31 آذار 2024 ...اليوم الأخير في حياة الحزب الشيوعي العراقي


غدير رشيد
2024 / 3 / 15 - 22:49     

هذه رسالة ودعوة من محب وصديق للشيوعيين العراقيين ومن المعجبين بالدور الكبير الذي لعبه الحزب منذ ثلاثينيات القرن العشرين إلى منتصف السبعينيات منه، إذ كان للحزب دورا كبيرا في الثقافة العراقية وفي تنمية العقل العراقي وخرج من رحمه الكثير من المبدعين العراقيين من اعضائه أو اصدقائه او من المتأثرين به، ويكاد الحزب أن ينفرد بهذه الظاهرة حيث إن أغلب مثقفي العراق وأدبائه وشعرائه ومفكريه تاثروا بأفكار الحزب وتضحياته.
ولا ينكر أي منصف التضحيات الكبيرة التي قدمها الحزب من أجل العراق ووطنيته العالية في التعامل مع القضايا العراقية ويكفيه فخرا إنه الحزب العراقي الوحيد الذي يطبق في خلاياه الحزبية الوطنية العراقية من خلال أعضائه من مختلف القوميات والأديان والمذاهب منذ نشأته ولم يتاثر بالنزاعات الطائفية والقومية.
وهذا لايعني عدم وجود أخطاء في سياساته وهي غير قليلة ولكن ما يُحسب له إنه كان يدفع الثمن لوحده بخلاف الأحزاب الأخرى التي ادت أخطائها إلى تدمير الوطن مثل البعث قبل 2003 والإسلاميين بعد 2003 .
وكما تلاحظون إننا عندما نتحدث عن منجزات الحزب نستخدم صيغة الماضي وليس الحاضر، وهذا هو موضوعنا.
قد يقول البعض لماذا التركيز على الحزب الشيوعي وهو أقل الأحزاب ضررا بالمصالح الوطنية مقارنة بالأحزاب الإسلاموية الشيعية والسنية والأحزاب القومية الكردية، وهو سؤال مشروع لحقيقة معروفة، والجواب إن نسبة غير قليلة من الشعب العراقي كانت تعول على الحزب الشيوعي وكما عرفوه أو سمعوا عنه أن يكون له الدور القيادي في محاربة الفاسدين خاصة وإن أغلبية الشعب العراقي هم ضد هذه الأحزاب وهو ما لم يفعله الحزب وقد حاول العديد من كوادره تعديل مسار الحزب ولكنهم فشلوا والكثير منهم يعرف اسباب الفشل ولكنهم يفضلون السكوت حرصاً منهم كما يعتقدون على تاريخ الحزب كونه جزء من تاريخهم الشخصي الذي أفنوا شبابهم ومستقبلهم ومستقبل عوائلهم من أجله، وهو الموقف الذي أراه غير علمي وأدى إلى مزيد من التدهور في سمعة الحزب لدرجة تشكيك الكثير من العراقيين بتاريخه بل وتزايد الهجمات والإتهامات عليه دون رد من قيادة الحزب لذلك أصبح هؤلاء المخلصون للحزب كالنعامة يخفون راسهم في الرمال يرغبون بقول الحقيقة من جهة ويمتنعون عن ذلك حرصا على سمعة الحزب وتاريخه وهم المنبوذين من قيادة الحزب. ولكوني لست شيوعيا لذلك فأنا اشعر بحرية أكثر وأنا متأكد إنني أعبر عما يدور في عقول الكثير من الشيوعيين بما فيهم من إضطر ولازال لمجاراة قيادة الحزب.
ولغير الشيوعيين من العراقيين أزعم إنني أدافع هنا عن تاريخ مجيد قرأنا عنه وعشنا بعضه ولكي لا تُعمم أخطاء الحاضر على تاريخ الحزب ولكي لايظلمو الألاف من الشيوعيين ممن قدموا حياتهم من أجل الوطن ولكي يفهموا إن السمة الأساسية للحزب كانت وطنيته العالية.
وللشباب العراقي أعتقد إنني أنبههم على حركة فكرية إجتماعية هي الشيوعية وهي فكرة عبقرية لازالت حلماً لكل الفقراء في كل مكان رغم تشويهها على يد أفراد في الإتحاد السوفيتي أدت أعمالهم إلى سقوطه وهو نفس مايحصل للحزب الشيوعي العراقي.
