من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر52


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 15 - 00:14     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الثانية و الخمسون
المادية التاريخية
تابع

الاشتراكية
4 – قانون الاشتراكية الأساسي
لا تستطيع الثورة الاشتراكية، مع ذلك، الاكتفاء باستخدام قوى الإنتاج التي تركتها الرأسمالية استخداما حقا. إذ يجب أن تقدر أنه مهما كانت قوى الإنتاج التي نمتها الرأسمالية، فهي لا تكفي لسد حاجات المجتمع الاشتراكي، وذلك لأن الرأسمالية، في مرحلتها النهائية، مهما كانت متقدمة تقنيا، تهدم قوى الإنتاج، كما أن نمو قوى الإنتاج في النظام الرأسمالي استبدادي تماما، وأخيرا فأن استهلاك جماهير الشعب ضعيف جداً في النظام الرأسمالي، فلا تستطيع سوى طائفة ضئيلة من المستغلين التمتع برغد العيش، وهكذا لا يمكن المقارنة بين كمية المنتوجات التي يستهلكها المجتمع الرأسمالي وبين حاجات الجماهير الحقيقة التي يسعى المجتمع الاشتراكي لسدها إلى أقصى حد، وذلك لأن الاشتراكية ليست تعميم البؤس بل هي تعميم الرخاء.
لا اشتراكية، إذن، بدون زيادة الإنتاج بصورة هائلة لا يمكن تخيلها في النظام الرأسمالي, وهذه ضرورة موضوعية, بيد أنه كي نستطيع إنتاج سلع للاستهلاك، بكميات كبيرة وزيادة حجمها باستمرار، لا بد من البدء بإنتاج وسائل الإنتاج بكميات كافية. والعمل على تبديلها وازديادها، ولهذا وجب أن يبدأ ارتفاع الإنتاج بازدياد إنتاج وسائل الإنتاج. وهذا يعني أن أحد شروط الاشتراكية الموضوعية هو إيجاد صناعة ثقيلة قوية تستطيع، مثلا، أن تمد الزراعة بكميات كبيرة من التركتورات. ونمو هذه الصناعة. وليس ازدهار قوى الإنتاج القوي ظاهرة أمكنت بزوال الملكية الخاصة فقط، بل هي أيضاً، كما رأينا، ضرورة موضوعية تتطلبها قوى الإنتاج الاشتراكية الجديدة.
يعني هذا أن علاقات الإنتاج الجديدة قد أصبحت القوة الرئيسية التي تعمل على تنشيط نمو قوى الإنتاج إلى أقصى حد. وكانت قوى الإنتاج، تتطلب، قبل الثورة الاشتراكية، تغيير علاقات الإنتاج، فأصبحت علاقات الإنتاج الجديدة تتطلب، بعد الثورة الاشتراكية، نمو قوى الإنتاج.
غير أن نمو قوى الإنتاج لا يمكن أن ينحصر في زيادة معدات الطبقة العاملة أو زيادة كميات الإنتاج وآلاته. لأن ازدياد حاجات السكان، الذين لا يكفون عن التضخم، يتطلب ارتفاع إنتاجية العمل، بيد أن هذه الإنتاجية تتعارض مع أهداف الاشتراكية إذا كانت نتيجة لإرهاق العامل، "فيعمل كالعبد" كما لمح إلى ذلك ليون بلوم. ولا يمكن زيادة إنتاجية العمل وتخفيض وقت العمل وتعب العمال ألا بتقدم آلات الإنتاج نوعيا، وذلك باستخدام تقنية الطليعة، واستعمال الآلة في الأعمال الشاقة، الخ.. ومن ثم تعمل الاشتراكية، نتيجة لهذه القوانين الموضوعية، على تنمية العلم لا محالة، من علم الآلة (mécanique) حتى علم الحمضيات (agronomie) بمقادير لم تعرفها البلاد الرأسمالية، وكذلك تتطلب الاشتراكية ارتفاع صفة العامل بحيث يتسرب الفكر، شيئاً فشيئاً، إلى العمل اليدوي في اتصاله بتقنية عليا. تلك هي العناصر الضرورية لنمو المجتمع الاشتراكي. وينتج عن ذلك وجود قانون اقتصادي أساسي للاشتراكية، وهو قانون موضوعي مستقل عن إرادة الناس.
يمكن صياغة صفات القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية ومتطلباته بما يلي تقريباً:
تأمين سد حاجات المجتمع المادية والثقافية، المتزايدة باستمرار، إلى أقصى حد، وذلك بتنمية الإنتاج الاشتراكي، وتحسينه باستمرار على أساس تقنية عليا.
