رواية -المسخ- علامة فارقة في تاريخ الأدب العالمي


حميد كشكولي
2024 / 4 / 22 - 13:59     

لقد برع كافكا في اللعب عميقا في أعصابنا. فقد ألبس روايته اللاواقعية و الكابوسية " المسخ" ثوبا واقعيا، إذ يتداخل الخيال والواقع فيها ، وليس من شك بان ( المسخ) تعد أحد اهم ابداعات ( كافكا)، وهي قصة غنية بالرمز وذات ايقاع غريب، عميقة الدلالات، تلفتنا البراعة في بنيتها ومعمارها وأحكام صنعتها الفنية، وخيالها المخيف. إنها تعبر عن حالات انتهاك الانسان في مختلف بقاع الارض، ومسخة. ويمكن النظر الى رواية ( المسخ ) بوصفها تمثل خروجا على مالوف السرد القصصي منذ صدورها في اربعينيات القرن الماضي، وتشكل انعطافة ابداعية بارزة في القصص العالمي، فكافكا بقصته في اعتقادي قد بلور اتجاها، وخلق تصورا جديدا للكتابة، بل دشن بهذا عهدا جديدا، وأرسى تقاليد لها ملامحها الخاصة،واعادة تشكيلها بوسائل الفن بطريقة الاختزال وكثافة التركيب، وهذا ماحصل في شامخته هذه التي أحدثت اثرا بالغا في بضع كلمات، وتمكنت من تكثيف عالم واسع في جملتها الافتتاحية الأولى ( حين افاق غريغور سامسا صباحا وقد وجد نفسه تحول الى حشرة كبيرة) .!!!
رحلة في دهاليز الوجود الإنساني
يُعدّ فرانتس كافكا من كبار عباقرة الأدب العالمي، اشتهر بقدرته الفريدة على الغوص في أعماق النفس البشرية، واستكشاف تناقضاتها وصراعاتها، من خلال رواياته وكتاباته التي تُلامس الواقع بعبثية سريالية، تاركاً بصمةً لا تُمحى في تاريخ الأدب.
تُعدّ رواية "المسخ" من أشهر إبداعات كافكا، حيثُ تُجسّد تحفة أدبية خالدة، تُلامس أوتار الوجود الإنساني، وتُثير تساؤلات عميقة حول الاغتراب والهوية والعلاقات الإنسانية. كما يُبدع كافكا في نسج خيوط الواقعية والسحرية معاً، حيثُ تبدأ الرواية بحدثٍ غريبٍ ومُحيّر: تحول البطل "غريغور سامسا" إلى حشرةٍ عملاقة.
ولا يقتصر تحول غريغور إلى حشرةٍ على مجرّد حدثٍ خارقٍ للطبيعة، بل يُعدّ رمزاً غنياً يُتيح تأويلاتٍ مُتعددة. يُمكن ربطه بالاغتراب الذي يُعانيه الفرد في المجتمع، أو الشعور بالاختلاف والانعزال عن الآخرين، أو حتى قسوة الحياة وصراعاتها.

تتميز رواية "المسخ" ببنيةٍ فنيةٍ مُحكمةٍ وأسلوبٍ مُكثّفٍ يُضفي على الرواية كثافةً معنويةً هائلة.

