غزّة ومأزق بايدن في الانتخابات الرئاسية


فهد المضحكي
2024 / 3 / 16 - 12:29     

إن حكومة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو مليئة بالمتطرفين الدينيين الذين يعتقدون أن وحشية «إسرائيل» في غزّة هي بأمر الله. يستخدم المتطرفون في «إسرائيل»اليوم، بما في ذلك الغالبية العظمى من المستوطنين «الإسرائيليين» البالغ عددهم 700 ألف أو نحو ذلك، نصوصهم الدينية التي تسمح لهم بقتل الفلسطينيين. يظهر هذا حكومة نتنياهو أمام العالم بأنها تحمل إيديولوجيا دينية من القرن السابع قبل الميلاد وتحاول تطبيقها في القرن الحادي والعشرين. هذا ماتحاول حكومة الولايات المتحدة تغييره: تشذيب خطاب وحرب «الإسرائيليين» في أعين العالم.

ثمة رؤية يعرضها الاقتصادي الأمريكي جيفري د. ساكس، نُشرت بأحد المواقع، يرى فيها أن الغالبية العظمى من العالم اليوم، بما في ذلك الغالبية العظمى من الأمريكيين، لا يتفقون بكل تأكيد مع المتعصبين الدينيين في «إسرائيل». إن العالم مهتم باتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 أكثر بكثير من أهتمامه بالنصوص التي يزعم المتعصبون أن الله سمح لهم من خلالها بممارسة الإبادة الجماعية. إن العالم لا يقبل الفكرة الدينية القائلة إن «إسرائيل» يجب أن تقتل أو تطرد شعب فلسطين من أرضه. إن حل الدولتين هو السياسة المعلنة للمجتمع الدولي، كما أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحكومة الولايات المتحدة.

لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعاني بسبب الانقسام الأمريكي الداخلي من عدم القدرة على الضغط على الحكومة«الإسرائيلية» لتشديب «خطابها وعملياتها العسكرية. إنه عالق اليوم بين اللوبي» الإسرائيلي «، والمجتمع الدولي. ونظرًا لقوة اللوبي «الإسرائيلي»، والمبالغ التي ينفقها في مساهمات الحملة الانتخابية، يحاول بايدن تحقيق الأمر في كلا الاتجاهين: إثبات الدعم «لإسرائيل» وإنكار تأييد «التطرف الإسرائيلي». يأمل بايدن ووزير الخارجية بلينكن جذب الدول العربية إلى عملية سلام أخرى مفتوحة مع اعتبار حل الدولتين بمثابة الهدف البعيد الذي لم يتم تحقيقه أبدًا.

لم يعد أحدّ أن يتوهم في أن «إسرائيل» لا تريد حل الدولتين، وأن الولايات المتحدة ليست جدية في طرحها، ولكن المتشددين «الإسرائيليين» يعرقلون حتى خطوة الإعلان عنها، ويضعون الحكومة الأمريكية في مأزق. هذا ما نستنتجه من رؤية الكاتب. وإلى جانب ذلك، من المعروف أن نتنياهو لا يريد أي شكل للدولة الفلسطينية، وهو يعود إلى أدوات الاستعمار القديم، إذ تسعى خطته إلى تشكيل إدارة محلية، أي لا يريد سلطة لديها امتداد عربي وعالمي، حتى لو كانت طيِّعة خانعة، وقد كان صريحًا وواضحًا في رفض الهوية الفلسطينية ويريد القضاء عليها. يدرك بايدن كل هذا، لكنه لايزال يريد استخدام عملية السلام كورقة توت. كان بايدن يأمل أيضًا حتى وقت قريب في استمرار أمكانية إغراء السعودية بتطبيع العلاقات مع «إسرائيل» مقابل طائرات مقاتلة من طراز F-35، والحصول على التكنولوجيا النووية، والتزام غامض بحل الدولتين في نهاية المطاف... يومًا ما، بطريقة ما، لا أحد يعرف كيفية الوصول إليها.

لكن السعوديين كسروا آمال بايدن وكانوا واضحين في عدم تقبلهم للعب دور في ورقة التوت هذه، حيث أوضحوا ذلك في بيان صدر في 6 فبراير الفائت، قائلين: «المملكة تدعو إلى رفع الحصار عن الأهالي في غزّة، وإجلاء الضحايا المدنيين، والالتزام بالقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتحريك عملية السلام وفقًا لقرارات مجلس ألأمن والأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية التي تهدف إلى إيجاد حل عادل وشامل وإرساء أسس السلام: دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».

