياسي. فهل الحزب قادر مثلا على توسيع التنظيم النقابي ليشمل كل فئات الشغيلة، وهل هو قادر على تحقيق الوحدة النقابية بين كل هذه الفئات، وكذلك ما هو حجم حضوره داخل جمعيات المجتمع المدني، وبالخصوص، تلك التي تشتغل في مجالات القرب؟
- ثانيا، عبر قناة الوسطاء المثقفين والاعلاميين. وعلى هذا المستوى، يطرح التساؤل أيضا عن مدى قدرة الحزب على تأطير هؤلاء الوسطاء، وإقناعهم بالعمل سوية معه على نفس البرنامج السياسي أو المشروع المجتمعي؟ ولكن يطرح التساؤل أيضا، عن مدى حضور و قدرة هؤلاء المثقفين أنفسهم على التأثير في الرأي العام، وعن درجة المصداقية التي يتوفرون عليها في أعين المواطنين؟
- ثالثا، عبر قناة الأعيان، أي أولاءك الأشخاص الذين يمتلكون تأثيرا على محيطهم، سواء بالإعتماد على العلاقات التقليدية كالولاء للعائلة أو القبيلة، أو على علاقات مصلحية مباشرة حيث تستعمل وسائل الإغراء المادي وقضاء المصالح المختلفة مقابل الأصوات الانتخابية.
ولكل هذه القنوات مزاياها وإكراهاتها
- فالتنظيم النقابي مثلا، إذ يوفر للحزب قوة اجتماعية وازنة قد يستفيد منها في الاستحقاقات الانتخابية، لكنه لاعتبارات تاريخية واجتماعية متعددة، قد ينحرف ويسقط في أحضان النزعة البيروقراطية أو الشعبوية، حيث يعمد بعض الزعماء النقابيين إلى استغلال النقص في التكوين لدى شرائح معينة من العمال والشغيلة، لشحنهم بشعارات أو بمطالب تقفز على الواقع الموضوعي وعلى ما هو ممكن تحقيقه وما هو غير ممكن. وهذا ما عانى منه الاتحاديون مثلا طويلا، سواء مع الاتحاد المغربي للشغل أو مع الكنفدرالية، وأدى إلى شل الحياة الحزبية الداخلية وفرض الجمود عليها، ومنع كل إمكانية للتجديد والابتكار والتكيف السريع مع التحولات العالمية والوطنية.

- الطريق الثاني، إذ يفتح قنوات واسعة للتواصل مع مختلف فئات الشعب، إلا أنه يطرح نوعين من الملاحظات:
من جهة، يفترض في هؤلاء الوسطاء المثقفين أن يكونوا هم أنفسهم، متوفرين على إشعاع ومصداقية وسط عموم المواطنين، وقادرين على الإقناع وتصريف القيم والمبادئ الانسانية التي يِؤمنون بها، وعلى الترويج لرؤيتهم الخاصة عن العالم، أي الرؤية التي تقوم على الأفكار التنويرية والإنسية المتراكمة عبر مختلف التجارب اليسارية في العالم. غير أنه في ظل الهيمنة الراهنة للتصورات الخرافية والغيبية المناقضة لقيم الحداثة والعقلانية، يفتقد هؤلاء المثقفون حاليا لأرضية تقاطع ثقافية مع هؤلاء المواطنين ويجدون صعوبة في التواصل معهم.
أما من الجهة الأخرى، أن علاقة الحزب مع مثل هؤلاء الوسطاء إنما تفترض أسلوبا خاصا في التعامل معهم يقوم على احترام استقلالهم الفردي ، وعلى احترام التعاقدات التي تتم معهم وكل المساطر التنظيمية المتفق عليها. أو بعبارة أخرى تدبير كل ما له علاقة بإشكالية الديمقراطية الداخلية للحزب.