مايرد في هذه المقالة حقائق مبنية على أدلة ومع ذلك تجنبت ذكر الأسماء إبتعادا عن الشخصنة والفهم الخاطىء للنوايا بالرغم من إن الأمانة العلمية تتطلب ذكر الأسماء. أما الإشارة المتكررة لإسم السيد ( حميد مجيد -أبو داوود ) فهي إضطرار لامجال للتغافل عنه لكونه القائد الفعلي للحزب منذ منتصف التسعينيات ولحد اليوم وهو يمثل نموذجا يستدعي التحليل العلمي السياسي والإجتماعي والنفسي لكون للرجل تاريخ نضالي لايصح نكرانه لذلك فإن الإشارة له هي إنتقاد لمواقفه وليس لشخصه وهو حق مشروع لكل شيوعي أو عراقي لأن لمواقفه تاثير كبير على مصلحة الوطن وهو شخصية عامة من حق أي شخص إنتقاد مواقفها.
إذن..منذ 2003 أتيحت للحزب فرصة نادرة تمثلت بحرية واسعة لم تتح له حتى في زمن النظام الملكي، بل لم تتح لأي حزب شيوعي في المنطقة العربية في أي وقت، ولكن ماهي النتيجة ؟
الجواب ظهر بنتائج إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة في 2023 ، إذ لم يحصل الحزب حتى على مقعد واحد بينما حصل أفراد مستقلون من التيار المدني على بضعة مقاعد. لا يمكن لحزب يتسلح بنظرية علمية أن تمر عليه هذه الحالة أو الصدمة دون أن يتوقف عندها لفهم الحقيقة وليس للتبرير كما تفعل قيادة ( أو إدارة ) الحزب الآن من خلال دعوتها للأعضاء في نشرة داخلية لعدم القسوة في التحليل.
ماحصل هو نتيجة لايتحمل وزرها إلا قيادة الحزب وأعضائه، أي الظروف والعوامل الذاتية حصرا وليس العوامل الموضوعية الخارجية أو الخارجة عن إرادة الحزب. حرية واسعة ، وأحزاب فاسدة ، وشعب ناقم يبحث عن التغيير ووسائل تواصل إجتماعي لامثيل لها وكلها فرص لم تتح لفهد أو سلام عادل وهما القائدان الكبيران اللذان أثبتا براعتهما في قيادة الحزب ويمثلان مرحلتين مهمتين في حياة الحزب.
عشرون عاما من الحرية والحزب في تدهور في مواقفه ودوره السياسي فما هو السبب؟ بل ماهو جذر المشكلة ؟
السبب يعود في رأيي إلى آب 1964 ، أي خط آب عندما إنصاع عدد من قيادات الحزب لإرادة السوفيت وقرر الحزب الإنضمام للإتحاد الإشتراكي متناسين دماء الآلاف من رفاقهم في مجازر شباط 1963 ، ثم وبأوامر أيضاً من السوفيت تحالف الحزب مع االبعثيين في 1973 ضد رغبة الأغلبية العظمى من أعضائه خاصة ولإن التحالف كان مع الملطخة أيديهم بدماء الشيوعيين لذلك نسى الحزب شهداؤه في 1963 لدرجة لم يكن يجرؤ على ذكر ماحدث فيها أيام الجبهة حتى حدوث كارثة 1979 عندما أبلغ أعضائه أن يدبر كل واحد منهم حاله مع سلطات البعث ودفع الثمن آلا ف الشيوعيون وعوائلهم.
ومنذ بداية الثمانينات إلى نهايتها تمثل نشاط الحزب بركنين أساسيين هما : حركة الأنصار وتنظيم الداخل، وخلال تلك الفترة ظلت القيادة على منهج آب المرتكز على المساومات والمصالح والعلاقات وكلها بعيدة عن طبيعة الفكر الشيوعي الثوري. فدخلت قيادة الحزب في جبهات متنوعة لاطعم لها بل ومتناقضة ( جود وجوقد ) دفع ثمنها رفاقكم في الأنصار، كما أصرت القيادة على إنشاء الحزب الشيوعي الكردستاني ضد إرادة أغلب أعضاء الحزب وإنسجاما مع النهج القومي للبارتي بل إن قيادة الحزب سبقت حتى القوى الإسلامية الشيعية في التنازل للبارتي وإلا كيف تفسرون وجود حزبين شيوعيين في بلد واحد فيه صراع قومي، والنتيجة هي إنهاء الشيوعية في كردستان بعد إن كان لها القدح المعلى على التفكير القومي، وإنتهى دور الشيوعيين تماما في كردستان حتى إن الكرد يطلقون عليه الآن ( الحزب الشيوعي الكردستاني..... لصاحبه البارتي ).
