أشكال توظيف الصورة في الحرب الإعلامية لمأساة مسلمي الروهينغا في بورما


أحمد رباص
2024 / 4 / 29 - 08:59     

قبل بصع سنوات، اكتسحت الصور التي غطت جزء من مشاهد الإبادة الجماعية التي تعرضت لها آنذاك الأقلية المسلمة المقيمة في ميانمار، المعروفة لدى الرأي العام العالمي باسم الروهينجا، وسائل الإعلام بكل أنواعها ومواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية.. أمام هذه الدينامية الفوطوغرافية، وقف المتلقي حائرا بين فريقين، كلاهما يوظف الصور المنشورة على الإنترنت، غير أن الأول يدعي أنها فعلا شاهدة على الحرب التي لا تبقي ولا تدر، والتي شنتها الغالبية البوذية ضد شريحة من المسلمين استوطنت منذ زمن بعيد ميانمار كأقلية.
أما الفريق الثاني فيمكن تلخيص دفوعاته في كون تلك الصور وظفت لفضح تورط البوذيين في قتل مواطنيهم من المسلمين والتنكيل بهم وطردهم من ديارهم، بينما هي في الحقيقة التقطت أصلا للتوثيق لمشاهد رهيبة وفظيعة ضحاياها ليسوا من مسلمي بورما وإنما أريد بها زورا أن تحيل على تلك المآسي كما لو كانت مرجعية حقيقية لها.
لكن، قبل الإقدام على الحسم في أي الفريقين يجانب الصواب وأيهما يحالفه، دعوني أحسم أولا وبعجالة في مسألة النظر إلى أزمة المسلمين في بورما من زاويتين: زاوية تاريخية نطل من خلالها على المحن التي تعرضت لها هذه الأقلية المسلمة عبر مراحل تاريخ هذا البلد ذي الأغلبية البوذية، وزاوية آنية تفضي بنا إلى الانفتاح على التطورات الأخيرة التي آلت إليها الأزمة نفسها من خلال سيل من الصور تظهر فيها أقلية الروهينجا المسلمة نهبا لأنياب الموت، أما الناجون من مسلمي ميانمار هؤلاء فقد وجدوا أنفسهم في قلب المأساة عالقين على الحدود مع بنغلاديش.
انطلاقا من الزاوية الأولى، نعلم أن معظم هؤلاء المسلمين هم من شعب روينجية ذي الأصول المنحدرة من مسلمي الهند (بما فيها ما يعرف الآن ببنغلاديش) والصين (أسلاف مسلمي الصين في ميانمار أتوا من مقاطعة يونان)، وكذلك من أصلاب المستوطنين الأوائل من العرب والفرس. كما نعلم أن البريطانيين وطّنوا العديد من المسلمين الهنود في بورما لمساعدتهم في الأعمال المكتبية والتجارية. وبعد الاستقلال أُبْقِيَ على الكثير من المسلمين في مواقعهم السابقة وقد حققوا شهرة في التجارة والسياسة.
إلى هنا تبدو الأمور عادية، حيث يحصل لنا عنها انطباع بأننا أمام صورة تقدم لنا وجها مشرقا لأقلية مسلمة، بينما التاريخ الخاص بالماضي القريب حافل بمعلومات ومعطيات ثابتة دالة على عنف مورس عليها في ماندلاي سنة 1997 وفي يوانغو سنة 2001، دون أن ننسى موجة العنف الكاسح الذي تعرضت له سنة 2012.
من زاوية اللحظة التي تم فيها إخراج مسلمي الروهبنجا من ديارهم، طلعت علينا في الكثير من المواقع الإلكترونية صور مصحوبة بتعاليق تفيد أن هؤلاء المهجرين ظلما وعدوانا كانوا ينتظرون مصيرهم على الحدود مع بنغلاديش، وأن حرس حدود هءا البلد منعوا الكثيرين منهم من الدخول، مما اضطرهم للوقوف هناك منتظرين دون طعام أو مأوى. وتلك صورة أخرى لسيدة مسلمة من الروهينجا تبكى دون مأوى إلخ..
وعلى هامش إحدى الصور نقرأ أن القوات الحدودية قامت بتقييد فتاة وهى تبكى حتى لا تتعدى الحدود البنغلاديشية. وهناك صورة يظهر فيها مسلمو الروهينجا عالقين على حدود كوكسيز بازار بالبنغلاديش ونرى فيها بين النازحين أطفالا كثرا يخافون عليهم أهاليهم من التعرض للقتل في ميانمار على أيادي المتشددين البوذيين. وهناك صورة لأطفال الروهينجا بلا طعام أو مأوى وقد هاجمهم البوذيون المتطرفون الذين يقال لهم الراخين. ثم هناك صورة أخيرة، وليس آخرة، يخرج منها المشاهد بابتسامة بطعم المرارة حيث يبدو فيها مسلمو الروهينجا الفارون من مونجدو بميانمار، وقد سرقوا وجبات طعامهم.
لعل أحسن دليل لدينا الآن على أطروحة الفريق الثاني هو تلك الصفحة المفتوحة في الفيسبوك ذات العنوان العريض (حقيقة صور "اضطهاد وإبادة المسلمين في بورما"). تتصدر هذه الصفحة الخاصة بالصور التي وضعت في الميزان مقدمة ندرك من خلالها أن الأمر يتعلق بمقال يحاول فيه صاحبه أن يكشف حقيقة عدد من الصور التي روجها من أسماهم " الإخوان الماسون" على صفحات الإنترنت كما لو أنها صور ضحايا الاضطهاد والإبادة التي تتعرض لها أقلية المسلمين في بورما، ويقدم لقارئه وعدا بأنه سيأتي بعد ذلك على ما يريده الإخوان الماسون من هذه الصور، وما هي حقيقة الوضع هناك؟
في الجانب الأخر المتعلق بالفريق الأول، أعتقد أن خير مثال يهدي إليه هو تلك الصفحة الفيسبوكية التي عنوانها الرئيس "ملف كامل عن مأساة المسلمين في بورما". بالطبع، يتضمن هذا الملف ألبوما كبيرا من الصور التي قد لا تبتعد عن الشك أو اليقين كليهما بحيث أن عملية الفرز بينهما في تلك الصور تتطلب فريقا من ذوي الاختصاصات المتعددة. لكن، نظريا على الأقل، نلمس أن الاتجاه الثاني يستنفر كل مهاراته التقنية وملكاته الأدبية لتحقيق هدف واحد وهو الكشف عن المكر الكامن في مناورات الخصوم الايديولوجيين الذين أسماهم بـ "المسلمون الماسون" ومحاولاتهم توظيف صور لا علاقة لها بمآسي مسلمي بورما لأغراض في نفس يعقوب. وحتى وإن سلمنا بأن ما قاله هو عين العقل والصواب، فإن ذلك لن يقدم أو يؤخر شيئا في ما تعرض له حينئذ مسلمو بورما من تقتيل وتهجير.. والدليل على ما أقول هو استعداده للكشف عن حقيقة الوضع هناك، وما كتبه أحد المتفاعلين مع مقاله من أن الحقيقة التي تفرض ذاتها هي أن شعب بورما المسلم متروك لوحده في مواجهة الموت والتشرد في أحسن الأحوال.