الأممية الاشتراكية والنضال ضد الصهيونية والإمبريالية.


طلعت خيري
2024 / 4 / 3 - 11:11     

وأقيمتا الليلة محاضرة تحت عنوان ليون تروتسكي والنضال من أجل الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين . إنه جزء من سلسلة من الأحداث داخل الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي لإحياء الذكرى المئوية لتأسيس المعارضة اليسارية في الاتحاد السوفيتي في أكتوبر 1923 تحت قيادة ليون تروتسكي. كان هذا بمثابة بداية النضال السياسي الأكثر أهمية في القرن العشرين، أي النضال الذي قاده ليون تروتسكي ضد الانحطاط البيروقراطي للحزب الشيوعي والدولة السوفيتية في ظل النظام الستاليني، وخيانة البرنامج والمبادئ الدولية والتي قامت عليها ثورة أكتوبر 1917.

عندما أقول أن هذا هو الصراع الأكثر أهمية، اسمحوا لي أن أصيغ الأمر بهذه الطريقة. لو كانت نتيجة تلك المعركة مختلفة، لو أنها انتهت بانتصار الفصيل التروتسكي وهزيمة الستالينية، لكان القرن العشرين هو القرن الذي تم فيه تأمين انتصار الثورة الاشتراكية العالمية. ففي محاضرة ألقيتها في أواخر العقد العاشر من القرن الناضي ، أجبت على الادعاء القائل بأنه لا يوجد بديل للستالينية، وأن الثورة الروسية حُكم عليها بالفشل منذ البداية. كان هذا هو التقييم الذي أبداه إريك هوبسباوم، المؤرخ البريطاني الشهير الذي أمضى 60 عاماً في الحزب الشيوعي البريطاني وكان لديه مصلحة سياسية وفكرية راسخة في إنكار إمكانية وجود بديل للستالينية. لقد كانت وسيلة لتبرير سياساته الخاصة.

لكن هذه ليست هي القضية. كان للقضايا التي دارت رحاها في العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين تأثير عميق على مسار القرن الماضي، وبالتالي على الظروف التي نعيش في ظلها اليوم. كان لهزيمة تروتسكي في الاتحاد السوفييتي، وانتصار الستالينية، تأثير كارثي على نتيجة الصراع الطبقي في ألمانيا. لقد ثبتت صحة النقد الذي وجهه تروتسكي للسياسات التي اتبعها الحزب الستاليني في ألمانيا وصدقت تحذيراته من خطر الفاشية، وانتقاداته للسياسات اليسارية المتطرفة للحزب الشيوعي إذ كان من الممكن إيقاف هتلر. دعا تروتسكي إلى تشكيل جبهة موحدة للحزبين الاشتراكيين الديمقراطيين والشيوعيين، الحزبين الجماهيريين للطبقة العاملة الألمانية. لقد كتب أنه لا يوجد شيء أكثر أهمية من هزيمة هتلر، وحذر من أن هزيمة الطبقة العاملة ووصول هتلر إلى السلطة سيكونان كارثة عالمية ذات أبعاد لا يمكن تصورها. وحذر تروتسكي كذلك من أن إحدى تلك الكوارث ستكون إبادة يهود أوروبا.

وتم تجاهل تلك التحذيرات. وصل هتلر إلى السلطة، وكانت العواقب مروعة. أدى ذلك إلى إطلاق سلسلة من الأحداث التي لا تزال فاعلة في الوضع السياسي الذي نعيشه اليوم. لولا انتصار هتلر، ولولا انتصار الفاشية، لما كانت هناك حركة صهيونية جماهيرية، ولم تكن لتوجد هجرة جماعية لليهود إلى فلسطين. وأحد العوامل الرئيسية وراء الأزمة المتصاعدة التي نشهدها الآن ما كان ليكون قائماً بكل بساطة.

إن انتصار الطبقة العاملة الألمانية، بمعنى وصول الطبقة العاملة إلى السلطة في الدولة الصناعية الأكثر تقدماً في أوروبا، كان من شأنه أن يكون بالتأكيد معلماً رئيسياً في تقدم الاشتراكية في جميع أنحاء العالم.

كانت الخطة الأولية لهذه المحاضرة هي استعراض الأحداث والقضايا التاريخية التي أدت إلى تأسيس المعارضة اليسارية، وشرح أهمية استيعاب دروس هذا التاريخ لفهم الوضع العالمي الحالي والتنمية الاستراتيجية الاشتراكية الثورية في العالم المعاصر.

ولكن، كما أعتقد أنكم جميعاً تقدرون ذلك، فإن الأحداث الجارية تتطلب تغييراً إلى حد ما في هيكل عرض الليلة. سأبدأ بمناقشة الوضع ثم أبدأ من هناك لتوضيح ارتباطه بالقضايا الحاسمة للنظرية الماركسية والمنظور السياسي والبرنامج الاشتراكي التي كانت في قلب النضال الذي خاضته المعارضة اليسارية ضد الستالينية.


إننا نشهد الآن أكبر أزمة دولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هناك حربان مستعرتان: في أوكرانيا وغزة. في الواقع، من الأصح القول أن هاتين جبهتي قتال في حرب عالمية ثالثة تتصاعد بسرعة، والتي سيتجاوز نطاقها وشراستها، ما لم توقفها حركة جماهيرية مناهضة للحرب من جانب الطبقة العاملة الدولية، ما كانت عليه الحرب العالمية الأولى. (1914-1918) والحرب العالمية الثانية (1939-1945). وحتى ونحن مجتمعين هنا، تعمل الولايات المتحدة على تجميع قوة عسكرية ضاربة ضخمة في البحر الأبيض المتوسط، بقيادة حاملتي طائرات. وتهدد إدارة بايدن بالتدخل إذا اشتد القتال بين إسرائيل وحزب الله، وهذا قد يؤدي إلى حرب بين الولايات المتحدة وإيران.

لقد ربط الرئيس بايدن، في الخطاب الذي ألقاه الأسبوع الماضي لدى عودته من إسرائيل، بشكل واضح بين الحربين في أوكرانيا وغزة. وطالب بمبلغ إضافي قدره 105 مليار دولار من الإنفاق العسكري، بالإضافة إلى تريليون دولار تم تخصيصها بالفعل لعام 2023 ، وأصر على أن كلا الحربين مهمتين لـ الأمن القومي للولايات المتحدة، وهو ما قصد به المصالح الجيوسياسية العالمية للإمبريالية الأمريكية.

وباستخدام وكلائها الأوكرانيين، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو بالتحريض وشن حرب إمبريالية ضد روسيا هدفها تغيير النظام، وتحطيم البلاد، وإعادة تقسيم شظاياها بين قوى الناتو، تحت إشراف الولايات المتحدة ونهب ثرواتها الهائلة.

وكما توضح المواجهة التي تلوح في الأفق مع إيران، فإن الهجوم الإسرائيلي ضد السكان المسجونين في غزة يشكل امتداداً للحرب العالمية. إن الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي اتخذ أبعادً إبادة جماعية، يهدف إلى القضاء على المقاومة الفلسطينية ضد النظام الصهيوني. وبينما تستخدم الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لغة وأساليب الإبادة، فمن المناسب تماماً وصف هذه الحرب بأنها الحل النهائي للقضية الفلسطينية من منظور النظام الصهيوني.

