من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر63


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 24 - 23:01     


اصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الثالثة والستون
المادية التاريخية
تابع

ب – البروليتاريا والحريات
يشتد اهتمام البرجوازية للقيام بحروب الاعتداء، في فترة أزمة الرأسمالية العامة، حين تزداد تناقضات الاستعمار عمقاً. يضاف إلى الاستعداد للحرب، بين الدول الرأسمالية، تهيئة الحرب ضد الاتحاد السوفياتي، وضد البلاد التي قامت فيها سلطة الطبقة العاملة. ولا يمكن للرأسماليين ألا أن يريدوا الحرب، على أن لا تتعرض فيها الرأسمالية إلا لأقل الأخطار طبعاً، وذلك كوسيلة لإنقاذ الرأسمالية، وكحل للأزمة وتناقضات النظام الرأسمالي. ولكن إذا كان صحيحاً أن الاستعمار هو السبب الموضوعي للحروب، فأن القيام باعتداء يتطلب شروطاً ذاتية. ولهذا كان على البرجوازية أن تهيء جنود المستقبل للاعتداء، وأن تستميل، إلى جانب قضية الاستعمار، أغلبية الأمة. فكان من الضروري أن تسكت القسم الواعي، في الطبقة العاملة، التي تناضل من أجل السلم، وتقف في وجه الاستعمار، وتدافع عن بلد الاشتراكية. ولا يمكن لأية برجوازية، في تلك المرحلة، أن تندفع في الحرب بدون أن تضمن مؤخرتها، وأن تلجم طبقتها العاملة والشعوب المستمرة التي تضطهدها وتعتمد عليها كمعين لها. وما الفاشية ألا نتيجة لهذا الضرورة.
فهي، بالإضافة إلى ذلك توفر وسائل سياسة اقتصادية تقوم على محاولة أنقاذ الرأسمالية بالتعجيل في التجمع الرأسمالي، فتقع على كاهل البرجوازية المتوسطة نتائج الأزمة الاقتصادية وتمنعها بقسوة من استخدام أية وسيلة للتعبير السياسي ويغذي القضاء على البرجوازية المتوسطة دعاية اجتماعية غوغائية، إذ تدعى الفاشية، أمام الطبقة العاملة أنها ثورية تناهض الرأسمالية، ولكنها تقدم للطبقات المتوسطة التي هدمتها، تعويضاً، بواسطة الحرب، والتوسع الاستعماري و"المجال الحيوي"، كما تقدم الدعاية القومية الغوغائية.
ولهذا تدعي الفاشية، في جميعها لهاتين الدعايتين، أنها قومية اشتراكية، وما النزعة المناهضة للسامية سوى رحيق هاتين الدعايتين، لأنها تمزج الدعاية الغوغائية المناهضة للرأسمالية بالكراهية القومية والعنصرية.
تمثل الفاشية حكم الأولغارشية المالية غير المنازع. و "دكتاتورية أشد عناصرها رجعية وتعصباً واستعماراً، وهي دكتاتورية إرهابية واضحة". ولا يفرض هؤلاء أوامرهم على الطبقة العاملة فقط، بل على كل الاقتصاد الرأسمالي. والبرجوازية، حين تفتتح هذه الصورة للدولة أنما تسعى لتمديد أجل الرأسمالية في نزعها الأخير، وذلك بفضل تأثير الدولة على الاقتصاد. ويبدو هذا التأثير، بصورة أساسية في الحرب الوحشية التي تهدم قوى الإنتاج. الفاشية هي تهيئة الحرب، وهي الحرب ذاتها . الفاشية هي تصفية الديمقراطية البرجوازية منذ فترة الاستعداد للحرب. والدولة الفاشية هي الحاجز "الذي لا يقهر" الذي تود البرجوازية أقامته في وجه قوى المجتمع الصاعدة، حتى تفرض عليها قبول الحرب، أمام أمرين لا بد منهما في آخر مراحل الرأسمالية: أما الانتقال إلى الاشتراكية أو معناة الحرب الاستعمارية الدورية.
