من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر70


عبدالرحيم قروي
2024 / 4 / 1 - 15:53     


اصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة السبعون والأخيرة
المادية التاريخية
تابع

3– مستقبل الأمم
دللنا في الدرس الثالث والعشرين على أن الأمم لم توجد دائما بل أن الأمم حقيقة تاريخية كونتها البرجوازية على أساس سوق واحدة.
حتى إذا ماحطمت الطبقة العاملة، وبواسطة الثورة، النير الطبقي، حطمت في نفس الوقت، النير القومي: وهكذا تضمن الاشتراكية لجميع الأمم ازدهارا منسجما تاما.
وليس هذا الازدهار نفسه سوى بداية ازدهار أشد روعة هو الازدهار الذي ستوفره الشيوعية للإنسانية جمعاء متى انتصرت في كل مكان.
إذ سيكون من نتيجة انتصار الشيوعية الشامل تكوين اقتصاد عالمي واحد. وهو شرط ضروري لتقديم قوى الإنتاج المطرد. ومن ثم تفقد الحدود الأرضية مغزاها. إذ سوف يقرب ازدياد التبادل المادي والثقافي بين الشعوب. فتسير نحو لغة عالمية واحدة، غنية جداً، لأنها سوف تتولد من اندماج عدة لغات قومية بصورة تدريجية.
متى زالت النزعة الإمبراطورية وولت الطبقات المستغلة، وانقضى عهد الاضطهاد القومي والاستعماري، وحل محل العزلة القومية والربية المتبادلة، الثقة والتقارب بين الأمم، وظهرت المساواة في الحقوق بين الأمم في الحياة، وماتت سياسة الاضطهاد وتمثل اللغات، وتنظيم تعاون الأمم وأمكن اللغات القومية، في تعاونها، أن تغذي بعضها بعضاً... لا يمكن، في مثل هذه الظروف، الحديث عن اضطهاد واندحار بعض اللغات وانتصار البعض الاخر... سنجد أنفسنا أمام مئات اللغات القومية التي سينفصل عنها أولا، بتأثير تعاون اقتصادي وسياسي وثقافي طويل الأمد بين الأمم اللغات الخاصة بكل منطقة من مناطق العالم، ثم سوف تندمج هذه اللغات في لغة واحدة عالمية مشتركة، لن تكون طبعاً الألمانية أو الروسية أو الإنجليزية بل سوف تكون لغة جديدة قد تمثلت أفضل عناصر اللغات القومية ولغات المناطق العالمية .
سوف تكون اللغة الواحد وسيلة ثقافية مشتركة، في محتواها من العواطف والأفكار، وفي صيغتها وتعبيرها، من أجل أولئك الناس الذين أدركوا، في كل مكان. أسمى مرحلة في تطورهم التاريخي وأصبحوا أفرادا في وطن واحد هو وطن الشيوعية الشاملة.
وهكذا نجتاز الحدود القومية.
غير أن المشكلة، في الأيام، ليست مشكلة تجاوز الأمم، بل أن مشكلة الشعوب، اليوم، هي مشكلة تحريرها من النير الرأسمالي وازدهارها الاشتراكي، أجل ازدهارها الاشتراكي، لأن الماركسية حين تتحدث عن "توحيد الأمم" لا تعني بذلك قط فنائها، والطريق إلى الاتحاد هو الازدهار الذي يشترط الانتقال إلى الاشتراكية.
يجب أن ندع الثقافات القومية تنمو وتكشف عن قواها الكامنة لتتوفر الظروف التي تسمح بصهرها في ثقافة واحدة مشتركة، ذات لغة واحدة مشتركة. ويحدث ازدهار هذه الثقافات القومية في صورتها، الاشتراكية في محتواها... من أجل انصارها في ثقافة واحدة اشتراكية "في صورتها ومحتواها، ذات لغة واحدة مشتركة متى انتصرت البروليتاريا في العالم أجمع، وتسربت الاشتراكية إلى العادات. هذه هي جدلية الطريق اللينينية في طرح مشكلة الثقافية القومية .
ملاحظات حول الألزاس والموزيل
يساعدنا مبدأ النزعة العالمية البروليتارية، لوحده، على حل مشكلة الأقليات القومية بصورة صحيحة.
وهذا هو حال سكان مقاطعات ثلاث: الرين الأسفل، الرين الأعلى، والموزيل.
لا يوجد "أمة" ألزاسية بالمعنى الكامل لهذه الكلمة. ولكنا، إذا رجعنا إلى تعريف الأمة العلمي، نلاحظ أن هذه المقاطعات لها وضع خاص.
لا يمكن أن نتحدث عن "وحدة لغوية" مع فرنسا، متى وجدنا البالغين، فوق الأربعين "ما خلا بعض المناطق" والشبان بين 16 – 20 سنة لا يعرفون تقريبا اللغة الفرنسية، كما أن الذين تعلموا الفرنسية لا يتكلمون أن يكتبونها ألا بصعوبة لقلة الممارسة – لأن لغة التخاطب في العائلة وفي العمل هي لهجة أصلها ألماني. ويكفي أن نقارن بين ما تطبعه صحف اللغة الألمانية وبين ما تطبعه صحف اللغة الفرنسية لنتأكد من ذلك.
أما التكوين النفسي، فيصعب علينا أن ننكر أنه يختلف عن التكوين النفسي الفرنسي بسبب الاختلاف اللغوي ولا سيما الاختلاف في تطور الألزاس التاريخي