ماحصلتم عليه – والكلام هنا لقيادة الحزب - هو قطع أراضي من البارتي لأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي باعها الرفاق باسعار عالية كونت لديهم رأسمال لما سيمارسونه من أعمال تجارية لاحقا.
وفي قطاع اليكتي-السليمانية- تنازلتم عن حقوق شهداء بشت اشان بطريقة مشينة مخجلة لا تليق بقيادة شيوعية يُفترض أن تتميز بالجرأة والشجاعة، والنتيجة ردود أفعال سلبية للرفاق دفعتهم للهجرة إلى الدول الرأسمالية فخسر الحزب خيرة شبابه الذين أصبحوا إما موتى أو مهجرين.
في المقابل حصل أعضاء اللجنة المركزية على قطع أراضي من اليكتي باعوها بأسعار عالية لتضاف لراسمالهم السابق حفزتهم للتحول إلى راسماليين صغار كما سيظهر لاحقا.
أما تنظيم الداخل والذي عمل فيه عدد من الشيوعيين الأبطال منذ بداية الثمانينات إلى الربع الأول من التسعينات فلم تتعاملو-كقيادة شيوعية- مع التنظيم كما كان يتعامل فهد أو سلام عادل لدرجة إنكم عاقبتم من أصر على العودة للداخل لتبليغ رفاقه وأنصار الحزب الذين عمل معهم بأنه إنسحب إلى كردستان ليتيح لهم الفرصة ليرتبوا إمورهم، ولكنكم كقيادة كررتم مبدأكم في 1979 ، وهو ليدبر كل رفيق أو صديق حاله، مما أدى إلى ردود فعل سلبية لأنصاركم في الداخل الذين فتحوا بيوتهم لرفاق الداخل وخاطروا بحياتهم وحياة عوائلهم ولم تكلفوا نفسكم حتى السؤال عنهم لذلك لم يستقبلوكم عندما عدتم في 2003 رغم فرص الإمتيازات التي كان بإمكانهم الحصول عليها لكونهم من شيوعي فهد وسلام عادل.
و في نفس المرحلة وأنتم في كردستان ، إنشغلت بعض القيادات الرئيسة في الحزب في أعمال تجارية مابين النصف الثاني من التسعينيات إلى 2003 وإنشغلت القيادة بالعلاقات ومؤتمرات المعارضة ونسيتم الداخل تماما.
إذن لنلخص ما سبق بدأتم بالإنصياع الكامل للسوفيت ولم تدركوا أو تعترفوا إن الإتحاد السوفيتي دولة كبرى يتناطح مع أميركا والغرب وأنتم بالنسبة له مجرد رقم لاقيمة لكم كما أكد ( بريماكوف ) الذي قال لكم إن ( صدام ) قدم للعراق أكثر مما قدمتم، ولم تدركوا إن مايريده السوفيت من العراق هي الأموال والبزنس فقط لأنه يعرف إن العراق من حصة أميركا سياسيا ولوجستيا والمجال المسموح به للسوفيت هو المال فقط وهو ماكان يحتاجه السوفيت لذك قبضوا ثمن تضحياتكم و( ديات ) الشيوعيين العراقيين منذ 1963 إلى نهاية الثمانينات.
الغريب إن الكثير من قادة الحزب المعروفين بنضالهم وبطولاتهم توفوا وهم مؤمنون بأن العقل السوفيتي الشيوعي لايمكن مناقشته واسكتوا بحسن نية وبقناعة كاملة من حاول من المسؤولين عن تنظيم الداخل إنتقاد السوفيت وإعتبروه كفرا، أي إن الإنصياع للسوفيت اصبح صنف دم أعضاء القيادة كما تنصاع القيادات الإسلاموية الشيعية لإيران وتُغّلب مصلحتها على مصلحة العراق.
طبعا لايمكن أن نتجاهل إمتيازات السوفيت للقيادات الرئيسة في الحزب ومنها إلحاق أبنائهم بمدرسة خاصة جدا والمتميزة بمستواها الراقي وقد لايعرف الكثير من الشيوعيين إن أبناء بعض قيادات الحزب تعلموا في تلك المدرسة وحصلوا على شهادات مرموقة فيما حرم الكثير من الشيوعيين الخريجين من إكمال دراستهم بسبب إلتحاقهم بحركة الأنصار.