و تحظى حرب الإبادة هذه بدعم جميع الحكومات الإمبريالية الكبرى. وفي خضم المذبحة المستمرة لشعب غزة، يعلن القادة الإمبرياليون تضامنهم مع إسرائيل. وفي ما أصبح طقساً سياسياً إلزامياً، قام الرئيس بايدن ورئيس الوزراء البريطاني سوناك والمستشار الألماني شولتز برحلة حج إلى إسرائيل. وكان الرئيس الفرنسي ماكرون قد وصل إلى هناك في وقت سابق اليوم.

ويعلن هؤلاء القادة عن تعاطفهم العميق مع الشعب اليهودي ويستحضرون المحرقة النازية كمبرر لدفاعهم عن الهجوم الإسرائيلي على غزة. إن حجم الخداع والنفاق في مثل هذه التصريحات يتجاوز القياس فهم جميعاً الخلفاء السياسيون للحكومات التي نظمت أو تعاونت أو تجاهلت الاضطهاد والقتل الجماعي لليهود بين عامي 1939 و1945 خلال قمع اليهود على يد الطبقة الحاكمة الألمانية، خلال السنوات التي عهدت فيها بالسلطة والدفاع لقد شكلت مصالحها الاقتصادية بالنسبة لأدولف هتلر، علامة مرعبة في تعفن المجتمع الرأسمالي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والتنظيم الصناعي في عملية جمع ونقل وقتل الملايين من البشر. تعاونت الطبقة الحاكمة الفرنسية مع النظام النازي في هذه العملية. تم تسليم ما يقرب من 25 بالمئة من المواطنين اليهود في فرنسا إلى النازيين لإبادتهم.

لم يحتل النازيون بريطانيا العظمى، كما نجا سكانها اليهود الصغار نسبياً من أهوال الإبادة. لكن معاداة السامية التي كانت منتشرة في أوساط الطبقة الحاكمة البريطانية تجلت في معاملتها القاسية للاجئين اليهود من أوروبا المحتلة من قبل النازيين.

تم تصنيف أكثر من 20 ألف يهودي ألماني فروا إلى بريطانيا على أنهم أجانب أعداء ، وتم جمعهم ووضعهم في معسكرات الاعتقال الواقعة في جزيرة آيل أوف مان في البحر الأيرلندي. وقد احتضن أحد مواقع الدفن هذه، المعروف باسم معسكر هاتشينسون، 1200 لاجئ، من بينهم كبار الفنانين والموسيقيين والمثقفين. تم تقديم وصف تفصيلي للسياسة البريطانية للاعتقال الجماعي للاجئين اليهود من النازية في كتاب بعنوان جزيرة الأسرى الاستثنائيين للصحفي سيمون باركين. ولم تعترف الحكومة البريطانية قط عن سوء معاملتها للاجئين اليهود ، ناهيك عن الاعتذار.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن لامبالاة إدارة روزفلت بمصير اليهود هي حقيقة تاريخية ثابتة لا تقبل الجدل. لقد هلك مئات الآلاف من اليهود الأوروبيين الذين كان من الممكن إنقاذهم من غرف الغاز النازية لأنهم مُنعوا من دخول الولايات المتحدة. في عام 1939، رفضت الولايات المتحدة السماح لـ 900 لاجئ يهودي بالنزول من سفينة MS St. Louis. وأجبروا على العودة إلى أوروبا. وقُتل المئات من هؤلاء اللاجئين على يد النازيين بعد ذلك. حتى بعد أن أصبح من المعروف أن ألمانيا النازية كانت تقتل آلاف اليهود بالغاز كل يوم، فقد تم رفض الإجراءات العسكرية التي كان من الممكن اتخاذها لعرقلة نقل اليهود إلى معسكرات الإبادة، مثل قصف خطوط السكك الحديدية المؤدية إلى أوشفيتز.

فهل كان الندم المتأخر على فشلها في إنقاذ اليهود من الإبادة الجماعية الهتلرية هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى الدفاع عن إنشاء إسرائيل؟ تفاخر بايدن الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس هاري ترومان، كانت أول دولة تعترف بدولة إسرائيل عند إنشائها عام 1948. لكن قرار ترومان لم يكن مدفوعًا بأي تعاطف شخصي مع الشعب اليهودي.

فعلى الرغم من تعصبه المعادي للسامية جيد التوثيق، كانت سياسة ترومان تُحدد وفق ما اعتبره أفضل مصالح الإمبريالية الأمريكية و في المقام الأول، إزاحة بريطانيا كقوة إمبريالية رئيسية في الشرق الأوسط، وفي النهاية، استخدام إسرائيل بوصفها كلب الهجوم الإقليمي الرئيسي لواشنطن.

وهذا هو الدور الذي لعبته طيلة تاريخها الذي يبلغ 75 عاماً تقريباً. وكما كرر بايدن بصراحة ملحوظة في خطابه أمام البرلمان الإسرائيلي: لقد قلت منذ فترة طويلة: لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا أن نخترعها . أصبحت الخدمات التي تقدمها إسرائيل كدولة عميلة للإمبريالية الأمريكية أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لإمبريالية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الوقت الذي تستعد فيه لعمليات عسكرية ضد إيران.

لا يمكن للمرء أن يفشل في الإشارة إلى أن الدعم الذي لا جدال فيه لإسرائيل يمضي جنباً إلى جنب مع التحالف المفتوح بين القوى الإمبريالية مع النظام في أوكرانيا، الذي كان بطله القومي الرئيسي، ستيبان بانديرا، فاشياً شريراً ومعادياً للسامية، وزعيم منظمة القوميين الأوكرانيين ( OUN)، التي تعاونت مع النازيين في إبادة يهود أوكرانيا.

كما سافرت جيورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا الفاشية، التي ترجع نسبها السياسي إلى بنيتو موسوليني، إلى إسرائيل، معلنة تضامنها مع النظام الصهيوني عندما وقفت إلى جانب نتنياهو.

وفي الشهر الماضي، وقف جميع أعضاء البرلمان الكندي، وكذلك رئيس الوزراء جاستن ترودو والسفير الألماني، على أقدامهم ليصفقوا للفاشي الأوكراني ياروسلاف هونكا، الذي خدم في فافن إس إس كحليف للنازيين في النازيين ضد الاتحاد السوفييتي.


إن التعاون الصارخ بين القوى الإمبريالية مع الفاشيين الأوكرانيين، الذي شمل، لا سيما في ألمانيا، شمل بذل جهود متواصلة لإضفاء الطابع النسبي على جرائم النظام النازي وتبريرها، لم يوقف الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبالطبع الصهاينة. ويجب على النظام، من إلقاء تهمة معاداة السامية على كل من يفضح أو يدين أو حتى يشكك في انتهاك إسرائيل الهمجي للحقوق الديمقراطية الفلسطينية.

