القضية الكردية والنظام السوري


صلاح بدرالدين
2024 / 3 / 28 - 14:12     

لم يغب الموضوع الكردي يوما عن الساحة السورية خصوصا منذ ضم جزء من الكرد ووطنهم الى الكيان السوري الوليد ، وفي ظل الانتداب الفرنسي عندما تنشطت حركة – خويبون – ثم مابعد الاستقلال عندما واصل الكرد السورييون نضالهم القومي ، والوطني ، وواجهوا التجاهل والاضطهاد ، وتعرضوا للعديد من مخططات الاقتلاع ، والتعريب ، والتهجير ، وعانى مناضلوا حركتهم السياسية السجون ، والمعتقلات ، والملاحقات ، وبعض الأحيان التصفية الجسدية ، وكان نظام الدكتاتور حافظ الأسد الأول الذي حاول القبض على الحركة الكردية في سوريا والمنطقة ، واستثمارها لمصالح نظامه ، واستخدامها ضد اعدائه في دول المنطقة .
منذ انبثاق منظمات الحركة الكردية السياسية وتحديدا في النصف الأول من القرن العشرين ، وبشكل اخص في كل من سوريا والعراق ، حمل خطاب الأحزاب الكردية الدعوة الى التلاحم الكردي العربي من اجل المصالح المشتركة بشكل عام ، حيث توجه قسم من مطلقي هذه الدعوة ومنهم ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) الى الجمهور العربي ، والحركات الوطنية ، والديموقراطية وغالبيتها معارضة ، مثل : عدد من الأطراف الوطنية السورية المعارضة ، القوى والأحزاب الكردستانية المناهضة لانظمتها الشوفينية ، منظمة التحرير الفلسطينية ، الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط ، عدد من الأحزاب الشيوعية بالمنطقة ، فصائل يسارية وديموقراطية معارضة في ايران وتركيا ، حركات ثورية بحرينية ، وعمانية ومن باقي الدول الخليجية ، كما ثبت مادة في برنامجه السياسي يحرم العلاقة مع – الأنظمة في الدول الأربعة الغاصبة لكردستان - .
اما معظم الأحزاب الكردستانية والكردية مثل ( الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق ، والحزب الديموقراطي الكردستاني – العراق - ، وحزبي ديموقراطي كردستان – ايران ، وحزب العمال الكردستاني – تركيا ، وحزب اليمين الكردي في سوريا ) فقد توجه خطابهم الى الأنظمة الحاكمة مثل نظامي البعث في سوريا والعراق ، ونظام جمال عبد الناصر ، ثم نظام القذافي فيما بعد ، وقد برز المرحوم جلال الطالباني كمنظر أساسي لذلك التوجه ، وورثه في " الصنعة " عن جدارة – عبد الله اوجلان - .
وكان الخطاب يحمل في طياته نوعا من الترويج المصلحي ، واعتبار أي تقارب لتلك الأنظمة مع الوضع الكردي من شانه تامين تضامن ملايين الكرد معها بالحاضر والمستقبل ، وقد كانت الالتفاتة الاولى بهذا المجال من جانب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حيث استقبل الزعيم الراحل مصطفى بارزاني وصحبه بالقاهرة لدى عودتهم الى العراق بعد ثورة تموز عام ١٩٥٨ ، وافتتح قسما كرديا في إذاعة القاهرة موجه للكرد ، وللتاريخ نقول ان النظام الناصري لم يلحق الضرر بالقضية الكردية لانه لم يكن معنيا بها بشكل مباشر كما كان الحال بسوريا والعراق .
