الاشتراكية الكوبية: يقينيات ومفترق طرق


دلير زنكنة
2024 / 3 / 26 - 10:25     

بقلم فرانك خوسيه سولار كابراليس
جامعة الشرق
سانتياغو دي كوبا
كوبا

العلم والمجتمع، المجلد. 88، رقم 1، يناير 2024
مجلة للفكر و التحليل الماركسي /الولايات المتحدة الاميركية
عدد خاص بمناسبة 65 عامًا من الثورة الكوبية

ترجمة دلير زنگنة

ملخص:

تمر الثورة الكوبية بواحدة من أكثر اللحظات تعقيدا في تاريخها. بعد أكثر من عقد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العميقة، يواجه المشروع الاشتراكي الكوبي تحديات هائلة، وسط صعوبات ناجمة عن المضايقات الإمبريالية المكثفة، وعواقب الوباء، والأزمة العالمية، والأخطاء البيروقراطية الداخلية. يقف نموذج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كوبا عند عدة مفترقات طرق. يجب على الجزيرة الكاريبية أن تعمق اشتراكيتها على أسس ثورية وبسيطرة عمالية وشعبية أكبر.

الكلمات المفتاحية: كوبا، الاشتراكية، التحول الاشتراكي، الثورة الكوبية

مقدمة

لأكثر من نصف قرن من الزمان في هذه القارة، كانت كوبا بمثابة اليوتوبيا المحتملة - والمثال الأكثر وضوحا وملموسيةً لإمكانية وجود عالم أفضل. إن جزيرة صغيرة في الكاريبي - لا تزال تحت الحصار والهجوم المستمر، فقيرة ومتخلفة، على الرغم من أوجه القصور والأخطاء، وبعيدة كل البعد عن بناء الاشتراكية الصحيحة - تظهر كل ما يمكن لأي أمة أن تفعله عندما تقرر أن تأخذ مصيرها في يدها. ولا تزال الثورة، التي تبلغ من العمر 65 عاما، تقف في وجه الإمبريالية الأمريكية، وهي مثال ملهم لبلدان أمريكا اللاتينية والعالم.

ولم تتمكن أي أعمال عدائية أو اعتداءات أو حرب اقتصادية أو أعمال إرهابية من كسر التمرد الكوبي. منذ أكثر من عقد من الزمن، خضنا نحن الكوبيون عملية نقاش ومناظرة بهدف تغيير كل ما هو ضروري لضمان الاستمرارية التاريخية للثورة. ومع انتخاب راؤول كاسترو رئيساً لمجلس الدولة في عام 2008، بدأنا برنامجاً للإصلاحات الجوهرية في اقتصادنا ومجتمعنا، وكانت نقطة انطلاقه هي "المبادئ التوجيهية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية للحزب والثورة"، التي ناقشها شعبنا على نطاق واسع. قبل أن تتم الموافقة عليها في عام 2011، في المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الكوبي. ومنذ ذلك الحين، تم تأكيد خارطة الطريق الموضحة هناك لإدخال عناصر السوق في عملية البناء الاقتصادي الكوبي وتوسيعها بتدابير جديدة ووثائق برنامجية، مثل "وضع تصور للنموذج الاقتصادي والاجتماعي الكوبي للتنمية الاشتراكية" و"خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى عام 2030"، تم تحليله واعتماده في عام 2016 من قبل المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الكوبي. لقد لخص الأول المبادئ والأسس النظرية التي توجه عملية بناء الاشتراكية في كوبا، بينما حدد الأخير الأهداف لبدء تنمية الرخاء المستدام على المدى الطويل. واكتسب هذا المسار مكانة دستورية في عام 2019، بالموافقة على الماجنا كارتا الجديدة، التي كانت بالفعل تحت قيادة ميغيل دياز كانيل، أول رئيس دولة كوبي لا ينتمي إلى الجيل التاريخي للثورة.

وبشكل عام، فإن التدابير المتخذة وتلك التي لم يتم اعتمادها بعد تستجيب للحاجة إلى تنشيط الاقتصاد الكوبي، وزيادة إنتاجيته وكفاءته، وإعادة تقييم العملة الوطنية وأجور العمال، واستبدال الواردات. في النهاية، يتعلق الأمر بإعادة تنشيط الاقتصاد الذي عانى من التخلف، وفقدان أسواقه الرئيسية ومصادر الإمداد، والحصار الاقتصادي الشامل والإبادة الجماعية الذي تفرضه الإمبريالية الأمريكية، بالإضافة إلى عوائق بيروقراطيتنا الداخلية. علاوة على ذلك، تتم هذه المحاولات في ظل ظروف بالغة الصعوبة، لا تتوقف فيها المضايقات المستمرة والتخطيط لتدمير الثورة.

لقد نجحت القيادة الحكومية الحالية في تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في استمرارية الثورة. إن المقاومة الفعالة لهذه القوى الجبارة، في سياق سلبي للغاية، تشكل انتصارًا في حد ذاتها. إن الموارد اللازمة لتأمين ديمومة الثورة تنبع، من ناحية، من نظامنا الاجتماعي، ومن الطريقة التي نعمل بها وننظم بها، والدعم الشعبي، والشعور بالعدالة والكرامة – كل تلك الاحتياطيات التي تراكمت خلال ستين عامًا وما زالت باقية حتى الآن. ومن ناحية أخرى الطابع المخطط و المملوك للدولة لمعظم اقتصادنا ، والذي يسمح لنا بالحصول على سيطرة مركزية على معظم نشاطنا الاقتصادي [1].

إن نقاط الضعف تأتي، أولا، من الحصار، والإجراءات التي كثفته، والأزمة الاقتصادية العالمية، والآثار التي خلفتها الجائحة على المستوى الدولي، وثانيا، من أخطائنا، وخاصة الطريقة البيروقراطية في إدارة اقتصادنا وسياستنا، إلى جانب عدم الكفاءة ومجموعة من الأعباء الأخرى التي ظللنا نحملها على عاتقنا منذ عقود. ولم نتمكن من استبدال النظام السياسي الذي كان يدور حول شخصية فيدل [كاسترو] الكاريزماتية ببنية سلطة جماعية ملائمة. العائق الرئيسي لا يزال أدائنا الاقتصادي، مع تفشي النقص والتضخم، ونمو مثير للقلق في عدم المساواة الاجتماعية.

