رسالة المناضل باقر ابراهيم حول مقالي: المأزق الكبير


مؤيد عبد الستار
2024 / 5 / 1 - 12:59     

رحل قبل أيام قليلة في السويد المناضل والسياسي الذي افنى سنين عمره في العمل السياسي بين صفوف الحزب الشيوعي العراقي وارتقى فيه لاعلى مركز حزبي : عضو لجنة مركزية وعضو المكتب السياسي ونهض بمسؤولية تنظيم الفرات الاوسط وشارك في الاشراف على فصائل الانصار في كردستان ، ورغم الخلاف الذي دفعه خارج تنظيمات الحزب الشيوعي الا انه ظل رقما سياسيا في الساحة العراقية له تأثيره ودوره في الاحداث التي طوحت بالقوى السياسية يمينا وشمالا ، وبغض النظر عن صحة وخطأ المواقف التي التزم بها كان السيد باقر ابراهيم - ابو خولة - دمث الاخلاق ، متواضعا ، نزيها ، له القدرة على الحوار الهادئ ، وفتح الابواب المغلقة في دهاليز السياسة المعقدة. ولا شك ان المرحلة القاسية التي مرت بها المعارضة العراقية والعنف الذي تعرضت له من قبل النظام الصدامي وانهيار الجبهة بين حكومة حزب البعث والحزب الشيوعي أدت الى تعقيد المشهد السياسي وتشابك الاحداث والتبست الكثير من المواقف المتناقضة وراح ضحيتها العديد من الكوادر السياسية الذين كانوا ضحايا الواقع السياسي المعقد . وأظن ان النوايا الحسنة التي كان السيد باقر ابراهيم يعيش معها لم يحالفه الحظ في تحقيق آماله التي كان يستند عليها في صياغة افكار التيار الذي كان يتبناه وملخصه الحوار السلمي بين جميع الاطراف بما فيها حكومة صدام التي لم تكن معنية بطروحات السيد باقر ابراهيم
وكنت قد نشرت مقالا في مجلة رسالة العراق العدد 53 نيسان 1999 التي كان الحزب الشيوعي العراقي يصدرها في الخارج ، بعنوان : المأزق الكبير ، المعارضة العراقية قوة بانتظار المعجزة .. من المؤهل لقيادة التغيير في العراق ؟- مرفق صورة المقال - عالجت فيه الواقع السياسي يوم ذاك ودور المعارضة في مواجهة نظام صدام .
أرسلت المقال بعد نشره الى المناضل باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي سابقا، لبيان وجهة نظره حول الموضوع ، فـأجاب برسالة مفصلة احتفظت بها وارتأيت نشرها بعد مرور اكثر من عشرين عاما على تاريخها ورحيل المناضل باقر ابراهيم قبل ايام قليلة في السويد ، لاضعها بين أيدي القراء والباحثين كوثيقة سياسية تؤرخ لتلك الحقبة وتكشف الاراء المحتدمة يوم ذاك وانعكاس تلك الاراء على الواقع السياسي العراقي فيما بعد .
ومن المفيد أن أذكر اني التقيت بالسيد باقر ابراهيم - ابو خولة - لاول مرة في مدينة موسكو عام 1990 اثناء مروري منها الى السويد ، وتوثقت علاقة الصداقة بيننا- رغم اختلاف وجهات نظرنا في الكثير من الاحداث السياسية- حين انتقل هو أيضا الى السويد وعاش في مدينة هلسنبوري قريبا من مدينة مالمو حيث أقيم .
وكانت هذه الرسالة جوابا منه على مقال نشرته وطلبت بيان رأيه فيه لكي أرى انعكاس المقال في عيون المختلف، ما ينفع في تمحيص الاراء وغربلتها .
نص الرسالة
عزيزي د, مؤيد عبد الستار
تحية طيبة
قرأت بامعان مقالتك المنشورة في مجلة رسالة العراق ، العدد 53 نيسان/ ابريل 1999 بعنوان : المأزق الكبير - المعارضة العراقية قوة بانتظار المعجزة: من المؤهل لقيادة التغيير في العراق ؟
اشكرك على اطلاعي على المقالة وعلى سؤالك لي لابداء الرأي بها .وقد توقفت عند قولك في الرسالة (( إن الامور ، حسب ما أرى ، تسير بما لا تشتهي السفن .))
