نظرة من الداخل : قراءة في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24/3/2024 الحلقة الثانية -- الوضع الداخلي


نجم الدليمي
2024 / 3 / 14 - 23:00     

مقدمة

اعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهمية كبيرة وواضحة للوضع الداخلي وفي كافة المجالات بشكل عام وفي الميدان الاجتماعي بشكل خاص، لان هذه المشاكل وخاصة في الميدان الاجتماعي اصبحت كثيرة ومخيفة وتحتاج إلى حلول جذرية من قبل النظام الحاكم في روسيا الاتحادية وهذه المشاكل وتفاقمها بإستمرار هي نتيجة منطقية للنهج الليبرالي والنيوليبرالي المتبع منذ عام 1992 ولغاية الان وهي تشكل ايضاً نتائج- افرازت للنهج الراسمالي المتبع للفترة المذكورة.
لقد ركز الرئيس بوتين في خطابه السنوي على الميدان الاجتماعي اذ تم تناوله بموضوعية وواقعية وبشكل ملموس مبيناً اهم المشاكل الاجتماعية تحديداً التي تواجه الشعب والاقتصاد الروسي وان خطابه قد مثل برنامجه الاقتصادي والاجتماعي... للمجتمع والاقتصاد الروسي لعام 2030 او ما بعد ذلك اي لعام 2036 وهذا الخطاب السنوي قد تم في ظروف استمرار الحرب الاوكرانية - الاميركية ضد الشعب الروسي والدونباسي وفرض الحصار الاقتصادي... والذي تجاوز ال19000 نوع من انواع الحصار الغير عادل والغير شرعي وغير مالوف. ان خطاب بوتين يحمل طابعاً اجتماعياً ويعبر عن برنامج شعبي يصب لصالح الغالبية العظمى من الشعب الروسي في حالة تنفيذه وترجمته الى الواقع الموضوعي والفعلي الملموس لان التطبيق والتنفيذ للبرنامج يعد احد المؤشرات الجدية وهذا البرنامج يتطابق مع برنامج الحزب الشيوعي الروسي في اغلب نقاطه، وفي حالة تنفيذ هذا البرنامج يمكن ان يتحقق الاستقرار في روسيا الاتحادية.

الوضع الداخلي

اكد الرئيس بوتين نحن من يقرر مستقبل بلدنا والدفاع عنه ونحن نعمل على الحفاظ وتعزيز السيادة والاستقلال الوطني لبلدنا وجيشنا الوطني والذي يملك اليوم السلاح الحديث والخبرة العسكرية في القتال ولدينا سلاح لا يملكه الغرب الراسمالي وان وحدة الشعب الروسي مع الجيش الروسي تشكل احد اهم عوامل تحقيق الانتصار وتحقيق اهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة
.
اشار الرئيس بوتين الى اهم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمع والاقتصاد الروسي وهي الاتي :
المشكلة السكانية وتحقيق معدل النمو السكاني والعمل على تقليل معدل الوفيات ( نعتقد أن تحقيق ذلك يتطلب ضمان حق العمل دستوريا للمواطن ومجانية التعليم والعلاج والسكن وبالتالي يمكن ان تتم معالجة المشكلة السكانية تجربة الاتحاد السوفيتي خير دليل على ذلك وبدون ذلك من الصعوبة ان يتم معالجة المشكلة السكانية في روسيا الاتحادية). وكذلك تمت الإشارة إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وهذا يتطلب زيادة الانتاج المادي وزيادة الدخل النقدي للمواطنين، للعاملين في الاقتصاد الوطني. ( ان تحقيق ذلك لا يمكن الا من خلال تعزيز دور ومكانة الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية...)
لقد اشار الرئيس بوتين على اهمية وضرورة مكافحة الفقر في المجتمع الروسي والذي يشكل نحو 30 بالمئة من الشعب الروسي ( هناك تقديرات اخرى تؤكد على اكثر من ضعف الرقم المعلن علماً ان عدد العاملين في الاقتصاد الوطني نحو 76 مليون شخص وهناك نحو 40 مليون متقاعد...) وكما اشار ايضاً على اهمية زيادة متوسط عمر المواطن الروسي الى 73 عاما ويتوقع ان يصل الى 78 لعام 2030 ( ان هذا الرقم كان متحقق في ظل السلطة السوفيتية، الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي كما ان كوبا الاشتراكية لديها الان متوسط العمر اكثر من 80 عاماً) وكما تم التأكيد على اهمية وضرورة توفير الدواء للمواطنين وخاصة لبعض الامراض المزمنة ( مرض السكر والضغط... والمفروض باسعار تتلاءم مع الدخل النقدي وخاصة للمتقاعدين...).