وكأن الأمر اهمال، سلوك الحكومة والمجتمع الذي يركز بشكل أكبر على إيجاد حلول اقتصادية وعملية قد يسود تدريجياً على حساب نظام يعتمد بشكل أكثر انتظاماً على السياسة وتعبئة الموارد. هناك تناقض أساسي، في مركز كل ما يحدث الآن في كوبا، بين – من ناحية – خط تم اختياره بالفعل وهو في طور التنفيذ، وهو نموذج للمجتمع، يأتي من "المبادئ التوجيهية"، أو ربما حتى قبل ذلك، حيث تعطى الأولوية لآليات اقتصاد السوق كوسيلة للتغلب على الأزمة، مع برنامج كامل لإدخالها تدريجيا، ومن ناحية أخرى، العواقب السياسية والأيديولوجية والاجتماعية الباهظة التكلفة التي قد تترتب على تنفيذ مثل هذا الخط. ولا يزال هناك التزام بالاعتماد على الوسائل الاقتصادية البحتة، وتفضيل الربح وتحقيق الربح والمصلحة المادية الفردية، والسماح للسوق بتنظيم نفسه من خلال العرض والطلب، وهو الالتزام الذي تُرجم إلى زيادة الفروقات الاجتماعية ، ولكن دون الحصول على النتائج المتوقعة في مجال إنتاج المواد. وفوق كل ذلك، نفس الفريق الحكومي الذي اعتمد هذه السياسة، المليئة بالمجازفة والمخاطر، يتفاعل مع تأثير تنفيذها على نموذج العدالة والمساواة الاجتماعية للثورة الكوبية من خلال كبحها بطريقة أو بأخرى، والسعي إلى تعديل اثارها .

تأتي الرأسمالية كحزمة كاملة، يمكنها أن تنتج زيادة نسبية في الإنتاجية في ظروف معينة، لكنها تجلب دائمًا زيادة في عدم المساواة والاستغلال والفقر. وتعتزم القيادة الثورية مواجهة هذه التبعات بإجراءات إدارية وزيادة الاهتمام بالأحياء الفقيرة والشرائح الضعيفة من السكان، وتشجيع الحلول المجتمعية، والبحث عن مسكنات لنمو جيوب الفقر، وتمكين أجهزة السلطة الشعبية. . كل هذه المبادرات إيجابية، لكنها تتعامل مع تناقض لا يمكن التغلب عليه في نهاية المطاف: تطوير الاقتصاد بالأساليب الرأسمالية وإدارة آثاره السلبية بالسياسات الاجتماعية والإدارية.

لقد شهدنا عدة مرات محاولة - عملية أيديولوجية، إن لم تكن أكاديمية - لتأطير الثورة الكوبية كظاهرة منتهية، وقوة رمزية، يُتوقع زوالها في مراحل مختلفة من تطورها التاريخي. وحقيقة أنها لا تزال حتى الآن عملية حية ومستمرة، لا تنتهي إلا بهزيمتها أو تحقيق أهدافها النهائية، تشهد على ذلك الغضب الذي يحاول به أعداؤها خنقها. لا تزال الثورة الكوبية حية، بغض النظر عن أشكالها المؤسسية وفضائلها وعيوبها، لأنه خلال 65 عامًا من عمرها، لم تنتصر أي ثورة سياسية مضادة داخلية ولم يتم فرض أي نظام ما بعد-ثورة [في البلد].

التشكيك في الدعم الشعبي وشرعية القيادة الاشتراكية الكوبية، التي أخضعت أجندتها المتمثلة في "تحديث النموذج الاقتصادي والاجتماعي" للتشاور والنقاش العام؛ وأن نعزو ديمومتها في السلطة إلى نموذج سيطرة اجتماعية على النمط السوفييتي، هو أمر أسوأ من مجرد نكتة سيئة؛ إنها مجرد تفكير رغبوي خطير لدى أولئك الذين يتباهون بارتباطهم بالمطالب "الحقيقية" للشعب الكوبي. لقد حدث ذلك ذات مرة للمرتزقة في خليج الخنازير، الذين انخدعوا بوهم إثارة انتفاضة شعبية ضد الثورة عند نزولهم. و قد حدث ما حدث.

لماذا الاشتراكية؟

بالنسبة لكوبا، الاشتراكية هي الخيار الوحيد لضمان الاستقلال الوطني وإمكانية تحقيق نظام اجتماعي اعلى و أكثر إنسانية يقوم على العدالة الحقيقية والحرية. الاشتراكية، التي تُفهم على أنها المجتمع الذي يمر بمرحلة انتقالية إلى الشيوعية، مع كل التناقضات الكامنة فيها، تسمح للناس بأن يأخذوا مصيرهم بأيديهم ويبنوه بوعي، ويضعون أهدافًا أعلى وأعلى للتحرر، في عملية تغيير الواقع والتحول الذاتي للأفراد. الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، مع اقتصاد يخطط له العمال بشكل ديمقراطي، وسلطة سياسية تحت سيطرة الأغلبية الشعبية وتديرها مباشرة، لا توفر فقط الرفاهية المادية والروحية للجميع على نطاق أوسع بكثير مما تستطيع الرأسمالية، بل تضع أيضًا الأسس لتحرير البشر من جميع أنواع القيود القمعية والتمييز و اللاعدالة، بالإضافة إلى تمكين تطورهم العلمي والتكنولوجي والثقافي، في تعايش متناغم ومحترم مع الطبيعة. الاشتراكية هي الإمكانية الأكيدة لبناء عالم تسود فيه العلاقات الاجتماعية القائمة على التضامن والتعاون، ولضمان حياة خالية من الهيمنة.

إن الرأسمالية في كوبا، حتى لو جاءت متنكرة في صورة الحداثة والتقدم والازدهار المادي، ستعني في الواقع التراجع إلى الماضي المليء بالازدراء. سيشكل، في المقام الأول، نهاية وجودنا ذاته كدولة مستقلة، لأن الحكومة الرأسمالية في كوبا لا يمكن أن تستمر إلا تحت رعاية الإمبريالية الأمريكية وخاضعة لمصالحها. وعلى النقيض من جمهورية الحريات والحقوق المثالية التي تسعى إلى تقديمها، فإن الرأسمالية تعني ضمناً خسارة المنجزات الاجتماعية التاريخية التي حققتها الثورة الكوبية، ومصادرة أملاك الشعب، ونهب ثرواته على يد النخب الوطنية والدولية. إن الاقتصاد القائم على الملكية الخاصة، والذي يسترشد بدافع الربح والمصلحة الشخصية الضيقة، لن يكون هدفه تنمية الأمة أو تلبية احتياجات الشعب. وبدلا من ذلك، سيتم توجيهها نحو إثراء البرجوازية المحلية، وتلعب دورا تابعا وهامشيا في السوق الرأسمالية العالمية. وهذا لن يفيد سوى قِلة من الناس، الأمر الذي يحكم على اغلبية الكوبيين بالفقر والاستبعاد. إن استعادة نظام عبودية الأجور والاستغلال لن يؤدي إلى وفرة من السلع المادية المتاحة للجميع، كما يعتقد البعض بسذاجة، بل إلى زيادة هائلة في فجوة التفاوت بين الناس، والفساد، والتهميش.

ولن تكون أي صيغة مختلطة تحاول الخلط بين "أفضل ما في الاشتراكية وأفضل ما في الرأسمالية" بديلاً قابلاً للتطبيق بالنسبة لكوبا. إن المعضلة التي يتم حلها في كوبا اليوم هي بين التقدم على طريق التعميق الاشتراكي أو الهبوط إلى هاوية الرأسمالية التي لا نهاية لها. لا يوجد طريق وسط. من الطوباوي أن نتظاهر بأن النظام المستقر حيث الإنتاج رأسمالي والتوزيع اشتراكي هو أمر ممكن. إن استخدام أسلحة الرأسمالية المطعوجة هو خطوة إلى الوراء قد "تساعد"، في أي وقت من الأوقات، نظاما اشتراكيا معزولا، تضايقه الإمبريالية ويضطر إلى إقحام نفسه في ظروف معاكسة في الأسواق الدولية، للخروج من مأزق الأزمة الاقتصادية. لكن التوسع المكاني والزماني لآليات السوق لن يساعد بأي حال من الأحوال بشكل مباشر في التحول الاشتراكي إلى الشيوعية، و سيؤدي في النهاية إلى استعادة الرأسمالية.

