طريقة تقديم الألم في قصيدة -قلبي مرآة الكون- جواد العقاد


رائد الحواري
2024 / 4 / 8 - 01:05     

طريقة تقديم الألم في قصيدة
"قلبي مرآة الكون"
جواد العقاد
"قلبي مرآةٌ الكون
يتشظى مواوويلَ حزنٍ
ويقيمُ في العراءِ بلا اسمٍ أو ذاكرة
فوق الأشجارِ أحلاماً
تحت الركامِ أطفالاً وقصائد وذكريات
يتيماً في ليلِ الحرب..
ويرقصُ كالنارِ أمام الوهمِ المديد
يرتسمُ وشوماً على أجسادِ الهاربين من بلادهم
أوسمةً على أكتافِ القتلة..
قلبي من بدايةِ الأمر شهيد
لكنه يبحثُ عن لغةٍ تليق بالمشهد:
سيدة تنهضُ من لوزها بعيونٍ من غوايةٍ
وشفاه تحلمُ بها القبلات
ينامُ البحرُ على صدرها
ويرتدي أحلامها حين يتعبُ من ابتكارِ صورٍ شعريّةٍ للانتحار!
تنهضُ سيدةُ البحر
يتلاشى صوتُ الموج
تغادرُ عصافيرُ صوتِها إلى ربيعٍ آخر
لا تغتسلُ الصباحاتُ في وجهها
ولا تغيبُ الشمسُ في ملامحها
وتأتي الحرب".
قبل الدخول إلى القصيدة أعترف بأني "جواد العقاد" كان سببا في عزوفي عن الكتابة لمدة تزيد عن العشرين يوما، وذلك بعد أن أشار في منشورا له أنه في رفح، بمعنى أنه هُجر من مدينته ليكون لاجئ مع اللاجئين، ومن خلال معرفتي بهذا الشاعر الحساس ومرهف المشاعر، شعرت بحجم الألم الذي يمر به، فجعلني أتوحد معه فيما أصابه وأصاب شعبنا في غزة، ورغم أنني منذ بداية العدوان على غزة عكفت على الكتابة والتعقيب عما يُكتب عن العدوان، أو عن الحرب بصورة عامة، إلا أن "جواد العقاد" بمنشوره جعلني أتوحد أكثر، بحيث أكون معه فيما أصابه وأصاب شعبنا.
بنفس درجة تفاعلي معه في الألم، أفرح بهذا الإنجاز الأدبي الذي جعلني أنتشي وكأنني أنا من كتب ـ وما أنا بشاعر أو أديب ـ القصيدة التي ما إن قرأتها حتى أخذتني معها.
نلاحظ أن حجم الألم كان كبيرا جدا في الثلث الأول من القصيدة، وهذا يظهر في المضمون وفي الألفاظ المستخدمة أيضا: "يتشظى، العراء، بلا، تحت، الركام، يتيما، ليل، الحرب، كالنار، الوهم، الهاربين، القتلة" لكن الشاعر لا يستسلم كليا للحرب/للألم/للواقع، من هنا نجده ما زال محتفظا بالأمل/بالفرح الحاضر في: "قلبي، مواوويل، الأشجار، أحلاما، أطفالا، قصائد، وذكريات، ويرقص، يرسم، أوسمة" فوجود هذه الألفاظ مع تلك القاسية ـ بشكلها المجرد ـ يعطي القارئ صورة عن الحرب وما فيها من صراع بين الخير والشر.
ولا تتوقف صورة الصراع عند الأمر فقط، بل تتعداه إلى شكل ومعنى الألفاظ: فعندما استخدم "يتشظى" أتبعه ب"مواوويل" فتكراره حرف الواو ثلاث مرات، بدا وكأنه يؤكد صورة الفرح/الخير الحاضرة في مواويل، ويريد من القارئ أن يتغنى بها كما هي العادة، كما هو مفترض.
وعندما اتبع "المواوويل" الطويلة ب"حزن" أخذنا إلى حالة الندب التي مارسها أسلافنا القدماء على غياب البعل، فكان حزن الشاعر حزن كنعاني/سوري قديم، من هنا وجدنا صورة الجذب الذي أصاب الأرض: "الأشجار" أو من هم عليها، إن كان من الناس: "أطفالا" وما ينتجونه من أدب/غناء: "مواوويل، أسم، ذاكرة، أحلاما، قصائد، ذكريات" وإذا ما قارنا حجم السواد بالفرح، سنجد أن الغلبة للسواد، وهذا ما يجعل حزن الشاعر متماثل مع حزن أسلافه عندما ندبوا غياب البعل أثناء صراعه مع "الموت/اليم"
الثلث الثاني من القصيدة نجد الفرح فيه حاضرا، فبدا الشاعر وكأنه بعد أن (أفرغ) ما فيه من ألم وحزن استعاد عافيته كشاعر ينظر إلى الحياة وما فيها من فرح الذي نجده في المضمون وفي الألفاظ المجردة: "قلبي، بداية، لغة، سيدة (مكررة)، تنهض، لوزها، بعيون، وشفاه، تحلم/أحلامها، القبلات، البحر (مكرر)، صدرها، صور، شعرية" تنهض" نلاحظ أن الشاعر يتناول ثلاثة عناصر للفرح: المرأة، الطبيعية، الكتابة، وهذا ما ساعده على تجاوز واقع الحرب، والخروج منها منتصرا من خلال هذه الحياة التي وجدناها في القصيدة، فعندما تحالفت المرأة مع الكتابة/القصيدة: "لغة، شعرية، سيدة (مكررة)، تنهض، لوزها، بعيون، وشفاه، تحلم/أحلامها، القبلات، صدرها" استمد الشاعر القوة للخروج من حالة الحرب/الحزن، ليتقدم إلى الحياة وما فيها من جمال وفرح، فكانت المرأة والكتابة والطبيعة هي ما أخرجه وساعده على التقدم من الفرح.
الثلث الأخير من القصيدة جاء بمثابة وداع، كأنه الفرح الذي تناوله الشاعر في الثلث الثاني ما هو إلا حلم، أو فترة استراحة من الحرب، لهذا نجده يودعنا بحزن ناعم/هادئ يتماثل مع شخصية الشاعر "جواد العقاد".
نجد هذا الوداع في "يتلاشى، تغادر، لا تغسل، ولا تغيب، وتأتي الحرب"
لكن يبقى إنتاج هذه القصيدة من شاعر محاصر في رفح ولاجئ بمثابة انتصار على الموت، وما وصول صوته لنا إلا إحدى صور هذا الانتصار على الموت.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.