من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر51


عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 14 - 00:49     

أصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقة الواحد و الخمسون
المادية التاريخية
تابع

الاشتراكية
_________________________________
1 – التوزيع والإنتاج.
2 – أساس الاشتراكية الاقتصادية.
3 – الشروط الموضوعية للانتقال إلى اشتراكية.
4 – قانون الاشتراكية الأساسي.
5 – الشروط الذاتية للانتقال إلى الاشتراكية ولنموها.
6 – الخلاصة.
_________________________________

___
1– التوزيع والإنتاج
ما فتيء الناس، منذ ظهور الطبقات، يحلمون بنظام اجتماعي مثالي يخلو من استغلال الإنسان للإنسان ومن نضال الطبقات.
وهكذا نجد تاريخ الطبقات المضطهدة تجتاحه المطامح الشعبية، منذ الاعتقاد بعودة العصر الذهبي. ولم يتسرب اليأس قط إلى الشعب من مستقبل الإنسانية، فلقد قام الشراء والمفكرون، في جميع العصور، بترقب فجر العصور الحديثة والاحتفال به. كما فعل توماس كمبانيلا، الذي كتب في نهاية القرن السادس عشر "مدينة الشمس" وأمضي سبعاً وعشرين سنة. ولقد عملت الديانة المسيحية، خلال ألفي سنة، على ترديد القول إلى المضطهدين " ليس هذا الملكوت في هذا العالم". ولكن هذا لم يقض على أمل جماهير الشعب بالسعادة الأرضية، ولهذا جعل بتهوفن من "سمفونيته التاسعة" نشيد العصور المقبلة.
ومع ذلك لم تخرج الأفكار حول " المدينة المثالية"، قبل الماركسية، عن نطاق "الايتوبيا" الخيالية. فلقد رأى الفلاسفة الاجتماعيون أن الشر الأساسي يكمن في عدم المساواة في توزيع الخيرات بين الأفراد، لحرمانهم من معرفة القوانين الاقتصادية، فدعوا إلى المساواة في توزيع الخيرات، أو إلى الاشتراكية فيها، غير أنهم كانوا يجهلون تحليل الإنتاج بسبب جهلهم لقانون المجتمعات، وإظهار عملية الاستغلال الطبقي ولهذا نظر إليهم كفلاسفة حالمين، واستقر في ذهن البرجوازية الصغيرة والكبيرة رأي خاطيء يقول بأي الاشتراكية والشيوعية يستحيل تحقيقهما.
ولقد أدرك الاشتراكيون الخياليون، في القرن التاسع عشر، أنه يجب معالجة المشكلة من الطرف الأخر، أي ليس عن طريق الاستهلاك وإنما عن طريق الإنتاج، وأنه لا يمكن أن نطلب ازدياد السلع قبل أن نزيد الإنتاج. وهذا ما تساعد عليه الصناعة الآلية الحديثة. غير أنهم لم يروا بوضوح، ذلك بسبب افتقارهم إلى تحليل علمي لقوانين الإنتاج والاقتصاد، أن المسألة الفاصلة التي يجب حلها، إذا أردنا حقا زيادة الإنتاج، هي مسألة القضاء على ملكية وسائل الإنتاج الخاصة الرأسمالية. وليس هناك من مسألة غيرها لأن هذه الملكية هي التي تؤدي إلى جعل "زيادة الإنتاج" مصيبة اقتصادية. ولما كانوا يجهلون قوانين الرأسمالية، فقد خيل إليهم أن الإرادة الطيبة تكفي لوضع جهاز الصناعة الرأسمالية في خدمة حاجات المجتمع. ولقد رأينا أن الأمر لا يمكن أن يكون كذلك، لأن ملكية وسائل الإنتاج الخاصة تقف في وجه ما يمكن أن تحققه الصناعة والعلم الحديثين.
ومع ذلك فقد استطاع الاشتراكيون الخياليون أن يوضحوا هذه الفكرة الثورية القائلة بأنه يجب استخدام قوى الإنتاج الهائلة التي حررها العلم والصناعة الحديثان لخدمة حاجات المجتمع المادية، وليس لتوفير الربح لفئة صغيرة من المستغلين. وذلك "بالاستعاضة عن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان باستغلال العالم على يد أناس متحدين، والاستعاضة عن حكم الناس بإدارة الأشياء". تلك كانت أهداف الاشتراكية حسب رأي سان سيمون.