ولهذا، فبدلا من تأمين أقصى الأرباح، نؤمن سد حاجات المجتمع المادية والثقافية إلى أقصى حد، وبدلا من تنمية الإنتاج مع فترات توقف – من الازدهار إلى الأزمة على الازدهار – نزيد، بدون توقف، الإنتاج، وبدلا من توقف التقدم التقني في فترات معينة، مع ما يصحب ذلك من تخريب قوى المجتمع الإنتاجية، يستمر تحسين الإنتاج على أساس تقنية عليا .
من المهم أن ندرك جيداً أن التقدم الرائع في الصناعة والزراعة، الذي نشهده في المجتمع الاشتراكية، ليس هدفا في ذاته، فالتقدم التقني هو أساس نمو الإنتاج، كما أن هذا النمو مرتبط بضرورة موضوعية أساسية في الاشتراكية، ألا وهي سد حاجات جميع أفراد المجتمع المتزايدة باستمرار إلى أقصى حد. وهذه ضرورة موضوعية، لأن زوال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان يعني أن العمال يعملون من أجل أنفسهم. فهدف الإنتاج إذن، بالضرورة، هو سد حاجات المجتمع إلى أقصى حد، وذلك في أفضل ظروف للعمل. فما هي هذه الحاجات؟ الحاجات المادية، والحاجات الثقافية. هدف الإنتاج الاشتراكية، إذن، هو الإنسان وسد جميع حاجاته ". وهكذا ليست الاشتراكية "مدنية تقنية" تتلهف للقيام بأعمال مادية رائعة، دون أن تعبأ بالإنسان، كما يدعي المفكرون البرجوازيون. ذلك لأن الإنسان في تمام تفتحه هو مركز الاشتراكية، وليس لجميع الأعمال المادية من هدف سوى سد حاجات على أفضل وجه: كحاجته إلى المعرفة والثقافة، وحاجته إلى العيش الكريم، أي العناصر المختلفة لحياة سعيدة.فالاشتراكية هي تحقيق النزعة الإنسانية.

5 – الشروط الذاتية للانتقال إلى الاشتراكية ولنموها
لا تجعلنا الماركسية نعرف علميا فقط الشروط الموضوعية للاشتراكية ونموها بل هي تعرفنا أيضاً على الشروط الذاتية التي تتعلق بتأثير الناس في التاريخ تأثير واعياً.
فنحن نعلم أن الطبقة الرأسمالية تعترض بكل الوسائل فعل قانون الترابط الضروري، وأنها تحاول إنقاذ طريقتها في الإنتاج بفصل عمل الدولة، وأنه لا يمكن إزالة هذا السد، الذي تقيمه أمام التقدم، ألا بعمل البروليتاريا الواعي وحلفائها الذين يؤلفون القوة الاجتماعية الضرورية للتغلب على مقاومة الرأسماليين " راجع الدرس التاسع عشر، المسألة 2".
أول شرط ذاتي لبناء الاشتراكية هو أن تكون البرليتاريا لنفسها حزبا ثورياً حقاً بعد أن اتحدت مصالحها مع مصلحة الأمة.
فالأم يجب أن يؤدي هذا العمل الجماهيري الثوري؟ إلى تحطيم الحاجز الوحيد الذي يختبيء وراءه الرأسماليون، الذين حكم عليهم التاريخ بالموت، ألا وهو الدولة البرجوازية، وتنظيم سلطة جديدة للدولة تستطيع القضاء على ملكية وسائل الانتاج الخاصة. هذه السلطة الجديدة للدولة هي ديكتاتورية البروليتاريا.
وديكتاتورية البروليتاريا هي الوسيلة التي لا يتم تغيير علاقات الإنتاج بدونها. فكل منا يدرك أنه يستحيل أن تقوم نقابات العمال فجأة بالأستيلاء على ممتلكات الرأسماليين، وتنظيم الإنتاج الاشتراكي، إنتاج العمال الذين اتحدوا في المنظمات وتقاسموا ثمرة عملهم ! لأنها لو فعلت ذلك لا خطأت في تقدير عمل الدولة البرجوازية السياسي العنيف، حامية الرأسمالية .