تأثيرٌ مُذهلٌ في بضع كلمات:
تُجسّد الجملة الافتتاحية للرواية ("حين افاق غريغور سامسا صباحاً وقد وجد نفسه تحول إلى حشرة كبيرة") عبقرية كافكا في قدرته على إثارة الدهشة والفضول، وجذب القارئ إلى رحلةٍ غامضةٍ في دهاليز الوجود الإنساني.
خروجٌ على المألوف وإبداعٌ متجدد:
تُمثل رواية "المسخ" خروجاً على المألوف في عالم السرد القصصي، وتُشكّل علامةً فارقةً في تاريخ الأدب العالمي. ولا تزال تُلهم القراء وتُثير نقاشاتٍ أدبية وفلسفية حتى يومنا هذا، تاركةً إرثاً خالداً في عالم الأدب والفكر. وتُعدّ من أهمّ إبداعات كافكا، تحفة أدبية خالدة تُلامس أوتار الوجود الإنساني، وتُثير تساؤلاتٍ عميقة حول الاغتراب والهوية والعلاقات الإنسانية.
يقول غارسيا ماركيز: حين انتهيت من قراءة «المسخ» بقيت لديّ لهفة لا تقاوم إلى العيش في ذلك الفردوس الغريب. وفي اليوم التالي فاجأني دومنغو مانغويل بيغا بالآلة الكاتبة النقالة التي أعارني إياها، لكي أحاول شيئًا يشبه موظف كافكا المسكين المتحوّل إلى صرصار ضخم. لم أذهب في الأيام التالية إلى الجامعة خوفًا من كسرِ السَّحر، وواصلتُ تعرّق قطراتٍ من الحسد إلى أن نشر إدواردو ثالامبا بوردا على صفحات ملحقه الأدبي ملاحظة متفجّعة، يتحسَّرُ فيها من أن جيل الكتّاب الكولومبيين الجدد يفتقرُ إلى أسماء يمكن تذكّرها، وأنه ليس هناك ما يُلمح في المستقبل يمكنه التعويض أو تعديل تلك الحال.
تحليل مقولة غارسيا ماركيز حول رواية "المسخ" لكافكا:
تكشف مقولة غارسيا ماركيز عن التأثير العميق الذي تركته رواية "المسخ" لفرانتس كافكا على إبداعه إذ يُعبّر ماركيز عن شعوره باللهفة والشغف تجاه عالم كافكا الغريب، بعد الانتهاء من قراءة رواية "المسخ".
ويُشير ماركيز إلى إهداء دومينغو مانغويل بيغا له آلة كاتبة نقالة، مما أثار لديه رغبةً في تجربة كتابة مشابهة لتجربة موظف كافكا المسكين الذي تحول إلى صرصار ضخم. كما يصف ماركيز شعوره بالخوف من كسر سحر عالم كافكا، ممّا دفعه إلى التغيب عن الجامعة لعدة أيام.
الحسد من إبداع كافكا:
يُعترف ماركيز بشعوره بالحسد من عبقرية كافكا الإبداعية، ممّا يُشير إلى شعوره بالنقص وعدم قدرته على الوصول إلى نفس المستوى من الإبداع.
نقد جيل الكتّاب الكولومبيين:
يُشير ماركيز إلى ملاحظة إدواردو ثالامبا بوردا حول افتقار جيل الكتّاب الكولومبيين الجدد إلى أسماءٍ مميزةٍ تُخلّد إبداعهم، ممّا يُضفي على شعوره بالحسد بعداً آخر.
دلالات عميقة للمقولة:
تُثير مقولة ماركيز تساؤلاتٍ حول ماهية الإبداع وتأثيره على الآخرين، كما تُسلّط الضوء على شعور ماركيز بالنقص وقلقه من عدم قدرته على الوصول إلى نفس مستوى كافكا من الإبداع.
تُعدّ مقولة غارسيا ماركيز شهادةً على تأثير رواية "المسخ" لكافكا على إبداعه، وتُسلّط الضوء على مشاعر الإعجاب والحسد التي شعر بها ماركيز تجاه عبقرية كافكا.
ويضيف: كنت أشعر بانعدام الثفة إلى حدٍ لم أتجرأ معه على التشاور في الأمر مع أي أحد من زملاء منضدتي في المقهى [..]، أعدتُ قراءة القصة وتصحيحها حتى الإنهاك ثم كتبتُ أخيرًا، ملاحظة شخصية موجّهة إلى إدواردو ثالاميا –ولم أكن قد رأيته قط– ولستُ أذكر من الملاحظة نفسها الآن، حرفًا واحدًا. ووضعتُ كل شيء في مغلف أخذته بنفسي، إلى حجرة الاستقبال، في جريدة الاسبيكتادور. سمح لي البواب بالصعود إلى الطابق الثاني لتسليم الرسالة إلى ثالاميا نفسه، بجسده وروحه، ولكن الفكرة بحد ذاتها أصابتني بالشلل، فتركتُ المغلف على منضدة البوّاب، ومضيتُ هاربًا.
تحليل تصرفات غارسيا ماركيز بعد كتابة ملاحظته على رواية "المسخ":
يُشير ماركيز إلى شعوره بانعدام الثقة بنفسه وبقدراته بعد كتابة ملاحظته على رواية "المسخ"، ممّا منعه من مشاركة زملائه في المقهى بها.
يُعبّر ماركيز عن شعوره بالقلق والتوتر، ممّا دفعه إلى إعادة قراءة ملاحظته وتصحيحها بشكلٍ مُفرطٍ حتى وصل إلى حدّ الإنهاك.
على الرغم من شعوره بانعدام الثقة، يُقرّر ماركيز كتابة ملاحظةٍ شخصيةٍ موجهةً إلى إدواردو ثالاميا، ناقد أدبي لم يلتق به من قبل.
يُشير ماركيز إلى نسيانه لمحتوى الملاحظة بعد مرور بعض الوقت، ممّا يُدلّل على شعوره بالارتباك والتوتر.يُواجه ماركيز صعوبةً في تسليم ملاحظته إلى ثالاميا شخصياً، ممّا يُظهر خوفه من ردّة فعل الناقد.
في النهاية، يُقرّر ماركيز ترك الملاحظة على منضدة البوّاب والهرب، ممّا يُشير إلى استسلامه للخوف وعدم قدرته على مواجهة ثالاميا.
دلالات تصرفات ماركيز:
تُظهر تصرفات ماركيز مدى تأثير كافكا عليه، وشعوره بالنقص وعدم قدرته على الوصول إلى نفس مستوى الإبداع. كما تُسلّط الضوء على صراعه الداخلي بين رغبته في مشاركة إبداعه مع الآخرين وخوفه من الفشل والنقد.
تُكشف تصرفات غارسيا ماركيز بعد كتابة ملاحظته على رواية "المسخ" عن جوانبَ من شخصيته تُعكس شعوره بالعجز والرهبة أمام عبقرية كافكا.

