هذا ما جنته على نفسها الدول التي تأخذ قروضا من صندوق النقد الدولي


أحمد رباص
2024 / 4 / 9 - 09:33     

وبينما كنت أتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، إذا بشريط فيديو متداول على تيك توك يشد انتباهي لأهمية ما قاله فيه الأستاذ يحيى عمر السيد من حقائق مثيرة عن المآل الصعب الذي آلت إليه الدول التي "استفادت" من قروض صندوق النقد الدولي.
نزولا عند رغبتي في تقاسم هذا الحديث مع جمهور عريض، قررت تفريغ مضمون الفيديو بتحويله من مادة مسموعة ومرئية إلى مكتوبة ومقروءة. لهذا، يسرني أن أقدم لكم نتيجة هذا المجهود دون التدخل بزيادة او نقصان في ما قاله عمر السيد، باستثناء بعض الرتوشات التي يقتضيها الإعداد للنشر.
لكن، قبل تقديم حديث الخبير الاقتصادي، يستحسن تقديم بطاقته التقنية في سطور.
هو باحث دكتوراه تخصص إدارة الأعمال من جامعة (T.C. İSTANBUL TİCARET ÜNİVERSİTESİ). حاصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة (ALTINBAŞ ÜNİVERSİTESİ) عام 2018م، بالإضافة إلى ماجستير فقه الاقتصاد والتمويل الإسلامي من جامعة (STANBUL SABAHATTİN ZAİM ÜNİVERSİTESİ) 2017م.
لديه مجموعة من المؤلفات المنشورة وغير المنشورة تزيد عن 17 كتابًا وأكثر من 25 ورقة علمية. بالإضافة إلى عشرات المقالات في مواضيع إدارية واقتصادية متعددة.
يرأس حاليًا مركز ترندز للدراسات الاقتصادية. والمركز مؤسسة بحثية علمية مستقلة تهتم بدراسة وتحليل الأحداث الاقتصادية المرتبطة بالملف السوري، علاوةً على مناقشة تداعياتها على سكان الداخل السوري واللاجئين السوريين في الدول المستضيفة لهم، وكذلك دراسة إسقاطات هذه الأحداث على الواقع السياسي والاستراتيجي في عموم المنطقة، زيادةً على تحليل تداعياتها وتأثيراتها. كما يعنى المركز بدراسة الواقع الحالي للبنى الاقتصادية وتحديد العلاقات في ما بينها بما يشكل دعمًا حقيقيا لصناع القرار.
بالإضافة إلى نشاطه الخاص في قطاع الأعمال والتدريب والاستشارات، يرأس كذلك منظمة ريادة للتنمية المجتمعية، وهي منظمة تنموية مدنية مستقلة تنطلق من مدينة إسطنبول، وتسعى إلى تمكين الشباب السوري في دول اللجوء من دخول ريادة الأعمال وتدشين مشاريعهم الخاصة وإعداد جيل من الشباب القياديين؛ وذلك من خلال صياغة وتنفيذ مبادرات ومشاريع تنموية تهدف لإمدادهم بالتكوين النظري والعملي في مختلف مجالات العمل والإنتاج. وكذلك الحصول على فرص عمل مناسبة.
عمل منذ عام 1998م وحتى الآن. بما يزيد عن خمس وعشرين عاما في عدة وظائف إدارية ومهنية في دولة الإمارات العربية المتحدة والخليج العربي وتركيا.
وظيفته الأهم تمثلت في تأسيس وإدارة مجموعة سمارت آيديز للاستشارات. والتي امتدت منذ مطلع عام 2003م وحتى مايو 2016م. وقد كان لهذه المجموعة بصمة في عدد من المشاريع والمبادرات في عدد من الدول العربية والأوروبية.