وأنا أعتقد خلاف ذلك ، وأرى ان الامور تسير الان ، ولو بطيئا، لصالح سفينتنا التي تكاد تغرق . وعلينا التضافر لانقاذها .
ان آخر مقالة كتبتها في " القدس العربي " بعنوان : العراق والعرب والعالم بين حربين بين " عصرين " في 8 نيسان 1999 ، توضح وجهة نظري في اتجاه الريح ، وكذلك في مهمات الربابنة وركاب السفينة .آمل أن تقرأها ، وأطمح أن يكون هناك تقارب - وليس تطابق دفعة واحدة - بين رأينا وموقفينا.
ان الشطر الاول من مقالتك يركز على نقد السلطة . وهو نقد صحيح وضروري . ولكنه يفتقر الى موقفين هامين .
1- رؤية موقف الحاكمين في المشاركة في الدفاع عن الوطن .. وأكثر من ذلك فان المقالة حولت الموقف الى تواطؤ مكشوف مع العدو - امريكا - .
2- خلو المقالة كلها من تحذير من خطورة الارتهان - او الاستعانة بالاعداء ، وبالحل الاجنبي ، خاصة الامريكي .
وفي هذه التحليلات تختلط العناصر السياسية بالعناصر النفسية عند البحث عن الحقيقة ، وتحديد الموقف .
أما الشطر الثاني الذي يتحدث عن واقع قوى المعارضة ، وبشكل خاص ، القوى اليسارية والقومية الديمقراطية ، وعن مهماتها ، فهو الجانب الاكثر أهمية في المقالة . وفي هذا القسم ، تبرز النزعة الواقعية والسليمة خاصة حينما اكدت المقالة على ضرورة صياغة برنامج وطني ناضج وعلى " وجوب اسدال الستار على أحداث الماضي ، والنهوض بالمسؤولية المشتركة تجاه الشعب والوطن .
ومن أولويات هذا البرنامج الاتفاق على وحدة البلاد ونبذ العنف واختيار الطريق السلمي من أجل الوصول الى والسلطة في المستقبل واختيار مجلس تناط به صلاحية اتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها ".
هل يفهم من هذا الخطاب بانه توجه الى الحاكمين والمعارضين معا ؟
وفي ذلك موقع الصواب والمعقولية .
واذا كان الامر كذلك ، فلماذا تبقى هذه العقدة الحساسة غامضة ومبهمة ؟
ولابد من الانتباه انك اذا كنت توافق على نبذ العنف واختيار الطريق السلمي - بين الحاكمين والمعارضين ، فانك في البداية نسفت كل جسور التواصل بينها ، ولم تبق حتى على قناطر خشبية أو " قرب " للعبور والتواصل بين الطرفين .
وهذا هو الاسلوب الضار الذي تلجأ اليه عادة صقور النظام ، في حديثهم عن كل معارضيهم .،
أما فيما يتعلق بتقديرك ان القوى اليسارية والقومية الديمقراطية ، هي المؤهلة لقيادة التغيير في العراق ، فاتمنى لو استطيع مشاركتك هذا التقدير المتفائل ، والذي أراه بعيدا عن الواقع .
والمهم هو دعوة جميع القوى التي تمثل كل التيارات الوطنية ، العاملة ، على الساحة العراقية ، للتوحد حول البرنامج الوطني الديمقراطي ، الذي أِرتَ اليه .
ختاما أقول ، إن مقالتك هذه كالمقالة السابقة : التفاوض مع النظام شر لابد منه ، جريئة جدا ، وخائفة كثيرا . وهذا ليس طريق الرائد الذي يريد " وضع اولى اللبنات الصحيحة في اصعب المهام " و " أن يبدأ طريق الالف ميل بالخطوة الاولى ".
ان كتاباتك في صحف الرفاق في الحزب الشيوعي العراقي ، وكذلك مكانتك التي تتصل بموقعك القومي ، اضافة الى السمات النضالية الاخرى ، تعطي هذ ه الكتابات أهمية أكثر.
وستكون فائدتها وتأثيراتها أكبر ، حينما تتحلى بوضوح أحسن ، وبعض الصراحة في قول الرأي والدعوة له .
أحيي مواقفك المخلصة ؟
باقر ابراهيم