فطوال جولته العالمية الأخيرة، تعرض الموسيقار الأسطوري روجر ووترز لهجوم لا هوادة فيه واتُهم بمعاداة السامية لأنه تحلى بالشجاعة للدفاع عن الشعب الفلسطيني. وكل من يعرف أعمال روجر ووترز يعرف جيداً أنه أحد أهم الفنانين الذين يقفون في طليعة النضال من أجل حقوق الإنسان، وأن معارضته لسياسات النظام الإسرائيلي لا علاقة لها على الإطلاق بمعاداة السامية.

منذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر كحركة رجعية قوية، في البداية في فيينا تحت قيادة عمدة المدينة كارل لويغر، فُهمت معاداة السامية على أنها سلاح للنضال السياسي والأيديولوجي ضد الطبقة العاملة الناشئة والحركة الاشتراكية. لقد تم الاعتراف على نطاق واسع بالعلاقة بين كراهية معاداة السامية لليهود وكراهية الاشتراكية والحركة العمالية.

وقد وجد هذا الارتباط الخبيث تعبيره الأكثر خبثاً في رؤية أدولف هتلر للعالم وفي سياساته. واستناداً إلى قراءة متأنية لكتاب هتلر كفاحي، أوضح الصحفي كونراد هايدن، أحد أوائل كتاب السيرة الذاتية لهتلر، أن مصدر معاداة السامية العنيفة للزعيم النازي كان تعريفه لليهود بوصفهم أنصارالطبقة العاملة والاشتراكية. كتب هايدن:

أشرق عليه النور العظيم. وفجأة أصبحت المسألة اليهودية واضحة... ولم تصده الحركة العمالية لأنها كانت بقيادة اليهود؛ وصده اليهود لأنهم قادوا الحركة العمالية. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: لم يكن روتشيلد، الرأسمالي، بل كارل ماركس، الاشتراكي، هو الذي أشعل معاداة السامية لدى أدولف هتلر.

وماذا عن الحركة العمالية التي أثارت كراهية هتلر؟ لقد احتقر قبل كل شيء النداءات المطالبة بالمساواة بين جميع الناس. كما كتب هايدن:

أحد أكثر انتقادات هتلر المميزة للحركة العمالية هو أنها ناضلت في النمسا من أجل المساواة في الحقوق للجميع، على حساب العرق الرئيسي الذي اختاره الله.

ولكن الآن، ولخدمة مصلحة الإمبريالية، اكتسبت معاداة السامية معنى جديد بالكامل. يتم استخدامها ككلمة بذيئة لإدانة وتشويه سمعة أولئك الذين يناضلون من أجل الحقوق الديمقراطية والمساواة الإنسانية وبالطبع الاشتراكية.

هناك عنصر آخر في الحملة الدعائية يلعب الآن دوراً مركزياً في إضفاء الشرعية على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين. إن الاختراق الذي شهدته غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، الذي قادته حماس وأدى إلى مقتل ما يقرب من 1500 إسرائيلي، لا يتم تقديمه إلا بوصفه عمل إجرامي همجي، وهو تجسيد لما وصفه بايدن في عدة مناسبات بأنه الشر المحض الخالص .

إن مقتل هذا العدد الكبير من الأبرياء حدث مأساوي، لكن المأساة تضرب بجذورها في أحداث تاريخية موضوعية وظروف سياسية جعلت مثل هذا الحدث حتمياً. وكما هو الحال دائماً، تعارض الطبقات الحاكمة كل إشارة إلى أسباب الانتفاضة. ويجب عدم ذكر مجازرهم ونظام القمع الدموي برمته الذي يترأسونه بلا رحمة.

لماذا ينبغي لأي شخص أن يتفاجأ بأن عقوداً من القمع الذي مارسه النظام الصهيوني أدت إلى انفجار منفلت للغضب؟ لقد حدث ذلك في الماضي، وطالما تعرض البشر للاضطهاد والمعاملة الهمجية، وهو سيحدث في المستقبل. لا يمكن أن نتوقع من أولئك الذين يعانون من القمع، خلال تمرد يائس، عندما تكون حياتهم على المحك، أن يعاملوا معذبيهم بلطف وحنان. غالباً ما تميزت مثل هذه التمردات بأعمال انتقامية قاسية ودموية.

وتتبادر إلى ذهني أمثلة عديدة مثل تمرد السيبوي في الهند، وانتفاضة هنود داكوتا ضد المستوطنين، وتمرد الملاكمين في الصين، وتمرد الهيريرو في جنوب غرب أفريقيا، وفي الآونة الأخيرة، انتفاضة ماو ماو في كينيا. وفي كل هذه الحالات، تم إدانة المتمردين باعتبارهم قتلة بلا قلب وشياطين، وتعرضوا لعقاب فظيع. وكان لا بد أن تمر عقود، إن لم يكن قرناً أو أكثر، قبل أن يتم تكريمهم متأخراً كمناضلين من أجل الحرية.


في شرح أسباب الحرب الأهلية الأمريكية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 700 ألف شخص، تحدث لينكولن عن المأساة باعتبارها نتيجة 250 عاماً من العبودية، واستشهد بكلمات متى: ويل للعالم من العثرات، لأنه العثرات حتمية، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يتعرض لعثرة . وفي حالة الفلسطينيين وشعب غزة، جاءت الجريمة من الدولة الصهيونية ورعاتها الإمبرياليين.

التاريخ الطويل للمذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين، والتي بدونها لم يكن من الممكن تأسيس دولة إسرائيل، مستبعد من إدانة حماس والفلسطينيين. وحتى الأحداث الأخيرة، مثل قيام جنود إسرائيليين بإطلاق النار على أكثر من 200 من سكان غزة في عام 2018 أثناء تظاهرهم سلمياً على الجانب الخاص بهم من الحدود، تم إبعادها عن السرد الإعلامي.

واليوم فقط، قال جون كيربي، المتحدث باسم إدارة بايدن، على وجه التحديد، إن الولايات المتحدة تعارض وقف إطلاق النار. واعترف بأن العديد من المدنيين سيموتون، لكنه قال إن هذا هو الحال. وبفعله هذا، فقد قوض الأساس الكامل لإدانته لحماس. لقد كان يقول ببساطة: نعم، يموت المدنيون في عمل عسكري، لكن لا بأس إذا قُتل هؤلاء المدنيون على يد الإسرائيليين. إنه مجرد مثال على الشر المحض إذا مات مدنيون في خضم العمل العسكري الذي يقوم به الفلسطينيون .

لقد سُئلنا لماذا لم ندن حماس بسبب أعمال العنف التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. والإجابة هي أننا لن نشارك أو نضفي أي شرعية على السخرية الرجعية والنفاق الذي يدين مقاومة القمع، أو الذي يرسم علامة المساواة بين الطرفين. العنف العرضي للمضطهدين، والعنف الأكبر بكثير والذي لا هوادة فيه والمنهجي الذي يمارسه المضطهِد.

ويتفاقم هذا النفاق بحقيقة أن مؤسسي دولة إسرائيل كان من بينهم إرهابيون لم يعانوا من أي ندم بشأن تنظيم تفجيرات وتنفيذ جرائم قتل سعياً لتحقيق أهدافهم السياسية.