"كانت زامبيا دولة زراعية ومكتفية غذائيا لكن صندوق النقد الدولي اشترط عليها السماح باستيراد الغذاء وكانت النتيجة إغراق السوق المحلي بالمنتجات الزراعية الاوربية وخسرت واضطر المزارعون إلى ترك العمل الزراعي وانتهى بها الأمر إلى دولة مستوردة للغذاء وأصبحت عاجزة عن تحقيق أمنها الغذائي. والهدف من كل هذه العملية كان هو إيجاد سوق لتصريف المنتجات الزراعية الاوربية.
صندوق النقد الدولي هو ذراع الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. بعد فشل الدول في سداد القروض تبدأ قرصنة مواردها. هنا يدعي الصندوق أن الدولة لم تعرف تدبير مواردها بشكلىصحيح ويفرض على الدولة المتعثرة شروطا جديدة. هذه الشروط تنتهي بدمار اقتصاد الدولة وتحويلها إلى أسواق للدول الغربية أو السماح للشركات العابرة للقوميات بالاستحواذ على أسواقها ومواردها. البيرو في أمريكا الجنوبية كانت ضخية لمصيدة قروض صندوق النقد الدولي بعدما كانت منتجا رئيسيا للقمح، لكن الصندوق اشترط عليها السماح باستيراد القمح من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن النتيجة هي أن المزارعين المحليين تضرروا، واضطروا للانتقال من زراعة القمح إلى زراعة المواد المخدرة لتصبح البيرو مصدرا رئيسيا للمخدرات في العالم.
تعتمد سياسة النقد الدولي تعتمد على إلزام الدول المقترضة بسياسات التقشف ورفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية كالخبز والمخروقات والصحة والتعليم والخصصة وفرض المزيد من الضرائب على الناس. وفي النهاية يزداد الفقر وتتراجع المؤشرات الاقتصادية وينهار الاقتصاد. وهنا تكون الفرصة مهيأة وسانحة للاستحواذ على القرار السياسي للدولة لأن الدولة المفلسة والعاجزة اقتصاديا لا تمتلك قرارها السياسي.
طبعا، ما كل الدول وقعت في فخ الاقتراض من صندوق النقد الدولي. بعضها كان منتبها للمكيدة. ماليزيا، بقيادة مهاتير محمد، رفضت عرض الصندوق خلال الأزمة المالية في نهاية التسعينيات. واجهت ماليزيا الازمة الاقتصادية، وعلى الفور عرض عليها الصندوق مساعدته، لكنها رفض الرئيس الماليزي هذه المساعدة قائلا إن قبول هذه المساعدة تعني تسليم الاقتصاد الماليزي للخارج. اعتمدت ماليزيا على مواردها الذاتية وتحولت إلى دولة اقتصادية مهمة بعدما كانت دولة فقيرة تعتمد على زراعة المطاط.
يقول جون بيركنز في كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم" إن صندوق النقد الدولي أتى للقرصنة الاقتصادية، والدولة التي تسير في طريق الصندوق تسير إلى الهاوية. بالطبع، ما قاله بيركنز للأسف؛ لأن غالبية الدول التي أخذت قروضا لمعالجة أزماتها الاقتصادية أو لدعم التنمية انتهى بها الأمر إلى الإفلاس وتم تفقير شعوبها. لكن للأسف، لحد الآن، ما تزال عدة دول تسعى إلى الحصول على هذه القروض.
كانت الأرجنتين من أغنى الدول وكان شعبها يمتلك رفاهية تامة ودخلا مرتفعا. بعد الحرب العالمية الثانية كان النمو الاقتصادي فيها الأعلى في العالم.، كان الدخل الفردي فيها مرتفعا، لكن رجال السياسة افسدوا الاقتصاد من خلال الفساد والانقلابات العسكرية واستفادت أمريكا من مواردها المادية.
