دفاعاً عن المفهوم الماركسي للسلطة


عبد العزيز الراشيدي
2007 / 2 / 4 - 11:33     

رد على فلسفة ميشيل فوكو
يقول الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر في مقدمة كتابه (نقد العقل الجدالي) إن "الفلسفة الماركسية هي أرقى ما يمكن أن يصل إليه الفكر البشري في العصر". مقولة سارتر هذه توضح مدى إدراكه لكون الماركسية هي الإجابة الموضوعية والعلمية لنمط الإنتاج الرأسمالي. وما دامت الرأسمالية هي روح العصر فالماركسية إذن هي فلسفة العصر، هذه هي الفكرة التي أدركتها البرجوازية جيدا ومن هذا المنطلق ستجند هذه القوة السياسية كل ما تملك من أجهزة أيديولوجية من أجل تمويه هذه الحقيقة وعلى هذه الأرضية ستأتينا فلسفة ميشل فوكو كواحدة من هذه الأبواق. هذا إذا ما سلمنا بمقولة لينين التي أعد صيغتها ألتوسير وتقول هذه الأخيرة إن "كل جدال فلسفي هو في العمق صراع سياسي- صراع طبقي على حد تعبير ألتوسير- يمارس على المستوى النظري".
من هذه النقطة سينطلق المشروع الفوكوي الهادف إلى إعادة صياغة مفهوم السلطة عبر مجموعة من الأعمال التي أصدرها هدا الأخير في هذا الصدد (نظام الخطاب، المعرفة والسلطة...).
اذ يرى هدا الفيلسوف البرجوازي أن المفهوم الذي قدمته الماركسية للسلطة هي مفهوم كلاسيكي يمركز السلطة في جهاز الدولة. هذا التمركز يرى فيه ميشيل فوكو مربط الفرس ونقطة الضعف في التحليل الماركسي، لأن فوكو يرى حسب فلسفته أنه لا يمكن أن نتحدث عن السلطة باعتبارها ذلك الجهاز الذي يقبع على قمة المجتمع والدي يدعى الدولة أو السلطة السياسية العليا بل يجب أن نتحدث عن السلطة باعتبارها شبكة علاقة القوة المزروعة في كل جسد المجتمع والمنبثقة في كل مؤسساته وخلاياه.
ومن هنا فالسلطة بالنسبة لميشيل فوكو موجودة في كل مكان وتمارس فعلها بأشكال متعددة، إنها تلك القوة الموجودة في كل مناحي الحياة الاجتماعية، وبالتالي فهي ليست سلطة جهاز القمع الأيديولوجي كما يرى ذلك كارل ماركس.
إن نقد فوكو هذا للمفهوم الماركسي للسلطة نجده على سبيل المثال في كتابه "نظام الخطاب" الذي يناقش من خلاله سلطة الخطاب. من خلال دراسته لمنظومات نبذ الخطاب وعلى رأسها منظومات النبذ الخارجي التي تمارس فعلها القمعي من الخارج وعلى رأس هذه المنظومة: الكلمة المحظورة أو ما يمكن أن نسميه بالثالوث المحرم حسب تعبير بوعلي ياسين (الدين والجنس والصراع الطبقي)، لكن ميشيل فوكو يقف فقط على الدين والجنس باعتبارهما مناطق محظورة تمارس سلطتها القمعية من الخارج، لكن فوكو في نقاشه لهده المسألة يكتفي بالوصف فقط، دون أن يتجاوز ذلك ليتساءل عن من يجعل هذه الموضوعات محظورة ويعطيه هذه السلطة. ميشيل فوكو لا يفعل ذلك لأمر بسيط هو إن طرح مثل هدا السؤال سيوصل إلى أن السلطة هي سلطة جهاز القمع الأيديولوجي، لكن مهمة فوكو ها هنا هي تمويه هذه الحقيقة.
إن سلطة الخطاب التي يتحدث عنها فوكو ما هي في الحقيقة إلا سلطة مؤسسة إنتاج الخطاب كما يقول الأنثروبولوجي الماركسي نيكولا غريمالدي.
من هنا نستنج فكرة أساسية هي أن السلطة التي يمتلكها الخطاب كيف ما كان نوعه لا يمتلكها من ذاته، بل هي سلطة تلك المؤسسة التي أنتجته وهذه المؤسسة لا تخرج في نهاية المطاف عن الأجهزة الأيديولوجية للدولة، وبالتالي فهذه السلطة التي يتحدث عنها فوكو ما هي إلا تجل ميكروسكوبي للسلطة الميكروسكوبية التي هي سلطة جهاز الدولة الطبقي، لكن فوكو الفيلسوف البنيوي لن يعترف بهذه الحقيقة التاريخية والعلمية. لأنه كما يقول ألتوسير: "الفلسفة صراع طبقي يمارس على المستوى النظري". ومن هنا لا يمكن لفوكو ومن يسير على دربه إلا أن يصارع طبقيا هذه الحقيقة الماركسية.