دوافع الدعم الأفريقي للقضية الفلسطينية


فهد المضحكي
2024 / 5 / 4 - 10:21     

فرضت العقود الأخيرة قواعد مختلفة للتعاطي الأفريقي مع القضية الفلسطينية، والذي ظل لسنوات يدور في فلك المواقف العربية من القضية. إذ فقدت الدول الأفريقية وخاصة في الأقاليم الناطقة بالعربية القدرة على صياغة موقف أفريقي موحد إزاء القضية، وخضعت هذه المواقف للعديد من العوامل التي عملت على إعلاء المصالح القطرية لبعض الدول الأفريقية على المبادئ والقيم الجماعية الأفريقية، والتي ترتبط بتاريخ التحرير الوطني ومبادئ الوحدة والتضامن الأفريقي، خاصة بعد نجاح إسرائيل فى تأسيس علاقات دبلوماسية مع 44 دولة أفريقية.

أحد المراكز السياسية والاستراتيجية، نَشر رأيًا للخبيرة في الشؤون الأفريقية الأكاديمية أميرة محمد عبدالحليم أبرز ما جاء فيه: لم تخرج أحداث غزّة والاعتداءات الإسرائيلية على سكانها المواقف الأفريقية عن نمطها المعهود الداعم لإسرائيل، على الرغم من ردود الفعل الشعبية الواسعة، إلا أن تزايد الجرائم التي ارتكبها الكيان المحتل ضد المدنيين في غزّة قد ساهم في تأكيد العديد من المواقف الأفريقية على أهمية إقرار هدنة إنسانية ووصول المساعدات إلى القطاع.

وعلى الرغم من تمكن إسرائيل من تطور علاقات متميزة مع العديد من الدول الأفريقية، واعتمادها على هذه العلاقات في حماية مصالحها وخاصة في المنظمات الدولية، جاءت المواقف الشعبية من الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزّة لتعبر عن وجود مصلحة ودوافع أفريقية لدعم القضية الفلسطينية، حيث لم يتوقف استنكار ورفض العدوان الإسرائيلي على غزّة، بل انتشرت الإدانات والرفض في أجزاء واسعة من القارة الأفريقية معبرة عن استنكار واسع لما يشهده سكانها من كارثة إنسانية ناجمة عن احتلال أراضيهم.

وربما يأتي الرفض لممارسات إسرائيل نابعًا من العديد من العوامل أهمها:

1- رفض الاحتلال والعنصرية: لا تزال شعوب القارة الأفريقية تعاني من آثار احتلال القوى الاستعمارية الغربية لأراضيها والتي تظهر في ما شملته اتفاقيات الاستقلال من استمرار لتبعية اقتصاديات هذه الدول للقوى الغربية، وتُعد دول القارة من أكثر المناطق في العالم التي عانت من احتلال القوى الغربية لأراضيها وتقسيم هذه الأراضي في مؤتمر برلين 1884-1885 دون الأخذ في الاعتبار التكوينات البشرية التي تعيش على هذه الأرض، فكما كان الإسرائيليون يصفون أراضي فلسطين التي احتلوها في عام 1948 بأنها كانت أرضًا لا يسكنها أحد، كان المحتلون الغربيون يعتبرون أراضي الدول الأفريقية بلا بشر، واتجهوا لتقسيمها فيما بينهم دون مراعاة التكوينات الإثنية، فقسموا إثنيات بين العديد من الدول، ولاتزال الدول الأفريقية تعاني من جراء هذه التقسيمات المصطنعة حتى الآن، وهناك العديد من الإثنيات التي تتطلع إلى أن تجمع أفرادها والمنتمين لها في دولة واحدة، مثل العفر في شرق أفريقيا، والطوارق في الشمال والغرب الأفريقي.

وعلى الرغم من تجاوز العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول الأفريقية لهذه القضية بل وإقناع هذه الدول بفكرة المصير المشترك والخلاص والتشابه بين الشتات اليهودي والمعاناة الأفريقية من الاستعمار والعنصرية، مما يدعم تطوير المصالح الاقتصادية والأمنية بين الجانبين، إلا أن الاعتداءات التي ارتكبتها دولة الاحتلال في غزّة مؤخرًا قد أحيت من جديد هذه الانطباعات السياسية الأفريقية حول إسرائيل وخاصة على المستوى الشعبي. وربما تكون الزيارة التي قام بها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى تنزانيا مؤخرًا واعتذاره عن الانتهاكات التي ارتكبتها دولته أثناء استعمارها للبلاد، نوعًا من الوعي بما تشكله الأحداث في غزّة من تهديد للمصالح الغربية في أفريقيا.