عرض صندوق النقد الدولي خدماته على الأرجنتين ووعدها بقروض كبيرة لكن مقابل شروط قاسية وقدم وصفة اقتصادية ادعى أنها ستجعل الاقتصاد الأرجنتبني يرجع كيف ما كان. بعد عدة سنوات من وصفة الصندوق بدأ الاقتصاد الأرجنتيني في الانهيار، وأفلست الشركات والبتوك وارتفعت نسبة البطالة إلى 30% ونسبة الفقر إلى 35% وانهار الدخل الفردي وأفلست الحكومة التي اضطرت إلى بيع مؤسسات الدولة لشركات أجنبية. وتم دفع الأموال المحصلة من هذه العملية لسداد جزء من القروض. وفي النهاية، أعلنت الأرجنتين إفلاسها.
المفارقة أن الصندوق اعترف سنة 2004 بأن سياسته في الأرجنتين كانت خاطئة وبكونه أوصل البلاد إلى الإفلاس وقدمه اعتذاره. لكن، ما قيمة الاعتذار بعد تدمير اقتصاد دولة وإفقار شعب ونهب موارده. هذا الاعتذار مثل قبلة على جبين ميت.
سياسة الغرب عموما، وصندوق النقد الدولي على وجه الخصوص، أدت بدول إفريقيا إلى إغراقها في الديون. هذا الوضع دفع المنظمات الإغاثية إلى القول بأن كل طفل إفريقي يولد وفي عنقه دين لا يستطيع سداده طيلة حياته. إفريقيا ساحة لكل الدول الكبرى ولصندوق النقد.
في هذا الإطار، قال رئيس أوغندا على الغرب وكلب الحراسة الإسرائيلي أن يدركوا أنهم لا يمكنهم أن يعتبروا إفريقيا بقرة يحلبونها بوحشية دون أن يتركوا لها الحد الأدنى من العلف الذي يبقيها على قيد الحياة.
هذا القول يوضح مدى الظلم الذي تتسبب فيه السياسة الغربية للدول الفقيرة. والطبع، تعتبر القروض أداة رئيسية للهيمنة على هذه الدول. حاليا، تسير مصر شؤونها بقروض من صندوق النقد الدولي حيث تسعى إلى الحصول على القرض الرابع من الصندوق، وقد تبلغ قيمة هذا القرض الجديد ثمان مليارات دولار. لكن، كالعادة، للصندوق شروطه، أهمها تحرير سعر الجنيه ورفع الدعم عن المحروقات وبيع بعض مؤسسات الدولة للقطاع الخاص. وهكذا ارتفع الدين الخارجي لمصر بشكل حاد إء وصل حاليا إلى 164 مليار دولار، والاوضاع في المنطقة يمكن ان تزيد الضغوط الاقتصادية عليها. الحرب الاقتصادية على قطاع غزة والأزمة في مضيق عدن سوف تؤثران سلبا على إيرادات قناة السويس. كذلك نسبة التضخم وصلت إلى 35% . وهكذا أصبح الوضع الاقتصادي عاجزا عن تحمل أي مخاطرة جديدة. التعامل مع صندوق النقد الدولي أشبه باللعب بالنار، واقتصاد مصر وغيرها من الدول لم يعد قادرا على تحمل مغامرات إضافية لأن الصندوق يعطي بيمناه ويأخذ بيسراه أكثر مما أعطى. عن النماذج الدولية حدث ولا حرج. ومهما كانت الأزمات الاقتصادية حادة لا يتحدد حلها في الدخول في وكر الأفعى".
في الختام، أود الإدلاء بملاحظتين عنتا لي وأنا أستمع لما قاله صاحبنا الخبير الاقتصادي. أرى في الملاحظة الأولى أنه لم يذكر أن رئيس اوغندا يسلم بأن إفريقيا كبقرة حلوب مستسلمة لقدرها في خنوع مذل ولا تطلب من حلابها سوى ضمان حد أدنى من العلف لتبقى على قيد الحياة، دون أدنى تطلع إلى استرجاع حريتها والأخذ بزمام أمورها في استقلال عن نهب الناهبين وجشع الجشعين. أما الملاحظة الثانية فهي ان صاحبنا الخبير لم يأت على ذكر البنك الدولي وكأني به يريد تبرئة ساحته ووضع صندوق النقد الدولي بمفرده في قفص الاتهام.