علامة الرسوب هنا، في السجل ... والباب هناك


خالد بطراوي
2024 / 4 / 7 - 16:19     

اذكر فيما أذكره، عندما كنا على مقاعد الدراسة الجامعية وفي السنة التحضيرية الأولى زمن الاتحاد السوفياتي، أن سؤالا في الامتحان قد طلب تعريف الحرب، وكانت آنذاك الإمتحانات تقدم بصورة شفوية على مسامع المحاضر الجامعي.
حاول أحد الطلبة وبلغته الروسية الركيكة أن يعرّف الحرب، فقال أن الحرب عبارة عن " جندي هنا وجندي هناك .. دبابة هنا ودبابة هناك وطيخ طاخ"، فأجابه المحاضر الجامعي بالقول " علامة الرسوب هنا، في السجل ... والباب هناك".
ويبدو أن هذا الطالب الحاصل على علامة الرسوب والمطرود صوب الباب، لم يكن يدرك أن زمن الحروب التقليدية قد ولّى وإندثر.
لم تعد الحروب أيها الأحبة كما في السابق، عبارة عن حشودات للجيوش يقف كل منها قبالة الجيش الآخر، لم تعد الدبابة في مواجهة الدبابة ولا الجندي في مواجهة الجندي، فنحن في زمن يجري فيه حاليا إستخدام الأسلحة الذكية ليست فائقة التطور ( رغم وجودها) فلا تقوم الدول المتحاربة باستخدام ما لديها من ترسانة الأسلحة الأكثر تطورا تحسبا لما قد يقلب المعادلات فتضطر عندها الى استخدامها.
كما أيها الأحبة، لم يعد في مصلحة أباطرة وكرتيلات السلاح والدواء والمخدرات في العالم أن يكون هناك حسما عسكريا، فنجد دولة ما ترفع الراية البيضاء وتنتصر الدولة الأخرى، بل تطور النهج القتالي الحربي العدواني الى حروب إستنزاف تمتد لسنوات وسنوات، ليس لأن أحد الاطراف غير قادر على الحسم العسكري السريع، وإنما تطبيقا لمقولة " السياسة تعبير مكثف عن الإقتصاد" والتي أضفت اليها تتمة مفادها " والحرب تعبير مكثف عن السياسة".
وهل يظن أحد أن روسيا مثلا غير قادرة "برمشة عين" على تركيع أوكرانيا؟ إن وسيلة قتالية واحدة من وسائل روسيا المتطورة في مخازنها العسكرية وغير المستعملة حتى تاريخه تكفي لأن تأتي أوكرانيا زاحفة على أربع، ورافعة للراية البيضاء بقطعة من "ملابسها الداخلية"، تماما كما إستسلمت اليابان بعد القاء القنبلة النووية على ناجازاكي وهيروشيما في آب من العام 1945.
وبذات السياق، فإن القوى أو الدول التي تقف خلف تأجيج القتال الداخلي في هذا البلد أو ذاك تسعى الى أن يكون ذلك كله كما حروب الاستنزاف طويلة الأمد دون الحسم العسكري السريع بغية سلب خيرات هذه البلاد وتقليص التعداد البشري.
كان وما زال بإمكان الدوائر الامبريالية أن تحسم الصراع الداخلي في السودان بين الطغمتين العسكريتين، طغمة البرهان "الشرعية" وطغمة حميدتي "شبه الشرعية". لكنهم لا يريدون ذلك، وقد مضى قرابة العام على بدء الاقتتال بشكله الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. كان بإمكان من يقف خلف الطغمتين المتنازعتين أن يحسم النزاع " بزيادة العيار" قليلا، لكن ذلك لن يصب في المصالح الإقتصادية للامبريالية العالمية. وينطبق ذات الشيء على حالة عدم الاستقرار النسبية في العراق وسوريا وليبيا في أعقاب ما يسمى جزافا " بالربيع العربي".
أما في حالة العدوان الصهيوني الغاشم على أهلنا في قطاع غّزة، الذي تصدت له المقاومة، والذي يكتسب في جوهره صفة النضال الوطني التحرري، فإن ما تعمد إليه أيضا كل الدوائر التي تقف خلف دعم الكيان الغاصب أو تسكت عنه، هو إطالة أمد العدوان من ناحية، والإستمرار في حالة المراوحة " مكانك سر" بغية زيادة معاناة الشعب والسعي الى التهجير الطوعي والقسري، على هدي المقولة الصهيونية " أرض بلا شعب"، حتى تتحقق معادلات جديدة في المنطقة وتوازنات سمتها الرئيسية زيادة معاناة الشعب الفلسطيني وزيادة تبعية المنطقة برمتها للدوائر الامبريالية وإحكام الطوق حول حركات التحرر الوطني.
وعودة على ذي بدء ... جندي هنا .. جندي هناك، ودبابة هنا ... دبابة هناك.
إن لم نع حقائق المعارك والحروب والعدوان ونتعامل وفقا لهذا الوعي والإدراك، فإن مصيرنا هو " علامة الرسوب هنا، في السجل ... والباب هناك".