في فيلم الخروج ، الذي تم إنتاجه عام 1960 تمجيداً لإقامة دولة إسرائيل، كان أحد الشخصيات الرئيسية، أحد أكثر الشخصيات صدقاً بطريقة غريبة ، فهو زعيم مجموعة إرهابية من الصهاينة. لقد شرح وبرر، بصراحة شديدة، استخدام الإرهاب. تم تقديم هذا الرجل في الفيلم كشخصية ربما مضللة، لكنها لا تزال شخصية بطولية. كان هذا الرقم بمثابة إعادة خلق لزعيم المنظمة الإرهابية الصهيونية سيئة السمعة المعروفة باسم ليهي، المعروفة أيضا باسم عصابة شتيرن، التي كتب مؤسسها، أبراهام شتيرن:

القوة هي التي تحدد دائماً مصير الأمم… لقد تم تحديد مصير أرض إسرائيل دائماً بالسيف، وليس بالدبلوماسية. العدالة الوحيدة في العالم هي القوة، وأعز الأصول في العالم هي الحرية. إن الحق في الحياة لا يمنح إلا للأقوياء، والسلطة، إذا لم تُمنح بشكل قانوني، فيجب أن تُنتزع بطريقة غير قانونية.

كان القائد العملياتي لعصابة شتيرن هو إسحق شامير، الذي أمر في عام 1948 باغتيال الكونت فولك برنادوت، وسيط الأمم المتحدة الذي تم تكليفه بالتفاوض على تسوية للحرب التي أعقبت إعلان الدولة الإسرائيلية. ما هي العقوبة التي تلقاها شامير لقتله وسيط الأمم المتحدة؟ وفي السنوات التي تلت استقلال إسرائيل، شغل منصبا ًرفيع المستوى في الشرطة السرية للدولة، الموساد. وفي عام 1983، أصبح شامير رئيساً لوزراء إسرائيل. وانتهت فترة ولايته الأولى في عام 1984. لكنه استعاد منصبه في عام 1986 وظل رئيساً للوزراء حتى عام 1992. وتوفي في عام 2011 عن عمر يناهز 96 عاماً، وأشاد جميع قادة الدولة الإسرائيلية بالإرهابي الذي لا يرحم.

إن انتقاداتنا لحماس ذات طابع سياسي، وليست أخلاقية منافقة. إنها حركة وطنية برجوازية، والأساليب التي تلجأ إليها، بما في ذلك عملية عسكرية مثل تلك التي نفذت في 7 أكتوبر، لا يمكن أن تؤدي إلى هزيمة النظام الصهيوني وتحرير الشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك، وبقدر ما تعتمد حماس على رعاية هذا النظام أو ذاك من الأنظمة البرجوازية في الشرق الأوسط، فإن نضالها ضد الدولة الصهيونية سيظل دائماً خاضعاً لمصالح النخب الرأسمالية الحاكمة في المنطقة، وبالتالي لمصالح مناورات رجعية مع النظام الإسرائيلي والإمبريالية العالمية.

وفي التحليل النهائي، لا يمكن تحقيق تحرير الشعب الفلسطيني إلا من خلال النضال الموحد للطبقة العاملة، العربية واليهودية، ضد النظام الصهيوني وكذلك الأنظمة الرأسمالية العربية والإيرانية الخائنة، واستبدالها باتحاد الدولتين وقيام الجمهوريات الاشتراكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بل وفي العالم أجمع.

هذه مهمة عملاقة. لكنه المنظور الوحيد الذي يقوم على تقييم صحيح للمرحلة الحالية من تاريخ العالم، وتناقضات وأزمات الرأسمالية العالمية وديناميكية الصراع الطبقي الدولي. إن الحروب في غزة وأوكرانيا هي تظاهرات مأساوية للدور والعواقب الكارثية للبرامج الوطنية في حقبة تاريخية تتمثل خصائصها الأساسية والمحددة في أولوية الاقتصاد العالمي، والطابع التكاملي العالمي للقوى الإنتاجية للرأسمالية، وبالتالي، ضرورة تأسيس نضال الطبقة العاملة على استراتيجية أممية.

ولا يقل هذا المنظور أهمية بالنسبة للطبقة العاملة الإسرائيلية. ونظراً للوضع الحالي، حيث يتم استخدام القوة العسكرية للدولة الصهيونية لسحق المقاومة الفلسطينية، يتركز الاهتمام، وهذا صحيح، على جرائم النظام الإسرائيلي.

ولكن من الخطأ السياسي أن نتغاضى عن حقيقة مفادها أن إنشاء الدولة الصهيونية لم يكن مأساة للفلسطينيين فحسب؛ لقد كان ولا يزال مأساة للشعب اليهودي أيضاً. لم تكن الصهيونية قط، وليست اليوم، حلاً للقمع والاضطهاد التاريخي للشعب اليهودي. لقد قام المشروع الصهيوني منذ نشأته على فكر وبرنامج رجعيين وطرح تحليلاً زائفاً لمصدر معاداة السامية، الذي منحته طابعاً دائم وفوق تاريخي، وبالتالي، لم يسع قط، بل عارض في الواقع، الإطاحة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للرأسمالية التي كانت وما زالت قائمة وهي مصدر معاداة السامية السياسية الحديثة.

فبدءاً من ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية الحديثة، كان مفهوم الدولة اليهودية موجهاً ضد البرنامج الاشتراكي الذي كان يكتسب أرضاً بشكل مطرد بين جماهير العمال اليهود في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وفي معارضتها للتضامن العالمي للطبقة العاملة باعتباره الطريق لتحرير اليهود، راهنت الصهيونية بمستقبلها على التحالف مع هذ القوة الرجعية أو تلك. ففي رسالة مفتوحة كتبت عام 1944، موجهة إلى مؤتمر لحزب العمال البريطاني، أوضح التروتسكيون في فلسطين ما يلي:

لقد دعمت الصهيونية طوال تاريخها القوى الرجعية في العالم. سبق أن عقد الدكتور هرتزل، مؤسس الصهيونية، صفقة مع الوزير القيصري بليهفي (منظم المذبحة ضد يهود كيشينيف) مفادها أن يتم استخدام الحركة الصهيونية كرافعة ضد الاشتراكيين اليهود، مقابل أن يتخلى بليهفي عن موقفه ضد اليهود. استخدم الوزير نفوذه لدى السلطان العثماني للحصول على ميثاق للصهيونية بشأن فلسطين.

في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، قبل تأسيس دولة إسرائيل، تركزت استراتيجية القادة الصهاينة على التحالف مع الإمبريالية البريطانية. وقد هلل الصهاينة لإعلان وزير الخارجية بلفور عام 1917، الذي تعهد فيه بدعم إقامة ملاذوطني لليهود في فلسطين، باعتباره التعبير الأسمى الذي لا رجعة فيه عن شرعية مشروعهم. وبطبيعة الحال، لم يتم استشارة الفلسطينيين ولم يكن لهم رأي في الأمر.