ولقد أجابت الماركسية وحدها بصورة علمية على المشاكل التي أثارها تحقيق هذه الأهداف فأظهرت:
1 – أن العنصر الأساسي في علاقات الإنتاج هو ملكية وسائل الإنتاج.
2 – أنه لا يمكن القيام بتغيير وسائل الإنتاج إذا لم تعتمد على الجدلية الداخلية لنمو طريقة الإنتاج.
3 – أن القوة الوحيدة التي يمكنها التغلب على مقاومة الطبقات التي يضرها هذا التغيير هي نضال البروليتاريا وحلفائها نضالا طبقياً.
وهكذا تتيح لنا الماركسية تحديد:
(1) أساس الاشتراكية.
(2) الشروط الموضوعية التي يتطلبها حدوثها.
(3) "الذاتية لبنائها بصور علمية.
2 – أساس الاشتراكية الاقتصادي
دلت الماركسية، بإظهارها أن العنصر الأساسي في علاقات الإنتاج، في أي مجتمع، هو صورة ملكية وسائل الإنتاج، على أن الاشتراكية لا يمكن أن تقوم على اشتراكية" "الخيرات" (biens) عامة ولا تقسيم هذه "الخيرات" ولا على اشتراك رؤوس الأموال الخاصة، ولا على تركيز الرأسمالية وتنظيمها. لأن أساس الاشتراكية هو ملكية وسائل الإنتاج الاجتماعية، وهذا يعني حرمان الملاك الخصوصيين، ولا سيما ملاك وسائل الإنتاج الكبرى الحديثة التي يمكن أن تستعمل لخدمة الحاجات الاجتماعية. ولقد برهنت الماركسية على أنه يمكن تحقيق هذا الهدف، كما أنها دلت على الطرق المؤدية إليه. والبروليتاريا هي التي تستطيع موضوعيا تحقيق هذا التحويل التاريخي لطريقة الإنتاج، لأنها الضحية المباشرة للملكية الخاصة, كما أن ملكية وسائل الانتاج الاجتماعية تتفق ومصالحها كطبقة مستغلة. ولما كان الرأسماليون، خلال قرون طويلة، قد استولوا على ثمرة عمل الجماهير المعدمة، فأنهم بذلك قد سلبوها ما تملك، ولهذا تعمل الاشتراكية على استعادة ما سلبوا.
تؤدي ملكية وسائل الإنتاج الاجتماعية إلى القضاء على الأجور، وذلك لأن فائض القيمة الذي تتمكن قوى الإنتاج الحديثة من إنتاجه، في يوم، بالنسبة إلى القيمة الضرورية للقيام بحاجات قوة العامل على العمل، لا يعود الآن، إلى الرأسمالي، بل على الجماهير عامة، ثم يوزع بين أعضائها حسب عمل كل عضو، كما يوزع في صورة فوائد اجتماعية متعددة. وهكذا تفقد أفكار فائض القيمة، والأجر، كثمن لقوة العمل، والربح، والرأسمال، والعمل الضروري، والعمل المجاني، معانيها.
ولهذا كتب ستالين يقول: "أن الحديث عن قوة العمل كسلعة، وعن "أجور" العمال عبث في نظامنا. وذلك كما لو أن الطبقة العاملة, التي تملك وسائل الانتاج, تدفع الاجور لنفسها وتبيع إلى نفسها قوتها على العمل. وكذلك لا يقل غرابة الحديث عن العمل "الضروري" و "فائض العمل" كما لو أن عمل العمال الذي يؤدونه للمجتمع، من أجل توسيع الإنتاج، تنمية التعليم، والمحافظة على الصحة العامة، وتنظيم الدفاع القومي، الخ.. ليس ضروريا للطبقة العاملة، وقد أصبحت اليوم في الحكم، ضرورة العمل الذي يؤدي لتأمين حاجات العامل وحاجات عائلته الشخصية .
الاشتراكية، كما تحددها الماركسية علميا، هي القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، والقضاء، في نفس الوقت، على طبقات المجتمع المتناحرة. وهكذا ينتهي أيضاً تناحر الطبقات على المستوى الاقتصادي بين المستغلين والمستغلين.