وعندما اضطر فيدل، لضمان بقاء المشروع الثوري الكوبي، إلى إدخال عناصر السوق في الاقتصاد في التسعينيات، وهي العناصر التي أعادت إنتاج عدم المساواة على نطاق واسع، كان ينظر إليها دائما باعتبارها تدابير مؤقتة، تتعارض مع أهدافنا الاستراتيجية. إن عدم المساواة هو سرطان قاتل للاشتراكية، مما يضعفنا ويقوض باستمرار أسس ومصادر مقاومتنا. إن السوق والملكية الخاصة ليست أدوات معقمة يمكن السيطرة عليها واستخدامها بسهولة في بناء نوع معين من الاشتراكية، بل هي أسلحة الرأسمالية لإعادة إنتاج نفسها. ولا يمكنها إلا أن تضمن الرخاء لعدد قليل من الناس واستدامة الاستغلال وتوسيعه.

ما هي الاشتراكية التي لدينا؟

إن الاشتراكية التي لدينا هي تلك التي تمكنا من تحقيقها أكثر من تلك التي كنا نريدها. إنها نتيجة لاستمراريات وتمزقات متعددة. وبعض عناصرها الدائمة هي جوانب أساسية لتشوهاتنا المثالية والبنيوية التي تعيق التقدم وتهدد بقاءه. إلى جانب الدعوة المستمرة لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء ثقافة جديدة وطريقة جديدة للحياة والعلاقات بين البشر، لا تزال هناك ممارسات وسمات سلبية، من الفساد والاستبداد و الأوامرية إلى الإدارة البيروقراطية للاقتصاد والسياسة. معظم هذه الممارسات والسمات تأتي من النسخة الميكانيكية التي صنعناها من النموذج البيروقراطي للاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية. لقد تضافرت مع صعوبات محاولة التحول الاشتراكي في بلد معزول ومحيطي ومتخلف، وفي ظل مضايقات إمبريالية وحشية، من اجل تهيئة مناطق "غير اشتراكية" في مجتمعنا. ومع الأزمة الاقتصادية العميقة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، والتدابير المتخذة لمواجهتها والبقاء على قيد الحياة، عانت السياسات الاجتماعية المتعلقة بالمساواة والحماية، وتآكل الإجماع الشعبي حول الثورة. منذ ذلك الحين، دخل النزاع الثقافي بين الرأسمالية والاشتراكية في كوبا مرحلة أكثر حدة، حيث اندلع أساسًا على مستوى القيم وتمثيلات الناس في حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية، و اكتسبت الطريقة الرأسمالية في العيش والتصرف و رؤية العالم، تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث وجدت القبول بيننا كعناصر مشروعة وطبيعية وحتى مرغوبة، مثل عدم المساواة الاجتماعية، واستغلال عمل الآخرين، والمنافسة والسعي وراء الربح كدوافع أساسية لزيادة الإنتاجية، والمال كوسيلة رئيسية للوصول إلى السلع والخدمات. كانت الهيمنة الاشتراكية المضادة تقاتل و هي في حالة تراجع، وفي بعض الأحيان تم تقليصها إلى دور إعادة التوزيع من قبل الدولة ،وإدارة و الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية للماضي. تحتاج الاشتراكية الكوبية، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها، إلى خوض معركة لا هوادة فيها ضد توسع "الفطرة السليمة" البرجوازية و جعل الممارسات والاتجاهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تتعارض معها سائدة .

إن الشعب الكوبي بحاجة ماسة إلى تحسين حياته المادية، بعد أزمة عميقة للغاية استمرت أكثر من 30 عاما. وهذه ضرورة لا يمكن تأجيلها، ولكن اللجوء بشكل أساسي إلى الموارد المادية والتقدم الفردي أمر آخر تمامًا. إن دوافع مقاومتنا لا يمكن أن تستند بشكل أساسي على الأمل في التقدم والازدهار المادي الفردي، لأن هذه ساحة معركة سنكون فيها دائما في وضع غير مؤات في مواجهة الإمبريالية. سيكون لديهم دائمًا ما يقدمونه أكثر منا على تلك التضاريس. ويجب أن تكون مواردنا سياسية في الأساس، مع التركيز على الحلول الجماعية والتضامنية التي تبني الرخاء بين الجميع ولصالح الجميع.

ما هي الاشتراكية التي نحتاجها؟

إن الاشتراكية التي نريدها ونحتاجها هي الاشتراكية التي يتم فيها إضفاء الطابع الاجتماعي على السلطة ووسائل الإنتاج بشكل متزايد، ووضعها تحت الإدارة المباشرة للعمال والشعب، حيث يتخذ الشعب القرارات الأساسية المتعلقة بالدولة والاقتصاد والسياسة ومسار الحياة الاجتماعية . اشتراكية تفهم الثورة العالمية ضد الرأسمالية باعتبارها الجوهر الحيوي لمشروعها، والتي لا يمكن أن تقتصر على الحدود الوطنية لبلد ما، والتي تحتاج، من أجل بقائها وتقدمها، إلى المصاحبة والتكامل مع العمليات التحررية الأخرى على المستوى العالمي . لا يُفترض أن تكون نقطة وصول أو نموذجًا اجتماعيًا محددًا، بل كمسار، وحالة دائمة من التغييرات والتعمق نحو الأفق الشيوعي، لبناء ثقافة جديدة تقضي على جميع التمايزات والتسلسلات الهرمية. باختصار، اشتراكية تناضل بلا هوادة من أجل تحقيق العدالة للجميع، وليس فقط من أجل ما يبدو ممكنًا وفقًا لمعايير اقتصادية ضيقة.

أية ديمقراطية لأي اشتراكية؟

المواقف التي تسعى إلى طمس الصراع بين الثورة والثورة المضادة الذي تجد كوبا نفسها فيه، وتحاول استبدال الصراع المركزي بين الاشتراكية والرأسمالية بالتجريد المثالي لدولة مرتفعة فوق المجتمع، تمثل الجميع وتفصل في الصراعات الاجتماعية بشكل عادل، مع عدم وجود التزام آخر سوى الالتزام بالقانون، تنسى بسهولة أن جهاز الدولة هو دائمًا أداة للسيطرة الطبقية، التي تستجيب لمصالح هذا أو ذاك، وليس كلها في وقت واحد. إن أي مناشدة مجردة للجمهورية والحقوق والحريات الديمقراطية، دون الكشف عن محتواها الطبقي، هي في الواقع إشارة إلى الديمقراطية البرجوازية. في كوبا، يجب أن تظل سلطة الدولة في أيدي الثوريين وأن يتم استخدامها لصالح الأغلبية، ولكن يجب أن يتم مشركتها بشكل متزايد تحت السيطرة الديمقراطية للعمال والشعب المنظم. فالاشتراكية وحدها هي القادرة على توفير الديمقراطية الحقيقية والحرية والمساواة و شمول الجميع.