كما وفر السوفيت للقيادة الشيوعية فرص التمتع بإجازات في المنتجعات المخصصة للقيادات في روسيا والتي يتوفر فيها شروط وظروف صحية ومعيشية إمبراطورية وتُجرى لهم فحوصات طبية دقيقة.
كذلك سنت قيادات خط آب سنُة جديدة وهي إعداد قيادات على نمطها لذلك لم يكن إختيار ( حميد مجيد – أبو داوود - ) سكرتيرا للحزب في المؤتمر الخامس إنتقالة نوعية أو تجديدية كما اشيع في وقتها، بل وكما أكد أحد كبار قادة الحزب التاريخيون إنهم كانوا يهيئونه لقيادة الحزب لسنوات بعد أن تدرب على أيديهم وفهم اللعبة جيدا وظل على نهجهم.
عادت قيادة الحزب إلى بغداد في نيسان 2003 وهي محملة بتجارب المساومات والإمتيازات والعلاقات مع القوى السياسية بدون أن يكون لهم قواعد لا في الدخل ولا في جبال كردستان، ومع وجود أغلب القيادات من أعضاء اللجنة المركزية خارج العراق ( في أوربا )، هيمن على الحزب عدد من اعضاء القيادة الذين بقوا في كردستان وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، واصبحوا هم الحزب ويشعرون إنهم من حافظ على بقائه ولولاهم لما كان هنالك حزب شيوعي وعدنا إلى جماعة ( الأربعة ) في الخمسينيات والستينيات، يضاف لها إنها قيادة بنكهة غير شيوعية لها حرية مطلقة في إتخاذ القرارات لعدم وجود قاعدة قوية تضغط على القيادة كما كانت في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وإلى حدِ ما في السبعينيات والثمانينات. أي إن الحزب بعد 2003 يمكن إختصاره ببضعة أشخاص لازالوا هم المتحكمون في الحزب حتى من ترك منهم الحزب رسميا، وليس صدفةً أن يترك الحزب رسمياً وشكلياً إثنان هم أكثر المتحكمين في الحزب لحد الآن فتخلصوا من عبء المسؤولية من جهة والتفرغ للعلاقات والبزنس المؤطرة أو المغطاة بعباءة شيوعية جميلة وبذلك ألقوا نتائج إعمالهم على أعضاء آخرين بحجة التجديد والديمقراطية وأخيراً بحجة إتاحة الفرصة للشباب.
كان بإمكان قيادة الحزب، لو إنتهجت مسار فهد وسلام عادل، تحشيد كل من كان شيوعيا أو صديقا أو قريبا منهم ليعودو للحزب أو ليناصروه وبالفعل في الأيام الأولى حضر الكثيرون ولكنهم فوجئوا بأنهم لم يجدو شيوعيو فهد وسلام عادل لاشكلاً ولا مضموناً ، لم يسمعوا من القيادة شيئاً عن الطبقة العاملة والفقراء والفلاحين، لم يسمعوا نقداً لأميركا عدوة الشعوب التي قرأؤها في أدبيات الحزب السابقة، فوجئوا بأن الحزب يسيطر على بناية حكومية ليجعلها مقرا له كما فعلت الأحزاب الأخرى وكان بداية شرعنة الفساد، جاء المناصرون والمحبون وهم على إستعداد لفتح بيوتهم مقرات للحزب، ولكن الحزب لم يعد كما كان حيث مقراته المعامل والمزارع وبيوت الفقراء في الشاكرية والصدرية ومدينة الثورة، بل يريد مقرا أنيقا يستقبل به حلفائه الجدد من أحزاب إسلامية وقومية،وأصبح الشيوعي في نظر القيادة هو من يحضر للمقر لا من يفتح بيته لإجتماعات الحزب وصُدم الشيوعيون وهم يرون قائد الحزب وهو عضو في مجلس الحكم الذي نصبه المحتل الأميركي خاصةً وهم يسمعون إن إختياره جاء ضمن كوتا الشيعة مما جعلهم لأول مرة في تاريخهم في حيرة لايعرفون كيف يدافعون عن حزبهم.