نظام الأسد و" الورقة الكردية "
لم يكن خافيا مدى العلاقة الوثيقة للمرحوم جلال الطالباني مع نظام حافظ الأسد ، ومؤسساته الأمنية بشكل خاص ، ومع رجل الأسد القوي اللواء علي دوبا رئيس المخابرات العسكرية الواسعة الصلاحيات ، والممسكة بالملف الكردي حصرا ، الى درجة ان المؤتمر التاسيسي الأول – للاتحاد الوطني الكردستاني – عقد بدمشق العاصمة عام ١٩٧٥ بعلم ، ومعرفة ، وتشجيع السلطة الحاكمة ، حيث تضمنت وثائق المؤتمر دعايات مضخمة ، ومبالغ فيها حول ان حزبهم الوليد يمثل ( التقدم والانفتاح على العرب ، وان الطرف الاخر – حزب البارزاني - رجعي ومتعاون مع الصهيونية ضد الفلسطينيين والأمة العربية ؟! ) وسبق ذلك اعلان الطالباني ان سوريا الأسد بلده الأول ، وانكاره بمناسبات مختلفة لوجود شعب كردي سوري ، وقضية قومية وكان ذلك بمثابة بطاقة مرور الى قلوب رجال النظام الشوفيني ، حيث قلده السيد اوجلان زعيم – ب ك ك – فيما بعد باعوام عندما نفا أي وجود تاريخي ، داعيا الى عودة الكرد السوريين الى موطنهم الأصلي في الشمال ، وفي هذا المجال يذكر الضابط الأمني المتقاعد – منذر الموصللي – في كتابه الموسوم – ( عرب واكراد ..رؤية عربية للقضية الكردية – ١٩٩٥ – دمشق ): ( انه التقى بالسيدين جلال الطالباني ، ومسعود بارزاني في دمشق كل على حده ، ووجه اليهما السؤال التالي : هل هناك جزء من كردستان وشعب كردي في سوريا ؟ ويزعم ان جواب الأول كان : لا لاوجود لكردستان سورية ولامشكلة كردية فقط هناك نتوءات كردية في الحدود الشمالية ، اما الثاني على حد زعمه فكان جوابه : هناك كرد في سوريا ولكن ليس هناك جزء من كردستان ، ثم يستخلص الموصللي بالقول : فقط صلاح بدرالدين يروج لكردستان الغربية ) .
كان لنظام حافظ الأسد عدة اهداف في سياسته الكردية ، اول تلك الأهداف مقايضة أي تعاون مع اية جهة كردية داخلية او خارجية بعدم وجود قضية كردية سورية ، وثاني تلك الأهداف العمل مع اية جهة كردية عبر أجهزة الامن ، واعتبار الوضع الكردي مسالة امنية وليست سياسية ، او قضية حركة تحرر ، وثالث تلك الأهداف منع وتحريم اية صلة بين الحركة الكردية السورية والحركة الديموقراطية السورية المعارضة لنظامه ، ورابع تلك الأهداف محاولة استخدام الطرف الكردي المعني مطية ، وتابع ، وفي خدمة النظام السوري في صراعاته الإقليمية ، خصوصا في صراع البعث السوري مع البعث العراقي ، وفي صراع النظام السوري مع تركيا ، وأيضا في صراع النظام العراقي مع النظام الإيراني ، وهناك عوامل موضوعية كانت تصب في مجرى النظام في علاقته الكردية أهمها على الاطلاق اختلال موازين القوى لمصلحة الأسد بسبب ضعف الأطراف الكردية ، وحاجتها الماسة لتامين الدعم ، والسلاح ، والإقامة ، والممر ، وبالتالي استفراد النظام السوري بكل حزب على حدة.