إن من يدعو لكوبا بالديمقراطية المجردة، بغض النظر عن محتواها الطبقي، هو في الواقع ينادي بالديمقراطية البرجوازية. إن أي ديمقراطية برجوازية، مهما كانت معقدة ومنفتحة ومتطورة، هي دائما دكتاتورية البرجوازية، التي تهيمن وتسيطر في الواقع على جميع القرارات المهمة. وكما حذر لينين: «من المنطقي أن يتحدث الليبرالي عن «الديمقراطية» بعبارات عامة. الماركسي لا ينسى أبدا أن يسأل: "لأي طبقة؟". ويتعين علينا أن لا نناقش الرؤى المجردة، بل أن نناقش تفاصيل بناء ديمقراطيتنا، من أجل التوصل إلى إجماع حول "ماذا"، ولكن في المقام الأول من أجل التوصل إلى "كيف". كيفية ممارسة الديمقراطية الاشتراكية، وكيفية تعميقها؟ لو نحن نعتبر أن الاشتراكية – مختزلة في صيغة بسيطة – هي المشركة المتزايدة للثروة والسلطة، يمكننا أن نفهم الأهمية التي كان يمثلها دائمًا بالنسبة لكوبا ،التفكير في ممارساتنا الديمقراطية. لكن هذه الأيام المعقدة والصعبة أعطتها أهمية أكبر.

ما ينبغي أن يهمنا قبل كل شيء في المناقشة هو خصائص ووظيفة ومحتوى ديمقراطية الفترة الانتقالية، مع أشكال وإجراءات محددة لخدمة أغراضها بشكل فعال. ويجب أن تكون هذه هي الهيمنة الطبقية الأكثر ديمقراطية التي عرفها تاريخ البشرية حتى الآن. يجب عليها في الوقت نفسه أن تعبر عن مصالح الأغلبية وأن تدافع عن سلطة الأغلبية، ويجب أن تتجه تدريجيا – منذ اليوم الأول – إلى التحلل الذاتي (شبه الدولة التي تحدث عنها لينين). إنها السلطة الأولى في التاريخ التي تمارسها أغلبية اجتماعية واسعة، والتي لا يتمثل هدفها النهائي في إدامة نفسها، بل في الاختفاء من أجل إفساح المجال أمام التحرر الكامل للبشر، والبقاء فقط طالما كان ذلك ضروريا.

هناك متغير آخر يحدد بشكل كبير سير وإعادة إنتاج مراحل التحول الاشتراكي، وهو ذو أهمية أساسية بالنسبة لكوبا في السنوات الستين الماضية، بالنسبة لحاضرها ومستقبلها. هذا المتغير هو أنه طالما ظلت الثورات الاشتراكية معزولة، ولا يتبعها انتصار الاشتراكية على المستوى العالمي، فإنها محكوم عليها بالوجود في ظل المضايقات والعداء الدائم من قبل القوى الرجعية القوية، الداخلية والخارجية. وفي حالة كوبا، فقد تطلب الأمر خوض أصعب معركة ممكنة، لأنها اضطرت، في ظل ظروف غير متماثلة على الإطلاق، إلى تحدي أعظم قوة إمبريالية في التاريخ. وهذه المعركة عنصر لا ينبغي أن يغيب عن أي تحليل جدي. في ضوء الضرر الذي أحدثه علينا العدوان الإمبريالي خلال هذه العقود الستة والنصف، حيث كان الحصار أداته الرئيسية، لا بد من إدراج التأثير الضار الذي أحدثه – بشكل مباشر أو غير مباشر – على عيوبنا و نقائص ديمقراطيتنا لأنه في مواجهة تحدي بناء برلمان في خندق، كثيراً ما اضطرنا إلى إعطاء الأولوية للخندق على حساب البرلمان، ولأنه وفر غطاءً لشرائح بيروقراطية لحماية مصالحها وامتيازاتها الضيقة.

إن إدانة الحصار والمضايقات الإمبريالية ليست مسألة صواب سياسي، بل مسألة مبدأ. إن الضرر الذي يسببه والعائق الذي يمثله حقيقي، ليس فقط بالنسبة للتنمية الاقتصادية الأولية، ولكن أيضًا بالنسبة للتقدم الأوسع في الإمكانيات التحررية للاشتراكية. ومع ذلك، حتى في ظل عداء الإمبريالية والحاجة إلى الدفاع عن أنفسنا ضد عدو قوي سيستمر في استخدام جميع الموارد المتاحة له لهزيمتنا، لا يمكننا أن نتخلى عن التعميق الديمقراطي لاشتراكيتنا، لأنه وحده القادر على ضمان مقاومة فعالة ومزيد من التقدم التحرري. في مواجهة العصر الجديد، سيتعين على كوبا تحسين هياكلها الديمقراطية، وتعميق تلك الموجودة بالفعل، و انشاء الهياكل الجديدة التي تحتاجها، حتى يتمكن العمال والشعب من الحكم أكثر فأكثر. إن هياكل الديمقراطية البرجوازية التي يصفها لنا أعداؤنا لن يكون لها أي فائدة لنا أبدا، لأنها لن تؤدي إلا إلى الموافقة على العودة إلى الرأسمالية.

نحن لسنا إصلاحيين. نحن ثوار. نحن لا نريد إجراء تغييرات تجميلية على الرأسمالية لجعلها تعمل بشكل أفضل وتخفيف الكوارث التي تطلقها، كما هو حلم كل اشتراكي ديمقراطي حسن التصرف. وبدلا من ذلك، نسعى إلى تدميرها وبناء عالم جديد على بقاياها. وفي حالة كوبا على وجه التحديد، هنا والآن، لا نريد إجراء إصلاحات على الثورة، الأمر الذي من شأنه أن يمهد لعودة بطيئة إلى الرأسمالية، متنكرة في ثوب التطور والتكيف مع الواقع. نريد الدفاع عنها ودفعها إلى الأمام في الاتجاه الاشتراكي، والحفاظ على توجهها نحو اليوتوبيا الشيوعية، وفي السعي لتحقيقها، تعبئة الإمكانات الإبداعية للشعب. باختصار، نريد تعميق طابعها الثوري حتى ندفع إلى الأمام. لا نريد «تحديثات» تجعلنا نعود إلى الوراء.