وكما فعلت الأحزاب الفاسدة، تمتعت قيادة الحزب بإمتيازات المحتل من أموال وحمايات فيما رفاقهم في المناطق الحمراء يقتلون كما الشعب العراقي، وسائهم أن يسمعوا أن سكرتير الحزب إستلم خمسون ألف دولار من الأميركان نظير مشاركته في كتابة الدستور.
فوجئوا بسكرتير لاتفارقه الإبتسامة بل الضحك عندما اصبح عضوا في البرلمان خاصة في قضية مناقشة الفقر في العراق وقضية الحصة التموينية التي اثارها نواب التيار الصدري وهو يصرخون بغضب فيما كان سكرتير الحزب يقهقه، مما جعلهم يتساءلون من هو الأقرب للفقراء الذين كانوا لعقود حصة الشيوعيين فقط. بل فوجئوا بسكرتير حزب الطبقة العاملة كما كان يُطلق على الحزب، لم ينبس بكلمة عن قانون العمل للعمال مثلا وبسبب تبنيه اللاموقف أصبح محبوب الإسلاميين والكرد والسنة خاصة وإنه يضع على رأسه تاج تاريخ حزب كبير يحتاجه الآخرون كإسم له قيمة مجتمعية.
صُدم الشيوعيون كذلك وهم يرون عدد غير قليل من الشيوعيين السابقين ممن كانوا وكلاء لأمن ( صدام ) وساهموا بإعتقال عشرات الشيوعيين وإذا بهم يصبحوا أعضاء لجنة محلية في الحزب بتزكية من القيادة بحجة ( شنسوي محد يجينا ...ونريد أعداد ).
أما الصدمة الكبرى فكانت إنخراط الحزب بالحصول على إمتيازات لأعضائه كما فعلت قيادات الأحزاب الأخرى والتي كان شيوعيوا الداخل يعتقدون إن الحزب سيكون اشد المعارضين لها لأن ذاكرتهم تختزن قصص معتقلي نقرة السلمان الذين ضيعوا شبابهم لسنوات في النقرة ولم يطلبوا ثمنا لذلك، أما القيادة الجديدة فقد حثت الرفاق للتقديم للحصول على إمتيازات الحكومات الفاسدة، وعملت على توزيع المناصب بين عدد محدود من الرفاق القريبين من القيادة( أكثرهم من عاش في أوربا وتطبع بطباعها) لذلك كان ممثلوا الحزب في المناصب الحكومية العليا بلا موقف ومن اضعف المسؤولين، ولإقناع الرفاق ساهمت القيادة في حصول الآلاف من أعضاء الحزب على رواتب وفقا لقوانين سنتها الأحزاب الفاسدة وسط تذمر العراقيون، فحصل عضو الحزب راتبا له ولزوجته وأبنائه ولإخوته وأخواته تصل إلى 1000 دولار شهريا بحجة إنهم كانو مليشيات ( أنصار ) والغالبية منهم لم يروا كردستان بل بعضهم كان وكيلا للأمن ويهدد أخاه الشيوعي بالإخبار عنه أيام البعث ولكن بعد 2003 طغت العشائرية على القيادات الوسطى فجاؤا بأقربائهم وحصلوا على إمتيازات مالية بل أصبحوا أعضاء لجنة محلية وهم أُميّون لم يقروأ في حياتهم كتاباً واحداً ولم يكن لهم اي نشاط شيوعي.
إستطاعت قيادة الحزب أن تشيع منهجية إنتهاز الفرص بل كانو يقولونها بصراحة لدروايش الحزب ممن ظل على مبدئيته ( أما أن تنسجموا مع المنهج الجديد وتستفيدوا ...أو لاداعي لوجودكم في الحزب ولا نريد رؤيتكم في المقر )،فإنفض الشيوعيون الحقيقيون وبقى المتملقون للقيادة الذين قلبوا اغنية يعتز بها الشيوعيون لتصبح ( عمي يابو داوود.....خذنا خذنا وياك ) بعد إن كان شيوعيو فهد يغنوها ( عمي يابو جاكوج ...) ...
فأصبح مفهوما للشيوعيين إن من يريد الربح المالي والمناصب عليه أن يكون من جماعة ( ابو داود) ، أي لامنجل ولا جاكوج بعد 2003 فقد أصابهما الصدأ. وتحول الرفاق إلى موظفين في ( شركة الحزب الشيوعي) لايهمهم غير رضى صاحب الشركة ( ابو داوود ) وأعضاء مجلس إدارتها ( الذي كان إسمه سابقا لجنة مركزية أو مكتب سياسي ).