على الصعيد الداخلي، يواجه بايدن» لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، وهي المنظمة الرائدة في اللوبي «الإسرائيلي». إن نجاح «أيباك» طويل الأمد يعود في أساسه إلى تحول ملايين الدولارات التي ينفقونها كمساهمات في الحملات الانتخابية، إلى مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية «لإسرائيل»، وهو عائد مرتفع بشكل مذهل. في الوقت الحالي، عملت «أيباك» على تحويل حوالي 100 مليون دولار من تمويل الحملة الانتخابية لانتخابات نوفمبر إلى حزمة مساعدات تكميلية بقيمة 16 مليار دولار «لإسرائيل».

حتى الآن يتماشى بايدن مع «أيباك»، حتى مع خسارته للناخبين الشباب. في استطلاع للرأي أجرته مجلة إيكونوميست/‏يوجوف في الفترة من 21 إلى 23 ديسمبر رأى 49%؜ من الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عامًا أن «إسرائيل» ترتكب إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين. ولم يوافق على زيارة المساعدات العسكرية الأمريكية «لإسرائيل» سوى 21% بينما أيّد 30% من الشباب المستطلعين فلسطين والفلسطينيين. لقد أبعدت «إسرائيل» الشباب الأمريكيين تمامًا.

وبينما يحاول بايدن أن يبدو كمن يدعو إلى السلام على أساس حل الدولتين والحدّ من العنف في عزّة، تجاهل نتنياهو دعوات بايدن، مما دفع بايدن إلى صف نتنياهو بالأحمق في عدة مناسبات. مع ذلك، فإن نتنياهو وحكومته لا يزالان لهما اليد الطولى في واشنطن. فبينما يفرك بايدن وبلينكن أيديهما في العلن استنكارًا للعنف الشديد الذي تمارسه «إسرائيل»، يحصل نتنياهو على القنابل الأمريكية وحتى دعم بايدن الكامل بمبلغ 16 مليار دولار دون خطوط حمراء أمريكية.

ولكي ندرك مدى سخافة الوضع ومأساته، فلنتأمل تصريح بلينكن في تل أبيب في السابع من فبراير، بدلًا من وضع أي حدود للعنف «الإسرائيلي»، وهو الأمر الذي أتاحته الولايات المتحدة، أعلن بلينكن أن الأمر متروك «للإسرائيليين» ليقرروا ما الذي سيفعلونه، وفي التوقيت الذي يقررون به فعله، وبالطريقة التي يريدون بها فعله. لا أحد سيتخذ القرارات عنهم. كل ما يمكننا فعله هو أن نبيّن ما هي الاحتمالات، وما هي الخيارات، وما يمكن أن يكون عليه المستقبل، ومقارنته بالبديل. والبديل الآن يبدو كأنه حلقة لا نهاية لها من العنف والدمار واليأس.

آخر ما فعلته الولايات المتحدة في هذا السياق هو استخدام حق النقض «الفيتو» لرفض مشروع القرار الجزائري في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يدعو إلى وقف لإطلاق النار. حيث وصفت السفيرة الأمريكية ليندا توماس غرينفيلد الجهود المبذولة لتمرير هذا الإجراء بـ«الأماني» و«غير مسؤولة». وقد طرح بايدن بديلًا ضعيفًا، حيث دعا إلى وقف إطلاق النار «في أقرب وقت ممكن»، وهو ما لا يعرف معناه. فمن الناحية العملية، فإن ذلك يعني بالتأكيد أن «إسرائيل» ستعلن ببساطة أن وقف إطلاق النار لم يحن وقته. يتعيّن على الولايات المتحدة أن تتوقف عن الدعم المطلق لسياسات «إسرائيل» المتطرفة وغير القانونية. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تنفق المزيد من الأموال على «إسرائيل» ما لم تلتزم «إسرائيل» بالقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الإبادة الجماعية. يجب على بايدن أن يقف إلى جانب مجلس الأمن في الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، بل وفي الدعوة إلى التحرك الفوري نحو حل الدولتين، بما في ذلك الاعتراف بفلسطين باعتبارها الدولة العضو رقم 194 في الأمم المتحدة، وهي خطوة تأخرت أكثر من عقد من الزمان منذ طالبت بعضوية الأمم المتحدة في عام 1911.