هناك ثلاث أفكار ومثل أساسية يجب تعدادها. أولا، الديمقراطية متأصلة في الاشتراكية. إنها ليست قطعة زينة أو عبث، وليست شيئًا يمكننا تحمل تكاليف الحصول عليه أو عدمه. بل هو جزء عضوي وجوهري من الاشتراكية، وليست مجرد حاجة سياسية وروحية، بل ضرورة اقتصادية أيضا. لكي تنتج الاشتراكية بكفاءة، يجب أن يكون العمال هم المالكين الحقيقيين والفعالين لوسائل الإنتاج. يجب عليهم السيطرة، واتخاذ الخيارات، واتخاذ القرار بشأن ما يجب القيام به في المزارع والمصانع وأماكن العمل في جميع أنحاء البلاد. ثانيا، يجب أن تكون الديمقراطية الاشتراكية مختلفة عن الديمقراطية البرجوازية. عندما نتحدث عن مفاهيم مجردة عن الديمقراطية والحقوق والحريات، دون الكشف عن محتواها الطبقي المحدد، فإننا نتحدث في الواقع عن الديمقراطية البرجوازية. يجب على الاشتراكية أن تعطي لنفسها أشكالاً جديدة من الديمقراطية، وهو ما لا يعني بالطبع التخلص بالجملة من أدوات الليبرالية والديمقراطية الشعبية التي ظهرت في التاريخ السابق. ومع ذلك، يجب عليها تحويلها لوضعها في خدمة الهيمنة الطبقية للأغلبية.

لتعميق سبب وجود ديمقراطيتنا الاشتراكية، يجب علينا أن نتعلم من التجربة التاريخية، من ثورتنا الكوبية ومن التجارب الثورية الأخرى. يمكن للمرء أن يفكر، على سبيل المثال، في حالة الثورة الروسية، في فائدة النص الذي اعتبره تشي نفسه "كتابًا مقدسًا للجيب" للثوريين، والذي لم ندرسه بشكل كافٍ، وهو كتاب لينين "الدولة والثورة"، الذي يقدم واحدًا من وجهات النظر الأكثر راديكالية للديمقراطية في التقليد الماركسي. ومن بين عدد من النقاط الأساسية التي أثارها لينين لضمان تطور الديمقراطية خلال التحول الاشتراكي، هناك نقطتان لهما أهمية خاصة. أولاً، تعيين المناصب العامة الإدارية وقابليتها للإلغاء؛ والثاني، تناوب تلك المناصب العامة. قال لينين إنه عندما يكون الجميع بيروقراطيين بالتناوب، لا أحد يصبح بيروقراطيًا. [2] إن وضع جميع مؤسسات الدولة تحت السيطرة الشعبية والعمالية أمر ضروري للاشتراكية.

ثالثًا، كل التجارب الاشتراكية التي كانت موجودة قد استحوذ عليها التوتر الذي أطلق عليه فرناندو مارتينيز هيريديا التناقض المركزي داخل عملية التحول الاشتراكي، التوتر بين السلطة والمشروع، بين السلطة التي يجب بالضرورة أن تكون قوية للدفاع عن نفسها ضد المضايقات المستمرة، ومشروع تحرر راديكالي للغاية في مقترحاته الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.[3] وهذا يُترجم أيضًا إلى التوتر بين الحاجة إلى الوحدة، وفي الوقت نفسه، الحاجة إلى النقد والمشاركة الديمقراطية. إن النقد والنقاش والمشاركة الديمقراطية من جهة، ووحدة الثورة من جهة أخرى، لا يمكنهما ان تكونا متنافيتين لبعضهما البعض. بل على العكس من ذلك، يجب أن يكمل كل منهما الآخر ويعززه.

ما نوع الوحدة؟

إن الانتقادات من اليسار، وهي انتقادات جديرة بهذا الاسم على الأقل، لا تشكل خطرا على الثورة، ولكنها يمكن أن تكون قاتلة بالنسبة للبيروقراطية.[4] أما الانتقادات من اليسار فهي تلك التي أجراها تشي عندما حذر من المخاطر التي تلوح في الأفق في البناء الاشتراكي واحتمالات العودة إلى الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي، و ما أظهره فيدل باستمرار طوال فترة قيادته، كما هو الحال عندما انتقد في 17 نوفمبر 2005 الفساد وظهور طبقة الأثرياء الجدد. (كاسترو، 2005.) أصبح هذا النقد اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى، لمنع عودة الرأسمالية في كوبا.

ومن المشروع تماماً أن تستخدم الثورة كل الوسائل المتاحة لها للدفاع عن السلطة التي استولت عليها قبل 65 عاماً، ولا تعطي مساحة أو تمثيلاً لأي مشروع مخالف لها. مع ذلك، هناك عدة مشاريع ومسارات ضمن الثورة، ويجب أن تتمتع بالمساحة والحرية وإمكانية التعبير في ظل ظروف متساوية. وقد يقال إن هذا من شأنه أن يضعف الوحدة ويصب في مصلحة العدو. إن الوحدة الواعية التي تؤدي، بعد نقاش حر ومفتوح، إلى تقارب المواقف الثورية المختلفة، ستكون دائما أكثر صلابة من الموافقة التي يتم الحصول عليها عن طريق الطاعة و تصنع الإجماع.

إن وحدة الثوار شرط لا غنى عنه للدفاع عن الثورة ضد الهجمات الإمبريالية واليمينية، وتعميقها. لكن استخدامها من قبل البيروقراطية يمكن أن يخدم الدفاع عن المصالح الضيقة و الخاصة لمجموعة، الأمر الذي سيعرض الثورة للخطر في نهاية المطاف، ويجهز لها الهزيمة والاستسلام.

ويجب ألا ننسى دروس التاريخ. في الاتحاد السوفييتي السابق، اتهامات من قبل البيروقراطية الفاسدة، مغتصبي السلطة، ضد الثوار الراديكاليين بتقويض الوحدة، ولهذا السبب، اللعب في أيدي العدو ومشاركته في أهدافه الرجعية، ادت إلى قتل ونفي الآلاف من الشيوعيين. أدت حملات من هذا النوع إلى ثورة مضادة بيروقراطية سببت في إبادة جيل من البلاشفة، رفاق لينين، مما أدى في النهاية إلى استعادة الرأسمالية الكاملة. نفس البيروقراطية التي اتهمت الثوريين بتقويض وحدة الشعب أعادت تأهيل نفسها في طبقة رأسمالية جديدة، في حين اعتادت كتلة كبيرة من الشيوعيين العاديين على الطاعة غير الناقدة لإملاءات السلطات العليا تحت ذريعة الحفاظ على الوحدة، أثبتت انها غير قادرة على منع مثل هذه الكارثة التاريخية.

وكما تظهر التجارب الاشتراكية في القرن العشرين، فإن الوحدة ضرورية للدفاع عن الثورة، ولكنها في حد ذاتها لن تكون كافية لتعميقها، و هذا التعميق هو السبيل الوحيد لمنع هزيمتها. يجب أن تكون الوحدة مصحوبة بالسيطرة الشعبية على البيروقراطية، أي بالممارسة الفعالة للسلطة الشعبية، وبالتفكير النقدي اليساري النشط والاستباقي والملتزم. يجب أن تخدم قوتها بشكل فعال أهداف التحرر التي أعلنا عنها، والتي لا يمكن أن تكون ممكنة إلا إذا وجدت جميع المواقف الثورية، مساحة داخل وحدتنا.