ولقد قال موريس توريز: طأن الفاشية هي الإرهاب الدامي ضد الطبقة العاملة، والقضاء على المنظمات العمالية، وحل النقابات الطبقية، ومنع الأحزاب الشيوعية، وتوقيف المناضلين العمال الثوريين، وتعذيب أفضل أبناء الطبقة العاملة واغتيالهم. الفاشية هي اندفاع الحيوانية، والعودة مظاهرات القرون الوسطى المعادية لليهود, والقضاء على كل ثقافة، وسيطرة الجهل والهمجية،هي الحرب الكريهة .
والاستعانة بالفاشية دليل على أن البرجوازية تشعر أنها ستفقد الأكثرية بين الجماهير، وهي شرط لا تستطيع بدونه إعلان الحرب. ولهذا كانت الاستعانة بالفاشية دليلاً على ضعف البرجوازية، وأنها بدلا من تعتمد على رصيد مغتصب، أصبحت لا تملك سوى الإرهاب. غير أن انتصار الفاشية يعني أن البرجوازية قد توصلت إلى عزل الطبقة العاملة، وأنها نجحت في مناورتها السياسية، وأنها نظمت إرهابها الطبقي، وأنها سوف تستطيع إعلان الحرب. وتأخير ساعة سقوطها سنوات طويلة.
للدولة الديمقراطية البرجوازية والدولة الفاشية نفس المحتوى الطبقي، غير أنهما ترتبطان بمراحل مختلفة من نمو تناقضات الرأسمالية ونضال الطبقات. ولهذا تحاول الفاشية، كي تستميل إليها الجماهير، أن تتقنع بقناع الثورة القومية الاجتماعية. فكان موسوليني يقول: "الاشتراكية البروليتارية أسطورة قديمة، والفاشية أسطورة جديدة" وإذا كانت البرجوازية تلجأ إلى الفاشية، فلأنها في ضعفها تجد في الفاشية أفضل وسيلة لإنقاذ نظامها. ولهذا كان لدور الدولة الفاشية أهمية رئيسية بالنسبة لها. وكما كان على الطبقة العاملة أن لا تمكنها من اصطناع هذه الأداة لاستعبادها ولهذا لا يمكن للطبقة العاملة أن لا تهتم بصورة الدولة البرجوازية. "ويحاول زعماء الاشتراكية الديمقراطية معتمدين على نزعة مادية ساذجة، أن يذيعو الفكرة القائلة بأن صورة سيطرة الطبقة لا تهم الطبقة العاملة ألا قليلا، لأنها "على كل حال" مسيطر عليها. غير أن الطبقة العاملة يهمها أن تنتهي من هذه السيطرة في أسرع وقت. ويحاول وزعماء الاشتراكية الديمقراطية بحججهم الواهية، أن يضعفو الطبقة العاملة، أمام الفاشية المعتدية، فهم يعملون لحساب البرجوازية.
كان موريس توريز هو الذي وقف، في فرنسا، في وجه التقليل من أهمية الصور التي ترتديها دكتاتورية البرجوازية فلقد أظهر، في الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر السابع للعالمية الشيوعية، أهمية الديمقراطية البرجوازية، بالنسبة للطبقة العاملة، بالرغم من طابعها الضيق:
الديمقراطية البرجوازية هي أقل ما يمكن من الحريات التي لا تنفك البرجوازية الحاكمة من تضييقها، ولكن هذه الحريات تمكن، مع ذلك، الطبقة العاملة والفئات الكادحة من أن تعبيء نفسها وتنظمها ضد الرأسمالية .
ولعله من الخطأ الاعتقاد بأن النضال من أجل الديمقراطية يمكنه أ، يميل بالبروليتاريا عن رسالتها التاريخية. ولقد أشار لينين إلى أن الجمهورية الديمقراطية بالرغم من أنها لا تقضى قط على سيطرة الرأسمالي ولا على اضطهاد الجماهير ونضال الطبقات، فأنها تؤدي حتما إلى امتداد النضال واندفاعه ونموه وتازمه فتتضح عندئذ إمكانية تحقيق مصالح الطبقات المحرومة الأساسية، ولا بد من أن تتحقق هذه الإمكانية في دكتاتورية البروليتاريا حتما .
