تأمّل في (لَم يَكُنْ عارِيًا ذلك الظِّلُّ) للشاعر حمزة فيصل المردان


داود السلمان
2024 / 4 / 12 - 13:29     

قد لا نجافي الصواب، حين نعتقد بأن الأمل يمكن زرعه، كما تُزرع أي نبتة تصلح للزراعة (وكل النبات يصلح للنمو في أرض خصبة) وربما حتى التأمل يجوز زراعته في حقول الفلسفة، والفكر الإنساني. والطبيعة كانت ومازالت تغدق علينا بعطائها ألثر، كذلك الحياة بتدفقها أعطت لكل من يرغب بالعطاء ومن لم يرغب، فكل شيء جائز ما لم ينصدم والمنطق الارسطي. والشاعر كإنسان مُغرم بالفلسفة – وإن لا يرغب فيها أحيانا – ومغرم أيضًا بالتلاعب بالمفردة، كذلك، ويجوز لنا أن نُسمي الشاعر بأنّه مغامر – ومغامر كبير، يُغامر بالمفردة ويبني منها صروح، ولم نقل صرحا، لأنّه الشاعر ويحمل فكرًا جياش، وخيال واسع، فهو يخزن في طيات فكره الكثير، مما لا يستوعبه مغامر آخر يدرك سرّ اللعبة، فالحياة لعبة كبيرة، أثنان فقد هما اللذين فقهوا هذا المعنى: الفيلسوف والشاعر، ودائمًا ما نجدهما يتنبآن بمستقبل غير واضح المعالم، نعدّه نح البشر في علم الغيب.
ومن هذا المنطق، نقول إنّ الشاعر حمزة فيصل المردان أكتشف لنا، وعن دراية وحبكة فنية – إبداعية أنّه (لَم يَكُنْ عارِيًا ذلك الظِّلُّ). وهذا هو نصه الشعري الذي صاغ فيه حروفه المتميزة، وبنى صرحها برؤية هندسية خاصة، لكونه شاعر، ومن حق الشاعر أن يهندس صروح إبداعه كيفما يشاء، بما يشاء، فهو لا يُحاسب عما يبدع من نتاج، تفوح منه لمسات جمالية، واسقاطات فنية لها علاقة مباشرة بتركيبة الإنسان، والتي هي مخالفة عمّا سواه من المخلوقات الأخرى؛ فالإنسان هذا، له مميزات خاصة لا توجد إلّا في الإنسان ذاته، ومنها: الذوق، والعاطفة، والاحساس، والحسّ الجمالي، والمشاعر الجياشة، والنُبل، وكل ذلك بفضل جوهرة العقل، هذه الجوهرة التي يقاس بها كل شيء، على حد تعبير معظم الفلاسفة وارباب العقول النيرة، والانسان يُعرف بالعقل.
نصوص شاعرنا المردان، تستحق التأمل، حقيقة، كذلك الاهتمام والدراسات النقدية، فهي بلا شك، ليس كغيرها من النصوص الأخرى الكثيرة في زمن التشظي، والميوع الفكري، فهي تنسجم والعمق المعرفي الدلالي، وفيها انزياح واضح، لاسيما للذين يتعمقون وهذا اللون من الإبداع الشعري، الذي هو مستقبل العالم كلون يستهوي الغالبية العظمى للمتابعين بشغف، الساحة الثقافية التي تعجُّ بكلَّ لون وصنف من موائد الإبداع المختلفة.
ونستنتج من كلَّ الذي قلناه، أن شاعرنا المردان يمتاز بقابلية كبيرة في تطويع الجُمل الشعرية، ليصنع منها صور جميلة، بحبكة واتزان، ما نجعل منه شاعرًا له خصوصيته في تطويع الحروف، وقابلية لا تقف عند حدٍّ، كشاعر مرهف الحسّ، وكدليل على ما ندعيه، هو هذا النص الموسوم بـ (لَم يَكُنْ عارِيًا ذلك الظِّلُّ). إذ يعطي دلالة واضحة على قابليات الشاعر الكامنة في قاموسه الشعري، كمعين إبداعي غير قابل للنضوب.


*نص القصيدة: (لَم يَكُنْ عارِيًا ذلك الظِّلُّ)
بَدَنُ الضَّوءِ مُعَلَّقٌ بَينَ نَظَراتي
وَ انكِسارِ الظِّلِّ المُتَدَحرِجِ مِنْ عَينَيكِ
فَلا تَنسَحِبِي وَ تَأمَّلي كُلَّ هذا الجَمالِ
أيَّتُهَا النَّجمَةُ
فَنَهاري لا يَنتَظِر...
وَ لَيلي شَدَّ سُرُوجَ خُيُولِهِ الجامِحَة...
لِهذا الشَّبِيهِ باللَّاشَيءِ
يَتَعَثَّرُ بِالمُطلَقِ
أَيُّ مُطلَقٍ..؟!!
فَالفَرَاغُ أحْكَمَ قَبضَتَهُ على الجَادَّاتِ،
الوُضُوحُ ذلكَ الكائِنُ المُتَوَهِّجُ
يَرمي شِباكَهُ غَيرَ مُكتَرِثٍ بِمُحاوَلاتِ الجِهَاتِ لِمَحوِهِ
وَلا بِصَخَبِ الحُرُوفِ
وَدَويِّ الهُدُوءِ المُفتَعَلِ،
مِمَّا حَدَا بي إلى أنْ أُبقي سَفينةَ الأيَّامِ
الَّتي وَصَلتُ بِهَا إلَيكُمْ
على حافَّةِ النَّهرِ
مُوثَقَةً بِالانتِباهِ
كَي لا تَسرقَهَا الأمواجُ ؛
لِذلكَ أنا أشِيرُ إلى ظِلٍّ يَتبَعُنِي
لمْ يَكُنْ عارِيًا ذلكَ الظِّلُّ
رغمَ اتِّساعِهِ في دائرَةِ رُؤيايَ،
تَيَبَّسَتْ أمامي أصواتُ المارَّةِ
لَم يَعُدْ العُبُورُ سَهلًا
في الجِهَةِ المُقابِلَةِ تَكتَشِفُ المُشاهِدَاتُ ضعفَهَا،
والخُطَى حَصَّنَتْ نَفسَهَا بِتَوَقُّفَاتٍ صَاحَبَهَا اندهِاشُ السَّابِلَةِ،
كُنتُ حَيثُ كانَ الجَميعُ يَتَطَلَّعُونَ من نافِذَةٍ في رَأسِ طائِرٍ فَزَّ مِن الرَّمادِ
لا لَيسَتْ حَجَريَّةً
أعضَاؤهُ تَتَنَاسَلُ كُلَّما وَمَضَ البَرقُ
لِتَلِدَ مُدُنًا جَديدَةً،
لَوِ اقتَرَبتَ مِنهَا
تَتَحَوَّلُ إلى سَلالِمَ
لِيَرتَقِيَ وَلَهُ السِّنينَ
وَ يُثِيرَ حَفِيظَةَ الوَجَعِ.