من المنطقي والعادي وحتى المرغوب فيه أن تنشأ بين الثوريين وجهات نظر ورؤى وخلافات لا حصر لها، وحتى صراعات حول المسار الذي يجب اتباعه والإجراءات التي يجب اتخاذها. إنه أمر طبيعي، لأنه في جوهر كوننا ثوريين، يكمن الفهم النقدي للعالم المحيط، ووصول المرء إلى استنتاجاته الخاصة والنضال الحماسي لتغييره . وفي عملية مثل الثورة، حيث يلتقي العديد من المتمردين وغير المتكيفين، تصبح التناقضات أمرًا لا مفر منه. ومن الصحي للثورة أن تحرص على إظهار هذه الاختلافات دائمًا في جو من النقاش الصريح والعقلاني. إن الوحدة التي يتم بناؤها بهذه الطريقة لن تعتبر المناقشات والصراعات بين الثوار ضارة أو خطيرة، أو أمرا يجب إيقافه أو تجنبه أو منعه، أو تغطيته بعباءة الصمت، أو شيئًا مهملًا مصيره النسيان التاريخي. وبدلا من ذلك، يجب أن ينظر إليها على أنها تعبير عن حيوية الثورة، باعتبارها الحالة الطبيعية لوجودها.

وما يضر بالثورة ومشروعها، على المدى القريب أو البعيد، بحجة عدم إفساح المجال للعدو، هو الوحدة المفروضة من اعلى، والمبنية على الطاعة غير الناقدة، والإجماع، وانضباط ثكنات الجيش، دون مساءلة الأحكام التي تمليها الهياكل العليا، وحدة تعاقب الاختلافات، أو تقلل من شأن النقاش، أو تحوله إلى تنفيس أبدي أو مجموعة من الآراء، التي تفشل في الاعتراف بوجود اختلافات في فهم الاشتراكية وحقها في التعبير عن نفسها بطريقة منظمة، حتى لو كانت هياكل السلطة لا تعتبرها صحيحة. وفي المناخ الخانق للوحدة التي تم التوصل إليها على هذا النحو، فإن ما يتم تقويته هو المعايير المزدوجة والانتهازية والوصولية. أفضل بناء للثوري هو النقاش والنضال الأيديولوجي المستمر. ولا يمكن للمناقشة الصادقة إلا أن تعزز مشاركة ووحدة القطاعات الأكثر التزاما بالثورة والاشتراكية.

الحاجة إلى النقاش والمشاركة

من أبرز سمات الستينيات في كوبا وجود نقاش حاد للغاية حول الجوانب الأكثر تنوعًا للثقافة والأيديولوجية والاقتصاد، وبالطبع السياسة، مدفوعًا بثورة كانت تغير أو تهدف إلى تحويل كل شيء. من الاتجاهات العامة للاقتصاد إلى محتويات وأساليب التعليم ما قبل المدرسة، بما في ذلك جميع العلاقات الاجتماعية والحياة اليومية. وكل هذا عندما كانت الثورة في بدايتها للتو، عندما كان لا يزال يتعين القيام بكل شيء تقريبًا، عندما كان من المفترض أن تكون أضعف، عندما كانت المضايقات أكثر عدوانية.

إن الطريقة الوحيدة لعدم سقوط الثورة هي التقدم إلى الأمام، وعدم التوقف، وعدم "التطبيع"، وعدم السماح لنفسها بأن يختطفها المنطق السليم، وعدم السماح لنفسها بأن تكون مقيدة بحدود "ما هو ممكن". إلى جانب التحولات الاقتصادية التي تبشر بها، يجب على الاشتراكية أن تخلق ثقافة جديدة، مختلفة ومعارضة للرأسمالية، وقيم جديدة، وعلاقات اجتماعية جديدة. لا يمكن للانتقال الاشتراكي أن يتقدم إلا نتيجة للتخطيط ،الإرادة السياسية ، والتعبئة الهائلة لتطلعات الشعب ومشاعره المتسامية.

وبما أنها تهدف إلى البناء الجماعي لمجتمع جديد، وليس النزول من السماء لطليعة مستنيرة وخبيرة، فإن المشاركة والتداول بالنسبة لنظام الانتقال الاشتراكي ليست زينة، مجرد أمور شكلية أو إجرائية، أو أدوات لتصحيح التجاوزات، توفر الاستقرار والشرعية والتوافق على نظام الهيمنة، أو تخفيف الصراع الاجتماعي أو إدارته بما يضمن تكراره. وبدلا من ذلك، انها عنصر أساسي وضروري للانتقال الاشتراكي، ونمط وجوده. في الاشتراكية، يجب أن تكون ممارسة السلطة السياسية إرثًا للأغلبية، وليس إرثًا لعدد قليل من الناس باسم الشعب.

ضد الثورة والاشتراكية، ضد حقهما في الوجود، لا يمكن الاعتراف بأي حق. وهذا هو الحد النهائي، المعترف به أيضًا كمبدأ دستوري. وهناك نقاش آخر يدور حول من يقوم بفرض هذا الحد و كيف، والذي يمكن أن يتغير بمرور الوقت، لأن ما يمكن أن يكون خطيرًا أو يهدد وجود الثورة في لحظة ما، لا يجب أن يكون كذلك في لحظة أخرى. إن الإجابة على من وكيف يتم تحديد هذا الحد مهم أيضًا بحيث لا يخدم الدفاع عن المصالح الضيقة لمجموعات السلطة، أو الامتيازات البيروقراطية، في مقابل السلطة الشعبية التي تمارس حقوقها بشكل ديمقراطي. ولهذا السبب، من الضروري تنظيم وإنشاء آليات للناس لإظهار دعمهم لمطالب مواطنين محددة، ضد الظلم والتعسف وسوء التصرف الحكومي وإساءة استخدام السلطة، وما إلى ذلك، دون تهديد النظام الاجتماعي والسياسي الذي بنيناه نحن الكوبيون بشكل سيادي لأنفسنا ومنع تلك الآليات من أن يتم استغلالها من قبل الأجندة التخريبية الإمبريالية. وبما أن لدينا الآن شركات صغيرة ومتناهية الصغر، فيمكن للمرء أن يشير هنا، على سبيل المثال، إلى أشكال النضال والضغوط التي قد يمارسها العمال ضد أصحاب عملهم في القطاع الخاص من أجل ظروف عمل أفضل، وأجور أعلى، وما إلى ذلك.

إن الثورة – في حوار مستمر مع الأغلبية الساحقة من الشعب الكوبي، وتلبي مطالبها وتستجيب لتطلعاتها، وتضمن إمكانية تحقيق حياة كريمة وكاملة – لها الحق في الوجود والدفاع عن نفسها. ولهذا السبب، فإن الحوار الوحيد الممكن في كوبا هو بين الثوار وبين أولئك الذين لا يعتزمون الإطاحة بالثورة. إن المعسكر الثوري الكوبي واسع النطاق ومتنوع وتعددي إلى الحد الذي لا يكون احادي النغمة . وفي داخله، توجد مجموعة من الرؤى والمقترحات المختلفة حول الاشتراكية. إن نقاشهم القائم المبني على الاحترام المتبادل، والحفاظ على الوحدة، لا يمكن إلا أن يكون مفيدًا للثورة. إن إعادة إنتاج الهيمنة الاشتراكية في كوبا، وتجديد مشروعنا الاشتراكي، يتطلب ألا يكون الظهور العفوي للمبادرات السياسية الثورية من القاعدة الشعبية مجرد حكايات ظرفية أو معزولة، بل الممارسة الدائمة والمنهجية للثورة الكوبية.