وإستفاد العديد من أعضاء القيادة والمقربون منهم من إمتيازات الحكومات الفاسدة فاصبحوا مستشارين لهم ومدراء عامون في مؤسسات الفساد وتمتعوا بالإمتيازات التي قررها الفاسدون لأنفسهم من رواتب وقطع أراضي وتقاعدات عالية وحمايات فلم يعد بإمكانهم إنتقاد تلك الإمتيازات الظالمة المسلوبة من قوت الفقراء وهم جمهور الشيوعيين حصرا وعلى مدى التاريخ. بل إن سكرتير الحزب إمتعض عندما طُرح موضوع الإمتيازات وضرورة إنتقاد الحزب لها.
وإستفادوا كذلك من رأسمالهم المتراكم من هدايا البارتي واليكتي وإمتيازات الفاسدين، فاسسوا مشاريعهم الخاصة وهم أعضاء لجنة مركزية أو مكتب سياسي في ظاهرة تحدث لأول مرة في تاريخ الحزب، وبدلا من متابعة حركة الجماهير أصبح همهم متابعة بورصة المشاريع والعقارات واللقاء مع رجال الأعمال ومنهم اصحاب أحزاب مناوئة للحزب الشيوعي أو أحزاب فاسدة.
وبدلا مثلا من إنتقاد المشاريع السكنية العملاقة المبنية على الفساد والمخصصة للفاسدين والمستغلة لأراضي الدولة مثل مشروع ( بوابة العراق ) ، وإذا ببعض قيادات الحزب تشتري شققا فيه قيمة الواحدة منها تصل لنصف مليون دولار يقال إنهم دفعوها نقدا من الأموال التي جمعوها من علاقاتهم أو مناصبهم.
وكما فعل الآخرون من الفاسدين، حصل بعض أعضاء القيادة على شهادات دكتوراه ومنهم من عاد للعراق وهو لايحمل غير شهادة المتوسطة وإذا به يصبح دكتورا خلال عشر سنوات.
ماعرضته هو جزء من حقائق داخلية يعرفها الكثير من أعضاء الحزب ولم أشير إلى الأسماء لأنني لا أقصد التشهير ، كما قلت آنفاً، بل عرض البنية الداخلية الحالية للحزب والتي اثرت على توجهاته السياسية العامة والتي سنعرضها الآن.
من يتابع مواقف الحزب منذ 2003 سيجد إنه أقل الأحزاب إنتقادا لوضع العراق والأكثر مجاملة للقوى السياسية الحاكمة لذلك لو بحثتم في بياناته لن تجدو تصريحا واضحا يدين مثلا المليشيات المسلحة باسمائها أو إدانة التدخلات الإيرانية والتركية ولم يتجرأ على تسمية أي رئيس وزراء بالإسم ويسمه بالخيانة أو الفساد مثلا، بخلاف بقية القوى السياسية ،فهو يجامل الإسلاميين الشيعة ويجامل السنة والبارتي واليكتي والحكومة والرئاسة والبرلمان بخلاف ماكان يفعله مثلا ( فهد ) في وصفه لنوري السعيد، حتى إن الوصف الدقيق لمواقف الحزب، إنه أصبح بلا لون ولارائحة ولاطعم، إذ بقي في الوسط، لاهو يميني ولاهو يساري ولم يتجرأ يوما على المطالبة بتغيير ثوري للنظام كما كان يصرح ( سلام عادل ) بصدد النظام الملكي الذي كان أفضل آلاف المرات من النظام الحالي، بينما كانت تصريحات التيار الصدري مثلا تعبر عن راي الجماهير أكثر بكثير من الحزب الشيوعي وهكذا بقية الحركات.
وحتى الحركة المدنية التي يفترض أن يكون الحزب زعيما لها، خذلتها قيادة الحزب بإئتلافها مع الصدريين مما أحدث شرخا في الحزب تم حله وفق منهجية ( ابو داوود) وهي ( اللي مايعجبه خل يطلع ) بل تعاملو مع أحد القادة البارزين المعارضين بإسلوب لا أخلاقي وحاولوا التنكيل بسمعته والجميع يعرف من هو وماذا فعلوا معه.