ولم يكن ذلك مصدر قلق للصهاينة، الذين فهموا جيداً أن مشروعهم كان قابلاً للتطبيق فقط إلى الحد الذي يخدم فيه إنشاء دولة يهودية غير عربية المصالح الإمبريالية. وهذا ما صرح به بوضوح ملحوظ فلاديمير جابوتنسكي، زعيم الجناح الفاشي للحركة الصهيونية ومعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقبلي مناحيم بيغن. كتب جابوتنسكي:

ولست بحاجة إلى الخوض في الحقيقة البديهية المعروفة جيداً حول أهمية فلسطين من وجهة نظر المصالح الإمبراطورية البريطانية؛ ولا يسعني إلا أن أضيف أن صلاحيتها تعتمد على شرط أساسي واحد وهو أن تتوقف فلسطين عن كونها دولة عربية. تعود جذور عيوب معاقل إنجلترا بأكملها في البحر الأبيض المتوسط إلى حقيقة أنها (باستثناء مالطا الصغيرة) كلها مأهولة بسكان تقع مراكزهم المغناطيسية الوطنية في مكان آخر، وبالتالي فهم ميالون للابتعاد عن المركز بشكل عضوي وغير قابل للشفاء. إن إنجلترا تحكمهم رغماً عنهم، وهذا حكم محفوف بالمخاطر في ظل الظروف الحديثة..... ... إذا ظلت فلسطين عربية، فإن فلسطين ستسير في فلك المصائر العربية: الانفصال، ثم اتحاد الدول العربية، وإزالة كل آثار النفوذ الأوروبي. لكن فلسطين ذات أغلبية يهودية، فلسطين كدولة يهودية، محاطة من جميع الجوانب بالدول العربية، ستسعى دائماً، من أجل الحفاظ على كيانها ، إلى الاعتماد على إمبراطورية قوية، غير عربية وغير محمدية. ويكاد يكون هذا أساساً من العناية الإلهية لتحالف دائم بين إنجلترا وفلسطين اليهودية (لكن اليهودية فقط).

تم تقويض التحالف الصهيوني مع الإمبريالية البريطانية بسبب اقتراب الحرب العالمية الثانية واندلاعها، الأمر الذي أجبر الحكومة في لندن على تعديل سياساتها في الشرق الأوسط، مما حد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وردت شرائح من الحركة الصهيونية بهجمات عنيفة على منشآت بريطانية، شملت بالمناسبة شنق جنديين بريطانيين وتفجير فندق الملك داود. لكن التحالف مع الإمبريالية استمر. وعملت إسرائيل، بعد تأسيسها عام 1948، كحليف أساسي لنضال الإمبريالية البريطانية والفرنسية ضد المد المتصاعد للقومية العربية. وفي عام 1956، انضمت إسرائيل إلى بريطانيا وفرنسا في غزو مصر بهدف الإطاحة بالنظام القومي بقيادة عبد الناصر واستعادة السيطرة على قناة السويس. ومع ذلك، بعد أن أجبرت الولايات المتحدة بريطانيا وفرنسا على إنهاء الحرب وسحب قواتهما من مصر، أعطت إسرائيل الأولوية لعلاقتها مع الإمبريالية الأمريكية.

إن الحفاظ على دولة الفصل العنصري اليهودية، وقمع الشعب الفلسطيني بعنف وفي الوقت نفسه الانحراف نحو الفاشية داخل إسرائيل نفسها، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بدورها كمحور للإمبريالية في الشرق الأوسط. وباعتبارها حامية مسلحة على نطاق واسع للإمبريالية الأمريكية، يجب استخدامها في جميع الحروب التي تحرض عليها واشنطن، مع ما يترتب على ذلك من عواقب كارثية في نهاية المطاف.

ففي ديسمبر 1938، حذر تروتسكي من أن انتشار الفاشية والاندلاع الوشيك لحرب عالمية إمبريالية ثانية يشكل تهديداً وجودياً للشعب اليهودي. وكتب: من الممكن أن نتخيل دون صعوبة ما ينتظر اليهود عند اندلاع الحرب العالمية المستقبلية. ولكن حتى بدون حرب، فإن التطور التالي لرد الفعل العالمي يعني بالتأكيد الإبادة الجسدية لليهود . و في يوليو 1940، بعد عام واحد من بدء الحرب العالمية الثانية، أعلن تروتسكي: يمكن الآن رؤية محاولة حل المسألة اليهودية من خلال هجرة اليهود إلى فلسطين على حقيقتها، وهي استهزاء مأساوي بالشعب اليهودي. … لم يكن من الواضح أبداً كما هو الحال اليوم أن خلاص الشعب اليهودي مرتبط بشكل لا ينفصم بالإطاحة بالنظام الرأسمالي .


أسفرت الحرب العالمية الثانية عن إبادة 6 ملايين يهودي. ولكن في أعقاب تلك الكارثة، تحققت السخرية المأساوية من الشعب اليهودي التي حذر منها تروتسكي في تحويل شعب مضطهد تاريخياً إلى مُضطهِد. وبطبيعة الحال، فإن شريحة واسعة من السكان اليهود في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك داخل إسرائيل نفسها، تتراجع عن مثل هذه الهوية وهم لا يريدون قمع أحد. لكن البرامج السياسية، القومية، لها عواقب لا تحددها مجرد نوايا ذاتية.

كان إنشاء الدولة الصهيونية نتيجة مباشرة لهزائم الطبقة العاملة في العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي بسبب خيانة الستالينية والديمقراطية الاجتماعية. فلولا حشود النازحين والناجين من معسكرات الاعتقال النازية، ولولا الإحباط السياسي وفقدان الثقة بالمنظور الاشتراكي، لما كان لدى القادة الصهاينة تحت تصرفهم الأعداد اللازمة من الناس لشن حرب إرهابية ضد الشعب الفلسطيني، و طرده الفلسطينيين من منازلهم وقراهم، وإنشاء دولة قومية يهودية من خلال أساليب إجرامية من حيث الجوهر.

ولكن الآن، وبعد 75 عاما، تم تأكيد تقييم تروتسكي البعيد النظر للصهيونية باعتبارها سخرية مأساوية . كان جوهر تلك المأساة هو احتضان الدولة القومية في مرحلة من التاريخ حيث أصبح هذا الشكل من التنظيم السياسي بالفعل العقبة الرئيسية أمام التنمية الاجتماعية التقدمية. وفي مقال بعنوان رسالة اليهودي غير اليهودي ، وصف إسحاق دويتشر، كاتب سيرة تروتسكي، إنشاء إسرائيل بأنه الاكتمال المتناقض للمأساة اليهودية . وأوضح أن الأمر انطوى على مفارقة، لأننا نعيش في عصر تتحول فيه الدولة القومية بسرعة إلى فكرة قديمة، ليس فقط الدولة القومية لإسرائيل، بل أيضاً الدول القومية في روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وكل أوروبا وغيرها. كلها مفارقات تاريخية . لقد انتهت الفترة التاريخية التي كانت فيها الدول القومية عاملاً تقدمياً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للإنسان. وبما أن هذا ينطبق على الدول القومية القديمة الراسخة، فإنه ينطبق أيضاً على الدول الجديدة التي تشكلت على أساس النضال ضد الاستعمار في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد كتب دويتشر:

