انبعاث الأدوار الاقليمية في المنطقة العربية

معقل زهور عدي
2006 / 12 / 3 - 10:44     

يتساءل كثيرون عن حقيقة المواقف المستجدة لبعض الدول العربية ذات الأدوار الاقليمية ؟ فجأة يبدو كأن عصا سحرية تمر فوق الرؤوس لتجعلها تستفيق من سبات عميق وتبدأ تفكر وتتحرك بزخم غير معهود .
ماالذي جرى في هذا الشرق العربي المنكود ليثير الحماسة ويغير نبرة الخطاب السياسي ؟
يعرف كل ملم بالتاريخ السياسي للمنطقة العربية تباين أدوار دوله في صنع ماهو عام ومشترك في ذلك التاريخ بل في التدخل في السياسات الداخلية وامتلاك خيوط الفعل والتأثير .
ثمة دول مركزية فاعلة ومؤثرة وأخرى نصف فاعلة وثالثة بالكاد يسمع صوت لها في الأزمات الكبرى .
لكن ما شهدناه منذ 11 ايلول 2001 وبصورة خاصة منذ احتلال العراق هو انكفاء السياسات الاقليمية لصالح السياسة الأمريكية التي غدت القوة الاقليمية الكبرى في المنطقة فضلا عن كونها القطب الأوحد في العالم .
بدافع الخوف والشعور بالتهديد تراجعت أدوار الدول الاقليمية لتتمركز حول الدفاع عن ذاتها وتقديم أية قرابين لنيل رضى الآلهة الأمريكية التي لايهدأ غضبها ، لكن بعد حوالي أربع سنوات من انطلاق الحملة العسكرية لاعادة احتلال المنطقة العربية بدأت الأجواء تتغير ، فالآلهة الأمريكية أصيبت وهوت هيبتها ، وكعب أخيل العراقي فضح أنها لاتستطيع الدفاع عن نفسها أمام مقاومة عراقية غير قابلة للهزيمة ، بالأحرى لم يعد الوحش النازف الواقع في الفخ يثير الخوف سوى لأولئك الذين تورطوا وربطوا مصيرهم به وصدقوا نظرية فوكوياما في نهاية التاريخ وانصياع التاريخ للقوة الأمريكية التي لاتقهر .
تبلور تلك الحقيقة وانكشافها بدأ يعيد تشكيل المشاعر والأفكار في المنطقة ، وبدون شك فقد شكلت حرب لبنان صدمة نفسية كبيرة لكل من اسرائيل وأمريكا بحيث أضافت نتيجة تلك الحرب زخما للفكرة التي كانت تتبلور حول محدودية القوة الأمريكية المتحالفة مع القوة الصهيونية في صنع ( الشرق الأوسط الجديد) .
حين بدأت الاشارات تطلق من الولايات المتحدة عن الحاجة لأدوار اقليمية من أجل تأمين خروج مشرف للقوات الأمريكية من العراق كان ذلك اعترافا ضمنيا بانتهاء حقبة الاندفاعة العسكرية التي بدأت بغزو العراق وأفغانستان ، ودخول المنطقة مرحلة مابعد الانكفاء الأمريكي .
هكذا بدأت كل القوى الاقليمية تعيد حساباتها ، سواء منها ماكان بدافع الطموح والتوسع أو بدافع وعي المخاطر والتحديات القادمة ، ومنذ اليوم سوف نشهد أوسع عملية خلط للأوراق في المنطقة ، ونشوء المحاور والتحالفات ، وربما احتدام الصراع بين تلك المحاور ليصبح هو الموضوع الرئيسي للسياسات الاقليمية بينما يتراجع الدور الأمريكي باضطراد ليصبح داعما لهذا المحور أو ذاك مع الابقاء على المسافة الكافية بتأمين عدم التورط في فخ شبيه بالفخ العراقي .
لكن صعود الأدوار الاقليمية سوف يصطدم سريعا بصعود التيارات الشعبية المقاومة للهيمنة الأمريكية ، فالهيمنة الأمريكية لم تنته بعد ، والحساب بينها وبين شعوب المنطقة مازال مفتوحا ، واذا كان هم الأنظمة ينصرف لتأمين مقومات بقائها واستمرارها ضمن ظروف الانكفاء الأمريكي ، فان للشعوب العربية هما مختلفا ليس من السهل تغييبه أو الالتفا ف عليه .
ليس من المستبعد أن تعمد الأنظمة العربية لاستخدام سياسة الأحلاف كبديل عن الدرع الأمريكي الذي اتكلت عليه فترة طويلة قبل أن تبدأ الولايات المتحدة بالتحول نحو اعتماد التدخل العسكري المباشر لتأمين هيمنة من طراز جديد بدلا عن استخدام الأنظمة العربية مقابل محافظتها على استقرارها بوجه أي تغيير ، وبالتالي قبل أن ينفرط العقد بين الطرفين .
في اللحظة التاريخية الراهنة تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على اعادة شيء من الاعتبار لعقدها القديم مع الأنظمة العربية لكن الحقيقة أن الأرضية التي صنعت التحالف القديم لم تعد موجودة ، لذلك فمن حق الأنظمة العربية أن تفتش عن أدوات أخرى لتأمين مصيرها في المرحلة الصعبة القادمة .

أما الشعوب العربية فلن تلبث أن تلتقط مغزى مايحدث حولها ، وربما نشهد في المرحلة القادمة سباقا بين استعادة توازن نظام الهيمنة على اسس جديدة وبين صعود لحركات شعبية مقاومة وديمقراطية هادفة لالتقاط اللحظة التاريخية من أجل تغيير شامل.