الوفاق ام العودة للشعب


حافظ عليوي
2006 / 12 / 20 - 09:49     

منذ ان غلب الفكر الوطني على الفكر الطبقي ، وقوة الثقافة الوطنية مقارنة بالثقافة العمالية الاممية الامر الذي زاد نفوذ البرجوازية الوطنية في صفوف الطبقة العاملة الفلسطينية وعرفت " فتح " بمقولتها ان الشعب الفلسطيني هو شعب واحد لا يعرف الطبقات او الصراع الطبقي ، وان من يقسم الشعب الى طبقات انما يضعف وحدته الوطنية ، واصبحت الوحدة الوطنية كلمة السر والشرط الذي لابد منه للتخلص من الاحتلال ولحلول الازمات الداخلية ، وهو الأمر الذي انصاع اليه اليسار الفلسطيني دون اجنى تحفظ . فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتغيير موازين القوى العالمية والاقليمية دفع الفكر البرجوازي والمصالح الطبقية بالبرجوازية انقلابها على برنامجها الوطني والكفاحي واخضاع الطبقة العاملة الفلسطينية الى ابشع انواع الاستغلال المزدوج الذي تمارسه اسرائيل والبرجوازية الفلسطينية التابعة لها . الامر الذي شكل مدا كبيرا للتيار الاسلامي في الوقت الذي لم تستطع القوى الديمقراطية أن تتوحد، وكذلك قوى منظمة التحرير لم تستطيع أن تتوحد أيضاً
لهذا السبب دخل اليسار الى بوابة الوحدة الوطنية بدلا من الصراع الطبقي لتتخذ كل من التيار الاسلامي والبرجوازية الوطنية شعار الوحدة الوطنية للتغطية على ممارساتها المجحفة .
فمفهوم الديمقراطية وعجز حكومة حماس عن تحقيق برنامجها ولو بجزء بسيط وتفاقم الازمة واستفحالها ، فهناك اجماع كبير حول الشبه بين السلطة الفلسطينية ومثيلاتها من الانظمة العربية ، ولا يوجد اجماع شعبي حول كيفية الخروج من هذا المأزق للحكومة وسياسة المماطلة لاغلاق الابواب نهائيا .
ليس سبب فشل الحكومة وحل الازمات الداخلية هو السبب وحدة في حوار ثنائي بل لان تفسير الدمقراطية وتطبيقها في الدول العربية التي تعترف بوجود معارضة مشلولة ، نعم مشلولة ، لانها تمتلك البرنامج ولكنها لا تترجمه على ارض الواقع وتفضل استراتيجية اقناع الحكومة بمواقفها . بدل طرح نفسها بديلا للنظام القائم وصراع الطبقات ووحدة القوى الديمقراطية تنصاع للتمسك بخيار الوحدة ، ان المفهوم المتداول للعملية الديمقراطية هو سيادة الشعب وحقه في اختيار قادته في انتخابات حرة ديمقراطية ، واستبدال النظام بنظام اخر ، اما في عالمنا فالنظام يجب ان يكون ثابت ، ابدي ، كذلك في المعارضة في نظر حماس والمطلوب من الشعب التعبير الابدي ايضا عن ولائه لهذا التركيب الاستبدادي والمسلمون الفلسطينيون قرروا ان من حقهم وحدهم ان يقرروا ماهو في مصلحة الشعب .

البديل المعنوي :

