من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر53


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 16 - 00:41     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الثالثة و الخمسون
المادية التاريخية
تابع

-----------------------------------------------------
1 – مرحلة المجتمع الشيوعي الأولى.
2 – مرحلة المجتمع الشيوعي العليا.
3 – قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج في الاشتراكية.
4 – شروط الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية.
5 – الخلاصة.
------------------------------------------------------

من الاشتراكية إلى الشيوعية
رأينا أن هدف الاقتصاد الاشتراكي، حسب قانون الاشتراكية الأساسي، هو سد حاجات المجتمع المادية والثقافية إلى أقصى حد. ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك طالما أن الملكية الخاصة قد زالت.
ولا يعني هذا، مع ذلك، أنه يمكن لكل عضو في المجتمع أن ينال ما يحتاجه بصورة غير محدودة. إذ أن كل فرد، في المجتمع الاشتراكي، ينال حسب العمل الذي يؤديه، ولهذا يجب التمييز بين مرحلتين في نمو المجتمع القائم على الملكية الاجتماعية، مرحلة أولى وتسمى "الاشتراكية" ومرحلة عليا تسمى "الشيوعية". وقد أقام ماركس هذا التمييز بصورة علمية.
1 – مرحلة المجتمع الشيوعي الأولى
ليست الاشتراكية، التي درسناها – إذا نظرنا إليها بالنسبة للمجتمع الشيوعي الذي أتم نموه، سوى مرحلة أولى، وهي تقوم على المبدأ التالي: "على كل فرد أن يؤدي حسب طاقاته، وأن ينال حسب عمله". غير أن مبدأ الشيوعية هو "على كل فرد أن يؤدي حسب طاقاته، وأن ينال حسب حاجاته". ولا شك أن العثرة الرئيسية التي تحول دون أن ينال كل فرد حسب حاجاته، في العالم الحديث، هي الاستغلال الرأسمالي الذي يبذر ثروات العمل الإنساني، والنتيجة الأولى لإزالة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان هي أن العامل يستطيع أن ينال حسب عمله الذي يؤديه دون أن يسلب جزءا من الثروة التي أنتجها، أما أن ينال كل فرد حسب أرادته وحاجاته فيجب أن يصل المجتمع إلى إنتاج كمية كافية من وسائل الاستهلاك. تحقيق هدف الشيوعية، إذن، هو السبب في الأجراءات الأولى التي تتخذها السلطة الجديدة،وهي تسعى لزيادة الإنتاج. غير أن حاجات الفرد اللامحدودة ليست هي التي يمكنها أن تمدنا، في هذه المرحلة، بمبدأ التوزيع. وذلك لأن كل زيادة للإنتاج، إذا أريد لها أن تعيش وتستمر، يجب أن تبدأ بزيادة إنتاج وسائل الإنتاج، إذ يجب، قبل سد حاجات الاستهلاك الفردي، أن نسد حاجات المجتمع المادية إلى وسائل الإنتاج، ولقد رأينا "راجع الدرس العشرين، المسألة 4" أن المجتمع الرأسمالي، في الغالب، يترك للاشتراكية وضعا سيئا جدا لا يتفق فيه إنتاج وسائل الإنتاج مع وسائل الاستهلاك. فلقد نمت الرأسمالية في تشيكوسلوفاكيا مثلا، صناعة خفيفة وفرت للبرجوازية في هذه البلادالتي سميت بالمصنعة" مستوى عالياً للمعيشة.غير أن هذه الصناعة الخفيفة كانت تعتمد في مجملها على الصناعة الثقيلة في البلاد الرأسمالية الكبرى.
يتفق قول الاشتراكية إذن: "على كل فرد أن يؤدي حسب طاقاته وأن ينال حسب عمله" مع الواقع، وهو أنه، في المرحلة الأولى، للمجتمع الشيوعي يجب إيجاد مقياس للاستهلاك.
فأين نجد هذا المقياس؟ في العمل طبعاً. وذلك لأن كمية العمل الذي يؤديه كل فرد ونوعه هما اللذان يحددان القدر الذي يناله من الإنتاج الاجتماعي، وهذه هي الطريقة الوحيدة العادلة لتقدير حقه في الاستهلاك. يضاف إلى ذاك أن العمل هو الشرط الأساسي لازدهار قوى الإنتاج، أي ظهور الشيوعية فيما بعد. وهكذا يهيىء الأجر الذي يناله الفرد على عمله لمرحلة يصبح فيها هذا الأجر غير ضروري لتقدير استهلاكه الفردي!
ومع ذلك فأن مبدأ الاشتراكية " على كل فرد إن يؤدي حسب طاقاته وأن ينال حسب عمله" يكون خطوة كبرى إلى الأمام بالنسبة إلى الرأسمالية المستغلة، حيث لا ينال العامل قط حسب عمله.
يجب على الأفراد، إذن، في المجتمع الاشتراكي، أن يحصلوا بواسطة الشراء على السلع الضرورية لمعيشتهم وهذا الشراء هو الصورة الوحيدة الممكنة لتوزيع سلع الاستهلاك. وبالاضافة إلى ذلك فأن حاجات الجماهير المادية والثقافية تسد إلى الحد الأقصى بواسطة الخدمات الاجتماعية – كمجانية العناية الطبية مثلا – والمؤسسات الثقافية التي لا تعرفها الرأسمالية.