-القناة الثالثة أو قناة الأعيان، إذ توفر قاعدة انتخابية جاهزة وبأقل جهد أو كلفة نضالية، إلا أن هؤلاء، للحفاظ على مصالحهم قد يستغلون الحزب لصالحهم بالإلتجاء إلى استعمال الرشوة وشراء الذمم والولاءات داخل الحزب، وبالتالي السيطرة عليه وتحريفه عن المبادئ الأصلية لليسار. ويكون الخطر مضاعفا في الوقت الحاضر، خاصة في ظل التفشي الحالي لظاهرة تبييض أموال المخدرات أو المال العام المنهوب أو كل الأموال الأخرى ذات المصادر المشكوك فيها.

3- العلاقة الداخلية بين الأعضاء وبين الأجهزة الحزبية

ما تجب الإشارة إليه هذا المستوى، أن الحزب اليساري ، وكأي تنظيم اجتماعي آخر، يكون حاملا بالضرورة، لعدد من أشكال اللامساواة ومن التفاوتات الداخلية بين أعضاءه، و خاصة بين قيادته وقواعده. ويتجلى ذلك سواء في كيفية توزيع سلطة القرار الحزبية بين هيئاته، أو في الامكانيات المادية والمؤهلات الفكرية الخاصة بكل مناضل، أو في الحظوظ والفرص المتوفرة لكل واحد للحصول على امتيازات خاصة، كالترشيح باسم الحزب أو الوصول إلى موقع في أجهزة الدولة وفي المؤسسات الأخرى المرتبطة بها، أو الإستفادة من مختلف الفرص الأخرى التي يوفرها الحزب لمناضليه. ولهذا فإن حيوية الحزب وفعاليته داخل المجتمع قد تتحدد أيضا، حتى بمدى قدرته على إيجاد نوع من التوازن الداخلي بين كل مكوناته، وبابتكار الآليات المناسبة للتعويض عن هذه التفاوتات وحل الخلافات الداخلية التي قد تطرأ لهذا السبب.
وفي هذا المجال، غالبا ما يكون النظام الداخلي هو الأداة المناسبة التي يوظفها الحزب لتحقيق هذا الغرض، أي للتوفيق بين التطلعات الشخصية لأعضاءه، وضمان حد أدنى من التوازن بين الفرص المتاحة أمام كل عضو أو مجموعة من أعضاءه القياديين، أو من نخبه الصاعدة أو من نخبه الجهوية والقطاعية.
ولهذا فكلما تكاثرت وتنوعت التطلعات الخاصة بالأعضاء واصطدمت فيما بينها، إلا وازدادت الحاجة إلى تطوير النظام الداخلي في اتجاه المزيد من المأسسة، وإلى الحد من الارتباطات والولاءات الشخصية. وهذا ما يسمح بطمأنة كل عضو من نخبة الحزب، بأنه في إمكانه هو أيضا، أن يحقق ما يطمح إليه من امتيازات خاصة ، بل وطمأنة حتى عناصر نخبوية أخرى من الخارج قد ترى في الانتماء إلى الحزب فرصة لتحقيق مطامحها الخاصة هي أيضا.
مع الإشارة هنا، إلى أن النظام الداخلي للحزب مهما كانت دقته، قد لا يتطابق بالضرورة، أو يعكس بشكل أمين الواقع الحقيقي لكيفية اقتسام السلطة داخل الحزب، فدائما تبقى هناك قنوات غير رسمية تخترق جسم الحزب عموديا أو أفقيا، يستعملها بعض القياديين لتمرير النفوذ وممارسة التأثير على قرارات المناضلين في القواعد وفي الهياكل التحتية.
ولكن مع ذلك تبقى عملية المأسسة دائما ضرورية، للحد ما أمكن من تأثير الأمزجة الشخصية لبعض القياديين، ولترسيخ معايير تنظيمية تتجاوز ذاتيات الأفراد وتتعامل مع المناضلين على قدم المساواة من حيث الحقوق والواجبات. وهذا ما يشجع على الانضباط وعلى تركيز وتوجيه الطاقات النضالية المتوفرة داخل الحزب نحو نفس الغاية، أي تحقيق المشروع المجتمعي أو البرنامج السياسي الذي يلتقي حوله الجميع.

