من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر62


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 24 - 10:31     


اصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الثانية والستون
المادية التاريخية
تابع

4 – نضال الطبقات والحرية
ا – البرجوازية و "الحرية"
كان لنضال البرجوازية التاريخي من أجل "الحرية" محتوى طبقي.
فإذا كانت البرجوازية، في زمن الثورة البرجوازية قد جعلت من نفسها نصيراً للحرية فذلك:
أ‌) لأنها كانت بحاجة إلى أن تجد في السوق يداً عاملة حرة قد تحررت من قيود الإقطاع، لا تتعلق بسيد، يمكنها أن تضمها إلى صناعتها أو تنبذها في البطالة حسب حاجات الإنتاج الرأسمالي.
ب‌) لأن نمو قوى الإنتاج الجديدة يتطلب حرية التجارة وحرية الأعمال، وإزالة قيود الاقتصاد الإقطاعي.
ج) لأن "الحرية الفردية" هي الصورة القانونية السياسية التي تعبر أفضل تعبير عن صورة الملكية الخاصة، التي هي أساس البرجوازية، وهي الثروة قد تمثلت بالمال الذي يزيل كل علاقة شخصية بين أعضاء المجتمع. وأساس فكرة الحرية الفردية هي الملكية الخاصة البرجوازية، وأن كانت البرجوازية تريد أن توهم الناس، على العكس، بأن فكرة الفرد المطلقة هي التي تبرر الملكية الخاصة!
د) لأن البرجوازية بنصرتها للحرية، توجد أساساً فكريا للتحالف السياسي مع طبقات الشعب الأخرى التي تناضل ضد الإقطاعية: كالفلاحين وفئات متعددة من البرجوازية الصغرى، فكانت الثورة الديمقراطية البرجوازية هي الطريقة الوحيدة للنجاح في نضال ضد الإقطاعية.
ولنلاحظ أن هذه البرجوازية التي تعلن عن نفسها بأنها "متحررة" هي نفسها التي ترفض حق الانتخاب "للمواطنين السلبيين"، كما ترفض حق الشراكة للعمال عام 1791!
وهكذا تكون حدود نزعتها المتحررة هي حدود مصالحها الطبقية تماماً.
توجد البرجوازية، المنقسمة على نفسها، بسبب خواص الرأسمالية والمضاربة إلى فئات تختلف مصالحها، صوراً لتنظيم السياسي خاصة: وهي تعدد الأحزاب البرجوازية، والنزعة البرلمانية.
ولما كانت المصالح الخاصة بفئة من البرجوازية يجب أن تظل تابع لمصالح الطبقة العامة الدائمة، فإن البرجوازية تحدد حقوق البرلمان، وتفصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية، وتحول دون إشراف البرلمان على إدارة الدولة.
وإذا كانت البرجوازية اتجهت فيما بعد نحو الانتخاب العام الشامل "في أواسط القرن التاسع عشر" ونحو النزعة البرلمانية الديمقراطية، فلهذا أسباب واضحة.
نما النضال الطبقي، وأخذت البروليتاريا تطالب بحقوقها السياسية، وأخذت أهمية الرأي العام تزداد لأنها امتدت إلى طبقات جديدة نشيطة قد نمت بتأثير الصناعة الكبرى، فإذا بالجمهورية الديمقراطية تخفي حينئذ سيطرتها الطبقية، كما أن الأجر المدفوع في نهاية اليوم يخفي الاستغلال الطبقي.يضاف إلى ذلك أن الجمهورية الديمقراطية لم تصبح بعد خطراً على البرجوازية، لأن البروليتاريا لم تكن في هذه الفترة، مستقلة فكريا. فمن السهل إذن الحصول على أصواتها بواسطة دعاة البرجوازية، فتزول نتيجة الانتخاب العام الشامل بطريقة خاص للانتخاب. وهكذا ألا يلزم قدر من الثقافة حتى يصبح المرء نائبا، ولهذا تمتنع البرجوازية "الديمقراطية" عن أن تأتي بأي عمل لتثقيف الجماهير، سياسيا، بصورة ديمقراطية! كما أن مهمة المدرسة الابتدائية الإجبارية هي تنشئة هذه الجماهير على الاحترام البرجوازية.
كما أن السياسيين البرجوازيين يجرون على قاعدة وهي التناقض بين وعودهم وأعمالهم في البرلمان، ويعكس هذا التناقض تعارض المصالح بين الشعب والبرجوازية.
وعلى كل حال فقد كانت فوائد الانتخاب العام، في هذه الفترة، بالنسبة للبرجوازية أكثر من مضاره. فإذا منحته وثقت علاقاتها بالجماهير وأصبحت شعبية عندها فزادت بذلك قوتها السياسية.
ألم يعتد كافور، البرجوازي الكبير المتحرر، على القول:
أسوأ المجالس أفضل من أسمى المجتمعات خارج هذه المجالس"
– La pire des Chambres"
"vaut mieux la meilleuredes anti-chambres
مشيراً بذلك إلى مصلحة البرجوازية في أقامة واجهة برلمانية لتأييد الرأي العام. كما كان يؤكد قائلا:
"لم اشعر قط بضعفي كما كنت أشعر أثناء عطل المجالس ولقد كتب
لينين يقول:
تزداد ثقة الثروة في الجمهورية الديمقراطية كلما كانت لا تتعلق بغطاء سياسي سيء للرأسمالية، وهكذا بعد أن يستولي رأس المال على هذا الغطاء، وهو الأفضل، يقيم سلطته بشكل متين فلا يستطيع أي تغيير للأشخاص، أو المؤسسات أو الأحزاب، في الجمهورية الديمقراطية البرجوازية، أن يزعزع هذه السلطة .
ويعني هذا أن الانتخاب العام في الدولة البرجوازية، يعجز عن أن يعبر تماماً عن إرادة أغلبية العمال، وأن يضمن تحقيق هذه الأرادة. حتى لو أنه أصبح قادراً على ذلك فأن البرجوازية تسرع في القضاء على تأثيره، فتلغي، مثلا، التمثيل النسبي، وتأتي بالانتخاب القائم على الأكثرية أو القائم على"الولاء" وكل هذه أساليب للتزوير برع فيها دي جسبيري في ايطاليا وأيدناور في ألمانيا. إذ كل شيء حسن لمنع الانتخاب العام من التعبير عن إرادة الشعب.
يظهر، في أكثر الدول الرأسمالية ديمقراطية، التناقض باستمرار، بين الشرعية التي تعترف بها القوانين، والشرعية التي تلغيها الوقائع، بين الدساتير، التي تمنح الشعب الحريات الديمقراطية، وبين الفقر الذي يمنعه من استخدمها كاملة، بين الحرية الصورية والتبعية الفعلية .
ولا يعني هذا قط، كما سنرى، أن على البروليتاريا أن لاتأبة لطالع الدولة البرجوازية الديمقراطي، كما أدعى زعماء الاشتراكية الديمقراطية الانتهازيون، صنائع الفاشية.
يتبع