تحليل تصرفات غارسيا ماركيز بعد كتابة ملاحظته:
يصف ماركيز سلوكه الوسواسي في إعادة قراءة القصة وتصحيحها مراراً وتكراراً، ممّا يدلّ على قلقه الشديد من جودة عمله.
يُشير ماركيز إلى خوفه من نقد إدواردو ثالامبا بوردا، ممّا دفعه إلى كتابة ملاحظته الشخصية بدلاً من مقالٍ رسميّ.
يُقرّ ماركيز بنسيانه لمحتوى ملاحظته، ممّا يُضفي المزيد من الغموض على دوافعه و مشاعره.
يُوضح ماركيز شعوره بالتردد والخوف من مواجهة ثالامبا بوردا بشكلٍ مباشر، ممّا دفعه إلى ترك المغلف على منضدة البواب والهروب.
تُشير تصرفات ماركيز إلى معاناته من مشاعر القلق والتوتر وانعدام الثقة بالنفس، ممّا يُمكن ربطه بتأثير رواية "المسخ" لكافكا عليه، أو بقلقه من ردة فعل ثالامبا بوردا على ملاحظته.

تُكشف تصرفات غارسيا ماركيز بعد كتابة ملاحظته عن صراعه الداخلي وتأثير القلق وانعدام الثقة بالنفس على سلوكه، ممّا يُضفي بعداً إنسانياً عميقاً على تجربته الإبداعية.

يصف ماركيز شعوره بالوسواس القهري تجاه ملاحظته، حيثُ أعاد قراءتها وتصحيحها بشكلٍ مُفرط. وعلى الرغم من خوفه، يُقدم ماركيز على خطوةٍ جريئةٍ بكتابة ملاحظةٍ شخصيةٍ مُوجهةً إلى ثالامبا بوردا، ممّا يُشير إلى رغبته الشديدة في الحصول على تقييمه.

مالمو
2024-04-22
م