وحتى تلك الدول القومية الفتية التي نشأت نتيجة للنضال الضروري والتقدمي الذي خاضته الشعوب المستعمرة وشبه المستعمرة من أجل التحرر، في الهند وبورما وغانا وغيرها، فلا يمكنها، في رأيي، الحفاظ على طابعها التقدمي لفترة طويلة. إنها شكلت مرحلة ضرورية في تاريخ بعض الشعوب؛ ولكنها مرحلة يتعين على تلك الشعوب أيضاً تجاوزها من أجل إيجاد أطر أوسع لوجودها. في عصرنا، تبدأ أي دولة قومية جديدة، بعد وقت قصير من تشكيلها، في التأثر بالانحدار العام لهذا الشكل من التنظيم السياسي؛ وهذا يظهر نفسه بالفعل في التجربة القصيرة للهند وغانا وإسرائيل. لقد أرغم العالم اليهودي على اعتناق الدولة القومية وجعلها مصدر فخره وأمله في وقت لم يعد فيه أي أمل. لا يمكنك لوم اليهود على هذا؛ يجب عليك إلقاء اللوم على العالم. ولكن يتعين على اليهود على الأقل أن يدركوا هذه المفارقة وأن يدركوا أن حماستهم الشديدة لـ السيادة الوطنية جاءت متأخرة تاريخياً. فهم لم يستفيدوا من مزايا الدولة القومية في تلك القرون التي كانت فيها وسيلة لتقدم البشرية وعاملاً ثورياً وتوحيدياً عظيماً في التاريخ. ولم يمتلكوها إلا بعد أن أصبحت عاملاً للفرقة والتفكك الاجتماعي. وباستحضار مثال سبينوزا، وماركس، وهاينه، وتروتسكي، ولوكسمبورغ، اختتم دويتشر مقالته بالإعراب عن أمله في أن يصبح اليهود، جنباً إلى جنب مع الأمم الأخرى، واعين في نهاية المطاف، أو يستعيدون الوعي، لواقع عدم كفاية الدولة القومية وأنهم سيجدون طريقهم للعودة إلى التراث الأخلاقي والسياسي الذي ابتكرته عبقرية اليهود الذين تجاوزوا اليهودية و تركوا لنا رسالة التحرر الإنساني العالمي.

عند هذه النقطة يمكننا العودة إلى أهمية الذكرى المئوية للتروتسكية في سياق الأزمة العالمية الحالية. تعلقت القضايا المحددة التي أدت إلى تشكيل المعارضة اليسارية، كما تم شرحها في إعلان الـ 46 المقدم إلى المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي في 15 أكتوبر 1923، بتعميق الاقتصاد في مواجهة الأزمة التي واجهها الاتحاد السوفييتي وتدهور الديمقراطية داخل الحزب نتيجة لتزايد ثقل البيروقراطية في كل من الدولة السوفييتية والحزب الشيوعي.

وكانت القضايا التي أثيرت في الإعلان ذات أهمية كبيرة. ولكن، كما أصبح واضحاً بشكل متزايد مع تطور الصراع في الأسابيع والأشهر والسنوات التي تلت ذلك، كان السبب الأساسي للصراع السياسي هو مفهومين متعارضين بشكل لا يمكن التوفيق بينهما حول أهمية ثورة أكتوبر 1917 وطبيعة العصر التاريخي.

إن الإطاحة بالحكومة البرجوازية المؤقتة وتأسيس أول دولة عمالية كانت مبنية على برنامج ثورة اشتراكية أممية. لم يكن قرار الاستيلاء على السلطة مبنياً على تقييم الظروف الروسية فحسب، بل على أزمة النظام الرأسمالي العالمي كما كشف عنها اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914. كان السبب الأساسي للحرب العالمية والثورة التي اندلعت في روسيا بعد ثلاث سنوات هو التناقض بين الاقتصاد العالمي ونظام الدولة القومية البرجوازية.

كان الحل الرأسمالي الإمبريالي لهذا التناقض هو شن حروب الغزو، والاستيلاء على الأراضي، وإعادة توزيع المستعمرات – أي إعادة تقسيم العالم في حين كان الحل الاشتراكي لهذه الأزمة هو استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، وإلغاء الرأسمالية، وحل نظام الدولة القومية. ولم يكن هذا الحل مخططاً طوباوياً حيث تطورت الثورة الاشتراكية العالمية من نفس التناقضات العالمية التي أدت إلى الحرب العالمية. إن الإستراتيجية التي اتبعها لينين عام 1917، تحت تأثير نظرية الثورة الدائمة التي وضعها ليون تروتسكي خلال العقد السابق، كانت مبنية على هذه الإستراتيجية العالمية. لم يكن العامل الحاسم في صياغة الاستراتيجية البلشفية هو ما إذا كانت روسيا، ككيان وطني، مستعدة للاشتراكية أم لا، أي ما إذا كان مستوى التنمية الاقتصادية الوطنية كافياً للانتقال إلى الاشتراكية. في الواقع، باعتبارها الدولة الأكثر تخلفا ً اقتصادياً بين الدول الرأسمالية الكبرى في ذلك الوقت، لم تكن روسيا مستعدة للاشتراكية. لكن مشاكل التنمية الاقتصادية والسياسية التي واجهت روسيا، في سياق الأزمة العالمية، لا يمكن حلها إلا من خلال الإطاحة بالطبقة الرأسمالية، ونقل السلطة إلى الطبقة العاملة، وبدء إعادة تنظيم الحياة الاقتصادية.على أساس علاقات الملكية الاشتراكية.


ومع ذلك، فإن انتقال الدولة السوفييتية إلى الاشتراكية لا يمكن أن يتحقق من خلال استراتيجية وطنية بحتة. إن مصير الدولة العمالية التي تأسست في أكتوبر 1917 على أساس ثورة بروليتارية بقيادة حزب ماركسي اعتمد على امتداد الثورة إلى ما وراء حدود روسيا إلى المراكز الرأسمالية المتقدمة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.

سادت هذه الرؤية طوال تولي لينين قيادة الحزب البلشفي. وقد وجدت تعبيرها الأكثر تقدماً في تأسيس الأممية الشيوعية عام 1919، التي جمعت مؤتمراتها السنوية الأربعة الأولى ثوريين من جميع أنحاء العالم بغرض تطوير أقسام وطنية قادرة على الاستيلاء على السلطة ودفع الثورة العالمية. لكن تدهور صحة لينين في عام 1922، وابتعاده التام عن النشاط السياسي نتيجة لسكتة دماغية في مارس 1923، ووفاته في يناير 1924، تزامن مع عودة الميول القومية داخل القيادة البلشفية وسهلها.

