تناقضات ابن كثير وتزويره الحقائق التاريخية


رحيم فرحان صدام
2024 / 4 / 29 - 02:14     

لاحظ محقق السيرة النبوية لابن كثير انعدام الامانة التاريخية عند ابن كثير وتلاعبه بالاحاديث النبوية والنصوص التاريخية وقيامه بتزويرها؛ اذ قال ما نصه :" فَإِذا تتبعنا نقُول ابْن كثير عَن غَيره وجدنَا فِيهَا ظَاهِرَة عَجِيبَة..هِيَ: أَنه يكَاد لَا يلْتَزم نَص أَي شيء يَنْقُلهُ..! فنقوله عَن ابْن إِسْحَاق أغلبها بِالْمَعْنَى، وَقد تتبعت ذَلِك فِي بعض الصفحات، وَرَأَيْت أَن إِثْبَات الفروق بَين ابْن كثير وَابْن إِسْحَاق شيء يطول مداه، فَابْن كثير يقدم وَيُؤَخر وَيزِيد وَينْقص، ويغير ويبدل ويفوت بِهَذَا التَّغْيِير والتبديل كثير من جمال عبارَة ابْن إِسْحَاق وتناسقها كَذَلِك نجد رِوَايَات ابْن كثير للاحاديث تخْتَلف بعض الِاخْتِلَاف عَمَّا فِي أيدى النَّاس من الْكتب التي ينْقل ابْن كثير عَنْهَا.
فأحاديث البُخَارِيّ التي يَرْوِيهَا ابْن كثير بقوله: (وَقَالَ البُخَارِيّ) لَا تنطبق حرفيا مَعَ صَحِيح البُخَارِيّ الذى بِأَيْدِينَا.
كَذَلِك القَوْل فِي رِوَايَته عَن صَحِيح مُسلم وَعَن مُسْند أَحْمد وَعَن دَلَائِل النُّبُوَّة لابي نعيم الاصفهاني وَعَن دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي، وَعَن الشفا للقاضي عِيَاض وَعَن الرَّوْض الانف لِلسُّهَيْلِي ... تكَاد لا تجد خَبرا مطابقا بِحُرُوفِهِ لما فِي الْكتب المتداولة، فَلَا يَخْلُو الامر من تَغْيِير أَو نقص أَو اخْتِصَار".( 1 ) وهذا هو التزوير والتحريف الذي مارسه ابن كثير في كتابة التاريخ والحديث .


هل أوصى الامام علي للحسن بالخلافة :

نقل ابن البختري رواية تتعلق بوصية الامام علي قبل وفاته فقال ما نصه:" حَدَّثَنَا ... شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفُ، وَلَكِنْ إِنْ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالنَّاسِ خَيْرًا جَمَعَهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى خَيْرِهِمْ." (2)
نقل ابن كثير هذه الرواية عن البيهقي وعلق عليها بما نصه : " إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يخرِّجوه." (3) ولا قيمة لقوله هذا اذ ينقضه قوله عن خلافة الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: " لان عليا أَوْصَى إِلَيْهِ، وَبَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ " (4) ، وقال الذهبي عن هذه الرواية : " ولم يصح" (5) ، ثم ناقض نفسه في تعليقه على نفس الرواية في كتاب المستدرك على الصحيحين اذ قال:" صحيح" (6) وذلك يدل على انعدام امانة النقل عنده وتحكمه واتباعه لهواه على حساب الحقيقة التاريخية ؛ كما ان هذا الاسناد فيه شعيب بن ميمون الذي قال عنه الْبُخَارِيُّ:" فيه نظر"( 7) ، وقال ابن حبان:" يَرْوِي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير عَلَى قلَّة رِوَايَته لَا يحْتَج بِهِ إِذا انْفَرد"( 8) .
فضلا عما تقدم فان الراوي عن الامام علي هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، الكوفي ، المتوفى سنة ( 83 هـ / 702 م ) ، كان عثمانيا يطعن في الامام علي عليه السلام(9).
وقد ضعف الرواية ابن عدي ( 10 ) ، خلاصة الكلام ان الرواية باطلة موضوعة من قبل شعيب بن ميمون او من قبل شقيق بن سلمة ، ولا تصح مهما حاول الذهبي وابن كثير تزييف الحقائق.
الهوامش
( 1 ) ينظر: ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت774هـ/1373م)، السيرة النبوية ، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - 1395هـ / 1976م.، مقدمة المحقق (1/ 15).
(2) أبو جعفر محمد بن عمرو بن البختري بن مدرك بن سليمان البغدادي الرزاز (ت 339هـ / 951 م)، مجموع فيه مصنفات أبي جعفر ابن البختري ، تحقيق: نبيل سعد الدين جرار ، الناشر: دار البشائر الاسلامية، الطبعة: الأولى ، بيروت - 1422هـ / 2001م.(ص: 130)
(3) ابن كثير، البداية والنهاية ، تحقيق عبد الله التركي بالتعاون مع مؤسسة البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. القاهرة، ط1، 1420ه. (5/ 251).
(4) ابن كثير، البداية والنهاية (5/ 251).
(5) الذهبي، شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان، (ت 748هـ/1357م)، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، دراسة وتحقيق: الشيخ علي معوض، الشيخ عادل أحمد، شارك في تحقيق : د. عبد الفتاح أبو رسن، دار الكتب العلمية، (بيروت ـ 1995) . (2/ 278).
(6) ينظر: الحاكم النيسابوري ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي المعروف بابن البيع ، (ت 505هـ/1058م)، المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، (بيروت ـ د.ت)، (3/ 84) .
(7) ينظر: البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم ، (ت 256هـ/862 م)، التاريخ الكبير، تحقيق: السيد هاشم الندوي، دار الفكر،( بيروت - بلات). (4/ 222).
(8) ينظر: ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي (ت 354هـ/960 م )، المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ، تحقيق : محمود إبراهيم زايد ، الناشر: دار الوعي – حلب، الطبعة: الأولى، 1396ه. (1/ 362).
(9) ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656هـ/1263م)، شرح نهج البلاغة، كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جمعه: الشريف الرضي، تحقيق: محمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، (بيروت-1959م). (4/ 99).
( 10 ) ابن عدي : عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني ( ت 365 هـ / 975 م)، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق د.سهيل زكار، دار الفكر، ط3، (بيروت-1409هـ/ 1988 م). (5/ 5).