ماذا عن الكرد السوريين ؟
ومن انعكاسات سياسة نظام الأسد – الكردية – على الملف الكردي السوري ، تكليف الضابط – محمد منصورة – لتسلم الملف من موقعه كرئيس للمخابرات العسكرية بالقامشلي وبصلاحيات واسعة ، وذهابه بعيدا في التوغل بعد نجاحات حققها في مجال اختراق معظم الأحزاب الكردية القائمة ، وشقها ، وتدوير بعضها ، وتوظيف مسؤولين فيها اما كمخبرين ، او أعضاء ببرلمان النظام ، وكذلك انجاز مهمة تحويل الصراع بين الكرد وحركتهم السياسية مع نظام الاستبداد ، الى – تكريد – الصراع ، والاستنزاف الداخلي ، والانشغال بالبعض الاخر عبر الانشقاقات داخل الأحزاب ، وهذا ماحصل فعليا داخل الاتحاد الشعبي ( حيث استهدفه النظام بشكل اخص ) لانه الوحيد الذي رفع راية الحقوق القومية ، وحق تقرير المصير ، واسقاط الاستبداد ، والوقوف الى جانب الثورة الكردية وقائدها البارزاني بكردستان العراق ، اما ماذا كان البديل ؟ وهل قدم المنشقون – المنصورييون - جديدا سوى التبعية والخذلان ؟ فالجواب يتوضح اكثر لدى معرفة مصير المتورطين الرئيسيين وأين اصبحوا في الوقت الراهن ، اما البقية الباقية من اليمين فقد وصلت الى بداية النهاية ، وستدفع ثمن موالاتها المزمنة للنظام ، و ( البارتي ب د ك – س ) فمازال مسؤولوه الذين توافدوا الى القرداحة لتعزية ( القائد الفذ !؟) سائرون في النهج ذاته حتى آخر عضو مغرر به من دون ان تسعفهم كل شعاراتهم المزيفة .
نعم ذكرنا مرارا وتكرارا اننا في الاتحاد الشعبي – سابقا – استجبنا لوساطة فلسطينية صديقة للقاء مسؤولين بالنظام السوري بداية الثمانينات ( وبينهم الشخص الثاني بعد حافظ الأسد ) ، ورفضنا طرحهم : ( لاقضية كردية سورية ولاحقوق قومية – دخول حزبنا في جبهة النظام وفي عضوية القيادة المركزية مع امتيازات ولكن بعد حذف كلمة الكردي من اسم الحزب ) وبعد اللقاء اليتيم والوحيد ذاك باسبوعين ، نشرنا خبر اللقاء علانية في تقرير اللجنة المركزية ، وفي جريدة الحزب المركزية – اتحاد الشعب – واعتبرنا ان النظام الشوفيني يسعى لضرب الكرد وحركتهم ، والتلاعب ، والاستغلال ، ولن يكون هناك بالمستقبل أي لقاء ، وشكل هذا الموقف الواضح عاملا أساسيا في ردود الفعل الأمنية العنيفة تجاه حزبنا .
الى جانب ذلك يجب القبول بكل شجاعة اننا كلنا – وكل حسب موقعه – نتحمل المسؤولية التاريخية قليلا او كثيرا ، ولكن تلك النماذج البائسة السالفة الذكر ( من مسؤولي الأحزاب الكردية السورية ) هي التي كانت تتصدر المشهد الكردي السوري وتسير وراء – منصورة – وتقيم له الحفلات كما حصل في – خيمة العار – بالقامشلي عندما توجه الناطق باسم الأحزاب الثلاثة التي توظف ممثلوها ببرلمان النظام الى – أبو جاسم – بالقول : سنرد لك الجميل بالجميل – وكرر العبارة ثلاث مرات ، وهي التي تسببت في حدوث التراجعات ، والارتدادات ، وهي من قدمت ولاء الطاعة لنظام الاستبداد الاسدي ، وسهلت عملية الاختراقات ، ومازالت عنوان الانحرافات والتراجعات ، والان يعاني شعبنا من نتائجها الكارثية .
