لقاء مع الذكريات: حوار مع إدغار موران/ تقديم وترجمة أحمد رباص


أحمد رباص
2024 / 4 / 29 - 02:15     

لقاء مع الذكريات: حوار مع إدغار موران


ولد إدغار موران – واسمه الحقيقي هو إدغار ناهوم- يوم 8 يوليوز 1921 بالعاصمة الفرنسية باريس. حصل على درجة في التاريخ والجغرافيا، ودرجة في عام 1942، ونال دكتوراه فخرية من 14 جامعة عالمية. وقد عمل عالمَ اجتماع ومفكرا وباحثا في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا، كما كان يرأس الوكالة الأوروبية للثقافة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو).
بدأ موران نشاطاته في إطار الحزب الشيوعي الفرنسي عام 1941 وتركه نهائيا عام 1951 وخلال الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 انضم إلى صفوف المقاومة الشيوعية السرية، واختار اسما مستعارا هو «موران» الذي احتفظ به طوال حياته.
انضم عام 1945 إلى الجيش الفرنسي في ألمانيا، وترأس في العام التالي مكتب الدعاية في الحكومة العسكرية الفرنسية عام 1946. وفي عام 1950، التحق الفيلسوف الفرنسي بالمركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، وأصبح مديرا للأبحاث في المركز عام 1970.
كتب موران العديد من الكتب والمؤلفات التي تناولت قضايا فكرية مختلفة، وترجمت للعديد من اللغات، أول هذه الكتب نشر 1950 وحمل اسم «عام ألمانيا صفر»، و»النقد الذاتي» عام 1959 وتطرق فيه لقطيعته مع الشيوعية. وفي عام 1977 نشر الجزء الأول من مؤلفه «المنهج» الذي طرح فيه مفهوم فكره المركب، ثم في 1989 نشر كتاب «فيدال وعائلته»، ثم «التجوال» عام 2006، و»طريقتي» عام 2008. كما أصدر كتابا في مجال السينما بعنوان «السينما أو الإنسان المتخيل»، إلى جانب كتاب «الثقافة والبربرية الأوروبية»، و»أين يسير العالم» وغيرها من الكتب..

