نقطة من الصراع الطبقي في الأحزاب الثورية


المنصور جعفر
2024 / 4 / 16 - 14:21     

بتناول هذا النص موضوع تركز أنشطة الأحزاب الثورية في العاصمة والمدن الكبرى وانخفاض بروليتارية وفاعلية الأحزاب الثورية بهذا التركز، كما يتناول كيفية معينة لرفع كفاءتها.


1 -الظاهرة:
ظاهرة التكاثر العام الاقتصادي والاداري والسكاني ومعه تكاثر الأنشطة الحزبية في العاصمة والمدن الكبرى حالة منتشرة في غالبية دول العالم، وقد تكونت بفعل ظروف تاريخية معيشية وثقافية، وفي جزء من جوانبها السياسية تشمل هذه الظاهرة الأحزاب الليبرالية والأحزاب الثورية.


2 - تأثر الأحزاب بظاهرة التركز في العاصمة والمدن الكبرى:
تختلف النتائج العامة والحزبية لحالة التكاثر الاقتصادي والسكاني والسياسي في العاصمة والمدن الكبرى ففي المجال العام تزيد خلل توزيع موارد وجهود الدولة وفي مجال الأحزاب تؤدي إلى:

(أ) ترسخ التبرجز والنخبوية في الأحزاب الليبرالية المروجة لأفكار حرية التملك والتجارة،

(ب) تضعف بعض جوانب الاتساق والتماسك بين ايديولوجيا وطبيعة الأحزاب الثورية.

في جانب الأحزاب الثورية تقود ظاهرة التركز في العاصمة والمدن الكبرى بشكل وئيد ناعم إلى مفارقة أسس وأهداف وحتى أهم ملامح برامجها حيث تنمو هذه المفارقات بثقافة ومبررات تأجيل خلاصتها أمران متداخلان: الأول: إنتظار تحسن ظروف المعيشة! والثاني: انتظار إرتفاع درجة ثقافة ووعي وانتظام الجماهير !

يتناقض زعم هذا التأجيل مع حقيقة ان نفس الظروف المعيشية والثقافة المزعوم انتظار تطورها يزيد تدهورها كل يوم بفعل النظام النخبوي/الليبرالي المؤجل تغييره. وبكون نموءه متغذي بحرية التملك والتجارة المؤجل تغييرها،

عادة ما يتم تبرير الأزمة وتبرير تأجيل تغيير نظم المعيشة والوعي إلى صراع حكم بين المدنيين والعسكريين رغم استمرار نفس التناقض بين النظام الليبرالي للمعيشة وحاجات وقدرات غالبية الكادحين سواء كانت أمور النظام الليبرالي وحرية التملك برئاسة الجزء العسكري من النخبة أو كانت برئاسة الجزء الحزبي المباشر من نفس النخبة.


3- مصدر الأزمة:
لعل أهم عوامل حالة تكاثر أعضاء الأحزاب الثورية وأنشطتهم في العاصمة والمدن الكبرى هو عامل تركز الشغل الحزبي في مجال الطلاب دون إحساس بالخطر من ان غالبيتهم تتحول مستقبلاً بفعل طبيعة نوع التعليم والأعمال التي يغذيها إلى فئة المهنيين. وهي نفس الفئة التي تقوم شرائحها غير الثورية بتنظيم وإدارة هيئات وسياسات الحكومة والإقتصاد والجيش والديبلوماسية والإعلام إلخ.

مكمن هذا الخطر ان كل شرائح فئة المهنيين الموافقة أو الرافضة للنظام الطبقي تشترك جميعها في نوع متماثل من المعرفة والتعلم ومعلوماته وتفسيراته للأمور الإجتماعية والسياسية وفي نمط المعيشة والقيم ورؤى الثقافة. من ثم تشترك شرائح فئة المهنيين في أساليب النظر والعمل وفي سياسات إدارة الأمور وفي أمور إدارة السياسة. وبحكم هذا الاشتراك تميل كل شريحة موافقة أو معارضة للنظام الطبقي إلى احداث اصلاحات وتبني أنشطة وأعمال تغير قدراً محدوداً من شكل النظام أو تخفض بعض سلبياته بينما تبقي على وجوده وطبيعته.



4 جانبا العملة:
-كل جزء سياسي من فئة المهنيين مع أو ضد النظام النخبوي يعتقد انه كجز مضاد للجزء الآخر، بينما طبيعة معيشة وتطلعات أفراد جزئي النخبة تجعل الاختلافات الحزبية لهذين الجزئين اختلافات ثانوية أي يصيران مجرد شكلين سياسيين لنفس أسس وأعمال وتضليلات ومبررات التنظيم الليبرالي للموارد عبر احترامهما المتنوع الشعارات والكلام لمبدأ ونشاط حرية التملك والتجارة.