4 - التجربة التنظيمية للاتحاد الاشتراكي

لقد استلهمت الثقافة التنظيمية للحزب في المراحل السابقة عناصرها المكونة من مرجعيتين اساسيتين: مرجعية الثقافة التقليدية القديمة للمغاربة التي تعود جذورها لمرحلة هيمنة الزوايا، حين كانت كلمة الشيخ هي بمثابة القانون الذي يوجه ويؤطر سلوك الأتباع، ومن هنا جاءت عادة تبجيل واحترام زعمائنا التاريخيين وعدم التجرء على مناقشة افكارهم أو انتقاد أخطاءهم، وما صاحب ذلك من تبخيس لقيمة القوانين والضوابط التنظيمية المكتوبة لصالح الكلمة أو التوجيه الذي يتفوه به الزعيم.
ثم مرجعية الثقافة التنظيمية لأحزاب اليسار والقائمة، بسبب ظروف القمع التي أحاطت بها سابقا، على ترجيح كفة المركزية على حساب الديمقراطية، وانتقال الخطاب الحزبي على العموم في اتجاه واحد من الأعلى إلى الأسفل.
ولهذا السبب، كان ا لمسار الذي اتبعته المأسسة داخله دائما صعبا ومتعثرا. فرغم تقديم مشروع لنظام داخلي للحزب في المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، لم يتم الحسم فيه وبقي المشروع معلقا طوال السنوات اللاحقة. وحتى حين أوصى المؤتمر الخامس بعقد ندوة تنظيمية للنظر في هذا الأمر، لم تستجب الأجهزة القيادية آنذاك لهذه التوصية، واستمر الغموض يكتنف الوضع التنظيمي للحزب إلى حدود المؤتمر الوطني السادس.
لذلك فإن ما يجب التنويه به بالنسبة لهذا الأخير هو أنه وفر للحزب لأول مرة، قانونا داخليا رسميا مصادقا عليه و ملزما من الناحية المبدئية لجميع المناضلين. بل أن المؤتمر كان أكثر جرأة في هذا الاتجاه حين قرر الاستغناء عن آلية لجنة الترشيح وتعويضها بمبدأ الاقتراع السري، الذي منح للمناضلين في القواعد سلطة أوسع مما كان متاحا لهم في السابق.
وبالرغم من الاستمرار في نفس الاتجاه نحو المزيد من المأسسة خلال المؤتمر السابع، وتسجيل مكتسبات جديدة في هذا الميدان، بإعطاء فرص أوسع لمناضلي الجهات لانتخاب ممثليهم في المجلس الوطني بما يعادل الثلثين، إلا أننا نسجل حدوث تراجعات في هذا المؤتمر عن بعض ما تحقق سابقا، وذلك على الأقل في ثلاث نقط:
- التراجع عن مبدأ تحديد مدة الانتداب في المكتب السياسي في ولايتين
- التراجع عن مبدأ حالة التنافي في الجمع بين عضوية المكتب السياسي وقيادة مركزية نقابية
- التراجع عن مبدأ تكوين تيارات منظمة داخل الحزب.
وبشكل عام، يمكن اعتبار المسار الذي اتبعه الحزب في هذا الميدان هو نفس المسار الذي تعرفه جل التنظيمات الاجتماعية التطوعية، أي الانتقال من المركزية والفردانية في التحكم في السلطة الحزبية، والتي تكون في الغالب في يد الزعيم التاريخي، إلى اقتسام هذه السلطة بين يدي مجموعة قليلة من القياديين، أو ما يمكن أن نسميه بالأليغارشية الحزبية، إلى الوصول وهذا ما نطمح إليه، إلى ديمقراطية حزبية حقيقية يتقاسم فيها كل المناضلين السلطة الحزبية فيما بينهم بشكل متساو.
والاتحاد الاشتراكي يعيش حاليا مرحلة انتقالية على هذا المستوى، أو ما يمكن أن نعتبره انتقالا ديمقراطيا داخليا، لا زال يتعثر لحد الآن للخروج منه.