وعلى نحو متزايد، تم تفسير مشاكل التنمية الاقتصادية في الاتحاد السوفييتي على المستوى الوطني، وليس على المستوى الدولي. وكان هذا الاتجاه مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالوزن والنفوذ المتزايدين لبيروقراطية الحزب والدولة. وكان صعود جوزيف ستالين إلى السلطة تعبيراً عن هذه العملية. وقد هيمن على المراحل الأولى من الصراع بين الفصائل استياء البيروقراطية من انتقادات تروتسكي والمعارضة اليسارية لنظام الحزب. ولكن مع استمرار النضال حتى عام 1924، ظهرت الاختلافات الأساسية والجوهرية بين البرنامجين. أصبح هجوم البيروقراطية على تروتسكي يتركز على نظرية الثورة الدائمة؛ أي على إصراره على العلاقة الجوهرية بين مصير الاتحاد السوفييتي وانتصار الثورة العالمية.

طوال عام 1924، سعى معارضو تروتسكي في القيادة البلشفية ، بقيادة فصيل غير مبدئي مكون من غريغوري زينوفييف وليف كامينيف وستالين،- إلى تشويه سمعة تروتسكي من خلال الادعاء بأن نظريته حول الثورة الدائمة كانت مناهضة لللينينية وأنه أعرب من خلال نظرية الثورة الدائمة عن عدم ثقته بالتزام الفلاحين الروس بالاشتراكية. تم الوصول إلى نقطة حرجة في الصراع المرير على نحو متزايد في 17 ديسمبر 1924، عندما كشف ستالين لأول مرة عن نظرية الاشتراكية في بلد واحد ، مقدماً صراحةً ، في معارضة الثورة الدائمة ، إمكانية الانتقال إلى الاشتراكية في المستقبل على أساس الموارد الروسية، دون توسع الثورة الاشتراكية إلى المراكز المتقدمة للرأسمالية العالمية.


لقد أضفى خطاب ستالين الشرعية على برنامج قومي قطع الصلة بين الثورة الروسية والثورة الاشتراكية العالمية. وكان من المفترض أن يكون له تأثير عميق ليس فقط على السياسة الداخلية للنظام الستاليني إذ غير بشكل أساسي طبيعة الأممية الشيوعية، التي تم تحويلها من أداة لتوسيع الثورة الاشتراكية العالمية إلى وكالة مساعدة للسياسة الخارجية السوفيتية، وتم إخضاع الإستراتيجية السياسية الثورية للمصالح البراغماتية للاتحاد السوفيتي كدولة وطنية. في البداية، أدت السياسة القومية للنظام السوفيتي إلى إرباك أقسام الأممية الشيوعية، مما أدى إلى هزائم كبيرة للطبقة العاملة في بريطانيا والصين وألمانيا.

بحلول منتصف العقد الرابع ، في أعقاب انتصار النازيين والسحق الكامل للطبقة العاملة الألمانية، اكتسبت سياسات الأممية الشيوعية الستالينية طابعاً معادياً للثورة. وكان القضاء على الاشتراكيين في الاتحاد السوفييتي أثناء فترة الإرهاب التي بدأت بمحاكمات موسكو في عام 1936 مصحوباً بالخيانة الستالينية للثورة الاسبانية، الأمر الذي مهد الطريق لاندلاع الحرب العالمية الثانية.

كان نضال المعارضة اليسارية، أولاً وقبل كل شيء، دفاعا ًعن الأممية الاشتراكية واستراتيجية الثورة الاشتراكية العالمية. ف في عام 1930، بعد طرده من الحزب الشيوعي الروسي والأممية الشيوعية ونفيه من الاتحاد السوفييتي، أعاد تروتسكي التأكيد على المسلمات الأساسية لنظرية الثورة الدائمة و كتب:

إن استكمال الثورة الاشتراكية ضمن الحدود الوطنية أمر لا يمكن تصوره. وأحد الأسباب الأساسية للأزمة في المجتمع البرجوازي هو حقيقة أن القوى المنتجة التي خلقها لم تعد قادرة على التوافق مع إطار الدولة الوطنية. ويترتب على ذلك، من ناحية، حروب إمبريالية، ومن ناحية أخرى، يوتوبيا الولايات المتحدة الأوروبية البرجوازية. تبدأ الثورة الاشتراكية على الساحة الوطنية، وتنتشر على الساحة الدولية، وتكتمل على الساحة العالمية. وهكذا تصبح الثورة الاشتراكية ثورة دائمة بالمعنى الجديد والأوسع للكلمة؛ ولا يبلغ اكتماله إلا في النصر النهائي للمجتمع الجديد على كوكبنا بأكمله.

فباتباع منطق الصراع داخل الحزب الشيوعي الروسي، الذي تركز حول القضايا الأساسية للاستراتيجية الثورية العالمية، تجاوز عمل المعارضة اليسارية حدود الاتحاد السوفيتي. ففي عام 1928، خلال المؤتمر السادس للأممية الشيوعية الستالينية، وقع نقد تروتسكي لمسودة البرنامج، الذي كتبه من منفاه المؤقت في ألما آتا في آسيا الوسطى، في حوزة الثوري الأمريكي جيمس ب. كانون. والثوري الكندي موريس سبيكتور. قاما بتهريب الوثيقة إلى خارج الاتحاد السوفييتي، وكان النضال الذي باشراه من أجل برنامج تروتسكي الأممي بمثابة بداية المعارضة اليسارية الأممية. وبعد خمس سنوات، في يوليو 1933، ورداً على الخيانة الستالينية للطبقة العاملة الألمانية وانتصار هتلر، أصدر تروتسكي الدعوة لتشكيل الأممية الرابعة. وفي سبتمبر 1938، انعقد مؤتمرها التأسيسي.

إننا نحتفل الآن بالذكرى المئوية لتأسيس الحركة التروتسكية. إن استمرار هذه الحركة خلال هذه الفترة الممتدة له أهمية موضوعية هائلة. ولا يمكن تفسيره على أنه نتاج التفاني الشخصي للأفراد. أولئك الذين أسسوا هذه الحركة قد رحلوا منذ فترة طويلة. وقد عملت هذه الحركة على نطاق دولي، وكان هذا عادة في ظل أصعب الظروف. لقد كانت أقلية، أقلية صغيرة، في الحركة العمالية، هذا إذا كان لها وجود على الإطلاق. فلماذا استمرت إذن؟

عندما انضممت إلى الحركة التروتسكية في خريف عام 1970، خلال فترة من التطرف الطلابي الكبير والحركات الجماهيرية في جميع أنحاء العالم، كانت السياسة الراديكالية لا تزال تحت سيطرة الستالينيين، والماويين، والكاسترويين. كانت الأحزاب الشيوعية عبارة عن حركات جماهيرية. أشخاص مثل الليندي كانوا أبطال الساعة. لكن ما هو الإرث الذي تركوه؟ وقد تم اجتياحهم جميعا من الواقع. قال تروتسكي، وهو يتحدث عن الحركات الستالينية والتحريفية في عصره، من بين هذه المنظمات التي عفا عليها الزمن، لن يبقى حجر على حجر . و لماذا؟ لأن برنامجهم لم يتوافق مع الخصائص الموضوعية للعصر. لقد كانت محاولات لفرض سياسات زائفة، سياسات قومية إلى حد كبير، سياسات إصلاحية، لم تتمكن من الاستجابة لمتطلبات الأزمة الموضوعية.

