من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر57


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 19 - 22:38     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة السابعة و الخمسون
المادية التاريخية
تابع

4– شروط الانتقال من الاشتراكية على الشيوعية
ندرك الآن الشروط الثلاثة الرئيسية الضرورية لتحقيق الانتقال إلى الشيوعية وتهيئة تحقيق الانتقال الحقيقي وليس الانتقال الوهمي، التي حددها ستالين بوضوح في آخر كتاب له. يتعلق الشرط الأول، حسب تعاليم الماركسية، الإنتاج، بيمنا يتعلق الشرط الثاني بالأساس الاقتصادي، ويتعلق الشرط الثالث بتحويل المجتمع الثقافي.
1 – يتعلق الشرط الأول الإنتاج. نعلم أن الماركسية، على عكس النظريات البرجوازية الصغيرة، "كالاقتصاد التوزيعي" أو "شيوعية الاستهلاك" أو "اقتصاد الرخاء"، لا تفصل قط بين الاستهلاك والإنتاج، فإذا أرادنا أن نستطيع سد "حاجات كل فرد"، فإنه لا يكفي أن نتحمس للهدف بل، يجب اتخاذ الوسائل للوصول إليه. لهذا كان من الضروري ليس ضمان "تنظيم عقلاني" أسطوري لقوى الإنتاج، بل ازدياد مستمر لكل الإنتاج الاجتماعي مع أفضلية نمو إنتاج وسائل الإنتاج .
نلاحظ أنه، فيما يتعلق بالإنتاج، من الخطأ تماماً أن نعتبر التنظيم والتخطيط غابة في ذاتها. لأن الهدف هو زيادة الإنتاج. وهذا الهدف متعلق نفسه بهدف أخر إلا وهو سد الحاجات إلى أقصى حد، أي حاجات الإنسان. وليس قانون النمو المنسجم في الاقتصاد، الذي يتيح التخطيط، هو القانون الأساسي في الإقتصاد الإشتراكي,بل أن قانون الإشتراكية الأساسي هو قانون سد الحاجات المادية والثقافية لجميع أفراد المجتمع إلى أقصى حد.
نعلم أن ازدياد الإنتاج يحدث في الاشتراكية على أساس تقنية عليا تتيح رفع إنتاجية العمل بصورة لا تجعل من الممكن فقط زيادة الإنتاج، في نفس مدة العمل، بل تخفيض هذه المدة. يضاف إلى ذلك أن هذه التقنية العليا العلمية تمحو بالتدريج الفروق بين العمل اليدوي والعمل الفكري. وهذه ميزة من ميزات الشيوعية، فالوسيلة هنا أيضاً غاية، ذلك لأن إنسان الشيوعية الذي يكون مع كل حاجاته، الهدف النهائي، هو نفسه موجود في الإنسان الذي يمهد للشيوعية وتنمى كل مواهبه. ولا نجد مثالا، في أي مكان آخر على الحقيقة الجدلية التي تقول بتماثل الهدف والسائل أفضل، كما أننا لا نرى في مكان أخر، كما نرى هنا، أن الإنسان هو بداية الشيوعيةو نهايتها وأنه "أثمن رأسمال لها".
يعني ازدياد الإنتاج، أيضاً، أنه بعد القضاء على تعارض الطبقات، فأن النضال الذي يحتل مكان الصدارة – وأن كان لا يجري إلا ضمن حدود علاقات الإنتاج، وضمن حدود النضال بين القديم والجديد – هو نضال ضد الطبيعة: إذ يجب تحويل الطبيعة للتمهيد للشيوعية، وتحويل سطح الأرض، والمناخ، وإصلاح الشبكة المائية، والغابات، وتجفيف المستنقعات، وإزالة الصحاري، وإحياء الأراضي، أيجاد أنواع جديدة من الحيوانات، والنبات، ومد وسائل الاتصال، وإدخال الآلة في الأعمال الشاقة، الخ...
وما مشاريع الشيوعية الضخمة ألا دليل على هذا النضال العظيم ضد الطبيعة.
غير أنه، كي نستطيع مواصلة تنمية قوى، يجب تحويل علاقات الإنتاج. ومن هنا كان:
2 – الشرط الثاني يتعلق بالأساس الاقتصادي، ونظام الملكية. لهذا من المهم، بعد كل ما رأيناه، أن نرفع بالملكية الكولخوزية، على مستوى الملكية القومية،و ذلك على مراحل تدريجية، مع توفير الربح للكولخوز أي لجميع المجتمع، وأن نستعيض عن تداول السلع بنظام لتبادل المنتوجات، على مراحل تدريجية أيضاً حتى تستطيع السلطة المركزية، أو أي مركز اجتماعي اقتصادي أخر، التصرف بجميع منتوجات الإنتاج الاجتماعي لمصلحة المجتمع .