ويجب كذلك أن نعرف لأنه لا يمكن ازدياد الإنتاج، الذي يسمح بتوزيع سلع الاستهلاك حسب حاجات كل فرد، بدون نمو التقنية الهائل. ويتطلب مثل هذا النمو التقني أن يبلغ تخصص العمال وثقافتهم درجة أسمى من الدرجة التي بلغوها في الرأسمالية، التي تحرم الجماهير من الثقافة والعلم. غير أنه طالما أن العمل لم يصبح بالنسبة للفرد حاجة طبيعية كحاجته إلى التنفس والمشي، فالوسيلة لتشجيع التقدم وتخصص العمال هي أن ينال كل فرد حسب نوع العمل الذي يؤديه.
ولهذا تصبح وعود الرأسمالية الخلابة، التي تريد أن تقنع العمال بأنها تستطيع رفع مستوى معيشتهم إذا حسنوا نوعية عملهم، حقيقة، في الاشتراكية، بسبب زوال الاستغلال.
ولهذا يجب، كي نفهم المرحلة الأولى للمجتمع الشيوعي، أن لا ننسى واجب المجتمع الشيوعي في تصفية تركة الرأسمالية الثقيلة في جميع المبادىء.
ولهذا يقول ماركس وانجلز: "نحن هنا أمام مجتمع شيوعي لم ينم حسب الأسس الخاص به، بل على العكس، كما ولد في المجتمع الرأسمالي، وهو مجتمع يحمل لذلك في الميادين الاقتصادية والأخلاقية والفكرية سمات المجتمع القديم الذي خرج من صلبه .
ونحن حين نقول بأن المجتمع الاشتراكي يعطي لكل فرد حسب عمله، لا نعني بذلك أن كل فرد يأخذ فرديا ومباشرة نتيجة عمله كاملة – لأن ذلك وهم البرجوازية الصغيرة، وذلك لأننا إذا نظرنا إلى مجموع إنتاج العمل الاجتماعي يتضح لنا أنه يجب أن نحتفظ بقسم منه من أجل تنمية الإنتاج وبقسم أخر لتجديد الآلات البالية، الخ... وإذا نظرنا لوسائل الاستهلاك رأينا أنه يجب أن نحتفظ بقسم منها لتغطية مصاريف الإدارة، وبقسم آخر من أجل المدارس والمستوصفات وملاجيء الكهول، الخ...
يساعدنا كل ما سبق على فهم أهمية المادة 12 من الدستور السوفياتي.
العمل بالنسبة لكل مواطن كفء للعمل فرض ومسألة شرف حسب المبدأ القائل: "كل من لا يعمل لا يأكل".
ولهذا كانت المساواة، في المجتمع الاشتراكي، هي في أن تعطي كل فرد حسب عمله، أي بصورة غير متساوية بين الأفراد، بعد أن يؤمن لكل فرد أسباب معيشته "بفضل إزالة الاستغلال". ولهذا لا يجب مساواة الاشتراكية بنزعة خيالية للمساواة بين الناس.
كتب موريس توريز يقول: "أما فيما يتعلق بنزعة المساواة التي تقوم على قياس الناس بنفس المقياس فهي استحالة اجتماعية لأن هناك تفاوتا طبيعيا بين الناس، سببه كفاءاتهم البيولوجية والنفسية. أما التفاوت، الذي يسعى الشيوعيون لإزالته، فهو التفاوت الذي ينشأ عن وجود الطبقات، إذ أن الأفراد في المجتمع الرأسمالي، لا يتمتعون بفرصة متساوية لنمو شخصياتهم، فالمليونير والعامل الذي يقاسي البطالة متساويان أمام القانون وكلاهما حر. غير أن هذه الحرية تؤدي بأحدهما إلى فنادق الريفيرا الفخمة بينما تؤدي بالآخر إلى المبيت تحت الجسور. لن يكون رجل المستقبل "إنسانا آليا" (Robot) بل شخصية حرة قوية، تتفتح طاقاتها وقواها تفتحا واسعا .
يقوم "التفاوت" في المجتمع الاشتراكي على أن الأفراد الذين تتشابه حاجاتهم، وتتفاوت كفاءاتهم، ينال كل منهم حسب عمله، ما يؤديه للمجتمع، أي بصورة غير متساوية، فالعامل الستاخانوفي (Stakthanoviste) ينال أكثر من غير الستاخانوفي، وليس ذلك تمييزا له عن غيره "لأنه لا يوجد تمييز في مجتمع خال من الطبقة المستغلة" بل لأنه عامل ممتاز مجدد، يؤدي أكثر من غيره للمجتمع أي لكل فرد من أعضاء هذا المجتمع .
وإما التفاوت فهو، على العكس، يقوم في المجتمع الشيوعي على أن الأفراد الذين يختلفون في كفاءاتهم ويؤدون بسبب ذلك، للمجتمع عملا يتفاوت "في الكمية والنوعية" ينالون بصورة متساوية، كل حسب حاجاته القصوى. لماذا؟ لأن ارتفاع الإنتاج بصورة كافية يسمح بذلك.
يوجد في المجتمع الاشتراكية، إذن، مراقبة شديدة لمقدار العمل ومقدار الاستهلاك. فالعمل واجب، وكل فرد ينال حسب العمل الذي يؤدي. ولهذا لم يعد هناك محظوظون ولا مستغلون، بل العمل يصبح هو سيد الجميع.
لا يزال، في المجتمع الاشتراكية، شيء من التفاوت في الممتلكات، غير أنه لا يوجد في المجتمع الاشتراكي قط بطالة ولا استغلال ولا اضطهاد للقوميات. وعلى كل فرد، في المجتمع الاشتراكي، أن يعمل، وأن كان لا ينال بعد على عمله، حسب حاجاته بل حسب كمية العمل الذي يؤدي ونوعه، ولهذا لا يزال يوجد أجر متفاوت ومختلف. ولن نستطيع القول بإتمام بناء المجتمع الشيوعي إلا متى نجحنا في إيجاد نظام ينال فيه الناس من المجتمع على عملهم حسب حاجاتهم، وليس حسب كمية عملهم ونوعه .
يتبع