لا يمكن تفسير استمرار الحركة التروتسكية إلا من خلال حقيقة أن تحليلها يتوافق مع طبيعة العصر، وهو عصر لم يتم تجاوزه. إننا نعيش في نفس العصر التاريخي، وإن كان في مرحلة متقدمة ونهائية للغاية من وجوده، هو عصر الأزمة والاضمحلال الإمبريالي الذي مر به تروتسكي. لقد كانت الثورة الروسية، والحرب العالمية التي سبقتها، نتاج ظهور العصر الإمبريالي. ولم نتجاوزه. ومن اللافت للنظر أوجه التشابه الموجودة بين يومنا هذا ووضعنا الحالي وتلك التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. إن المصطلحات التي نستخدمها هي نفس المصطلحات، وهذا يصبح مهم للغاية في فهم النهج الذي يجب اتباعه في حل المشكلات الحالية.إن الأزمات الاقتصادية الناشئة عن التناقض بين عملية الإنتاج الاجتماعية والملكية ال

رأسمالية الخاصة للقوى الإنتاجية، والصراعات الجيوسياسية الناتجة عن عدم التوافق بين الاقتصاد العالمي المتكامل للغاية ونظام الدولة الوطنية القديم، والعواقب المدمرة لتبعية الجميع المشاكل التي تواجه المجتمع الجماهيري المتقدم إلى تراكم الثروة الشخصية، والتوترات الاجتماعية المتصاعدة الناتجة عن استغلال الطبقة الرأسمالية للعمالة والتركيز الطائش للثروة المذهلة حتى مع جوع جماهير الناس، هي الظروف التي وضعت الثورة الاشتراكية العالمية على الأجندة السياسية.

في الواقع، نحن نشهد في جميع أنحاء العالم موجة متصاعدة من نضال الطبقة العاملة. وسوف تتخذ أبعاداً ذات حجم غير مسبوق في تاريخ العالم. لقد أظهرت أحداث الأسابيع القليلة الماضية مدى سرعة تغير الوعي الاجتماعي، ومدى سرعة تحول الناس إلى التطرف بسبب أحداث لم يتوقعوها.

كان أحد عناصر السنوات الأربعين الماضية، وخاصة في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، هو نوع من اللامبالاة، والملل، والشعور باليأس، والتراجع إلى الفرد، والشخصية، والتركيز والانغلاق على الذات. طُرحت أسئلة تتعلق بالهوية الشخصية، وأسلوب الحياة، والوقت الهائل الذي يقضيه المرء في صالات الألعاب الرياضية، وتحسين شكل الشخص، ومراقبة وزنه، ومراقبة كل جانب من جوانب نشاطه الشخصي الصغير، مع تجاهل الأحداث العظيمة التي تتكشف في كل مكان. وفجأة، ويمكننا أن نرى ذلك في المظاهرات الحاشدة التي تجري في جميع أنحاء العالم، بدأ التغيير.

كتب تروتسكي ذات مرة أنه في فترات الرجعية، يكشف الجهل عن أسنانه. ولكن بعد ذلك تتغير الحياة، وتأتي الأحداث، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن وبعد العديد من التجارب، يظهر الاعتراف بأن العالم قد تغير. لا أحد يصدق الإعلام ودعايته. وأصبح إفلاس جميع الأحزاب السياسية واضحاً إذ إن الرئيس شبه الجاهل الخرف والمتهالك، و قادة الحزب الجمهوري، هم حفنة من رجال العصابات. ليس لدى أي من هذه القوى ما تقوله، والراديكاليون البرجوازيون الصغار، سكان ما بعد الحداثة، المنشغلون بمسألة أو أخرى تتعلق بالهوية الشخصية، المليئون إلى ما لا نهاية بالضغائن والشكاوى، والإدانات لواحد أو آخر من الأخطاء الشخصية، فقدوا أهميتهم في ظل الأحداث.

ما يشغل العالم اليوم هو خطر الحرب العالمية، واستخدام الإبادة الجماعية ضد الأبرياء، والفقر، وتدمير البيئة، والجائحة الهائلة التي تقتل الملايين والتي لا تملك أي حكومة إجابة عليها، ولا حتى بل رأت الحكومة أنه يجب على الناس ارتداء الأقنعة بدلاً من الإصابة بالمرض، لأن حدوث ذلك بطريقة أو بأخرى يعيق تراكم الثروة الشخصية والأرباح. لكن ما يحفز ويغير الظروف العالمية حقًا هو الانبعاث المفاجئ للقوى الاجتماعية الأساسية والقوية، هو الطبقة العاملة كقوة دولية.

ففي معظم حياتكم الصغيرة، لم تسمعوا كثيراً عن الإضرابات، وعن نشاط الطبقة العاملة. في الواقع، كان أحد المفاهيم الأساسية لنظرية ما بعد الحداثة هو أن الروايات التاريخية القديمة التي تركزت على الصراع الطبقي والاشتراكية لم تعد ذات صلة. لكن اليوم، هناك إضرابات في كل مكان، تشمل قطاعات واسعة من الطبقة العاملة، ومن المؤكد أنه أصبح من الواضح أن الصراع الطبقي هو القوة المحركة للتنمية الاجتماعية. وهذا لا يعني أن المشاكل التي تواجه العمال يمكن حلها بسهولة. إنهم يدخلون الصراعات بقيادة فاسدة، ومع منظمات تخونهم، ومع القليل من الفهم لتاريخ الصراع الطبقي، ليس فقط في بلادهم ولكن على المستوى الدولي.

وهنا تكمن الأهمية الهائلة للأممية الرابعة. إن حزبنا هو التعبير المركز عن مجمل التجربة التاريخية للطبقة على مدى عصر كامل. كثيراً ما نُسأل كيف يمكن لموقع الاشتراكية العالمية، الذي يُنشر كل يوم دون فشل لمدة 25 عاماً، أن يُظهر مثل هذه الدقة والبصيرة غير العادية في تقييم الأحداث. نحن لدينا ميزة القدرة على العمل من خلال تجربة تاريخية هائلة، وربط الحاضر بتجربة الماضي، وليس مجرد رؤية الحاضر كتكرار لما حدث، ولكن أن يكون لدينا توجه يسمح لنا بذلك. التركيز على القوى الدافعة الأساسية والأساسية للتنمية السياسية.

إننا نشهد الآن، كما قلت، تطرفاً سياسياً كبيراً وتتمثل مهمتنا في أن نجلب إلى هذه الحركة منظوراً وبرنامجاً يمكّنها من تطوير فهم لمهامها الأساسية. يجب على الطبقة العاملة والشباب الذين يدخلون طريق النضال أن يستوعبوا تجارب القرن الماضي، وأن يدرسوا تاريخ الحركة التروتسكية، وعليك أن تفعل ذلك في خضم النضال. ولذلك، فإنني أحثكم جميعاً على استخلاص النتائج مما يحدث الآن، والنشاط في النضال من أجل الاشتراكية. جهز نفسك بالانضمام إلى حزب المساواة الاشتراكية.

المصدر : رئيس هيئة التحرير الدولية لموقع الاشتراكية العالمية - ديفيد نورث