وهذا مثال رائع على الجدلية، يدل على حالة "تتحول فيها الكمية إلى كيفية" وقد تحققت تماماً وبصورة منهجية فأصبحت الديمقراطية بروليتارية بعد أن كانت برجوازية .
ولهذا كانت "الرسالة حول الوضع السياسي ومهمات الحزب الشيوعي الفرنسي" التي أقرها المؤتمر الثلث عشر للحزب تذكر في المسألة 15 تعاليم لينين:
لا يمكن للبروليتاريا أن تستعد لقهر البرجوازية، دون أن تقوم بالنضال في جميع الميادين، نضال ثوري من أجل الديمقراطية .
ويجب أن ننتبه، في أيامنا هذه، لجميع الصور التي ترتديها تصفية شرعية البرجوازية. ولما كانت البرجوازية مضطرة، بتأثير الجماهير، إلى الإبقاء على الصورة الديمقراطية فأنها تهتم بحرمانها من نتائجها. وهذا ما يسمى بصبغ الدولة بالفاشية.
هذا السهم موجه ضد الطبقة العاملة ولما كانت البرجوازية ترغب في أن تتجنب حكم الرأي العام فأنها تتآمر. حتى إذا حلت الانتخابات قامت بتنظيم محكم لكبح الطبقة العاملة. وتتعدد صور هذا الكبح التاريخية من مثل: فرض الضريبة، أو اعتماد انتخاب الدورتين، أو انتخاب اللائحة بالأكثرية أو انتخاب الفرد بالأكثرية، أو البالوتاج، أو التنازل، أو الانتخاب بالولاء، أو تعديل المناطق الانتخابية، أو تزوير اللوائح الانتخابية، أو زيادة مصطنعة للأصوات، أو تدخل المحافظ، أو منع الجرائد الديمقراطية، أو اتهام المرشحين، الخ...
ونحن لا نزال نذكر الحجج الواهية لتأجيل دعوة المجلس الوطني عام1954 حين طلب العمال المناضلون ذلك. وقد أصبحت دعوته واجبة دستوريا بعد طلب ثلثي نواب المجلس:
أ – قرر رئيس المجلس، منذ تقلى طلب الفريق الشيوعي، بأن هذا الطلب لا قيمة له أنه يجب التقدم بطلبات فردية.
ب _ قررت أغلبية مكتب المجلس، في 21 آب بعد أن وصلها 229 طلبا، الطلبات المرسلة باللاسلكي ملغاة (لم يكن المحافظون يعتبرون أوامر القمع المرسلة لاسلكيا من الوزارة ملغاة).
ج – وصل في 24 آب 211 طلباً فرفضت أغلبية المكتب اعتبار أربعة امضاءات مما جعل عدد الطلبات أقل من 209 وهو العدد المطلوب.
د – جمع في 5 أيلول 219 طلباً جديداً، فأكتشف المكتب عندئذ فجأة أن أعمال الترميم في المجلس تضطره إلى تأجيل دعوة المجلس شهراً، أي إلى صبيحة عودة المجلس العادية. وهناك أمثلة أخرى: منع الطلبة من التقدم لامتحان دخول مدرسة الإدارة الوطنية بسب ميولهم أو أصلهم الجزائري. بينما تقرر مقدمة الدستور قائلة: "لا يمكن لأي شخص أن يرزء في عمله أو خدمته بسبب أصله أو آرائه أو معتقداته"،
وهذا ما يدلل على فكرة "التسرب" المشهورة في الدولة البرجوازية، تلك الفكرة العزيزة على قلب القادة الاشتراكيين الذين يدعون بأن الطبقة العاملة يمكنها أن "تتسرب"إلى الدولة البرجوازية.