يتحقق، بواسطة هذه الوسائل، على أكمل وجه، وفي كل مرحلة من مراحل النمو الاجتماعي، الترابط التام بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، ولهذا انخفض عدد الكولخوزات بين أول تموز 1950 وتشيرين الأول 1952 من 240000 إلى 98000 يمهد إذن تجمع الملكية الكولخوزية بواسطة دمج الكولخوزات – أي بدون سحب ملكيتها – لزوال الفرق الأساسي بين الصناعة والزراعة – وهو فرق يتعلق بطريقة الملكية الاجتماعية – ويبشر بميلاد المجتمع الخالي من الطبقات، حيث لن يسيطر بعد الآن سوى الملكية الإشتراكية للشعب بأكمله,كما أن دائرة تداول السلع – بعد أن ضاقت بالتدريج - قد يحل محلها نظام لتبادل المنتوجات. غير أنه يجب كي نصل إلى هذه المرحلة انتصار وعي جديد على الوعي القديم. ومن هنا كان.
3 – الشرط الثالث يتعلق بالثقافة. لأننا نعلم أن الشيوعية لا يمكن أن توجد إلا أصبح العمل حاجه حياتية وأصبحت القواعد الأساسية لحياة المجتمع عادات. ولهذا وجب الوصول إلى ازدهار ثقافي للمجتمع، يضمن لجميع أعضائه تنمية مواهبهم الجسدية والفكرية، في جميع الميادين، حتى يستطيع أعضاء المجتمع تلقي قدر كاف من ثقافة ليعملوا بنشاط على نمو المجتمع، ويستطيعوا اختيار مهنة لهم بحرية فلا يضطروا، بسبب تقسيم العمل، إلى ممارسة مهنة واحد طيلة حياتهم .
يتفق تحويل كل مواطن إلى عامل نشيط في النمو الاجتماعي تماماً مع النظرة السامية التي تنظرها الماركسية إلى تأثير الأفكار على حياة المجتمع المادية، كما يتفق مع نظرية الماركسية السامية أيضاً إلى تأثير الناس في التاريخ، وإلى حرية الإنسان كمبدع. يتضح أنه – إذا لم يصبح الإنسان عاملا نشيطا، واعيا للنمو الاجتماعي،و إذا لم يكن حرا في اختيار عمله – فأن الملكية الاجتماعية لن تصبح قط عادة ولن يصبح العمل حاجة.
ماذا يجب كي نصل إلى هذه النتيجة؟ يجب "تغييرات جدية في حالة العمل" (ستالين).
أ‌) تخفيض ساعات العمل اليومي إلى 6 ساعات على الأقل. ثم إلى 5 ساعات. مما يسمح لكل فرد أن يكون لدية متسع من الوقت لتلقي ثقافة شاملة، غير أنه يجب من أجل ذلك:
ب‌) جعل الثقافة البوليتكنيكية جبرية كما تنبأ بها فورييه وماركس، إذ يجب على كل فرد من المجتمع أن لا يعرف بصورة سطحية بل بصورة علمية "لما كانت النظرية والتطبيق العملي غير منفصلين قط" مبادىء في فروع التقنية الصناعة التقدمية الكبرى، وأن يتمثل العلوم الاجتماعية وأفضل ما في الحضارة الشاملة. وهكذا يستطيع كل فرد أن يختار بحرية مهنة له فلا يظل طيلة حياته يمارس نفس النشاط. ومع ذلك، يجب أيضاً، لتحقيق أفض الظروف للدراسة.
ج) تحسين ظروف السكن بصورة جذرية وأخيرا
د) مضاعفة أجر العمال الحقيقي، وربما زيادته فوق ذلك، وذلك برفع الأجر مباشرة وتخفيض سعر السلع الكثير الاستهلاك مما يمهد للرخاء الشيوعي.
ولنلاحظ أن إنشاء لتعليم البوليتكنيكي، الذي بدأه مشروع الخمس سنوات، يمهد لزوال الفرق الأساسي بين العمل الفكري والعمل اليدوي، العمل الصناعي والعمل الزراعي. فتقف عملية تقسيم العمل القديمة التي تشوه الشخصية الإنسانية.
