الدين السياسي وميثولوجيا عالمي الجن والإنس


طلعت خيري
2024 / 5 / 2 - 12:41     

يستغل شيطان الدين السياسي الجهل البشري ، وقلة الوعي ، واستغفال الناس عن الكثير من الأمور الدينية والحياتية ، لمصالحه السياسية والاقتصادية والسلطوية ، وأي أنتاج معرفي يدعو الى الوعي ، يتصدى له بالتراث والتاريخ والسلف وأقول الأنبياء المسيسة للطائفية ، فلا تقتصر الميثولوجيا على عقيدة السماء كالملائكة بنات الله أو ابن الله ، إنما هنالك ميثولوجيا أرضية صنعها الدين السياسي لنفس الأهداف منها ، الخرافات والكرامات والوطأة ، ففي سورة سبأ سنتعرف على دور الدين السياسي في صناعة ميثولوجيا عالم الجن أو عالم اللامرئي ، وكيف جعل له تأثير على الفرد ، وعلى وأفكاره وحياته ، ودور الرواية التاريخية المحرفة في تسطير ذلك الاعتقاد ، عالم الجن عالم أخر لا علاقة له بحياة الإنسان ، وليس له تأثير على قواه العقلية ، ولا على الأشياء المادية ، ولغياب عالم الجن عن الواقع البشري ادخل ضمن الاعتقادات الظنية ، على اعتقاد ان الجن اسكنه الله في السماء ليتحكم بمتطلبات الإنسان التي يسعى الى تحقيقها ، لم يؤكد الله على وجود الجن في السماء ، كما لم يذكر له تأثير على حياة الإنسان ، أما ما جاء في سور الجن ، هو إخبار من الله لمحمد عن طريق الوحي، بخصوص ما دار بينهم من حوار، حول نزول القران ، قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ، لعالم الجن الظني نشاطان نشاط اعتقادي ذو منافع ريعية ، ونشاط سياسي لتكذيب الرسل واتهامهم بالجنة أو المس ، ولكثرة ما طرحه الشيطان في هذا الباب ، استحوذ علم الجن على السماء والأرض وعلى حياة الإنسان بشكل كامل ، ذلك مما أخفى ماهية الله كخالق حقيقي لكل شيء ، رد الله على المعتقدين ، لا شيء للجن لا في السماوات ولا في الأرض ، الحمد لله الذي له ما في السماوات والأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ{1}


غلغل الدين السياسي عالم الجن في كافة الأنشطة الحياتية ، والمعتقدات الدينية ، بعد ان استحوذ فكريا على السماء والأرض ، مستغل المسخرات السماوية كالنجوم والكواكب والبروج ، للكسب المالي ، فأعطى لعالم الجن علم يفق كل التصورات العقلية ، عبر الأفكار الظنية ،على اعتقاد ان الله سخر الجن لخدمة البشرية ، مركزا على الأمور التي اخفق الفرد في تحقيقها ، كالحمل والإنجاب والسعادة والحظ السعيد والعلاقات العاطفية والمحبة الزوجية ، مستعينا بالرجم الغيبي ، والتطير والبرج العالي ، والفال والسحر وفك السحر، وإخراج الجن ، وطرق أخرى مختلفة للنصب والاحتيال باسم علمية الجن ، ان استحواذ الجن على العلم الغيبي ، ألغى علمية الله كخالق لكل شيء ، ولكي يعكس الله علمه الواسع الى ابعد مما يعلمون ، قال ، يعلم ما يلج في الأرض ، يلج يغيب في باطنها من ماء وحشرات وقوارض ، وما يخرج منها من معادن وكنوز ونبات ، وما ينزل من السماء من ماء وكسف وصواعق ، وما يعرج فيها يتحرك فيها حركة غير سرمدية ، كحركة الشمس والقمر والنجوم والكواكب ، وهو الرحيم الغفور

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ{2}

ان الإيمان بالله واليوم الأخر ليس بصالح الاعتقاد الظني ، لأنه يطيح بالمصالح المرتبطة بعالم الجن ، مما ينعكس ذلك على ريع المنتفعين ، الذين يستغلون متطلبات الفرد التي يسعى لتحقيقها أبشع استغلال ، فأكثر بقاع الأرض فقرا وتخلفا المناطق التي تنشط فيها الاعتقادات الظنية ، فالدين السياسي هو شيطان عالمي الجن والإنس ، فمثلما طمست الميثولوجيا البعث والنشور الأخروي ، كذلك الدين السياسي ، فأفضل وسيلة لتحرير الفرد من سيطرة الشيطان وحزبه تذكيره بالآخرة ، قبل بلوغ الساعة ، فكان رد الاعتقاد الظني على البعث والنشور الأخروي كالأتي ، وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ، قل يا محمد ، بلى وربي ليأتينكم عالم الغيب ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا اصغر من ذلك ، ولا اكبر إلا في كناب مبين