من منظور يساري راديكالي، لا يزال هناك الكثير من المعارك التي يتعين خوضها داخل الثورة، ضد البيروقراطية والفساد والممارسات من أعلى إلى أسفل والممارسات الاستبدادية، والقوى التي تهدد باستعادة الرأسمالية. ومع ذلك، لا يمكن لأي من مطالبها أن يكون دعوة بإتاحة مساحة مشروعة للثورة المضادة الرأسمالية للتصرف بشكل قانوني.

ومع أوجه القصور التي يمكن تعدادها، فمن المؤكد أن هناك نقاشا يدور في كوبا حول الاتجاه الذي يجب اتباعه وخصائص اشتراكيتنا. إن ما هو غير مقبول بالنسبة لليساريين، ناهيك عن الاشتراكيين، هو تهريب الأفكار والسرديات والممارسات الرجعية التي تفضل استعادة الرأسمالية في كوبا، مع ما يترتب على ذلك من خسارة السيادة الوطنية. ولهذا السبب يصبح من الضروري مشاركة بعض المفاهيم حول ما يجب أن يُفهم على أنه موقف يساري راديكالي في كوبا اليوم، من منظور الماركسية الثورية.

أن تكون يساريًا في كوبا اليوم يعني، في المقام الأول، أن تكون داخل الثورة، وأن تشارك فيها، وأن تكون جزءًا منها، وليس ضدها أو خارجها. والدفاع عنها من أعدائها، والمساهمة في تعميقها وتقدمها، والتحذير من الأخطار المحدقة بها، والمساعدة في درءها أينما جاءت. بمعنى آخر، الحفاظ على موقف الالتزام النضالي تجاه الثورة، والذي يمكن من خلاله انتقاد أخطائها وأوجه قصورها، وبالتالي المساهمة في تحسين عملنا الجماعي.

يجب أن تكون السمة المميزة لليسار الكوبي هي المناهضة الأكثر راديكالية للرأسمالية، السمات التي تجد مرجعياتها الرئيسية في فكر فيدل وتشي، وفي نوع البلشفية الكوبية للستينيات، التي كانت في المجموعة الفكرية المتمركزة حول مجلة "الفكر النقدي" احدى أهم تعبيراتها النظرية.

ويعني فهم أن العدو الرئيسي للثورة الكوبية هو الإمبريالية الأمريكية والثورة المضادة الرأسمالية المدعومة و المشجعة من قبلها، و العمل وفقًا لذلك. أن محور البدائل في كوبا اليوم ما زال محسوما بين الثورة والثورة المضادة، أو بمعنى آخر بين الاشتراكية والرأسمالية.

وهذا يعني أن نفهم أن مضايقات وعدائية الإمبريالية الأمريكية، الأقوى في التاريخ، هي جزء من الواقع المعادي الذي كان على العملية الثورية الكوبية أن تتطور فيه، والتي ساهمت في تكييف ممارساتها وقراراتها. كان على الشعب المقاوم، الذي ناضل بشدة من أجل الدفاع عن حقوقه ومكتسباته، أن يكيف أشكاله المؤسسية والديمقراطية مع مناخ العدوان الدائم، مع ضمان أكبر قدر ممكن من المشاركة والدفاع عن المشروع. وفي الطريق الذي سلكناه منذ ذلك الحين، ارتكبنا الأخطاء وتراكمت النواقص، لكننا كنا فعالين في ضمان بقاء الثورة. أي تقييم للديمقراطية الثورية الكوبية ومؤسساتها يجب أن يأخذ في الاعتبار هذا العامل: ضرورة الدفاع عن نفسها من أعدائها وعدم ترك ثغرات مفتوحة لهم.

عمليا، لم تشهد الأجيال الشابة من الناس الذين يعيشون اليوم في كوبا سوى الفترة الخاصة[فترة بعد تفكك الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي و أوروبا الشرقية-المترجم]، بما فيها من نقص وعدم مساواة. لقد اطلقت التناقضات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الحادة في قلب المجتمع الكوبي، والتآكل المستمر الذي أحدثته في القيم الاشتراكية والروحانية وأسلوب الحياة الذي مارسناه على مدى ستة عقود. بالنسبة لهم، لا يجد خطاب الثورة عن العدالة والرفاهية مرجعًا يؤشر اليه في واقعنا اليومي، بل والأسوأ من ذلك عندما يتم استخدام الشعارات البالية والمخططات المبتذلة. تقع على عاتقنا مسؤولية هائلة لمساعدة الأجيال الجديدة على تثقيف نفسها ليس بالمحاكاة والمعايير المزدوجة والانتهازية والإجماع الزائف الذي يسبب الكثير من الضرر، ولكن بالتفكير النقدي والملتزم والتمرد على الاخطاء و اللاعدالة وكل ما يتعارض مع الجوهر المساواتي و التحرري لمشروعنا الاجتماعي. لقد طور أعداؤنا الإمبرياليون استراتيجية عالمية للإخضاع الثقافي تستثمر في كسر الهمم عند الشباب، وتشجيع اللامبالاة بينهم، ورفض السياسة أو ازدراءها، وتقييد محادثاتهم واهتماماتهم بالموسيقى أو الملابس أو غيرها من المواد الاستهلاكية العصرية. ويغذي رأس المال قوته الاجتماعية على تلك اللامبالاة. في كوبا، كانت لهذه الظاهرة، وهي إحدى العواقب المؤسفة العديدة للأزمة الهائلة التي شهدناها في التسعينيات، أشكال من التأثير وهي خطيرة بشكل خاص على بقاء مشروعنا الثوري ولا يمكن مواجهتها إلا بمحاربة الشكلية وإفراغ المحتوى في حياتنا السياسية.

اعتاد الرئيس سلفادور الليندي أن يقول إن كونك شابا وعدم كونك ثوريا كان حتى تناقضا بيولوجيا. لكن في كوبا، لا يمكن تفسير روح تلك العبارة على أنها طاعة وانضباط وامتثال لما يتم توجيهه من الأعلى إلى الأسفل، بل على أنها تمرد والتزام. الالتزام بجهود العدالة الاجتماعية التي ورثها لنا آباؤنا، وهو جهد يجب أن نحافظ عليه ونعززه. ولكن، إذا كان الأمر ببساطة هو الدفاع عن التقاليد، فربما لا يستحق الأمر ذلك، لأنه كان بها أيضًا قيود وعيوب، مثل أي جهد بشري، غالبًا ما يفعل ما في وسعه وليس ما يريد، في مواجهة الرجعية المستمرة والعدوان. يتعين علينا أن نبني مجتمعًا أفضل، مجتمعًا نعيش فيه ونتركه لأبنائنا وأحفادنا، وهو أمر ممكن فقط إذا تخلينا عن الطاعة السلبية لما يقرره الآخرون، وتصرفنا وفقًا لقيمنا النقدية والفعالة والاستباقية والمبتكرة و الالتزام المدروس بالاشتراكية.