كتب ستالين، مختصرا الشروط الثلاثة الأساسية، يقول:
متى تحققت فقط جميع هذه الشروط اللأزمة في مجموعها نستطيع أن تأمل في أن يصبح العمل في أعين أفراد المجتمع "حاجة الحياة الأولى" (ماركس) وليس مهمة شاقة، وبدلا من أن يكون العمل عبئاً ثقيلا يصبح غبطة و فرحا" (انجلز)" كما ينظر جميع أعضاء المجتمع إلى الملكية الاجتماعية على أنها الأساس الأول لوجود المجتمع.
متى تحققت جميع هذه الشروط اللأزمة في مجموعها، نستطيع الانتقال من الصيغة الاشتراكية القائلة: "من كل فرد حسب كفاءاته ولكل فرد حسب عمله" إلى الصيغة الشيوعية القائلة: "من كل فرد حسب كفاءاته، ولكل فرد حسب حاجاته".
وسوف يكون ذلك هو الانتقال التام من اقتصاد، هو اقتصاد الاشتراكية، إلى اقتصاد آخر سام هو اقتصاد الشيوعية .
5 – الخلاصة
ليست الشيوعية عصر سيادة تقنية يعترف بها أعداؤها على أنها سامية حقا، ولكنهم يصورونها على أنها لا تأبه بالإنسان بل تعاديه. ليست الشيوعية قط "تنظيمها عقلانيا لقوى الإنتاج" بل هي سيادة الإنسان الذي أصبح أخيراً سيدا لمصيره بفضل معرفة قوانين الطبيعة والمجتمع الموضوعية.
فالإنتاج مرتبط بالإنسان وحاجاته. وليس هدف الشيوعيين توزيع البؤس بالتساوي، بل سد حاجات الجميع.
والتقنية هي لتخفيف تعب الناس وإزالته. وهكذا استخدام، في الاتحاد السوفياتي، خلال ثلاث سنوات، 1600 نموذج جديد من الآلات لتخفيف الجهد الإنساني.
الشيوعية هي الإنسان وقد تحرر من أوصاب الملكية الخاصة ومن عبودية الماضي الروحية. ولما كانت واثقة، من طريق التجربة، بأنها لا تعمل من أجل أقلية من المستغلين، بل من أجل خير المجتمع، فأنها تحقيق أعظم المشاريع.
تولد الشيوعية كنتيجة لعمل ملايين العمال الواعي الخلاق. ولهذا كانت نظرية التلقائية القائمة على إطلاق الحرية laisser – aller غريبة على تكوين الاشتراكية الاقتصادي .
يفوز كل إنسان بواسطة الشيوعية، بالحرية الملموسة، التي هي "قوة ايجابية لتقرير فرديته الحقة" (ماركس – انجلز). ولما كان الإنسان يشترك مع أمثاله في ممارسة الديمقراطية التامة، فإنه يشترك بذلك، بصورة واعية في تكوين مستقبله.
فهو في الوقت الذي يصبح فيه، بواسطة استخدامه للآلة، "سيداً للطبيعة ومالكا لها" – كما يريد ديكارت – فأنه يحول حياته الخاصة ويصبح سيد نفسه ومالكا. فيعكس كل فرد أجمل معالم الإنسانية الكاملة.
يجعل أعداء الاشتراكية، وعملاؤهم من كل نوع من الاشتراكية نظاما يقضي على الفرد. وليس هناك من نظرة أكثر بدائية ولا أكثر سذاجة من هذه النظرة، فلقد أصبح واضحا أن النظام الاشتراكي قد ضمن تحرير الشخصية الإنسانية، وتفتح الإبداع الفردي والجماعي، وأنه أوجد الظروف المواتية لنمو المواهب التي تملكها الجماهير الشعبية في كل الميادين .
هذه الفكرة هي التي أوحت لأليوار هذه الأبيات:
نلقي بحطب الظلمات في النار ونحطم أفعال الظلم الصدئة فسوف يقبل الناس لا يخافون أنفسهم لأنهم واثقون من جميع البشر فلقد زال العدو في صورة الإنسان وحسب قول انجلز، الذي أشار إليه موريس توريز في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الفرنسي، فإن النضال من أجل الحياة الفردية ينتهي بواسطة الاشتراكية والشيوعية. فيخرج الإنسان عندئذ من مملكة الحيوان، ليتجلى عن ظروف الحياة الحيوانية وينعم بظروف إنسانية حقاً.
يتبع