لقد اكد بوتين على اهمية وحدة العائلة والحفاظ عليها ودعمها مادياً وخاصة العوائل التي لديها اكثر من طفل، لان العائلة تشكل اساس وحدة المجتمع وقيمة المجتمعية والعائلة تشكل ايضاً اساس بناء المجتمع الروسي ويجب ان نحافظ عليها عكس ما يحدث في الغرب الراسمالي ( تفشي فيروس المثليين والجندرين... في المجتمع الطبقي البرجوازي) في روسيا الاتحادية تم تشريع قانون يمنع المثلية ويعاقب القانون من يمارس او يدعوا الى ذلك. ان الاهتمام بالطفل والعائلة يشكل اساس رئيس لسياستنا الاجتماعية من اجل زيادة معدل الولادات على معدل الوفيات ( مما يؤسف له في حكم الرئيس الروسي بوريس يلتسن المخمور دائماً وخلال فترة حكمه 1992-1999، كان معدل الوفيات يفوق معدل الولادات بالمتوسط ما بين مليون الى مليون ونصف، اما بعد عام2000 ولغاية اليوم فان معدل الوفيات يزيد على معدل الولادات بنحو 500 الف سنوياً ويعود ذلك لا اسباب عديدة اقتصادية بالدرجة الأولى.

وضح الرئيس بوتين ايضاً حول مشكلة النقص في عدد المدارس والمستشفيات والمستوصفات ورياض الاطفال ودور الحضانة والاقسام الداخلية للطلبة فالمشكلة تكمن في ضرورة بناء مؤسسات جديدة وبنفس الوقت ترميم هذه المؤسسات الحيوية الحكومية لان هذه المؤسسات لها علاقة مباشرة في حياة المواطنين كما تمت الإشارة الى احدى اهم المشكلات ومنها النقص الحاد والكبير في الكادر العلمي والمهني من معلمين ومدرسين اطباء مهندسين والكادر العمالي والمهني المتخصص التي يحتاجها القطاع الصناعي والزراعي والسكني ( عن حق عندما قال الرفيق ستالين: الكادر يحسم كل شيء).

لقد اشار بوتين الى مشكلة اخرى الا وهي التباين الكبير ( المرعب) في الأجور والمرتبات للعاملين في الاقتصاد الوطني والفرق الكبير في المرتبات والاجور بين العاملين في المدينة والريف ( مثلاً المرتب الشهري للمعلم في موسكو ما بين 100-120 الف روبل في حين في بعض الجمهوريات الاقاليم، الاقضية ما بين 20-25 الف روبل وهناك امر غير معروف رئيس جامعة يحصل على مرتب شهري اكثر من 3 مليون روبل والاستاذ الجامعي يحصل ما بين 80-100 الف روبل شهرياً في موسكو مثلاً وهذا غير موجود في الجامعات الاخرى. كما تمت الإشارة الى هروب رؤس الاموال الى خارج روسيا الاتحادية واكد بوتين الأفضل ان يتم استثمار ذلك في الاقتصاد الروسي افضل امانا وتحقيق الربح المضمون وبنفس الوقت اكد بوتين على اهمية دعم واسناد وتطوير القطاع الخاص الراسمالي في الاقتصاد الوطني الروسي وبدون ( بلطجية) من قبل المتنفذين في السلطة وأعوانهم وكما تمت الاشارة الى اهمية زيادة انتاجية العمل التي تؤدي إلى زيادة الانتاج مع تقليل كلف الانتاج وبالتالي يتم تحقيق الاشباع من السلع والخدمات للمواطنين.
لقد تم التأكيد على اهمية تعزيز دور ومكانة الشباب في السلطة والمجتمع لقيادة روسيا الاتحادية مستقبلاً ( احتمال بيروسترويكا في جهاز الدولة؟) كما تحدث بوتين عن السكن وتم انجاز نحو 110 مليون متر مربع سكني؟ ( هذه حقيقة موضوعية ولكن لمن ومن يستطيع الشراء؟ في الاتحاد السوفيتي كانت الدولة السوفيتية تبني المجمعات السكنية ويتم توزيعها بالمجان اليوم ( شقة بغرفة واحدة بمساحة38 متر في عام 2019 كان سعرها بنحو 70 الف دولاراً وهي في ظواحي موسكو)؟!.
ان تشخيص هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تحديداً سليم وصائب وواقعي ولكن يحتاج الى انفاق مالي كبير وفق الفترة الزمنية 2024--2030 وبهذا الخصوص يشير غينيادي زوغانوف( سكرتير الحزب الشيوعي الروسي ) ان قطاع العلم يحتاج الى 3 اضعاف ما خصص له في الميزانية.
ان تحقيق انجاز هذه المهام وغيرها يحتاج إلى معدل نمو اقتصادي ما بين5-6 بالمئة، في حين العشر سنوات الماضية بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي نحو 1 بالمئة فقط ولكن في عام 2023 تم تحقيق معدل نمو اقتصادي بنحو 4،5 بالمئة ويتوقع ان يتم ذلك في عام2024 اما بعد ذلك غير معروف ارتباطا بتوتر العلاقات بين الغرب الراسمالي وروسيا الاتحادية وكذلك ارتباطاً بالحرب الاميركية الاوكرانية ضد الشعب الروسي والدونباسي. المستقبل القريب سيكشف لنا مفاجآت كثيرة حول ذلك؟

يتبع
اذار - 2024