5- عندما يفوت الاهتمام حده:
الاهتمام الكثيف بقطاع الطلاب (كقادة للمستقبل) ثم تحولهم إلى مهنيين تسبب في إحتشاء غالبية الأحزاب الثورية في غالبية دول العالم بالمهنيين. (بما في ذلك لأسباب تقدم الصناعة والاقتصاد إحتشاء الحزب الشيوعي السوفييتي السابق/الحاضر بالتكنوقراط قبيل وإبان وبعد عقد المؤتمر العشرين (فبراير١٩٥٦) وصولاً إلى دستور ١٩٧٧ الذي-باسم وحدة الاقتصاد والمواطنة- انهى الإمارات البروليتارية في كثير من الهيئات السوفييتية)_

وبعل كثرة فئة المهنيين تحولت كثير من الأحزاب الثورية من ثقافة النشاط الشبيه بنضال "النقابة العمالية" إلى ثقافة معايشة تشبه في أسسها وأنشطتها ونتائجها أعمال "نقابة المنشأة" التي تجمع في إطار واحد الوزير والمدير والعامل والغفير.



6- التسمم:
بكثرة فئة المهنيين سادت أساليب فئتهم وثقافتها ذات التمركز الذاتي وأمور توافقاتها وصراعاتها الأنانية النخبوية. المدموكة بثقافة ترسيخ الاستقرار والصعود الأناني وتسممت بعض مبادرات الثوريين بميل مستدام إلى أرباع الحلول واسترخت بالاطمئنان إلى تغييرات فوقية وقشرية، ونمت في أطابير القرارات وتلافيفها أمور السيطرة والتسيب البيروقراطية والبوليسية والمواربة والنفاق.

هيمنت بعض هذه الأمور وتمددت في الأنشطة الحزبية الروتينية، وان كانت تنظفها بعض الصدامات لكن بهيمنة ثقافة الأنا والشلة والعلاقات العائلية والمهنية وتبني نهج الحد الأدنى مع كبار التماسيح والعقارب والثعابين الليبراليين قل أو خف حضور ونشاط باقي فئات الكادحين الزراع والرعاة والحرفيين الصغار والعمال وقل إنضمام الكثير منهم إلى الأحزاب الليبرالية والى الأحزاب الشيوعية.

مع تكاثر فئة المهنيين والأجزاء السلبية من ثقافتهم داخل الأحزاب الثورية انخفضت في نظر كثرة من الكادحين قيم العقلانية والنضال الثوري الطبقي وزاد ميلهم إلى التخمين والتلتيق والسعي لعدم إغضاب الرأسماليين والسادة وارتفعت في المبادرات الثورية مظاهر النشاط النخبوي وميول ارضاء الامور والحركات الشعبوية والكلام المدور الحريص على (اقناع) الإمبريالية! كما انحسرت في نفوس كثرة من الكادحين قيم التغيير الوطني الإجتماعي السياسي لصالح ثقافة العشيرة والطائفة والحل أو الإنزواء الفردي.


7- الرمضاء والنار:
في هذا النوع المهني/التكنوقراطي من أزمات التكوين العضوي للأحزاب الثورية واحتشاءها بكثرة من أفراد وأساليب فئة المهنيين أخذت بعض أعمال الأحزاب الثورية منحى فكري وثقافي يشبه منتدى الفلسفة وسمى بعضها بين الناس بسيرة أبطالها وزعماءها ومواقفهم النضالية النقابية أو الفكرية الصدامية بينما بقيت غالبية الحياة الحزبية اما راسفة في صراعات المهنيين أو تتململ ضد سلبياتها.

لم تطرح الازمة بشكل مباشر متكامل بل عجنت بازمات المجتمع والحزب أو قدمت بعض تفاصيلها من ثم لم يقدم حل يقتلع جذور الازمة أو يهدم أسسها في بناء وتنظيم وطبيعة عضوية ونشاط الحزب الثوري وغاب أي أوضاح لظاهرة وتكاثر عدد أفراد فئة المهنيين بين الأعضاء بأضعاف عدد أفراد باقي الفئات الأخرى من الطبقة الكادحة، أي فئات الزراع والرعاة والحرفيين والعمال.


8 - بداية الحل:
بداية حل هذه الأزمة التي عمت ألاحزاب الثورية منذ خمسينيات القرن العشرين بفعل نموء المدينية وثقافتها ترتبط بتغيير جذري مرتب ومنظوم للبناء الحزبي الثوري وتحويل بنية الهيئات القائدة واللجنة المركزية من حالة التمثيل المناطقي أو بالقطاع الإنتاجي إلى حال التمثيل الفئوي. بحيث يكون تمثيل الفئات في هيئة القيادة تمثيلاً متوازناً يعيد للأحزاب الثورية طبيعتها البروليتارية.