حماس لا تقدم البديل للشعب سوى عملياتها الانتحارية في عهد الحكومات خاصة انها تعترف بشرعية السلطة ووحدانيتها ، ان البديل الذي يطرحه التيار الاسلامي هو بديل ليس أكثر من بديل معنوي مفاده اقامة دولة فلسطينية على انقاض الدولة اليهودية ، رفض التفاوض مع الاسرائيليين على حل وسط يقسم السيادة على الارض بين الطرفين ، بينما يحظى هذا الاقتراح بدعم ملحوظ في صفوف الشعب الفلسطيني الذي فقد الثقة بامكانية الوصول الى حل وسط مع اسرائيل في اطار المفاوضات وعجز اليسار الفلسطيني بتنظيم صفوفه ووحدة الاطر الديمقراطية ، الا ان هذا الاقتراح يفتقر لآلية التنفيذ ، انه اقتراح معنوي اكثر منه عملي يمكنه توحيد الشعب الفلسطيني في نضاله ضد اسرائيل ، ان ما يميز التيار الاسلامي اليوم هو قبوله بالنظام الامريكي الاستعماري كأمر واقع دائم لا يقبل التغيير ، ان مواجهة اسرائيل معناها مواجهة الاستعمار الامريكي الواقف ورائها ، ولكن ماثبت اكثر من مرة هو ان الاسلاميين يمتنعون عن مواجهة امريكا ، ويبحثون عن سبل التعاون معها للحفاظ على مصالحهم ، والامثلة على ذلك لاتحصى منها ما يحدث في الشيشان والبلقان وافغانستان .
وتبين ان حماس في محاولاتها السابقة في احراج السلطة واخيرا في الوقت الذي تفتقر فيه الى برنامج عملي قادتها للوقوع في خندق السلطة مستنكرة في الوقت ذاته الاتفاقيات الموقعة كخطوة للحفاظ على شعبيتها والبحث عن حكومة وحدة مزاجية لاتنحرف به عن برنامجها المعنوي ، فهي لم تدخل السلطة من خلال انقلاب بل من خلال ديمقراطية نزيهة عالية الشفافية وبدأت تخوض حوارات الوحدة الوطنية التر رفضتها عام 1996 ، وهي خارجة السلطة ولكن هذه المرة بالنسبة للتيار الاسلامي مختلفة كليا فحوارات الوحدة بالنسبة لها وسيلة للتغطية على عدم انجازها قدراتها وافتقارها لالية تنفيذ البرنامج المعنوي وبالتالي احكام سيطرتها على جماهيرها . لتصبح الوحدة الوطنية بين كافة طبقات الشعب خدمات مصالح البرجوازية ، زادت حدة التنافر بين اقطاب الرأسمالية وعرقلة امكانية طرح برجوازية بدلا من اخرى فاسدة .
رفض حماس بردة فعل لدعوة الانتخابات المبكرة فهو يحاول الاستفادة قدر الامكان من النظام الرأسمالي العالمي ، دون ان يفقد شعبيته بين الجماهير . فهو يصف الاسلام بدين المستضعفين ليحظى بتأييد ملاييين المسلمين والفقراء ، ولكنه لا يقترح نظاما اقتصاديا بديلا للنظام الرأسمالي العالمي الذي يسبب الفقر والمعاناة لكافة الشعوب المضطهدة والمستضعفة ، والحقيقة ان الفقر لا يميز بين الاديان ، فهم يتعرضون لابشع انواع الاستغلال من الطبقة الرأسمالية في بلدانهم والتي تعتنق نفس اديانهم ، لتسترشد بموقف اليسار الفلسطيني بالدعوة لاستكمال الحوار كخيار اساسي واولي في مناورة للهروب من احراجها امام جماهيرها وسياسة تكتيكية للتغطية على فشلها في الية تنفيذ برنامجها وحفاظها على شعبيتها والاستفادة قدر الامكان من النظام العالمي .

خيار الوفاق وخيار الانتخابات

" تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس يضمن مشاركة كافة الكتل البرلمانية، وبخاصة حركتي فتح وحماس والقوى السياسية الراغبة على قاعدة هذه الوثيقة وبرنامج مشترك للنهوض بالوضع الفلسطيني محلياً وعربياً وإقليميا ودولياً ومواجهة التحديات بحكومة وطنية وقوية تحظى بالدعم الشعبي والسياسي الفلسطيني من جميع القوى وكذلك بالدعم العربي والدولي وتتمكن من تنفيذ برنامج الإصلاح ومحاربة الفقر والبطالة وتقديم أفضل رعاية ممكنة للفئات التي تحملت أعباء الصمود والمقاومة والانتفاضة وكانت ضحية للعدوان الإجرامي الإسرائيلي وبخاصة اسر الشهداء والأسرى والجرحى وأصحاب البيوت والممتلكات التي دمرها الاحتلال وكذلك العاطلين عن العمل والخريجين. ( المادة 6 / وثيقة الوفاق الوطني ). "