يضرب العمال مستخدمين حقا دستوريا لهم! فترسل الحكومة لهم في زمن السلم أوامر غير شرعية بمصادرتهم، بموجب قانون وضع لزمن الحرب، ولكن الشرع يختلف فيما يتعلق بمصادرة المساكن!
فإذا كانت القوانين تمس مصالح البرجوازية أمتنعت حكومة البرجوازية عن تطبيقها، كما أنها تقف إلى جانب أصحاب العمل الذين لا يطبقونها: وكذلك شأن الأجور والمعاشات وقانون المصلحة العامة، وقوانين التأمين الاجتماعي
تستخدم البرجوازية، في صبغها للدولة بالصبغة الفاشية جميع الوسائل فهي تنظم تزوير الانتخابات، كما تؤجل، لأجل غير محدود، المناقشات البرلمانية، وتحاول وضع جميع الموظفين تحت حماية محافظيها، وتقوم برشوة الشرطة، وتطالب بتعديل الدستور، بصورة رجعية، تحمى نشاط المغامرين، أنصار أعمال القمع العسكرية، وتفتتح نظام مراسيم القوانين.
وأخيراً تنتقل للتآمر ضد الطبقة العاملة ومنظماتها، فتحاول أن تعميق عملها الشرعي، معتمدة على "المبدأ" القائل بأن الضمانات الشرعية لا تطبق على الطبقة العاملة، وهي تلغي تأمين أشخاص المواطنين، وتقوم بالتوقيف الاحتياطي، بدون اتهام، وبدون ملف للقضية، كما تقوم بالتفتيش في غياب من يعنيهم الأمر، كما تسرق أوراق الأشخاص الموقوفين، وتخترع التهم أثناء التحقيق! وفي نفس الوقت تحيط منتخبي الطبقة العاملة بجو من التهديد برفع الحصانة النيابية، وتدعى جر المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وتقوم بالتهويل على القضاء، وتحمي مرتكبي الاغتيالات ضد القضاء! كما كان باربوس يقول: "لقد سقطت من يديها وثيقة حقوق الإنسان منذ أمد طويل ".
نرى إذن أن نضال الطبقة العاملة، في مثل هذه الظروف، ضد الدولة البرجوازية، ومحاولاتها الفاشية، يتفق مع النضال من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية، تلك الحريات التي داستها البرجوازية بأقدامها، بينما تملك الطبقة العاملة القوة للعمل على احترامها إذا مااتحدت. مثال ذلك أنه كان يستحيل في 21 آب 1953، على مكتب المجلس أن يعارض في دعوة البرلمان لو أن القادة الاشتراكيين الديمقراطيين للنقابات المنشقة لم يوجهوا، قبل بضع ساعات ضربة قاضية للإضراب فأعلنوا استئناف العمل. حتى إذا ما اتحدت الطبقة العاملة أصبحت لديها القوة لتنمية نشاطها في جميع الميادين، بفضل الشرعية الديمقراطية البرجوازية.
للطبقة العاملة أسباب طبقية مبدأية للدفاع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية، ضد الدولة البرجوازية. كحرية إنشاء النقابات التي فازت بها والتي لها أهميتها الرئيسية في نضالها الاقتصادي، وحرية تنظيم نفسها في قوة سياسية مستقلة، تستطيع أن تستمر في سياسة تلائم رسالة البروليتاريا التاريخية.
المشكلة التي تشغل، اليوم، ملايين العمال الذين يعيشون في ظروف الرأسمالية، هي تحديد موقفهم من الصور التي ترتديها سيطرة البرجوازية في مختلف البلدان: نحن لسنا فوضويين، كما أننا لسنا غير مبالين بمشكلة معرفة نوعية النظام السياسي القائم في بلد ما. هل هي دكتاتورية برجوازية في صورة ديمقراطية برجوازية ولو كانت تتمتع بأضيق الحقوق والحريات الديمقراطية، أم هي الدكتاتورية البرجوازية في صورتها الفاشية المفضوحة؟ ولما كنا أنصار الديمقراطية السوفياتية فأننا ندافع عن كل شبر من أرباحنا الديمقراطية التي انتزعتها الطبقة العاملة، خلال سنوات طويلة من النضال العنيد، كما أننا نناضل بعزم لتوسيع هذه الأرباح.