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{3}

كل شيء في الحياة الدنيا قابل للفناء ، باستثناء الرواسي المجددة للحياة على الأرض ، فالإنسان ضمن الأشياء الفانية ، فالفواني لن تعود الى الآخرة ، لأنها مسخرات دنيوية ، باستثناء الإنسان ، لأنه لم يخلق لحياة زائلة ، إنما لحياة أبدية لا فناء لها ، ان أحسن الظن بربه ، فالحياة الاخروية فيها أطماع للذين اعدوا لها العدة ، ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{4}

يحاول الدين السياسي شيطان عالمي الجن والإنس ، طرح الأفكار المعجَّزة للبعث والنشور الأخروي، ولا يقتصر ذلك على الجانب الفكري ، إنما حتى على الجانب الميداني ، فالدعم المالي للأفراد والجماعات ، لحشد اكبر عدد من المنكرين للبعث والنشور، شكل حزبا سياسيا مساندا لمصالح الأسياد والزعماء والرأسماليين ، والذين سعوا ، سعوا حشد الطاقات الفكرية من كافة الفئات والشرائح ، للتصدي لآيات الله ، والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز اليم

وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ{5}

ما لا يقبل الشك ان الدعوة استقطبت أفراد وجماعات من مختلف الديانات الوثنية والسياسية ، فأصبحوا على علم بالله وباليوم الأخر، ونظر لكثرة الأفكار المضادة المعجَّزة للبعث والنشور الأخروي ، أصاب محمد الإحباط ، فاحتاج الى دعم إيماني لمساندته نفسيا ، فاستعان الله بآراء المؤمنين ، فقال ويرى ، يرى ليس للنظر، إنما للآراء الفكرية ، ويرى الذين أوتوا العلم والإيمان ، الذي انزل إليك من ربك هو الحق ، ويهدي الى صراط العزيز الحميد

وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{6}

طرح الدين السياسي شيطان عالمي الجن والإنس على القاعدة الجماهيرية المكية ، أفكار استهزائية معجَّزة لاستحالة البعث والنشور الأخروي ، فلقيت ترحيبا وتأيدا واسعا بين الزعماء والرأسماليين وشياطينهم ، الاستهزاء ، وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل المقصود محمد ، ينبئكم ، اي يخبركم إذا مزقتم كل ممزق ، تبعثرت أجسادكم وأصبحت ترابا ، إنكم لفي خلق جديد

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ{7}

ان مفهوم الله في المعتقد الظني ، مفهوم شكلي مفرغ من المسخرات السماوية والأرضية ، صنعه الدين السياسي خصيصا للمصالح الاقتصادية والسياسية بما يتلاءم مع أهواء ورغبات القاعدة الجماهيرية المكية ، فعندما جاء التنزيل بمفهوم الله الحقيقي ، حدث صدام فكري ، ما بين مفهوم الله الحقيقي ، وبين مفهوم الله السياسي الذي تؤمن به القاعدة الجماهيرية ، ونتيجة للاختلاف في المفاهيم ، اتهم محمد بالافتراء على الله ، افترى على الله كذبا ، ونظرا لإيمان القاعدة الجماهيرية المكية بوطأة عالم الجن ، ادعوا ان محمد أصابه المس ، اتهام سياسي ، أم به جنه ، مس من الجن ، بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد

أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ{8}

يحاول الدين السياسي صف المجتمع الى الله المصطنع ، المفرغ من المسخرات ، ومن البعث والنشور الأخروي ، لإبعاده عن تأثير الآيات العقائدية ، ولكن في الجانب الأخر ، لم يتوقف التنزيل عن طرح آيات الله ، لتفكيك القاعدة الجماهيرية المكية ، رغم توقف آلية العذاب الدنيوي بالكوارث الطبيعية ، إلا ان خيارات العذاب الأدنى، مفتوحة للإطاحة بمصالح الدين السياسي اقتصاديا وامنيا ، أفلم يروا الى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء الأرض ، ان نشاء نخسف بهم الأرض ، انهيار اقتصادي كلي ، أو نسقط عليهم كسفا من السماء ، كسفا هي الكتل الهوائية التي تنبعث من الغيوم ، مصحوبة بشحنات كهربائية تتجه الى الأرض ، بفعل التوليف الفيزيائي للبرق والرعد ، ان في ذلك لأية لكل عبد منيب

أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ{9}