الاستنتاجات

إن السلطة التي كانت تتمتع بها القيادة التاريخية للثورة بشكل شرعي، بدعم من الشعب وباسمه، والتي سمحت لنا بالصمود في أصعب الظروف، لا يمكن نقلها إلى بيروقراطية تهتم أولاً وقبل كل شيء بمصالحها الخاصة، ويمكن أن تلعب دوراً مضاداً للثورة في الأزمات، كما حدث في الاتحاد السوفييتي. ويجب أن يمتلك الشعب الكوبي هذه السلطة و يستخدمها، وأن يكون منظمًا في هياكل فاعلة تسمح له باتخاذ القرارات الأساسية في البلاد.

ونظراً لعدم قدرتنا على إعادة تدوير الأساليب الرأسمالية القديمة ، إذا أردنا حقاً تحقيق أهدافنا التحررية، فإن الطريقة الوحيدة أمامنا لزيادة إنتاجيتنا وكفاءتنا، ولتوليد النمو الاقتصادي بالوسائل الاشتراكية، هي من خلال الوعي والتعليم وتكوين رجال و نساء جدد وعلاقات إنتاج اجتماعية جديدة فيما بينهم . وبهذا المعنى، فإن سيطرة العمال الحقيقية على حياتنا السياسية ونشاطنا الاقتصادي هي ضرورة حيوية للمرحلة الانتقالية، ونمط وجودها ذاته، والطريقة الصحيحة لتطوير القوى الإنتاجية لأمتنا بالمعنى الاشتراكي.

لا يمكن للثورة أن توجد إلا إذا كانت قادرة و باستمرار على إعادة التفكير، والمراجعة، والتجديد لذاتها – وهذا يعني تثوير نفسها بشكل دائم. يجب إعادة بناءها مراراً وتكراراً. إذا توقفت السلطة عن كونها أداة للتحرر وأصبحت غاية في حد ذاتها، فإننا نكون قد أضعنا طريق الاشتراكية. يجب ألا نتوقف عن جهودنا لتحقيق العدالة والديمقراطية والحرية للجميع. لدحر جميع أشكال الهيمنة وتعزيز قضية الحرية، لا يمكن للثوري أن يكتفي بأقل من ذلك.

جامعة الشرق
شارع باتريسيو لومومبا إس/إن
ألتوس دي كوينتيرو
سانتياغو دي كوبا
كوبا
[email protected]

ملاحظات

1 على سبيل المثال، كان الإنجاز الاستثنائي الذي حققته كوبا في مواجهة الوباء ممكنا لأنها نفذت ثورة اشتراكية وكان لديها اقتصاد مؤمم ومخطط. وما فعلته كوبا في تلك الفترة هو دليل آخر على تفوق الاشتراكية. ومن اللافت للنظر حقًا أن دولة متخلفة اقتصاديًا مثل كوبا، ذات اقتصاد مختنق، تمكنت من تطوير لقاحات ضد فيروس كورونا بسرعة. كل الإمكانات العلمية والبنية التحتية الإنتاجية التي جعلتها ممكنة كانت بفضل الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا الحيوية الذي قامت به كوبا تحت قيادة فيدل، في أسوأ لحظات الفترة الخاصة، الاستثمار الذي تحت ضغط الأولويات العاجلة و معايير السوق الاقتصادية الضيقة غير ممكنة التحقيق. إن الاقتصاد المخطط يجعل من الممكن تخصيص الموارد حيث تحدد سياساتنا أن هناك المزيد لنكسبه من أجل حماية الحياة وتنميتنا الكاملة كبشر.

2«إن العمال، بعد استيلائهم على السلطة السياسية، سوف يدمرون الجهاز البيروقراطي القديم، ويهدمونه من أساسه، ولن يتركوا حجرًا دون أن يقلبوه، وسيستبدلونه بجهاز جديد يتكون من العمال والموظفين أنفسهم، الذين اتخذت التدابير ضد تحولهم إلى بيروقراطيين، بواسطة تطبيق الاجراءات التفصيلية التي ذكرها ماركس وإنجلز دون تأخير: 1) ليس فقط التعيين، بل أيضًا قابلية الابعاد في أي وقت؛ 2) ألا يزيد الراتب عن أجر العامل. 3) الإدخال الفوري لنظام يؤدي فيه الجميع وظائف الرقابة والتفتيش، وسيكون الجميع “بيروقراطيين” لبعض الوقت، بحيث لا يمكن لأحد أن يصبح “بيروقراطيًا”. لينين (1997)، ص. 132.

3 "أمام كل من يتظاهر بالمساهمة في التغيير المستمر للمجتمعات والشعوب، وهو الطريق إلى التحرر الاشتراكي، هناك توتر دائم بين السلطة والمشروع. ربما تكون هذه هي المشكلة الأكثر دراماتيكية للاشتراكية". مارتينيز هيريديا (2018)، ص. 1246. “إن العلاقات والتوترات والتناقضات بين السلطة والمشروع، والسيطرة والحرية، والوحدة والتنوع، والعلاقات الاقتصادية وتكافؤ الفرص، والسلطة والمشاركة، هي – في جملة أمور – موضوعات الاشتراكية الكوبية”. المرجع نفسه، ص. 874.

4 "إن أطروحتنا هي أن التغييرات التي حدثت نتيجة للسياسة الاقتصادية الجديدة (NEP) قد تغلغلت بعمق في حياة الاتحاد السوفييتي لدرجة أنها ميزت المرحلة الحالية بأكملها ببصماتها. وكانت نتائجها محبطة: فقد كان البناء الفوقي الرأسمالي يؤثر بشكل ملحوظ أكثر فأكثر على علاقات الإنتاج، ويتم حل الصراعات التي أثارها التهجين الذي قصدته السياسة الاقتصادية الجديدة لصالح البناء الفوقي. إنها العودة إلى الرأسمالية”. جيفارا (2006)، ص. 7.

مراجع

كاسترو، فيدل. 2005. "الخطاب الذي ألقي في الذكرى الستين لقبول فيدل في جامعة هافانا." 17 نوفمبر. هافانا، كوبا. http://www.cuba.cu/gobierno/discursos/2005/esp/f171105e.html

جيفارا، ارنستو تشي. 2006. Apuntes críticos a la Economía Política، هافانا، كوبا: Ocean Sur-Centro de Estudios.

لينين، فلاديمير أ . 1997. الدولة والثورة. مدريد، إسبانيا: مؤسسة فيديريكو إنجلز.

مارتينيز هيريديا، فرانسيسكو. 2018. "كوبا والفكر النقدي لنستور كوهان." In Pensar en timepo de revolución: Antología Esencial. بوينس آيرس، الأرجنتين: CLACSO.
----------------. 2018. "رؤية كوبا للاشتراكية والتحرر". In Pensar en timepo de revolución: Antología Esencial. بوينس آيرس، الأرجنتين: CLACSO.