ولقد عبر ماركس عن مهمة دكتاتورية البروليتاريا الأساسية بوضوح فقال:
تستخدم البروليتاريا تفوقها السياسي لتنتزع، شيئاً فشيئاً، كل الرأسمال من البرجوازية، ولجعل وسائل لإنتاج بين يدي الدولة، أي بين يدي البروليتاريا، وقد تنظمت في طبقة مسيطرة، وزيادة قوى الإنتاج بأسرع ما يمكن .
والمرحلة التاريخية التي تقوم فيها دكتاتورية البروليتاريا هي مرحلة يبلغ فيها النضال الطبقي أقصاه. إذ يستمر النضال ضد بقايا الطبقات الزائلة وضد محاولات البرجوازية لإعادة الرأسمالية بعد مضي زمن طويل على قضاء الاشتراكية على التناقضات الاقتصادية، حتى تنتصر الشيوعية في معظم أجزاء الكرة الأرضية.
وليست دكتاتورية البروليتاريا غاية نضال الطبقات بل هي استمرار له في صور جديدة. لأن دكتاتورية البروليتاريا هي نضال البروليتاريا المنتصرة الطبقي بعد أن استولت على الحكم السياسي، ضد البرجوازية المغلوبة على أمرها وأن لم تفن وتختف ولم تكف عن المقاومة بل زادت من هذه المقاومة .
وقد كتب لينين يقول:
من يعترف فقط بنضال الطبقات لم يصبح بعد ماركسيا، إذ يمكن أن يكون لم يخرج بعد من نطاق التفكير البرجوازي والسياسة البرجوازية. ولهذا فأن قصر الماركسية على عقيدة نضال الطبقات تشوية لها وجعلها مقبولة من البرجوازية، والماركسي هو الذي يعترف بنضال الطبقات كما يعترف بدكتاتورية البروليتاريا .
كما كتب يقول:
أن السبب الأساسي لعدم فهم الاشتراكيين لدكتاتورية البروليتاريا هو أنهم يذهبون حتى النهاية مع فكرة النضال الطبقي .
دكتاتورية البروليتاريا هي سيطرة طبقية. سيطرة على من؟ على الرأسماليين ومختلف فئات المستغلين، والمهربين والمقامرين الذين يعيشون على فساد الرأسمالية ويدعمون سلطتها كدولة.
وهكذا تكون دكتاتورية البروليتاريا سلطة دولة من نوع جديد تماما. فلقد كانت جميع السلطات السياسية التي عرفها التاريخ سابقا تمثل سيطرة طبقات مستغلة وسيطرة الأقلية على الأكثرية. أما دكتاتورية البروليتاريا فهي تمثل، لأول مرة، سيطرة المستغلين على المستغلين. ولهذا تحظى بعطف سائر الطبقات الاجتماعية الكادحة، المستغلة، المضطهدة، وتأييدها. فهي إذن تمثل سيطرة الأكثرية على الأقلية، وحكم العمال.
ولا يمكن لهذه السيطرة أن تقوم وتستمر وتتوطد ألا بفضل عمل الجماهير الكادحة الواعي المنظم، وبفضل نشاطها السياسي ومبادرتها المبدعة.
ولا تشعر هذه السيطرة بالقلق والحيرة بصدد "الشرعية" البرجوازية التي هي التعلة الفكرية للعهد السياسي والنظام الاقتصادي اللذين يجب القضاء عليهما وأزالتهما. ولهذا توجد الجماهير المتحركة شرعية جديدة تتفق ومصالح الأمة فتنمو بذلك الحريات الديمقراطية بشكل واسع.
ولا يمكن لهذه السيطرة أن تستخدم آلة الدولة البيروقراطية البرجوازية التي أقيمت بكل تفاصيلها لاضطهاد الأكثرية. ولهذا تحطم الجماهير المتحركة النزعة البيروقراطية التي فرضت عليها من عل وتقيم مكانها إدارة من نوع جديد تشرف عليها بنفسها وتعمل تحت أنظار الشعب.
