من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر55


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 18 - 14:09     

اصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الخامسة و الخمسون
المادية التاريخية
تابع

2 – مرحلة المجتمع الشيوعي العليا
حين يبلغ المجتمع الشيوعي مرحلته العليا، وتزول تبعية الأفراد الذليلة لتقسيم العمل، كما يزول التعارض بين العمل الفكري والعمل اليدوي، فلا يعود العمل وسيلة للحياة فقط، بل يصبح الحاجة الأولى الحياتية, وتزداد قوى الإنتاج مع نمو الأفراد وتفيض مصادر الثروة الجماعية، يمكن حينئذ تخطي حدود القانون البرجوازية الضيقة، ويستطيع المجتمع أن يعلن عاليا: "على كل فرد أن يؤدي حسب طاقاته وأن ينال حسب حاجاته .
"حجة" البرجوازية الرئيسية فيما يتعلق بما تدعيه من "استحالة تحقيق" الشيوعية أن المجتمع لن يستطيع أن يقدم لكل فرد "حسب حاجاته" أي مجاناً دون يحاول كل فرد، عندئذ، أن يعمل "أقل ما يمكن" وهكذا يأتني الفقر بسرعة! تعتقد البرجوازية أن الإنسان، وهو فريسة الخطيئة الأصلية"، كسول، بطبيعته، لا يعمل إلا إذا أجبر على العمل وحمل عليه، فيحاول الاستفادة إلى أقصى حد من عمل غيره. تعكس البرجوازية، بهذا الاعتقاد، نظرتها الخاصة "للعمل"! أما العقلية التي تكتفي "بحدود القانون البرجوازية الضيقة" وتحسب كما فعل شيلوك فتقول: "لا يجب أن أعمل نصف ساعة زيادة عما عمل غيري، ولا أنال أجراً أقل منه " فهي ليست سوى نتيجة لشروط الاستغلال الرأسمالي. ولهذا يمكن فهمها تماماً.
ذلك لأن شروط استغلال الإنسان لأخيه الإنسان أوجدت، منذ آلاف السنين، كراهية العمل الشديد المرهق. ولهذا جعل نمو قوى الإنتاج الضعيف، حتى وقت متأخر في عهد الرأسمالية، وعدم الاهتمام بتخفيف مهمة العمال بواسطة تقنية خاصة، كل ذلك جعل من العمل مهمة شاقة – كما كرس تقسيم العمل، الذي كان في البدء شرطاً لتقدم قوى الإنتاج, كل إنسان في عمل يزاوله مدى الحياة – ولا سيما في الصناعة الحديثة حيث أصبح كل إنسان أسير عمل جزئي بقوم به، يضاف إلى ذلك أن تقسيم العمل إلى فكرية ويدوي قد حرم العامل اليدوي من كل نشاط خلاق، وجرد العامل اليدوي من كل إمتاع. لهذه الأسباب جميعا أصبح العمل شاقا.
غير أن هذا الوضع ليس أبديا. فهو وليد ظروف مادية معينة ولهذا يزول بواسطة ظروف مادية أخرى. فقد كان هلفتيوس يعتقد أن النشاط المنتج المتعدل السليم ضروري، بصورة حياتية، للإنسان وسعادته إذ أن الشرور، في نظره، لا يمكن أن تأتي إلا عن الكسل والعمل المرهق. كما حيا فورييه "العمل المغري" الذي يتفق وميول العمال وكفاءاتهم ومواهبهم على أنه من نصيب المجتمع المقبل. ويعطينا النشاط العلمي والفني، في المجتمع المنقسم إلى طبقات، صورة عما يمكن أن يكون عليه عمل كل إنسان في المجتمع الشيوعي, فهو ليس شاقا بل متعة وتفتحا. كما أنه يجب أن نلاحظ أن المقارنة ناقصة لأن الفنانين والعلماء في المجتمع الرأسمالي ليسوا دائماً في منجى من العوز والفاقة، فإذا بهم يجدون جهدهم الخلاق محدوداً بنظام الاستغلال.
تمزج التقنية التقدمية، في المجتمع الشيوعي، العمل اليدوي بالعمل الفكري، كما أنها تسمح بتخفيض ساعات العمل، فتتيح للعامل الفراغ لتحسين تخصصه إذ تمكنه من أن لا يكون طيلة حياته أسير نفس المهمة، ولهذا فلن يشوه العمل شخصية الإنسان بل سوف يكون أسمى تعبير عن هذه الشخصية. إذ به ينمي كل منا مواهبه، ويصبح العمل، بعد تحرره من الاستغلال، الحاجة الأساسية لكل فرد.