قد يكون بعض الأحزاب الكردستانية ذهب ضحية منح الثقة لنظام الأسد ، واعتباره عدوا لاعدائه ، ( وعدو العدو صديق حسب المثل الشائع ) ، في حين وفي اوج تلك العلاقات وتحديدا منذ بداية التسعينات كانت تعقد لقاءات امنية ثنائية ، وثلاثية ( سورية – تركية – إيرانية ) وكان اللقاء الأول بدمشق ، ثم بانقرة ، وأخيرا بطهران ، اما مواضيع البحث فتتمحور حول السبل الكفيلة باجهاض فدرالية إقليم كردستان العراق ، ومواجهة الحركة – الانفصالية – الكردية في البلدان الأربعة ، وتبادل المعلومات ، والتنسيق ، وضرب التيارات السياسية الكردية ببعضها ، خاصة دفع – ب ك ك – كمخلب للقيام باثارة الفتن ، واستخدام العنف ، واختلاق المواجهات ضد مخالفيه تحت يافطة الآيديولوجيا ، والشعارات البراقة .
وفي احدى المراحل عندما تطورت العلاقات بين الاتحاد السوفييتي السابق والدول الاشتراكية من جهة ، ونظامي البعث في سوريا والعراق ، وابرمت معاهدات الصداقة ، وافتى المنظرون السوفييت جواز التعاون معهما بلا حدود باعتبار النظامين معاديان للامبريالية ، وتقدمييان ، مع الايعاز للحزبين الشيوعيين السوري ، والعراقي بالانخراط في جبهة النظامين ( الوطنية التقدمية ) ، في تلك المرحلة تنشطت قيادات الحزبين الشيوعيين في الموضوع الكردي باتجاه تحقيق جبهة او تحالف إقليمي يكون النظام السوري مظلته الرسمية غير المعلنة، من الحزبين الشيوعيين ، وبعض الأحزاب الكردية ، وبالفعل عقد لقاء في – بيروت وليس بدمشق – بايعاز من النظام السوري لاسباب تكتيكية ، ضم ممثلين عن الحزبين ، وعن كل من ( الاتحاد الوطني الكردستاني – الحزب الديموقراطي الكردستاني – حزبي ديموقراطي كوردستان ايران – حزب اليمين الكردي السوري ) ، مع مشاركة – ب ك ك – تحت اسم اخر ، وحينها كنت ببيروت والتقى بي ممثل ( حزبي ديموقراطي كوردستاني ايران ) الذي حضر اللقاء ، واخبرني انهم اخطاوا ، ولم يكونوا على علم ان اللقاء كان بحماية النظام السوري ، معتقدين ان اللقاء سيشمل كل اطراف الحركة الكردية ، والكردستانية ، ولكن تبين لهم ان اللقاء يخضع لاجندات ، ومحاور إقليمية ، وكان ذلك اللقاء الأول والأخير ، وفي السياق ذاته حاول الطالباني تقديم خدمة لنظام حافظ الأسد ، عندما صرف الأموال من اجل احداث انشقاق في حزبنا – البارتي اليساري - عام ١٩٧٤ – ١٩٧٥ ، وفي نفس الفترة استخدم مسؤولي اليمين الكردي في سوريا وارسال احدهم لاقامة حزب في تركيا ، وكان ذلك احد أسباب الانقسام في صفوف الوطنيين الكرد في كردستان تركيا ، وجلب الويلات لهم بعد ذلك حيث ذهب ضحيتها – آلجي ود شفان ، وآخرين .
كما ذكرنا أعلاه فقد – قلد – السيد اوجلان المرحوم الطالباني في تقديم الخدمات لنظام حافظ الأسد على حساب الكرد السوريين وقضيتهم مقابل مأوى ، ومساحة محدودة من التحرك ، وحتى ذلك لم يسعفه عندما طرده النظام من اجل مصالحه المهددة من جانب تركيا ، ولاشك ان المرحلة الثانية من العلاقات المتجددة بين الطرفين بعد اندلاع الثورة السورية ، شهدت تطورا ملحوظا في الخدمات المتبادلة ليس على حساب الكرد السوريين فحسب بل شملت أيضا الوقوف معا في محاربة الثورة السورية ، حيث بات كل ذلك معروفا للجميع .