2- مناهضة التدخلات الغربية في القارة الأفريقية: جاءت أحداث غزّة في ظل تصاعد كبير للرفض الشعبي للتواجد الأجنبي العسكري داخل عدد من الدول الأفريقية وخاصة التواجد الفرنسي، مما دفع فرنسا للانسحاب من قواعدها في عدد من دول الساحل الأفريقي، ومع تأييد فرنسا للموقف الإسرائيلي، اعتبرت بعض القوى السياسية والمدنية في دول القارة أن أهداف شعوب القارة تتقارب مع الأهداف الفلسطينية.

3- المكانة الدولية والإقليمية: يبدو من مواقف بعض الدول الأفريقية أنها لا تتعلق فقط بدعم الحقوق الفلسطينية كجزء من حماية القيم الجماعية الأفريقية ولكن أيضًا تهدف هذه المواقف لتطوير مكانة وأدوار إقليمية لبعض الدول، وفي هذا الإطار تبرز مواقف دولة جنوب أفريقيا والتي تعمل لتتحول إلى إحدى القوى الدولية عبر وجودها في مجموعة البريكس أو أدوارها لحفظ السلام والأمن في القارة وكذلك يبرز الموقف الجزائري، حيث يمثل دعم القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في السياسة الخارجية الجزائرية، خاصة أنه تم إعلان الدولة الفلسطينية في عام 1988 من الجزائر.

في أعقاب الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر والاعتداءات المتصاعدة التي تبنتها إسرائيل بعدها، نَشرت المجلة الفرنسية «جون أفريك» مقالًا حول المواقف الأفريقية حيال التطورات بين إسرائيل وغزّة، حيث قسمتها إلى ثلاثة «مواقف» رسمية، إذ تدين دول أفريقية حماس بشدة وتقدم الدعم غير المشروط تقريبًا لإسرائيل، ودول أخرى تدعو إلى وقف التصعيد وتندد بالعنف المرتكب ضد المدنيين، بغض النظر عن مرتكبيه، وأخيرًا، دول ترفض إدانة هجوم حماس رسميًا، حيث يندرج الإتحاد الأفريقي ضمن الفئة الأخيرة، والذي دعا رئيس مفوضته موسى الفقيه إلى تأكيد ضرورة العودة إلى المفاوضات لتنفيذ حل الدولتين وقال في بيان:«أود أن أذكّر بأن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لاسيما حق دولة مستقلة ذات سيادة، هو السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي الفلسطيني الدائم». وهذه الدعوة للتفاوض هي أيضًا موقف تونس والجزائر على وجه الخصوص.

وخلال قمة السلام التي عقدتها القاهرة، دعا الفقيه إلى تشكيل «جبهة عالمية مفتوحة» لوقف العنف الدائر في قطاع غزّة وفي كل العالم، مطالبًا بالتوقف عن الاكتفاء بالتنديد والدخول في مرحلة الفعل. كما عرض استعداد الاتحاد لعمل ما يلزم بالتنسيق مع الدول والمنظمات العالمية، لوضع حد للصراع الدائر بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.

كما تباينت المواقف الأفريقية من القرار العربي الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 اكتوبر 2023 حول الاعتداءات الإسرائيلية على غزّة والذي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء القطاع فورًا ودون عوائق.

ويمثل القرار أول رد رسمي للأمم المتحدة على تصاعد العنف جراء العدوان الإسرائيلي على غزّة والضفة الغربية منذ هجمات 7 أكتوبر، بعد أن فشل مجلس الأمن الدولي 4 مرات في إتخاذ إجراء.

على الرغم من اختلاف مواقف الدول الأفريقية سواء الرسمية أو الشعبية حول الاعتداءات الإسرائيلية على غزّة، واستغلال إسرائيل لسنوات من عملها لجذب المزيد من الحلفاء في القارة الأفريقية عبر استثمارات زراعية وتقديم خدمات أمنية وعسكرية، إلا أن تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية على المدنيين في غزّة تجاوز جولات الصراع السابقة، وتزايد أعداد الضحايا من الأبرياء قد انعكس على مواقف الدول المؤيدة لإسرائيل في القارة مما زاد من أهمية الدعم الأفريقي لغزّة.

خلاصة ما سبق، ربما لم تحظ القضايا الأفريقية باهتمام الدول العربية بالشكل الكافي خلال خمسة العقود الأخيرة، على الرغم من وجود دول عربية أفريقية، إلا أن تاريخ القضية الفلسطينية وما ارتبط بها من أحداث تزامنت مع محطات للنضال الأفريقي ضد الاحتلال والعنصرية ساهم في بناء وعي لدى الشعوب الأفريقية بالتشابه بين معاناة الفلسطينيين ونظرائهم في القارة الأفريقية، لذلك استمرت ردود الفعل الشعبية مناهضة للانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.