ليست دكتاتورية البروليتاريا وسيلة فقط للسيطرة بل هي أيضاً وسيلة للتحالف بين البروليتاريا والفلاحين العمال والطبقات الوسطى. فهي ضرورية لتوجيه حلفائها في الطريق الذي يتفق والمصلحة القومية. ولما كانت دكتاتورية البروليتاريا هي سيطرة الأكثرية على الأقلية، فهي الديمقراطية بالنسبة للعمال والجماهير، لأنها نهاية النير السياسي الذي تفرضه البرجوازية على الجماهير، ولهذا فأن دكتاتورية البروليتاريا هي تحرير سياسي يقوم على الضغط السياسي للقضاء على الأعيب البرجوازية. وهكذا يتمتع الشعب، لأول مرة، بديمقراطية هي ديمقراطيته، وتقبل ملايين الناس لأول مرة على حياة إنسانية، فيرفع الفلاحون، في الصين، مثلا، رؤوسهم، في أقصى الد ساكر، بعد أن كانوا يعاملون كالبهائم، ويشعرون بأنهم مواطنون، وأنهم مسؤولون عن الممتلكات العامة. ذلك هو فضل دكتاتورية البروليتاريا العميم. فهي تهب حياة واعية نشيطة لهذه الجماهير الشعبية التي سدت في وجهها جميع السبل، ولما كانت دكتاتورية البروليتاريا، لأول مرة، ديمقراطية من أجل الشعب، فهي بذلك أسمى صورة للديمقراطية، هي تمثل مرحلة انتقال، إنتقال من الديمقراطية البرجوازية، ودكتاتورية رأس المال، إلى ديمقراطية بروليتارية أو شعبية، من ديمقراطية المضطهدين إلى ديمقراطية الطبقات المضطهدة. وأصبحت الدولة، التي كانت حتى ذلك الحين القوة المخصصة لاضطهاد الأكثرية، التعبير عن قوة أغلبية الشعب العامة، وقوة العمال والفلاحين حلفائهم ضد المضطهدين.
إذ لا يمكن أن تتوفر "الحريات" الحقة للمستغلين ومشاركة البروليتاريين والفلاحين في إدارة البلاد مشاركة حقيقية، إلا في ظل دكتاتورية البروليتاريا .
ولما كانت الدولة، التي تقوم بوظيفة دكتاتورية البروليتاريا، لا تعتمد فقط على قوة خاصة للضغط، بل على قوة غالبية الشعب العامة، فقد تغير بهذا طابعها. فهي دولة من نوع جديد. ولهذا فأن تقوية هذه الدولة المستمر، الذي لا مفر منه طالما أن البرجوازية لم تقهر ولم يقض عليها كطبقة في العالم اجمع، يعني، قبل كل شيء، تقوية نشاط الشعب السياسي الواعي. إما "تقوية" الدول البرجوازية، فهي، على العكس، لا تعني سوى زيادة قوتها البوليسية، ومحاولة كتم نشاط الشعب السياسي. وهكذا نرى أن تقوية دكتاتورية البروليتاريا هي نقيض "تقوية" دول الطبقات المستغلة، ولهذا كانت تقوية دكتاتورية البروليتاريا هي، في نفس الوقت، اضمحلال حقيقي لعالم "الدولة" التقليدية، لأن مسلك الشرطة الشعبية، وعلاقاتها مع جماهير الشعب ، لا تقارن بمسلك وعلاقات شرطة الدولة البرجوازية إذا كان لنا أن نتحدث، في هذه الحالة الأخيرة، عن علاقات مع جماهير الشعب! كما لا يشبه مسلك جيش شعبي مسلك جيش استعماري: ولقد لاحظ ذلك العالم بأجمعه عند تحرير الصين. ولا توضع سياسة الدولة الجديدة في أوساط "المختصين"الضيقة المغلقة. بل هي تتكون وسط جماهير الشعب وطليعتها:فيظل النائب الكولخوزي عاملا في كولخوزه.
وتتنوع الصور التاريخية التي تتخذها ممارسة دكتاتورية البروليتاريا. وكانت أول صورة هي صورة كومون باريس (La Commune de paris). والديمقراطية الشعبية صورة أخرى لها.وأما الصورة التقليدية فهي سلطة السوفيات.
ظهرت سوفيات "أو مجالس" نواب العمال " في روسيا، أثناء ثورة 1905. ولقد أوجدت جماهير الشعب المتحركة هذه الصورة للسلطة السياسية، جعلت ثورة تشرين الأول سنة 1917 "كل السلطة للسوفيات". والسوفيات هي أوسع منظمة شعبية للبروليتاريا وجميع المستغلين" وهي المنظمة المباشرة لجماهير الشعب فهي تقرر، وتنفذ، وتراقب بنفسها تنفيذ قراراتها. وهي تملك، على عكس المجالس النيابية البرجوازية "القومية والمحلية" كل السلطة التنفيذية والتشريعية، فهي منظمات سلطة الدولة، المحلية والمركزية، ولما كانت أكثر أنواع الديمقراطية تقدما في العالم فأنه يمكن للناخبين تنحية أعضائها في كل لحظة.
يتبع