من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر59


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 21 - 14:51     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة التاسعة و الخمسون
المادية التاريخية
تابع

وقد اختصر لينين في صيغة موجزة النظرة العلمية لأصل الدولة، قال: الدولة هي ثمرة التعارضات الطبقية المتناحرة ومظهره ا
يجب إذن، كي ندرك أصل الدولة، أن ننظر في قوانين الإنتاج الموضوعية، التي تولد، في مرحلة من مراحل نمو قوى الإنتاج، الملكية الخاصة واستغلال الإنسان للإنسان، وبالتالي ضرورة توطيد دعائم هذه الملكية الخاصة. الدول، إذن هي نتيجة تاريخية ضرورية لنمو المجتمع الاقتصادي، وهي لا تفسر قط "بالخطيئة الأصلية" و "الأرادة الآلهية" والفكرة الأخلاقية" و "ووظيفة التنظيم".
وهذا ما لا يفهمه الفوضويون، أسرى النزعة المثالية على المستوى النظري. وكما أن أنصار الدولة البرجوازية يدعون بأن الدولة ضرورية لحصر رداءة الإنسان وخبثه الأصليين، وكذلك يرى الفوضويون في الدولة ثمرة قوة شريرة، وغريزة السيطرة". فهم يفصلون الدولة عن أساسها الطبقي، ويعتبرونها قوة مستقلة تعمل لمصلحة الذين يتوصلون إلى السيطرة والاستيلاء عليها. فهم ينكرون أصل الدولة التاريخي وضرورة ظهورها الموضوعية في فترة معينة.
يؤدي ذلك إلى نتيجة مهمة على المستوى العملي: إذ يفصل الفوضويون النضال ضد الدولة البرجوازية عن النضال الطبقي والنضال الشعبي. فهم يقيمون في وجه الدولة – في – ذاتها الفرد، ويدعون إلى طريقة في النضال تقوم الأعمال الفردية. فتكون النتيجة السياسية لذلك أن تصبح الفوضوية سريعاً تعلة سهلة لعملاء البرجوازية المشاغبين في الحركة العمالية. كما تؤدي، من جهة ثانية، المعارضة الفوضوية للدولة – في – ذاتها، أي معارضة الفرد والجماهير، إلى معاداة السلطة الاشتراكية وهي سلطة العمال والفلاحين. فتكون النتيجة السياسية لذلك أن تستخدم الفوضوية كتعلة للإرهاب المناهض للسوفيات. وهكذا تلتقي، بالرغم من الظواهر، "نظريات" المؤرخين البرجوازيين الذين يرون، في حرب 1914، مثلا، نتيجة "لإرادة القوة في الدولة"، والتغني" بالثورة من أجل الثورة في كتاب "كامو" "الإنسان الثائر" المناهض للسوفيات.
ولنشر مع ذلك، إلى أن هذا التقديس الذي يجعل من الدولة قوة قائمة بنفسها، وتجسيدا "للفكرة"، كما تقول الفكرة الخاطئة المثالية، يعتمد على ميزة خاصة أشار إليها انجلز في النص المذكور أعلاه. ولنذكر أن قوة الدولة المادية، لوحدها، لا تكفي. وهذا ما برهنت عليه جميع الثورات الكبرى. فقد أثارت، في وضح النهار، مشكلة العلاقات بين "شراذم الرجال المسلحين الخاصة" وبين تنظيم الشعب بالسلاح من تلقاء نفسه". فدلت على أن نهاية النضال -، في مثل تلك الحال، سريعة وليست في صالح الطبقة المستغلة. إما إذا كانت قوة الدولة، على العكس، يساندها قسم من الشعب، فإن التاريخ يدلنا على الحروب الأهلية التي يحوم الشك حول نهايتها. وهذا يعني أنه إذا اعتبر المستغلون الدولة كما هي، أي أداة لاستبعادهم، فإن هذا يزعزع سيطرة المستغلين بصورة خطيرة. لا يحتاج هؤلاء المستغلون، إذن، لسلطان جهاز الدولة فقط بل إلى أظهار هذا الجهاز على أنه جهاز الدولة الأسمى، وإلى إثارة الخوف منه. يجب أن تضع الدولة نفسها، في الظاهر، فوق المجتمع، وفوق ألوان النضال الاجتماعي. كما يجب أن تبتعد أكثر فأكثر عن المجتمع، وأن تحيط نفسها بهالة من الأسرار، فتبدو كأنها قوة سماوية تحلق فوق جبل من الغيوم والبروق، يركع أمامها كل الناس. وفي كل مرة يحدث فيها مثل ذلك، تقوم الطبقات السائدة بتأييد رئيس الدولة. حتى إذا لم يعد ذلك ممكنا تعللت "بالمصلحة العامة" الغريبة التي لا يدركها عقل عامة الناس! ذلك هو عماد النظريات المثالية عن الدولة. ويدل الحاح الطبقات السائدة على تصوير الدولة كأنها تجسيد قوة عليا، على أن هذه الطبقات تعلم جيداً أن قوة الدولة الحقيقية إنما تقوم على دعم الرأي العام لها وعلى ما لها من رصيد أمام الجماهير وما تتمتع به من ثقة، أي أن قوة الدولة تقوم على أفكار. ولنستمع إلى "لانييل" الرأسمالي ورئيس الحكومة، كيف خاطب المضربين في آب سنة 1953:
"علي أن أخاطبكم الآن بلغة الدولة، لأن الدولة، والدولة وحدها، هي التي يجب أن تحكم في الخصومات بين المصالح الخاصة، في الديمقراطية".
وهكذا تصبح مصالح الرأسمالي "لانييل" الخاصة هي التي تدافع عنها الدولة. وهو يعترف بذلك في دعوته إلى "تحكم" الدولة. أولا تعبر مطالب ملايين العمال المشروعة إلا عن مصالح خاصة، كما لو أن مصلحة الذين يعملون ليست أصدق تعبير عن المصلحة العامة. يبحث "لانييل" في قلبه لعناصر المشكلة، عن مساندة الجماهير له أو قسم منها، لأنه بدون هذه المساندة لا يمكن أن يستمر حكم الطبقة السائدة. ولهذا كان من ضروري أن تدافع الدولة الرأسمالية عن مصالح الرأسماليين الخاصة باسم المصلحة العامة، ولكي تكف الجماهير عن مساندة الدولة البرجوازية يجب شيئان:
1 – أن تدرك هذه الجماهير أن "المصالحة العامة" المزعومة التي تدافع عنها الدولة ليست ألا مصلحة الرأسماليين.
2 – أن تفهم أن مصلحة الرأسماليين لم تعد، منذ أمد طويل، تتفق مع مصلحة الأمة.
يتبع