وليس من الغرابة، أن يسير هذا الانتقال بشكل مماثل ومتواز مع الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه الدولة المغربية. لكن باعتبار أن الاتحاد الاشتراكي يمثل من الناحية النظرية، قوة طليعية في المجتمع، فالمفروض فيه أن يكون هو الذي يعطي النموذج لما يجب أن يكون عليه المجتمع المغربي في المستقبل، وبالتالي أن يكون هو السباق لانجاح انتقاله الديمقراطي الداخلي قبل أن يطلب من الدولة أن تحقق انتقالها الخاص.
-V-
انطلاقا من كل هذا، فإننا كتيار حزبي ينشط من داخل الاتحاد الاشتراكي،
نعتبر أننا قد أصبحنا الآن، في حاجة إلى حزب يعطي لمبدأ المأسسة كل الاعتبار ويقطع مع مرحلة الزعامات الفردية والولاءات للأشخاص، ولا يمارس الإقصاء في حق الكفاءات التي ترفض التبعية غير المبنية على قناعات، أو التي تحرص على استقلاليتها في اتخاذ المواقف والقرارت ولا تعترف إلا بما هو منصوص عليه في القانون الداخلي وما تفرضه المساطر التنظيمية المتفق عليها.
فاحترام مبدأ المأسسة وترسيخه سيكون هو وحده الكفيل بضمان المساواة في الفرص داخل الحزب من حيث الوصول إلى مواقع المسؤولية، أو الترشيح وتمثيل الحزب في مؤسسات الدولة والمجتمع.
نحن نريد حزبا يحرص على سيادة الديمقراطية داخله وإعطاء الفرصة للقواعد لأن تشارك في كل القرارات، حزبا يوفق في نفس الوقت بين احترام حق كل مناضل وحريته في مناقشة كل القضايا الحزبية، وبين ضمان الانسجام والوحدة في الممارسة وتصريف القرارات المتخذة.

ونحن في حاجة إلى حزب أكثر لامركزية في هيئاته وقراراته، يدعم مبدأ الجهوية داخله، و يمنح المزيد من الصلاحيات للأجهزة المحلية والقطاعية في الفروع والأقاليم والجهات. بل وأن تكون تجربته في هذا المجال هي النموذج الذي يجب أن تقتدي به الدولة في توجهها نحو الجهوية.
حزب يتبنى هيكلة تنظيمية تسمح بالمرونة في اتخاذ القرارت وفي التواصل بين القيادة والقواعد، وتتيح التكيف مع كل الوضعيات التي يفرضها الوسط الجغرافي أو الإجتماعي أو الثقافي أو المؤسساتي الذي يتواجد فيه
نريد حزبا أكثر انقتاحا على اليسار ويسهر على توفير كل الشروط الموضوعية لبناء الحزب اليساري الكبير أو التحالف اليساري العريض بما يسع كل المناضلين اليساريين في البلاد
نريد حزبا أكثر حضورا وارتباطا بالقوى النشيطة والحية في المجتمع المدني، واكثر ارتباطا وانصاتا للمناضلين النقابيين ولهموم الشغيلة والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في البلاد. ويكون قادرا على الإبداع وابتكار أدوات جديدة للدفاع وتصريف مواقفه على هذا المستوى، سواء من داخل المؤسسات الحكومية والمنتخبة التي يشارك فيها، أو عبر امتداداته وإشعاعه وسط المجتمع.
نريد حزبا يحتفظ بمسافة بينه وبين الحكومة أو الدولة، بما يسمح له بانتقاد كل سلوك أو قرار صادر عن هذه الأخيرة لا يتفق ومواقفه من القضايا المطروحة، و باتخاذ المبادرات التي يراها مناسبة ، بدون انتظار التوجيهات من أية جهة كانت.
فنحن إذ ندافع عن وجود دولة قوية وفاعلة، و قادرة على تأطير كل فئات المجتمع، إنما نريدها في نفس الوقت متحملة لكامل مسؤولياتها في حماية الفئات الأكثر تضررا في المجتمع وموفرة لحد أدنى من الخدمات العمومية لجميع المواطنين بما يسمح بتكافؤ للفرص بين الجميع. كما نريد من الدولة أن تقطع مع كل مظاهر الإقتصاد الريعي وكل أشكال الفساد والامتيازات غير المشروعة.