كما تؤدي ملكية وسائل الإنتاج الاجتماعية إلى القضاء على كل إمكانية في نشوء الأزمة الاقتصادية. وذلك لأن المضاربة بين المنتجين، من أجل الربح، تزول، ويزول معها استبداد الإنتاج الرأسمالي. كما أن قانون التراكم الرأسمالي، الذي يقوم على أن نمو قوى الإنتاج الهائلة يعتمد على شقاء جماهير العمال بسبب استملاك ثمرة العمل الاجتماعية بصورة فردية، يصبح بالياً. ينتج عن ذلك:
1 – يمكن التوفيق بين نمو إنتاج وسائل الإنتاج وبين نمو إنتاج وسائل الاستهلاك حسب قواعد الإنتاج التي وضعها العلم الاقتصادي الماركسي، وهكذا يحل محل استبداد الإنتاج قانون النمو الاقتصادي بصورة منسجمة.
2 – لا يمكن أن يؤدي ازدياد الإنتاج المتواصلة إلى "أزمة فائض الإنتاج" لأن ذلك يصحبه بالضرورة ارتفاع قوة الشراء عند جميع العمال الذين يزيدون من استهلاكهم، إذ يأخذ كل منهم أجرا يناسب عمله. وهكذا لا يقع التنافر بين الإنتاج والاستهلاك، وما يصحبه من بطالة، وتدمير لقوى الإنتاج.
تعني الاشتراكية إذن انعدام الأزمات الاقتصادية، والقضاء على الاستعمار وزوال أسباب الحرب.
ولقد كتب ستالين يقول مختصرا ميزات الاشتراكية الأساسية:
تكون ملكية وسائل الإنتاج الاجتماعية أساس علاقات الإنتاج، في النظام الاشتراكي الذي لم يتحقق حتى الآن إلا في الاتحاد السوفياتي، إذ لم يعد يوجد في هذا النظام, مستغلون ومستغلون. بل توزع المنتوجات حسب عمل كل شخص، وحسب المبدأ القائل: "من لا يعمل لا يأكل". أما علاقات الناس في عملية الإنتاج فهي علاقات تعاون أخوي وتعاضد اشتراكي يقوم به عمال تحرروا من نير الاستغلال .
فكيف يمكن تحقيق ملكية وسائل الإنتاج الاجتماعية؟ إذا اتخذنا مثال الاتحاد السوفياتي فأننا نرى:
1) انتزعت ملكية وسائل الإنتاج في الصناعة وأعيدت إلى الشعب بأجمعه.
2) ضم صغار المنتجين الفرديين ومتوسطيهم بصورة تدريجية في تعاونيات للإنتاج، أي في مؤسسات زراعية كبرى هي الكولخوزات.
3) ظل الإنتاج التجاري "التبادل بواسطة الشراء والبيع" لفترة، محافظة على التحالف الاقتصادي بين المدينة والقرية وبين الصناعة والزراعة، على أنه الصورة الوحيدة المقبولة من الفلاحين للعلاقات الاقتصادية مع المدينة، كما نمت تجارة الدولة والتجارة التعاونية الكولخوزية بالقضاء على جميع أنواع الرأسماليين في السوق التجاري .
ينتج عن ذلك أنه يوجد في الاتحاد السوفياتي صورتان الملكية وسائل الإنتاج الاجتماعية:
ترتدي الملكية الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي إما صورة ملكية الدولة، وإما صورة ملكية تعاونية كولخوزية "وهي ملكية كل كولخوز، وملكية الاتحادات التعاونية".
(المادة5 من دستور الاتحاد السوفياتي).
فالأرض، وباطن الأرض، والغابات، والمصانع والفبارك، ومناجم الفحم والحديد، وطرق السكك الحديدية، ووسائل النقل المائية والجوية، والمصارف، والبرق والبريد" والمنشآت الكبرى الزراعية التي تنظمها الدولة "كالكولخوز ومحطات الآلات والتراكتورات، الخ.) وكذلك المنشآت البلدية، وبيوت السكن في المدن والمناطق الصناعية كل هذا ملك للدولة أي هو ملك الشعب بأجمعه (المادة 6).
والمؤسسات المشتركة في الكولخوز وفي التنظيمات التعاونية وما تملك من حيوان (cheptel) حيا أو ميتا وكذلك إنتاج الكولخوز والتنظيمات التعاونية ومبانيها المشتركة تكون ملكية مشتركة اشتراكية للكولخوزات والتنظيمات التعاونية (المادية 7).
وهكذا نجد أن التعاونيات الزراعية، في "الاتحاد السوفياتي" تعمل في أرض أعطيت لها، وهي تتمتع بخيراتها مجانا إلى الأبد، وهي ملك للشعب بأجمعه. كما أن الدولة تمد هذه التعاونيات بالتراكتورات والآلات الأخرى التي هي ملك للدولة، أما ما يملكه الكولخوز، عدا مؤسساته وأبنيته، فهو ثمرة الإنتاج الكولخوزي الذي هو مصدر دخله.
