سوسيولوجيا المسخرات وسيكولوجية المخاتلة


طلعت خيري
2024 / 4 / 6 - 11:42     

أثمرت وصايا لقمان لابنه الجديدة ، عن استقطاب عقائدي غير الكثير من المفاهيم التاريخية والتراثية لدى معتقدها ، فلم تقتصر على الإيمان بالله واليوم الأخر، وبر الوالدين ، إنما وسعت دور الآيات المادية المتجددة ذات التأثير الملموس والمحسوس على الكائن البشري ، ان الهدف من توسيع سوسيولوجيا المسخرات ،لإخراجها من دائرة الميثولوجيا والدين السياسي الى دائرة العلي الكبير ، ولتوجيه المؤمنين بوصايا لقمان الجديد ، الى الاستفادة العقائدية مما هو جديد من الآيات والمسخرات ، ألقى الله على نبيه بعض منها ، الم تر يا محمد ان الله يولج الليل في النهار، يولج ، يداخل ظاهرتي الليل والنهار مع بعضهما تدريجيا ، لإشعار الإنسان بالزمن ، فيتنبأ حسيا بدخول ظاهرة جديدة ، ونهاية ظاهرة أخرى، ظاهرتي الليل والنهار لا تتم عن طريق الشمس ، كمؤثر ملموس ومحسوس على التغير الزمني لهما ، هذا من الناحية الحسية ، أما من الناحية العلمية ان حركة الأرض اليومية باتجاه الشرق هي المسئولة عن تغير ظاهرتي الليل والنهار، وسخر الشمس والقمر كل يجري الى اجل مسمى ، اجل مسمى اجل زمني ينهي كل ظاهرة ، وان الله بما تعملون خبير


أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{29}

دور شيطان الميثولوجيا والدين السياسي دنيويا ، سلب حقوق الخالق لتجريده من الإلوهية الشاملة من كل شيء في السماوات والأرض ، وجعل المعرفة به شكلية وخالية من المسخرات ومن البعث والنشور الأخروي ، كاستراتيجيه اتخذها الشيطان منذ بداية الخليقة وراهن الله عليها ، بإغواء البشرية لاستقطابهم لحزبه ، بعد ان بين الله للذين امنوا بوصايا لقمان لابنه الجديدة ، دور الشمس في تغير ظاهرتي الليل والنهار ، وضع لهم مقارنة فكرية عقائدية بينهم وبين أتباعهم الذين تمسكوا بوصايا لقمان التراثية ، ليعرفوا من هو الله ، ذلك بان الله هو الحق ، وان ما يدعون من دونه ، الميثولوجيا والدين السياسي هو الباطل ، وان الله هو العلي الكبير

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{30}

يستمر التنزيل باطلاع الذين امنوا بوصايا لقمان لابنه الجديدة ، على سوسيولوجيا المسخرات ، التي وفرها الله لصالح البشرية ، والتي جاء ذكرها أيضا على لسان محمد ، الم تر يا محمد ان الفلك ، الفلك هي مراكب الصيد والشحن البحري ، سميت بالفلك لحركاتها الواسعة بين المحيطات والبحار، تجري في البحر بنعمة من الله ، والنعمة هي المواد لأولية التي تدخل في صناعة السفن والمسخرات الأخرى ، كالمياه التي تحملها ، والرياح التي تدفعها ، والثروة البحرية كالأسماك والمحار كمصدر للرزق ، ليريكم من آياته ، رؤية واقعية على المقدرة العظيمة للخالق التي سخرت السفن لصالح البشرية ، ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{31}

تتعرض مسخرات الأرض التي تصب في صالح الإنسان ، الى تغيرات فيزيائية في العوامل المكونة للمسخر نفسه ، فتقلب المنافع الى مضار قد تؤدي الى الهلاك أو تحطيم النشاط الاقتصادي والمعيشي للإنسان ، بل تقلب حتى عقيدته ، من المسخرات التي تساعد السفن على الجري ، المواد الأولية والرياح والماء ، فأي تغير فيزيائي على مسخرات السفن يزعزع المستقلين عليها ويقلب عقيدتهم ، من المعروف ان حركة الرياح العالية ترفع أمواج البحر ، وإذا غشيهم موج كالظلل ، ارتفعت الأمواج كالظل أعلى من مستوى سطح السفينة ، وظهرت بوادر الهلاك ، دعوا الله مخلصين له الذين ، فلما نجاهم الى البر ، فمنهم مقتصد ، مقتصد متمسك سطحيا بالخالق دون التعمق بحيثياته ومسخراته الواسعة ، وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ، ختار غادر متلون مع الظروف ، ففي الخوف يقر بخالقة ، وفي الأمن والاستقرار يكفر به

وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ{32}

الحياة الدنيوية فيها مجال واسع للمخاتلة ، وفقا للظروف التي يمر بها الإنسان ، مثلا شخص ما ، يؤمن بالله في فترة الانتعاش الاقتصادي ، ويكفر به عند الانهيار ،أو يؤمن به في حالة الخوف، ويكفر به في حالة الأمن والاستقرار، نسمي هذه السيكولوجية بالمخاتلة ، نعرفها على أنها سلوك بشري عقائدي ازدواجي متقلب مع الظروف ، تظهر في الحالات المهددة لكيانه ، وتخفي في الظروف الطبيعة التي تتلاءم مع مصالحه ، بما ان سيكولوجية المخاتلة ، ظهرت في عقيدة أهل السفينة تحت تأثير الخوف من الهلاك ، حذر الله الإنسان من خوف مشابه سوف يواجهه يوم القيامة لا محال ، وان سيكولوجية المخاتلة التي يتبعها مع نفسه ، لن تنفعه ، وان اقرب الناس إليه في الدنيا ، كالولد والود لن يجزي عنه شيئا ، أيها الناس اتقوا ربكم ، ابعدوا أنفسكم عن عذابه ، واخشوا يوما لا يجزي ، لا يجزي لا مبعد ولا مخلص من الخوف ، لأنه حقيقي فلا ملاذ أخر يأوي إليه الإنسان ، يوم لا يجزي والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، ان وعد الله حق ، الوعد الأخروي ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور، الغرور هو شيطان الميثولوجيا والدين السياسي الذي غرر بالناس لصالحه سياسيا واقتصاديا بان لا وجود للخالق وبالتالي لا حقيقة للبعث والنشور الأخروي

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{33}

إستراتيجية شيطان الميثولوجيا والدين السياسي ، قلب موازين عالم الغيب لصالحه سياسيا واقتصاديا ، ففي غيب الماضي حرف الشيطان الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والقران، بإنتاج كم هائل من الكتب البديلة، لتشويه عقيدة البعث والنشور الأخروي ، وفي غيب المستقبل تدخل أيضا ، ليعكس مدى علمه بالتنبؤات المستقبلية ، لكسب المال بالنصب والاحتيال على الذين تعثرت حياتهم ، في الحصول على مكملات الحياة ، واعدا إياهم بحظ وافر من الرزق والحمل ولإنجاب وأرباح التجارة والعمر مديد ، والسلامة من الكوارث والجنة يوم القيامة ، رد الله على مزاعم الشيطان بقوله

إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{34}