كم من تضحيات تجشمتها الطبقة العاملة في انجلترا قبل أن تنال حق الإضراب، والاعتراف بوجود النقابات شرعياً، وحرية الاجتماع، وحرية الصحافة، وتوسيع حق الانتخاب الخ.. كم من عشرات آلاف العمال بذلوا أرواحهم في المعارك الثورية التي نشبت، في فرنسا في القرن التاسع عشر، لينالوا الحقوق الأولية وإمكانية تنظيم قواهم للنضال ضد المستغلين! لقد بذلت البروليتاريا، في جميع البلدان، الكثير من الدماء لتفوز بالحريات الديمقراطية البرجوازية. ولهذا ندرك عزمها على النضال بكل قواها للمحافظة عليها .
لقد ضمنت البروليتاريا نموها السياسي بفوزها بالحريات الديمقراطية البرجوازية، مع أن البرجوازية قد تصورت هذه الحريات لاستعمالها الخاص.
كتب لينين يقول: أحرزت الجمهورية الديمقراطية، كما أحرز الانتخاب العام تقدما ضخما بالنسبة للرق: فلقد مكنا البروليتاريا من الوصول إلى هذا الاتحاد، وهذا التكاتف اللذين تتمتع بهما الآن، وأن تكون صفوفها المنظمة التي تقوم بنضال منظم ضد رأس المال ولولا النزعة البرلمانية والانتخاب لاستحال نمو الطبقة العاملة بهذا الشكل
لهذا كان قول الزعماء الاشتراكيين الديمقراطيين، بأن الماركسيين اللينينيين ينهجون سياسة الأسوأ، ويفضلون الفاشية على الجمهورية، غيبة ونميمة. لقد رأينا، عدة مرات الأهمية التي تعلقها الماركسية على دور الأفكار التي تتسرب إلى الجماهير، وتصبح قوة مادية، وتسمى عاملا فعالا في التغيرات السياسية الضرورية للتحول الاجتماعي، متى تحققت الظروف الموضوعية. ولكن هل يمكن إذاعة هذه الأفكار الماركسية بين الجماهيرإلا بواسطة الدعاية الصريحة لهذه الأفكار، تلك الدعاية التي تسمح بتعبئة الجماهير وتنظيمها من أجل العمل السياسي؟ أفضل الشروط إذن بالنسبة للبروليتاريين الثوريين هي، في المجتمع الرأسمالي، ظروف الجمهورية الديمقراطية، التي يستطيع بفضلها حزبهم أن يشرح صراحة للجماهير الفقيرة سياسته:
والماديون الساذجون، الذين يجعلون الجدلية، ولا يعرفون دور الأفكار وأهميتها. يمكنهم أن لا يعبأوا، مع الفوضويين بصورة الدولة البرجوازية.
كتب لينين يقول، معلقاً على ملاحظة لانجلز في نقده لمشروع البرنامج الاشتراكي الديمقراطي لعام 1891:
يكرر انجلز هنا، مع توضيحها، الفكرة الآساسية التي تضع خطأ أحمر على جميع مؤلفات ماركس، وهي أن الجمهورية الديمقراطية هي أقصر الطرق المؤدية إلى دكتاتورية البروليتاريا . Dip not yok
يلاحظ ديمتروف، في تتمة النص المذكور آنفاً، أن موقف الطبقة العاملة من الديمقراطية البرجوازية تفرضه أسباب طبقية، وأن هذا الموقف يحدده موقف القوى المناهضة للثورة من الديمقراطية البرجوازية. وهو يلاحظ أن الثورة الفاشية المناوئة هي التي تهاجم، اليوم، الديمقراطية البرجوازية، محاولة إخضاع العمال لنظام الاستغلال والإرهاق البربري.وعلى الجماهير العاملة أن تختار، اليوم، في عدد من البلاد الرأسمالية، ليس بين دكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية البرجوازية، بل بين الديمقراطية البرجوازية والفاشية .