ان مجمل الحوارات السابقة التي جرت بين حركتي فتح وحماس لا تعبر عن التمسك بوثيقة الوفاق لأنها وبكل بساطة استثنت الفصائل الأخر والتي تنص المادة السادسة من وثيقة الوفاق على " تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس يضمن مشاركة كافة الكتل البرلمانية، وبخاصة حركتي فتح وحماس والقوى السياسية الراغبة على قاعدة هذه الوثيقة " فهل الالتزام بوثيقة الوفاق يعني صراع ثنائي على الامساك بطرفي السلطة ؟ فكلا الحركتين أخذت مشروع وثيقة الوفاق الوطني للتغطية على ممارساتها في اطماعها واحتكارها للسلطة وكوسيلة للحفاظ على قاعدتها الجماهيرية .
ان الحوارات واللقاءات التي عقدت من خلف ظهر الإجماع الوطني تؤدي الى الوصول للطريق المسدود الذي اعلن عنه الرئيس ابو مازن وما نتج عنه في خطابه المعلن في 16 / 12 /2006 واستفحال حالة التشرذم والانقسام ليؤدي لما نراه اليوم في هذه الايام العصيبة الدموية بما يتعارض مع الثقافة والتقاليد الديمقراطية الوحدوية . هذا اضافة الى تمسكهم بالمادة الرابعة من وثيقة الوفاق التي تدعو الى نبذ كل مظاهر الفرقة والانقسام وما يقود الى الفتنة وادانة استخدام السلاح مهما كانت المبررات لفض النزاعات الداخلية وتحريم استخدام السلاح بين ابناء الشعب الواحد والتأكيد على حرمة الدم الفلسطيني .

ان خطاب الرئيس عباس، تضمن خيارين، الاول هو خيار الوفاق الوطني وهو الخيار الافضل لحل الازمة بحوار شامل مكثف، من اجل إنجاز هذا الهدف و تكريس مبادئ الديمقراطية والتعددية بدلا عن تناحر الصفقات الاحتكارية الثنائية التي تنحرف عن مواجهة الاحتلال والاستيطان. فالعودة الى وثيقة الوفاق ببرنامج سياسي موحد وحكومة وطنية موحدة تشترك فيها جميع القوى والكتل البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني، ببرنامج مشترك مشتق من وثيقة الوفاق الوطني بما يمكن من فك الحصار وتعزيز الائتلاف الوطني على قاعدة الشراكة الحقيقية في صنع القرار ، وليس تشكيل حكومة اتحاد وطني على اساس برنامج حماس !! فحماس لاتبدي اي خطوات ملموسة تجاه وثيقة الوفاق في مسألة الاتحاد في القواسم المشتركة ، ففي حالة الفشل و استمرار المماطلة والتهرب من استحقاق حكومة الوحدة الوطنية يصبح معروفا لدى الجميع من هو المسؤول عندئذ لا يبقي خياراً للخروج من الأزمة سوى الخيار الديمقراطي، القائم على العودة للشعب كي يعبر عن إرادته الحرة عبر انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة تشكل حلاً للازدواجية في السلطة وما تنذر به من تداعيات دامية.
فقبل اللجوء على خطوة الخيار الثاني " الانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة " يجب وضع كل الضمانات لإنجاحها ولكي لا تتفاقم الازمة مرة اخرى بنتائج الانتخابات يجب تصحيح قانون الانتخابات ليكن قانون تمثيل نسبي كامل للخروج من الازمات التناحرية الى حكومة وحدة وطنية منسجمة مع وثيقة الوفاق الوطني وليس طرح الانتخابات المبكرة كوسيلة للهروب من وثيقة الوفاق الوطني .
فالحل يكمن في التطبيق الواضح لوثيقة الوفاق الوطني التي استندت إلى قرارات اعلان القاهرة، وإلى نتائج الحوار الوطني الشامل، وأقرت وثيقة الوفاق الوطني بقرارات الشرعية العربية والدولية.