نريد حزبا يناضل من أجل رد الاعتبار لكل مناطق ومكونات الشعب المغربي، ويدافع بقوة عن مبدأ الجهوية، وعن اللامركزية في السياسة المجالية، بحيث يكون ذلك هو المدخل الطبيعي لمقاربة المسألة الصحراوية أو المسألة الأمازيغية أو للمساهمة في تحسين شروط الجوار مع الأشقاء المغاربيين.
نريد حزبا يناضل بكل قوة من أجل إقامة دولة الحق والقانون، واستكمال البناء الديمقراطي ببلادنا بتحقيق فصل واضح للسلط، وتخويل الشعب عبر ممثليه المنتخبين، كامل الصلاحية في مراقبة كل من يساهم في تدبير الشأن العام.
نريد حزبا يسعى إلى إقامة دولة علمانية يكون فيها الدين شأنا شخصيا و منفصلا عن السياسة، و وتكون السلطة الروحية من اختصاص الملك وحده.
نريد حزبا ينخرط بقوة في مشروع بناء الاتحاد المغاربي عن طريق ربط قنوات مختلفة مع الفعاليات السياسية والثقافية والمدنية في دول المنطقة وخاصة مع الشقيقة الجزائر، بما سيمكن لاحقا من تليين المواقف الشوفينية المتعصبة لدى المسؤولين في هذا البلد.
وفي نفس الوقت يدفع في اتجاه تمتين الروابط مع الهيئات المدنية و السياسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وخاصة في الدول التي تربطنا بها روابط تاريخية طويلة كاسبانيا أو فرنسا.
نريد حزبا ينخرط في الأفق الكوني و يعمل على نشر وترسيخ القيم الكونية الأساسية من حرية وديمقراطية وتضامن واحترام للبيئة، ويدافع بقوة عن مبدأ المساواة في الفرص سواء بين الفئات الاجتماعية، أو بين المرأة والرجل أو بين المناطق أو الأجيال أو المكونات الثقافية المختلفة.

وعلى المستوى التنظيمي فنحن كتيار، نطالب
- بتحديد مدة الانتداب في ولايتين وذلك سواء لتحمل المسؤولية داخل الحزب أو لتمثيله في الهيئات المنتخبة.
- بالعمل بمبدأ عدم التنافي في المهام الموكولة للمسؤولين الحزبيين ،
بتنافي مهمة الكاتب الأول للحزب مع مهمة مسؤول في أي جهاز حكومي باستثناء الوزارة الأولى، - - بإسقاط العضوية في المكتب السياسي أو في أي جهاز حزبي آخر، عن أي مناضل يتم تعيينه كموظف سامي بظهير، باستثناء التعيين في الحكومة أو في أي جهاز آخر يخضع للمراقبة الشعبية. ويمكن التفكير على هذا المستوى، في انتخاب أعضاء احتياطيين في المكتب السياسي لتعويض كل فرد فقد لسبب أو آخر، حقه في عضوية المكتب السياسي، أو أصبح عاجزا عن ممارسة مهامه.
- بالسماح بتكوين تيارات مهيكلة داخل الحزب يكون لها الحق في استعمال مقرات وتجهيزات وإعلام الحزب، و بتقديم لوائح خاصة بها للترشيح في كل الأجهزة الحزبية التقريرية والتنفيذية.
- بأن تضاف إلى اختصاصات المجلس الوطني صلاحية المصادقة على لائحة المقترحين من طرف المكتب السياسي للاستوزار أو أي منصب عمومي آخر
- بأن يخول للمكتب السياسي أو من يفوض له ذلك، صلاحية التعيين في الدواوين الوزارية التابعة للوزراء الاتحاديين، وكذلك بالنسبة للملحقين بالفريق البرلماني أو أي هيأة أخرى مماثلة.
- بتخويل صلاحيات اختيار المرشحين للانتخابات البرلمانية أو الجماعية أو المهنية، للتنظيمات المحلية في الفروع أو الأقاليم أو الجهات أو القطاعات.