ولقد أختصر موريس توريز تعاليم الجدلية الماركسية حول هذه المسألة في عام 1934 في المؤتمر القومي للحزب الشيوعي الفرنسي في الكلمات التالية:
يناضل الشيوعيون ضد جميع صور الدكتاتورية البرجوازية حتى ولو ارتدت هذه الدكتاتورية صورة الديمقراطية البرجوازية. غير أن الشيوعيين لن يهملوا قط الصورة التي يرتديها النظام السياسي للبرجوازية. فهم يكشفون القناع عن عملية انحطاط الديمقراطية البرجوازية الرجعي، ممهدة الطريق أمام الفاشية. لقد دافعوا، ويدافعون، وسوف يدافعون، عن جميع الحريات الديمقراطية التي فازت بها الجماهير نفسها، وأولاها جميع حقوق الطبقة العاملة.
توجد الطبقة العاملة، في نضالها ضد الفاشية للدفاع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية، أساساً للتحالف مع الطبقات المتوسطة وطبقة الفلاحين العاملين، تلك الطبقات التي ترتبط بالحريات الديمقراطية وتذهب ضحية دكتاتورية رأس المال الكبير. فهي تعمل على فصل هذه الطبقات عن البرجوازية الكبرى، وعزل البرجوازية، وحرمانها من انصارها بين البرجوازية الصغرى. يدعم النضال ضد الفاشية، إذن، قوة تحالف البروليتاريا، والفلاحين والطبقات المتوسطة، تلك القوة التي بدونها لا يمكن الخلاص من ذلك السد الذي تقيمه القوى الرجعية في وجه التقدم الاجتماعي.
ولا تنسى الطبقة العاملة، في نضالها من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية، أنها تناضل أيضاً من أجل حرية أسمى، هي حرية العمال، وقد تحرروا من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، أن يمارسوا سلطة دولة من نوع جديد، فهي التعبير عن أرادة غالبية الأمة العظمى، وأن يجعلوا الدولة تقوم بتطبيق واع لقوانين الطبيعة والمجتمع لمصلحة المجتمع.
تناضل الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية والبرجوازية وتوسيعها. لهذا النضال، إذن، محتوى اجتماعي يختلف نوعياً عن نضال البرجوازية من أجل "الحرية".
ولا يمكن إيجاد علاقات إنتاج جديدة اشتراكية، تعمي انتقال الإنسان إلى الحرية الفعلية، ألا بازدهار الديمقراطية بأوسع معناها.
ندرك الآن الصلة بين المسألة السياسية لنضال طبقة العمال، من أجل الحرية الديمقراطية، وبين المسألة النظرية لتطبيق قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، كما ندرك الصلة بين آخر مؤلف نظري لستالين (مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي) وبين هذا المقطع من خطابه، في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي:
كان للبرجوازية، في الماضي، أن تتظاهر بالنزعة المتحررة، فكانت تدافع عن الحريات الديمقراطية البرجوازية فتوجد هكذا شعبية لها. أما الآن فلم يبق أي أثر للنزعة المتحررة. ولم تعد توجد" الحريات الفردية" المزعومة، ولا يعترف اليوم بحقوق الفرد ألا لأولئك الذين يملكون رأس مال بينما سائر المواطنين يعتبرون مواد إنسانية خام صالحة فقط للاستغلال. لقد ديس بالأقدام مبدأ المساواة في الحقوق بين الناس والأمم، وحل محل المبدأ الذي يعطي كل الحقوق للأقلية المستغلة، وحرم غالبية المواطنين المستغلين من حقوقهم.
لقد القي براية الحريات الديمقراطية البرجوازية.وأعتقد أن عليكم، يا ممثلي الأحزاب الشيوعية والديمقراطية، أن ترفعوا هذه الراية وتحملوها وتتقدموا بها إلى الأمام، إذا أردتم أن تجمعوا حولكم غالبية الشعب. وليس أحد غيركم يستطيع رفع هذه الراية .
يتبع