إذن لنضع أنفسنا محل الشيوعيين أو أبناء العوائل الشيوعية ممن تربوا على قصص نضال أجدادهم وآبائهم وإخوانهم وأمهاتهم وأخواتهم، وهم يرون بأعينهم رفاقهم الفقراء قد أصبحوا أغنياء يتباهون بأملاكهم وسفراتهم السياحية وسياراتهم وحتى ملابسهم بفضل قيادة الحزب، وهم – أي الشيوعيون- المتعودون على قيادات وأعضاء يفتخرون بفقرهم بل ويقرأون عن أغنياء تنازلوا عن أملاكهم للفلاحين بعد أن اصبحوا شيوعيين، مالذي سيقوله الشيوعيون الحقيقيون عن الحزب الجديد، أكيد سيفهمون وهم مثقفون وواعون إن هذا الحزب لاعلاقة له بحزبهم العتيد.
ولنضع أنفسنا محل العراقيين وهم يروون حزبا سمعوا عن أفكاره وبطولاته، قد أصبح جزءً من منظومة الحكم الفاسدة ولايسمعون أو يقرأون عن مواقفه الشجاعة بل هو الأكثر ضعفا ونفاقا للآخرين ومجالسةً لكبار مسؤولي الدولة الفاسدين فهل سيميزونهم عن الفاسدين كما كان العراقيون يعرفون الشيوعي من مواقفه الشجاعه وإنحيازه التام للفقراء. والخطر إنهم سينكرون تاريخ الحزب الذي سمعوا به لأنهم يروون بأعينهم قيادات الحزب وهم يتبادلون اللقاءات مع الأحزاب الفاسدة.
ولنضع أنفسنا محل المثقفين العراقيين وهم تلاميذ المدرسة الشيوعية وهم يرون إن معلمهم لم يصدر كتابا واحد ذو قيمة لأكثر من عشرين عاما في زمن الحرية وإمتلاك الحزب لمطبعة ومقرات علنية بل ولايشغل نفسه بإعداد دراسات عن مواقف الحزب التاريخية معززة بأدلة بدلا من سماعهم لإتهامات الآخرين للحزب بأنه عمل مجازر الموصل وكركوك مثلا في 1959 حتى أصبحت من حقائق التاريخ وهذا الموقف لا يُفسر إلا بعدم إكتراث القيادة بسمعة القادة التاريخيين للحزب مثل ( سلام عادل ).
ثم مالذي سيقوله المثقفون ومسؤول لجنة المثقفين إما أمياً أوشابا لاعلاقة له بالثقافة فيما كانت سمة الحزب الشيوعي إن أول تغيير في الشخص عندما يصبح شيوعياً أن يكون الكتاب معه حتى لو كان في حقل أو معمل أو سيارة نقل عام.
وعندما يختلط الشيوعيون الجدد بالناس من الأصدقاء والأقارب ولا يسمع منهم الناس شيئا عن الشيوعية كما كان شيوعيو أيام زمان، بل يسمعونهم يتحدثون عن العقارات والسيارات والرواتب والمخصصات ( وخاصة القيادات الشابة الجديدة ) وإذا تحدث أحد عن الحزب والإتهامات التي توجه لتاريخه لايهمهم الأمر بل أغلبهم لايُتعب نفسه بالبحث عن الحقيقة، لكنهم ينتفضون فقط عندما يمس أحد قيادة الحزب وخاصة ( أبو داوود ) فهو الحزب والحزب هو.
ومن أكثر مظاهر الإنحطاط هي عجز الحزب عن إصدار جريدة تليق به وهو المعروف تاريخياً إنه حزب المثقفين وإذا بجريدة بائسة لايقرأها 90% من الشيوعيين فيما كانت نفس الجريدة زمن البعث تطبع أضعاف جريدة ( الثورة ) ويقرؤها أصدقاء الحزب وحتى المناوئين له، والسبب هو هيمنة الأميين وأفندية أوربا ( المؤمنين بالديمقراطية الغربية والصالونات السياسية) بعد 2003 على العقل الثقافي الحزبي.
حتى إحتفالات الحزب بمناسبة تأسيسه فلم يعد ينظمها في الساحات والبساتين والمزارع والمعامل والجامعات كما كان معروفا بل حولها لفنادق الخمس نجوم، وإحتفال ذكرى تأسيس الحزب لهذه السنة مثلا نُظم في فندق فلسطين الذي يملك أحد قادة الحزب حصصاً فيه!!!!!