وسوف يعطي كل منا حسب طاقاته. وتعجز العقلية البرجوازية" هنا أيضا، عن أن تدرك ذلك لأنها تعتقد أن الدافع لكل نشاط إنساني هي المصلحة الخاصة التي تعارض المصلحة العامة. غير أنه كلما تقدم المجتمع الشيوعي كلما توطد الوعي الاشتراكي الذي يعتقد أن المصلحة الشخصية والمصلحة العامة صنوان. ويصبح إدراك مصلحة المجتمع بأكملها عادة "طبيعية" كحساب شيلوك الدقيق في الرأسمالية وكما أن الملكية الخاصة قد تسربت الآن إلى العادات، فكذلك تتسرب الاشتراكية والشيوعية. وسوف يعتاد الناس على مراقبة قواعد الحياة الاجتماعية الأساسية ويعملون بإرادتهم وضميرهم حسب طاقاتهم ويأخذون بحرية من وسائل الاستهلاك حسب حاجاتهم.
ليست الثورة الاشتراكية، كما نرى، سوى بداية تحول طويل للمجتمع والناس.
ويهمنا أن نرى إلى أي حد تكذب الفكرة البرجوازية السائدة، التي تقول بان الاشتراكية شيء ميت جامد لا يتطور، مع أن الحقيقة هي أن الاشتراكية بداية حركة تقدم سريع حقيقية في مجتمع ميادين الحياة الاجتماعية والخاصة" حركة شعبية حقا تشترك فيها الأغلبية في أول الأمر ثم تعم جميع السكان .
غير أن الشيوعية تفترض زوال "برجوازي اليوم الصغير، القادر... على تبذير" "الثروات العامة والمطالبة بالمستحيل بدون طائل ". ولا شك أن هذا البرجوازي الصغير يعتقد أنه خالد. فهو واثق بغباء أن أنانيته وضيق تفكيره ينحتان وجه الإنسان الخالد. فإذا ما قال الماركسيون أن الإنسان يتحول وسوف يتحول مع المجتمعات، هز كتفيه ساخراً وعدّ ذلك القول وهما وخيالا. والخيال في الحقيقة هو الاعتقاد أن أفكار البرجوازي الصغير سوف تستمر إلى ما لا نهاية بعد زوال الظروف الاجتماعية للمعيشة.
ومع ذلك فأن "نظام المصنع" الذي سوف تخضع له البروليتاريا الظافرة المجتمع بأكمله ليس المثل الأعلى ولا هو الغاية النهائية بل هو "خطوة ضرورية لتخليص المجتمع من أوزار الاستغلال الرأسمالي، وضمان السير إلى الأمام في المستقبل .
ولقد عدد ستالين، مستخلصا تعاليم كتب ماركس وانجلز ولينين، ميزات المجتمع الشيوعي كما يلي:
أ‌) لن يكون هناك ملكية خاصة لآلات الإنتاج ووسائله بل ستكون ملكية اجتماعية جماعية.
ب‌) لن يكون هناك طبقات ولا سلطة دولة ، بل سيكون هناك عمال في الصناعة والزراعة يديرون أنفسهم بأنفسهم اقتصاديا كجمعية حرة للعمال.
ج) سيعتمد الاقتصاد القومي، المنظم حسب مخطط موضوع، على تقنية عليا سواء في ميدان الصناعة أو ميدان الزراعة.
د) لن يوجد فرق بين المدينة والقرية، بين الصناعة والزراعة.
هـ) ستوزع المنتوجات حسب مبدأ الشيوعيين الفرنسيين القدماء، وعلى فرد أن يؤدي حسب طاقاته وأن ينال حسب حاجاته".
و) سيستفيد العلم والفنون من ظروف مواتية كفاية لبلوغ تفتحهما الكامل.
ز) سيصبح الفرد حراً حقاً بعد أن تخلص من هم خبزه اليومي، ولن يحاول إرضاء "جباري هذا العالم ".
ويضيف ستالين إلى ذلك قوله: "الخ" ولقد عرض ستالين، في آخر سنة من حياته، بصورة رائعة، الأفكار التي بسطها ماركس وانجلز ولينين، متعمدا على التجربة التاريخية لبناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، كما حدد شروط الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية.
يتبع