أمتنا فى خطر


خالد محمد جوشن
2024 / 4 / 4 - 04:49     

كتب زكى مبارك فى العدد رقم 275 من مجلة الرسالة الصادر فى 9 سبتمبر سنة 1940 مقالا بديعا يتحدث فيه عن رجال عاصرهم فى حياته:

فتحدث عن سعد زغلول الذى كان خطيبا مفوها ، ثم تحدث عن طه حسين الذى كان يعد محاضرا من الطبقة الاولى بين المحاضرين ، ولم يكن له مثيل فى فى جهارة الصوت ونصاعة الاداء .

ثم تحدث عن فقيد الوطنية والدين كما وصفه عبد اللطيف الصوفانى ، والذى رثاه شوقى بك فقال :

ما كان قسا ولا زيادا ولا بسحر البيان جاء

لكن إذا قام قال صدقا وجانب الزور والرياء

ثم تحدث عن على فهمى كامل الذى مات فى رثاء شهيد الوطنية محمد فريد .

وتحدث عن عبد العزيز جاويش الذى كان يخطب بأسلوب المدرس المتمكن ، وكان يهتف بكلمة وى ، حين يرى المعانى تشرد أمام فكره القناص فترجع اليه وهى أوانس خواضع .

وتحدث عن مكرم عبيد الذى لم يسمعه يخطب إلا فى الحفلات وهو يحفظ خطبه عن ظهر قلب .

وتحدث عن النقراشى بك المحدث ، الذى كان حديثه ايه فى حلاوة التعبير والنطق

وتحدث عن النحاس باشا الذى كان خطيبا لا يرضيه ، والذى تنبأله ان يكون خليفة سعد زغلول .

وعن هيكل باشا تحدث زكى مبارك فتحدث عن اعجابه بصفاء عينيه حين يتكلم .

وعن زعيم الدستوريين محمد باشا محمود ، قال لم اشهده خطيبا إلا مرة واحدة فى الخطبة التى قال فيها وهو غضبان :

" نريد أن نعرف لمن الامر اليوم : ألسعد أم للأمة ؟ "

وعن ثروت باشا قال زكى مبارك ، كان ايه فى عذوبة الروح وقد استطاع بلياقته أن يسيطر سيطرة روحية على الزعيم سعد زغلول قبل رحيله عن هذا الوجود ، فلما وقف يرثى سعد بعد ذلك ـ، قهره القلب الطيب على ان يضيف الى خطبته سطورا من الدمع المسكوب .

وعن حافظ باشا عفيفى قال ان اسلوبه فى الحديث بهر عقله وقلبه .

وعن طلعت باشا حرب قال لم يخلق للخطابة ولكنه محدث جذاب .

واكد انه لايعرف اين يقع مكان نجيب الهلالى بين الخطباء ـ ولكنه يعرف انه محدث ظريف .

وعن حلمى باشا عيسى قال ، انه فيض من القوة والفتوة حين يتحدث.

وعن لطفى باشا السيد فقد قال انه مدين لمواهبه فى الحديث أولا وفى الخطابه ثانيا .

سبعة عشر قامة فكرة وادبية وسياسية فى عصر واحد حصرهم زكى مبارك فى مقال واحد يتحدث فيه عن مواهبهم فى جانب واحد وهو الخطابة والحديث

سبعة عشرة شخص يكفى واحدا فيهم لتفخر به امتهم وليكون قائدا لثورة فكرية وادبية فيها .


كيف تاتى لمصر حينا من الدهر فى العام 1940 ان يكون فيها هذا العدد الهائل من قادة الفكر والبيان .

وكيف تراجعت مصر هذا التراجع المشين فى العام 2024 اى بعد اربعة وثمانين عاما وفى ظل طغيان الميديا ، ليعجز المرء عن تعداد قادة للفكر والبيان والسياسة يجاوز عدد اصابع اليد الواحدة .

ان ما يحدث مرعب وخطير ، ويثير القلق على مستقبل بلادنا التى اختفى منها القادة السياسين والادباء والمثقفين والفلاسفة وقادة الراى العظام ، امتنا فى خطر .