إذ أن سلسلة من التجارب التاريخية التي قامت بها الأمة الفرنسية بين عامي 1870 – 1919 "فصل الكنيسة عن الدولة وقضية دريفوس مثلاً" لم تنطبع في وعي سكان الألزاس واللورين انطباعها في وعي سائر الأمة. كما لا يمكننا أن ننكر أن فترة 1940 1945 عاشها الشعب في الألزاس واللورين بطريقة تختلف عن سائر الناس في فرنسا.
وكذلك لا توجد وحدة قومية بين ألمانيا والألزاس لنفس الأسباب التاريخية بالرغم من وجه القرابة اللغوية، ولهذا فأن تجربة الثورة الفرنسية الكبرى أو تجربة 1936 قد أثرتا تأثيرا قويا في الألزاس بينما هما لم تؤثر في الشعب الألماني.
نلاحظ إذن وجود خواص قومية في الألزاس واللورين، فهل هي لا تخلو من القيمة؟ أو ليست مصدراً لعدد من المطالب؟
أجل. وتجاهل هذه المطالب على يد الحكومات الفرنسية سبب شعوراً بالنقص وأثار الاستياء بين صفوف سكان الألزاس واللورين.
وهذا بديهي فيما يتعلق بالمطالب المادية الخاصة... كالضمان الاجتماعي، وكساد المحصول الزراعي "الخمر التبغ"، والفروق في الضرائب، ووضع الموظفين، وضحايا الحرب... الخ.
وهذا بديهي أيضاً فيما يتعلق بمشاكل اللغة: فاستعمال اللغة الفرنسية فقط في النشرات الأدارية "ما عدا أوراق الضرائب" وأمام المحاكم، وفي مجالس الشركات يؤدي إلى مظالم عدة يشعر الناس كأنها عقاب لهم.
كما أن تعليم اللغة الفرنسية لوحدها يؤدي، من جهة، إلى أن الأطفال الألمان الذين يتخرجون من المدرسة الابتدائية لا يعرفون اللغة الألمانية الأدبية كما أنهم يعرفون اللغة الفرنسية عند دخولهم إلى المدرسة في السادسة من عمرهم، كما يتكلمونها في الشارع، وفي العائلة، بينما على صغار الألزاسيين – الذين يتكلمون لهجتهم الخاصة خارج ساعات الدرس – أن يتعلموا اللغة الفرنسية بأكملها.
ومن جهة ثانية فأن تعليم اللغة الفرنسية فقط يؤدي إلى أن الشاب الألزاسي الذي يبتعد لسبب ما "كالعمل أو الخدمة العسكرية"، عن عائلته، لا يستطيع مراسلتها باللغة التي يفهمها والداه أو جداه، كما يجد صعوبة في قراءة رسائلهم باللغة الألمانية .
تمثل الألزاس .اللورين على المستوى التاريخي، واللغوي، والفني، والثقافي، الاقتصادي شخصية أصلية بالنسبة للأمة الفرنسية والأمة الألمانية على السواء.
وتنكر البرجوازية الفرنسية هذه الصالة. وهي تناقض، لا سيما، مطلب العمال الألزاسيين الواضح بازدواجية اللغة "الألمانية والفرنسية" في المدرسة الابتدائية وهي تدعي أن مثل هذا المطلب لا أساس له بالرغم من الوقائع البدائية. "حتى إذا وجب معاقبة جزاري أورادور عارضت بذلك بحجة أن بعضهم الزاسيون".
غير أن ينبغي أن نلاحظ أن نفس هذه البرجوازية، بعد أن شجعت في الألزاس واللورين عمل صنائع هتلر، سلمت الألزاسيين واللورينيين إلى عام 1940 بدون أية صعوبة.
وهي تغمرهم اليوم، بالرغم من رفضها لسد مطالب العمال الألزاسيين "لا سيما فيما يتعلق بالغة" بدعاية "أوروبية" ضخمة، فهي تود لو يقع العمال الألزاسيون في فخ "أوروبا المتحدة"، على أمل أن تعطيهم "أوروبا" أخيراً ما رفضته فرنسا. وهكذا تريد البرجوازية الفرنسية، مرة أخرى، تحول عمال الألزاس واللورين إلى طيارين في الطيران الألماني. فهل هناك موقف أكثر تعارضا مع مصالح عمال فرنسا ومصالح عمال الألزاس؟
بينما يختلف موقف الطبقة العاملة الفرنسية. فهي تعترف، حسب النزعة العالمية البروليتارية، بمطالب القلية الألزاسية القومية كما تعترف لها بحقها في تقرير مصيرها. "أي حق الأنفصال".
غير أن الحق في الطلاق ليس وجوب الطلاق.
إذا كان على شيوعي فرنسا أن يلحوا في القول على الحق في الانفصال، ضد النزعة الأمبرطورية المضطهدة، فأن على شيوعي الألزاس واللورين أن يوضحوا الاتحاد الحر الذي رضيته شعوب الألزاس واللورين مع العمال فرنسا، مخافة التردي في النزعة القومية الضيقة .
ليست مصلحة عمال الألزاس واللورين، الحالية، في الانفصال. بل مصلحتهم في الدفاع عن مطالبهم القومية في اتحادهم الوثيق مع عمال فرنسا. وهذا ما حدث في عام 1936 حينما حارب عمال الألزاس الجبهة الشعبية. كما حدث أثناء الاحتلال النازي، فقد ناضل عمال الألزاس واللورين، متحدين مع الطبقة العاملة الفرنسية، ضد الهتلريين "وأعوانهم". وسائق القطار الشيوعي فولدي هو رمز بطولة هذا النضال الموحد ضد العدو المشترك.
ومصلحة عمال الألزاس واللورين، اليوم، هي في النضال مع عمال فرنسا ضد البرجوازية الرجعية من أجل الحريات الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وضد بعث النازية في ألمانيا، وضد اديناور وجيشه.
نهاية الكتاب