لكل عائلة كولخوزية، عدا دخل الاقتصاد الكولخوزي المشترك الأساسي، الحق بالتمتع بقطعة أرض صغيرة تملك عليها اقتصادا خاصا بها كبيت السكن والأغنام المنتجة والطيور ووسائل الزراعة البسيطة.
يسمح القانون، إذن، باقتصاديات صغيرة للفلاحين والصناع اليدويين ويمنع استغلال عمل الآخرين.
أما فيما يتعلق بوسائل الاستهلاك فللمواطنين الحق بالملكية الشخصية لما كسبوه وأدخروه بعملهم، وملكية بيت سكنهم واقتصادهم العائلي المساعد، وأدوات البيت للاستعمال اليومي، أو الاستعمال الشخصي (كالسيارة مثلا)، كما لهم الحق في وراثة الملكية الشخصية.
يحتوي المجتمع الاشتراكي، إذن، على طبقتين: طبقة العمال . وطبقة الفلاحين العمال الكولخوزيين، وهؤلاء لا يوجد بينهم أي تعارض لأن مصالحهم واحدة.
ويوجد أيضاً طبقة اجتماعية من رجال الفكر وهم رجال التقنية والمهندسون، ورجال التنظيم الاقتصادي، والعمال المفكرون، ورجال التعليم والفنانون، والكتاب. وهم يمتازون بميزة لا يعرفها المجتمع البرجوازي وهي أنهم ينتمون لجميع أصناف العمال. وقد لاحظ ستالين عام 1936 أن تكوين رجال الفكر قد تغير عما كان عليه في النظام القديم، وأن 80% - 90% منهم ينتمون لطبقة العمال والفلاحين الكادحة. ويقوم هؤلاء المفكرون بخدمة الشعب بأجمعه وليس بخدمة الطبقة المختارة.
ولهذا كان طابع التكوين الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي الأساسي هو أنه، بفضل القضاء على الاستغلال، أصبحت الفئات الاجتماعية المختلفة متحالفة متحابة تعمل لبناء مجتمع لا يعرف الطبقات، وجميعهم من العمال.وتوطد هذا الحلف في النضال: مثال ذلك أن العمال ساعدوا الفلاحين في نضالهم ضد طبقة الفلاحين الملاكين المستغلين (الكولاك)، فأرسلوا إليهم الآلات، بينما قام الفلاحون العمال بتأمين تموين مراكز العمال الذين أراد الكولاك تجويعهم.
وكذلك تغيرت العلاقات بين رجال الفكر والعمال في الإنتاج.
ولم يعد الآن العمال اليدويون ورجال الإدارة أعداء بل أصبحوا رفاقا وأصدقاء وأعضاء في جماعة واحدة من المنتجين الذين يهمهم جدا تقدم الإنتاج وتحسينه. ولم يبق شيء من العداء القديم .
ومع زوال استغلال الإنسان لأخيه الانسان زال أيضا التناحر بين القرية المدينة – تلك القرية التي خربها برجوازيو المدينة الرأسماليون واستولوا عليها. وكان هذا التناحر بين العمال اليدويين وبين العمال المفكرين، صنائع البرجوازية المستغلة – سبب كره العمال اليدويين للعمال المفكرين واحتقار هؤلاء لأولئك.
يضاف إلى ذلك أن الإنتاج، في المجتمع الاشتراكي، يشرف عليه العمال ومنظماتهم، أشرافا ديمقراطيا، وهكذا نجد عمل المدير (الذي تسميه الدولة) يخضع لنقد جميع العمال. وكذلك تنتخب الإدارة، في الكولخوزات التي يشرف عليها جميع أعضاء الكولخوزات، بصورة ديمقراطية.
وأخيرا زال، بزوال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، استعباد المرآة، ووضعت أسس المساواة بين الرجل والمرآة. كما توفرت، بفضل الاشتراكية في وسائل الإنتاج وزوال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، الظروف المواتية، لظهور، قانون اقتصادي أساسي جديد خاص بعلاقات الإنتاج الاشتراكية غير المتناحرة، ويعكس هذا القانون عملية نمو الاقتصاد الاشتراكي، كما يعكس هدف اقتصاد لا يعرف الاستغلال والأزمات ووسائله – ولن يكون لمثل هذا الاقتصاد سوى تأمين إرضاء حاجات الجماهير المادية والثقافية إلى أقصى حد. ولنشر، قبل دراسة هذا القانون الخاص بالاشتراكية، إلى أن الانتقال إلى الاشتراكية يتطلب شروطا موضوعية معينة تطابق قانون المجتمعات الأساسي وهو قانون الترابط بين علاقات الإنتاج وطابع قوى الإنتاج.