كريستيان ديكامب:يوجد التركيب في مجال التاريخ،وفي السياسة.لنأخذ مثالا على ذلك:لقد انخرطتم إلى جانب ماسكولو Mascolo وناضو Nadeau ضد حرب الجزائر.هنا واجهتم العلاقات المعقدة والبناءة بين جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية.في نهاية الخمسينيات خاطبكم الناشر الشهير جيروم ليندون Jérôme Lindon قائلا:”ليس الوقت مناسبا لتعقيد الأمور”،فكان ردّكم:”ليس الوقت ابدا مناسبا للتركيب”.
إدغار موران:هذا ما يحدث لي في الغالب:أن أكون واحدا من الأقلية في معسكري.لقد تم تقديم صورة كاريكاتورية عن مصالي الحاج Messali Hadj.وعندما كنت شيوعيا وكان يتم وصف التروتسكيين بالخونة،كنت أتمرد وألتزم الصمت.في مقابل ذلك،أشعر بالفرح لكوني استطعت تحمل بعض لحظات العزلة.عندما شاركت في المقاومة وكان مساعدي ألمانياً،كنت أناضل ضد الصورة الكاريكاتورية عن الألمان باعتبارهم أغبياء وعنيدين”boches”.
تيفين ساموايو:كان لديكم نفس الوضوح في الموقف إزاء قضية كرافتشينكو Kravtchenko أيضا.
إدغار موران:إذا كنت قد نجحت في بعض الأمور،فذلك راجع إلى كوني تعلمت مقاومة الضغط الذي تفرضه التوجهات العامة.هكذا،وأثناء تنامي التوجه العام نحو الحرب الأولى على الخليج،كتبت مقالات لأقول:لم لا نقترح لقاء دوليا بهدف معالجة مختلف قضايا الشرق الأوسط؟هذا الأمر أقلق نوعا ما فرانسوا ميتران François Mitterrand الذي أقام حفل عشاء خاص على شرفي ليقنعني بضرورة مسايرة الأمريكان !هذه القضية أصبحت سمّاً تاريخيا.
كريستيان ديكامب: في الستينيات تابعتم حركة”yéyé”(حركة موسيقية شبابية ظهرت سنة1961 في فرنسا).وفي 1968،كتبتم بالاشتراك مع كلود لوفور Claude Lefort وكورنيليوس كاستورياديس كتاب”La brèche“(الفجوة).كنتم شديدي الاهتمام بكل ما يعتمل في الواقع من أحداث.
إدغار موران:لم تكن مقولة الشباب آنذاك مقولة سوسيولوجية.قبل 68،استشعرَت بعض مقالات(كتاب)”الاشتراكية والبربرية Socialisme et Barbarie“المراجعات الجذرية العميقة للأدوار التقليدية.وبعض الأفلام،أفلام جيمس دين James Dean مثلا،كانت تكشف لنا عن عدم رضى وتذمر الشباب.ينبغي الانتباه للرموز والعلامات الصغيرة والدقيقة.
تيفين ساموايو:علاقتكم بالسينما شكلت فضاء للتعريف بقضايا الشباب.وساهمتم بشكل مباشر في ذلك مع جان روش Jean Rouch في(فيلم)”يوميات صيف Chronique d’un été“(1961).هذا الاهتمام كان يضعكم على هامش رجال العلم،ووقفتم فيه على حركات غاية في التعقيد والتركيب.
إدغار موران:لقد كانت أمورا ملهمة.فقد اكتشفت الواقع في المتخيل،والمتخيل في الواقع.اكتشفت حرب 1914 في(فيلم)”لا جديد في الغرب،صلبان الخشب“.وفهمت بأن السينما فن هائل لا يقدَّر حق قدره في المجال الثقافي.
تيفين ساموايو:بعد فيلم”يوميات صيف”،لم تكن لديكم رغبة في الإسهام في أفلام أخرى.
إدغار موران:بلى،لكنني انتبهت إلى أن المنتج،بعد الفيلم المشار إليه،كان يريدني أن أشارك في فيلم مستوحى من كتاب”عن الحب“ل ستاندال Stendhal.وافقت في البداية،ثم رفضت بعد ذلك،لأن الحب يعالج في المتخيل أفضل بكثير.كنت أنوي الاشتغال على فيلم من خلال”إلى أين يتجه العالم؟Ou va le monde”،فيلم يتكون من مشاهد كبرى لوجوه تتكلم فقط.بدأت مع فرانسوا بيرو F.Perroux،لكن الأمور لم تسر على ما يرام لأنه كان أكثر صمماً مما أنا عليه الآن.بعد ذلك انتقلت إلى الفكر المركّب.
تيفين ساموايو: في سردكم عن كتابة”المنهج“تقدمون هذه الفكرة على أنها نوع من الإلهام أو الجذبة.
إدغار موران:أعتقد أن هذه هي حالة أي كاتب.إنها جذبة هادئة،أو حالة نفسية معدلة بحيث تجعل الإبداع والتخيل ممكنين.وأنا أزداد إيمانا بهذا الإرث ما بعد الشاماني post-chamanique للجذبة.
كريستيان ديكامب:كانت السريالية تعلي من شأن الحب.وهذه الحركة الأساسية معترف بها من طرف الجميع وفي مختلف البقاع.في الثمانينيات كان لديكم مشروع إقامة قصر السريالية.
إدغار موران:بالنسبة لي،تعتبر السريالية حركة على درجة عالية من الأهمية،لأنها أكّدت أن الشعر يجب أن يعاش..وقد كان شوستير Schuster المقرب من بروتون Breton،يفكر في إقامة قصر السريالية الذي لن يكون متحفا وإنما فضاءا حيّاً.كما كانت إليزا Elisa،أرملة بروتون،مستعدة لتقديم الشيء الكثير.وعندما فاتحتُ ميتران في الموضوع،لم يبد أي حماس يذكر،فالسريالية لا تدخل في تكوينه الثقافي.حاولت جاهداً،بمساعدة ميشيل دوغي Michel Deguy،لكن دون جدوى.إلا أن هذا لايعني حتماً أن الفكرة قد ماتت.
كريستيان ديكامب:إحدى مقارباتكم الأولى للتركيب تزامنت مع حضوركم لدرس جورج لوفيفر Georges Lefebvre عن تاريخ الثورة الفرنسية.أدركتم أن رؤية المؤرخ للماضي مشروطة بسياقه التاريخي الخاص.باختصار،إن المؤرخ،مثل أي ملاحظ آخر،يجب عليه ملاحظة ذاته وهو يمارس الملاحظة.
إدغار موران:ركز أولار Aulard على تاريخ للثورة من وجهة نظر برلمانية مفرطة.وجوريس Jaurès وضع تاريخا اشتراكيا(…)وفوري Furet الشيوعي المناهض للستالينية،رأى في الثورة الفرنسية كارثة عظمى كان يمكن لفرنسا تفاديها.لكن لا شيء انتهى.(ثورة)1789 لا تفتأ تعود.
كريستيان ديكامب: لنذكر في الختام شخصا تحبونه كثيرا،إنه نيلز بور Niels Bohr،يقول:”الحقيقة السطحية هي منطوق نقيضه خاطئ،والحقيقة العميقة هي منطوق نقيضه هو أيضا حقيقة عميقة”.
دغار موران: أحب نيلز بور كثيرا.والواقع أن كل ما أفكر فيه صدر عن جهة ما.فأنا لم أخلق أي شيء يذكر،بالمعنى الدقيق للكلمة.ما هو أصيل،هو فقط طريقتي في الجمع بين الأفكار.

*المصدر الأصلي للحوار:
En attendant Nadeau, Entretien avec Edgar Morin, par Christian Descamps et Tiphaine Samoyault,10 septembre 2019.