في ذكرى أول مايو وواقع حال الثورة في الدول الفقيرة


محمود محمد ياسين
2024 / 4 / 30 - 20:13     

من أجل تمجيد نضالهم للتحرر من نظام الإنتاج السلعي وعبودية العمل المأجور الناتجة عنه، ظل العمال في انحاء العالم يحتفلون بأول مايو الذى يؤرخ لنضالهم الذى ارتبط بأحداث انتفاضة العمال الشهيرة في مدينة شيكاغو (مايو 1886)؛ وقد كانت الانتفاضة المطالبة بتحديد ساعات يوم العمل تمثل معلماً بارزاً في مسيرة نضال العمال ضد سطوة راس المال. وبعد ان تحقق للعمال تحديد يوم العمل بثمان ساعات، انتقل نضال العمال لمستويات اخري أهمها التحرر الكامل من سلطة راس المال. فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعاظمة التي تخيم على عالم اليوم تكمن جذورها أساسا في التناقض بين راس المال والعمل المأجور الذى أصبح هو السائد بشكل كامل في كثير من المجتمعات البشرية وشبه كامل (بنسب متفاوتة) في البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل. وتكمن بشكل أساسي خلف هذا التناقض الازمات السياسية وتفاقم الصراع ، المتخفي أحيانا خلف لافتات دينية وثقافية متعددة، بين القوى الاجتماعية داخل معظم دول العالم؛ كما يحتدم الصراع للسبب نفسه بين الدول العظمى في إطار إعادة صياغة جذرية للخريطة الجيوسياسية لمناطق نفوذها في العالم.

وهكذا، ظل أول مايو يمثل وقفة سنوية يؤكد فيها العمال استمرار النضال من أجل بلوغ هدفهم النهائي وهو التحرر الكامل من نظام الانتاج السلعي.

ولكن لا تقبل البرجوازية بأن يقوم العمال تحت سمعها وبصرها باستعادة ذكرى مايو بالطريقة التي يريدونها. فمثلا يبلغ الدهاء البرجوازي الأمريكي قمته عندما جردت الحكومة اليوم من أن تكون ذكراه موقدة لنضال العمال وسيره في اتجاه تكوين الحركات الشيوعية والاشتراكية اذ اكتفت الحكومة بان الحركة العمالية الامريكية لها تاريخ ثري من الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في رخاء البلاد وذلك من خلال نشاطها النقابي داخل النظام الرأسمالي. وهكذا كبديل أقل اثارة من الاحتفال بعيد العمال في الأول من مايو، قررت الحكومة الامريكية في 1894 أن تكون عطلة عيد العمال في سبتمبر وهو اليوم الذى يصادف بدايات النضال العمالي في أمريكا حيث خرج الاف العمال في مدينة نيويورك في الخامس من سبتمبر 1882 للمطالبة بتقليص ساعات العمل.

ومن امثلة محاولات بعض الدول التقليل من ذكرى عيد العمال، فان الحكومة المصرية قررت ان تكون عطلة عيد العمال لهذا العام في الخامس من مايو بدلا عن الاول من الشهر نفسه كما يجرى في العديد من دول العالم. ليكتشف المصريون بعدها أن الخامس من مايو يتزامن مع اليوم الذى يحتفل فيه المسيحيون ب ”عيد القيامة“، الشيء الذى جعل بعضهم يطلق بسخرية على المناسبة ”عيد العمال المجيد“.

كذلك درجت كتابات ”يسارية“ في منطقتنا على استقبال اول مايو ببيانات تحتوى على كتابات تقصر عن التحليل المتعمق للقضايا الشائكة والأوضاع الحياتية المزرية في الدول الفقيرة التي جرها عليها الاستغلال البشع الملازم لخضوعها لوضع تابع. فمثلا يغيب عن التحليل السياسي بشكل ملاحظ أن الصراعات الحادة التي تنهش اجسام الدول الفقيرة ترجع لكونها تابعة للدول الصناعية الكبرى. فهذه الدول، التي جردتها التبعية من السيادة الوطنية، صارت الدولة في قبضة قوى كمبرادورية تحكم بالحفاظ على مكونات الواقع السائدة في مضمار الاقتصاد ممثلة في علاقات الإنتاج التي تستخلص من العمال في أماكن الإنتاج الصناعي في الحواضر واجراء الارياف فائض القيمة بمعدلات كبيرة تجعل معظمهم العيش تحت خط الفقر، وفى مجال الحياة الاجتماعية، الانساق الاجتماعية القديمة. وفى المجال السياسي تسلب حكومات الكمبرادور، المتصلة مصالحها بمصالح الدول الاستعمارية، العمال من حرية التنظيم النقابي وغيرها من الحريات الأساسية التي تشمل كذلك الأغلبية من الموطنين.

ان استعادة ذكرى الاول من مايو يجب أن تكون ملهمة لقيادات الأجراء في الدول الفقيرة لممارسة النشاط الثوري الجريء في اتجاه تكوين رأى سياسيي وطني ديمقراطي يزلزل أركان الأنظمة العميلة الفاسدة.