3 – الشروط الموضوعية للانتقال إلى الاشتراكية
تحدد الاشتراكية، بتحديدها للاشتراكية بصورة علمية، الشروط المواتية لظهور المجتمع الاشتراكي وبنائه. ولا يمكن تغير طريقة الإنتاج إلا في ظروف موضوعية معينة. فما هو أساس تغيير علاقات الإنتاج؟ الأساس هو الخلاف بين هذه العلاقات وبين طابع قوى الإنتاج، وقد حدث هذا الخلاف في وقت معين.
ليس هدف الثورة الاشتراكية، إذن، هدفا ذاتيا. فهي لا تصدر عن الحسد والطمع كما تزيع البرجوازية التي تنسب هذه العيوب للطبقة العاملة – كما أنها لا تصدر عن طموح بعض المشاغبين الذين قرروا القيام بهذه الكارثة ذات مساء!لأن مهمة الثورة الاشتراكية هي إيجاد الشروط المواتية لنمو قوى الإنتاج نموا غير محدود، وذلك بإزالة العقبة الوحيدة التي تعترض ذلك ألا وهي علاقات الإنتاج الرأسمالية، في الوقت الذي أصبح فيه هذا ممكناً, وذلك لأن الرأسمالية هي التي هيأت الأساس الموضوعي للثورة الاشتراكية، بتنميتها لقوة الإنتاج حتى الحد الذي ناقضت فيه الرأسمالية نفسها. فالقضاء الثوري على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج الجديدة والاستغلال الرأسمالي يسمح بإقامة الترابط بين علاقات الإنتاج الجديدة وبين طابع قوى الإنتاج، في الوقت الذي أصبح فيه ذلك ممكنا وضروريا.
إذن تستحيل الاشتراكية بدون شروط موضوعية مرتبطة بمرحلة تاريخية معينة، ففي بلد، لم تنم فيه الصناعة نموا كبيرا كالصين، مثلا، لا تستطيع البروليتاريا، وقد أصبحت في الحكم، أن تفكر بإقامة الاشتراكية قبل إيجاد الأسس التي تقوم عليها، أي أيجاد صناعة قومية كبرى، ولهذا تظل طريقة الإنتاج الرأسمالية، لفترة معينة، جانبا من الاقتصاد.
يعني هذا أنه ليس بمقدور أي شخص أن يزيل قوانين الاقتصاد، إذ لا تنفع إرادة الناس، الذين تقودهم مصلحتهم الطبقية، إلا إذا اعتمدت على القوانين الموضوعية. ولهذا كانت "النزعة الإرادية" فلسفة خاطئة لأنها تعتقد بان إرادة الإنسان، التي تعمل خارج نطاق معرفة قوانين الطبيعة والاقتصاد، مطلقة.
ويذكر ستالين، في حديثه عن بناء الاشتراكية، لأن هذا الأمر كان صعباً معقدا، بالنسبة لسلطة السوفيات، ولكنهم مع ذلك قاموا به خير القيام.
وليس ذلك لأنهم أزالوا القوانين الاقتصادية الموجودة و "كونوا" قوانين جديدة، بل لأنهم اعتمدوا على قانون اقتصادي، هو قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وبين طابع قوى الإنتاج، وإلا لما استطاع السوفيات تحقيق هذه المهمة بدون هذا القانون والاعتماد عليه .
ثم يشير، فيما بعد، إلى أن المصلحة الطبقية هي التي كانت تشرف على استخدام هذا القانون استخدمت الطبقة العاملة قانون الترابط الضروري بين علاقات الإنتاج وبين طابع قوى الإنتاج فقلبت أوضاع علاقات الإنتاج البرجوازية، وأوجدت علاقات إنتاج جديدة اشتراكية وعملت على التوفيق بينها وبين طابع قوى الإنتاج ولم تستطيع القيام بهذا، بفضل مواهبها الخاصة، بل لأن ذلك كان مهما جدا، بالنسبة إليها .
يتبع

__________________________