أما القيادات الشابة التي يتباهى الحزب بأنهم سيقودون الحزب مستقبلا ومنهم المرشح الأقوى لسكرتارية الحزب ( ياسر السالم ) فلم يتم إختيارهم لثقافتهم الشيوعية أو خبراتهم النضالية والتنظيمية، بل تم إختيارهم من ( أبو داوود ) والسيد ( رائد فهمي) والقيادة الكلاسيكية، أي بقايا خط آب وبالتالي سيكونون إستمرارا للنهج الحالي بل ربما أسوأ بسبب عدم إمتلاكهم خبرات القيادة الحالية.
إذن مامبرر الدعوة لإعلان إنتهاء دور الحزب؟ في تقديري إن التبرير هو الوفاء للشيوعيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحزب منذ تأسيسه والذين فهموا الشيوعية كما هي ولهم الحق بل للعراقيين الحق أن يطالبوا قيادة الحزب أن لا يستخدموا إسمه في ممارسات لا علاقة لها بالشيوعية ولايحق للشيوعيين الحاليين الذين يستخدمون إسم الحزب لأهدافهم الشخصية أن يفعلوا ذلك مستغلين سكوت الشيوعيين الحقيقين الغاضبين على القيادة والذين إختاروا الإبتعاد ويصرون على عدم التصريح بآرائهم الحقيقية حرصا على سمعة الحزب وهم في تقديري على خطأ كبير إذ بسكوتهم فهم لاينتصرون لرفاقهم الشهداء ولو كنت محلهم لطلبت من القيادة الحالية أن تتوقف عن إستخدام إسم الحزب وشعاره ولتبحث عن إسم آخر يفهم منه العراقيون إنه لاعلاقة له بحزب فهد وسلام عادل وليكن مثلا ( الحزب الشيوعي العراقي الجديد ).
وأتمنى على القيادة الحالية ومنهم من له تاريخ نضالي لايمكن نكرانه أن يواجهوا الحقيقة وهي إنهم لم يعودوا كما كانوا وهو تغير إنساني طبيعي إذ ربما يشعر البعض إنه قَصّر مع عائلته ويريد الآن أن يضمن لهم مستقبل مالي جيد وهو ما لايتماشى مع الفكرة الشيوعية التي عبر عنها حزب فهد والتي لازالت كما هي ولم تتبدل.
قد يقول البعض، أليس من حق الشيوعيين التمتع بالحياة مثل غيرهم ولماذا هذا الإصرار على أن يكون الشيوعي فقيرا مثلا، وجوابي نعم إنه من حقهم ويمكنهم ذلك والكثير من القيادات والمفكرين الشيوعيين في العراق وفي دول أخرى من عوائل ميسورة أو من أصحاب الشهادات الذين حصلوا على مراكز وظيفية مرموقة ولكن الحصول على الأموال بطرق غير شرعية أو نتيجة لقوانين تشرعها سلطة فاسدة لاتليق بقائد شيوعي أو حتى بكادر شيوعي، إذ لايمكن أن يكون الشخص راسمالياً وشيوعياً في نفس الوقت ، ولكن كما يفعل أي إنسان يتغير ويبدأ نمط جديد من الحياة عليه أن يقطع فيها صلاته بماضيه، لا أن يغير منهج حزب ويطوعه ليتماشى مع وضعه الشخصي الجديد وهو ما ينطبق على القيادة الشيوعية الحالية.
من هنا يجب على الشيوعيين العراقيين وأنصارهم وأصدقائهم أن يعوا هذه الحقيقية وهي لا يمكن إستمرار حزب شيوعي بدون شيوعيين حقيقيين وهم غير موجودين حاليا لا على مستوى القيادة ولا الأعضاء، خاصة وإن قيادة الحزب تستخدم إسم الحزب لمصالح شخصية كما يفعل الإسلاميون الشيعة في إستغلال إسم ( علي بن أبي طالب ).
إذن ...ليكن 31 آذار 2024 أخر يوم في حياة حزب فهد وسلام عادل، وليتحول المقر الجديد إلى متحف للحزب إحتراما للتاريخ وتضحيات الشيوعيين المنسية حتى عند الحزب وهما ملكية وطنية للشعب العراقي، عسى أن يظهر جيل جديد يفهم العدالة الإجتماعية التي كان يدافع عنها الشيوعيون بحِلة جديدة وإسم جديد ونظرية جديدة وربما بنفس النظرية الشيوعية بقيادات عصرية لاتتضارب مصالحها مع مصالح الشعب وخاصة الفقراء منهم.